نقولاس الكوزاني

نقولاس الكوزاني (بالألمانية: Nicolaus Krebs, Nikolaus von Kues)‏ (1401 - 1464 م) هو فيلسوف ولاهوتي ورياضي ألماني.

نقولاس الكوزاني

فيلسوف ولاهوتي، ورياضي، وعالم اعتمد التجارب العلمية، ألماني.

ولد في سنة ١٤٠١ في قرية كوئس Kues (على الشاطىء الأيسر من نهر موزل Mosel بين تريفس Treves وكوبلنتس Koblenz في جنوب غربي ألمانيا). وكان من أسرة ميسورة تملك مراكب وتقوم بحمل الركاب والبضائع على نهر موزل. وتوفي في ١ ١ أغسطس سنة ١٤٦٤ في مدينة تودي Todi بإيطاليا، ودفن في كنيسة القديس بطرس المكبل بالسلاسل، في روما.

ومن المحتمل أنه بدأ دراسته في هولندا عند «إخوة الحياة المشتركة». ولكن من المؤكد أنه سجل نفسه للدراسة في كلية ا لآداب بجامعة هيدلبرج في سنة ١٤١٦ لكنه غادرها بعد عام واحد، وسافر إلى إيطاليا والتحق بجامعة بادوفا Padova (في شمالي ايطاليا بالقرب من البندقية) في سنة ١٤١٧؛ وبقي فيها ست سنوات حتى حصل على الدكتوراه في القانون الديني. وهنا في بادوفا عقد صداقة مع اتشيزاريني Cesarini الذي سيصبح كردنيالاً فيسنة ١٤٢٦ ،وإليه سيهدي نقولا الكوزاني كتابه: «في الجهل العالم، De docta ignorantia• وقد ساعد نقولا في الترقي في سلك الكهنوت، كما أفاده في الدراسات الإنسانية. كذلك عقد صداقة مع الطبيب

توسكانلي Tosconelli الذي كان أيضاً رياضياً وفلكياً، وكان ذلك في بادوفا أيضاً.

ثم عاد نقولا الكوزاني إلى وطنه ألمانيا في سنة ١٤٢٥، وصار سكرتيراً لرئيس أساقفة تريفس واسمه أوتو فون اتسيجنهاين Otto von Ziegen hain، فأغدق عليه المنافع والنعم، على الرغم من أن نقولا كان لايزال شماساً، لأنه لم يتعجل الدخول في سلك القساوسة؛ ولن يصبح قسيساً إلا في سنة ١٤٣٥ . والتحق بجامعة كيلن (كولونيا)، ويلوح أنه ألقى فيها بعض دروس في القانون الديني. وعرضت عليه جامعة لوفان (بلجيكا) أن يكون أستاذاً للقانون الديني في سنة ١٤٢٨ ثم مرة أخرى في سنة ١٤٣٥، لكنه رفض كلا هذين العرضين.

وفي سنة ١٤٣٠ اشترك في نزاع قانوني، يتعلق بتعيين خلف رئيس أساقفة تريفس أوتو. ذلك أن البابا يوجين - الرابع عين لشغل هذا المنصب رابان فون هلمشتادت Raban von Helmstade• لكن كان ثم مرشحون آخرون، منهم مرشح مجلس الكنيسة المحلية في تريفس وهو: الرش فون ماندرشيد Ulrich vun Manderscheid . الذي أيده النبلاء ودوق بورجوني. فتولى نقولا الدفاع عن الرش هذا، لكنه خسر هذه القضية عند عرضها على مجمع بازل في سنة ١٤٣٢ . بيد أن ما أبداه من علم واسع ومهارة في الدفاع قد أكسبه شهرة، وجعل أعضاء هذا المجمع يضمونه إليهم عضواً فيه في فبراير ١٤٣٢ وكلفوه بالقيام بمفاوضات مع أتباع جان هوس Huss، المصلح الديني، فاقترح عليهم أن يسمح لهم برسم التناول على شكلين مقابل اعترافهم التام بسلطة البابا في روما: وبهذه المناسبة ألغ نقولا كتاباً

٣٤٦

نقولاس الكوزاني

بعنوان: «في الوفاق الكاثوليكي» (سنة١٤٢٣! وفيه أكت سمو المجامع الدينية العامة على سلطة البابوية. وفي نفس الكتاب تناول موضوع الانسجام في الكنيسة، واقتراح نظاماً للوفاق الديني مستمداً من نظام السموات. لكنه ما لبث أن انهارت ثقته بأعمال مجمع بازل لأنه وجده قد أخفق في تحقيق الوفاق في الكنيسة الكاثوليكية والقيام بالاصلاحات المطلوبة ولهذا انقلب على موقفه السابق، وأصبح من الأنصار المتحمسين للبابا يوجين الرابع حتى وفاة هذا الأخير في سنة ١٤٧. وقد كلفه البابا يوجين الرابع بالدفاع عن قضية البابوية في ألمانيا طوال عشر سنوات، فقام بالمساعي اللازمة وكتب مذكرات، وألقى خطباً، خصوصاً بمناسبة المؤتمرات الأمبراطورية (دياطات diètes) التي عقدت في نورمبرج (١٤٣٨)، ومايانس (١٤٣٩ و١٤٤١). وفرانكفورت (١٤٤٠ و١٤٤٢ ) ونورمبرج (١٤٤٤)، وأشافنبررج (١٤٤٧)، حتى اليوم الذي أنهت فيه كونكوردات فينا الحياد الألمانى (١٧ فبراير ١٤٤٨) . وتقديراً لجهوده عينه البابا يوجين الرابع كردينالاً في الباطن Inpetto ريثما يصبح كردناا علنياً بقرار من البابا التالي، وهو نقولا الخامس الذي تولى البابوية من سنة ١٤٤٧ حتى ١٤٥٥ . كذلك عينه البابا نقولا الخامس هذا قاصداً رسولياً في ألمانيا لمدة عامين، فكان يلقي الكثير من المواعظ، وساعد على اصلاح الكهنوت، وبعد ذلك صار أسقفاً على برشانون Bresssanone فى إيطاليا. وكان تعيينه كردينالاً بالفعل في ١١ يناير سنة ١٤٥٠

مؤلفاته

يمكن تصنيف مؤلفات نقولا الكوزاني إلى ثلاثة أنواع: (١) سياسية ودينية؛ (٢) علمية؛ (٣) فلسفية ولاهوتية.

أ) المؤلفات الدينية والسياسية:

١ - «في الوفاق الكاثوليكي» مطبوع في طبعة بازل لكل مؤلفاته ص٦٨٣ - ه ٨٢) وفيه يدرس النظام العام للكبة.

٢ - "في سلطة الرؤساء في المجمع الديني العام».

٣ - «رسائل إلى أهل بوهيميه في قضية أنصار عوس (مطبوع في Opera ص٨٢٩ - ٨٦١) .

ب) المؤلفات العلمية:

١ - «اصلاح التقويم» وهو مشروع لاصلاح التقويم قدمه إلى مجمع بازل في سنة ١٤٣٦ (Opera ص١٥٥ -١١٦٧).

٢ - «في التحولات الهندسية» (Opera ص٩٣٩ -٩٩١)

٣ - «في التكميلات الحسابية» (ص٩٩١ -٣’١٠).

٤ - «في التجارب الاستاتيكية» (ص١٧٢ - ١٨٠)

٥ - "في تربيع الدائرة» (ص١٠٩١-١٠٥)

٦ - «في الكمال الرياضي» ( ١١٢١ - ٤ ه ١١ ).

ح) المؤلفات الفلسفية واللاهوتية:

١ - أهم. مؤلفات نقولا الكوزاني في هذا الباب وعلى وجه الاطلاق هو كتابه: «في الجهل العالم» ويقع في ثلاث مقالات: في الله، في الكون، في يسوع المسيح. وطبع ضمن مجموع مؤلفاته Opera (بازل ١٥٦٥) ص١ - ٦٢. وقد انتهى من تأليفه في ١٢ فبراير ١٤٤٠.

٢ - «في اله الخفي" (Opera ص٣٣٧ - ٣٣٩)، وهو محاورة قصيرة تدور حول عدم إمكان العلم باله علم إحاطة.

٣ - ورد على جان فنك Wenck الذي هاجم كتاب «في الجهل العالم» وذلك برسالة بعنوان: «دفاع عن الجهل العال!». (.OP ص٦٣ - ٧٥).

٤ - وفي سنة ١٤٥٠ كتب أربع محاورات بعنوان: «كتب الأبله» Idiota libri، والسبب في هذا العنوان هو أن الشخصية الرئيسية هي شخص «أبله» ، وهو لسان حال نقولا الكوزاني نفسه.

٥ - »في رؤية الله» (.OP ص١٨١ -٢٠٨)

٦ - وفي سنة ١٤٥٨ كتب رسالة بعنوان De OP.) Beryllo ص٢٦٧ . ٢٨٤)، وفيه يقول إنه يستخدم «منظاراً عقلياً مكبرا» لمشاهدة الحقيقة الواقعية بالنسبة إلى له، والعالم، والإنسان.

٧ - «في صيد الحكمة«، ألفهسنة١٤٦٣، وفيه

نقولاس الكوزاني

٣٤٧

يبحث في معنى الحكمة وفي الطرق المؤدية إلى سله ) ويعد بمثابة ولعة روحية .

بعس نقولا لكورس.جكني لبالس الجهل العالم، والثانية تطابق المتقابلات (الأضداد والمتناقضات) .

أما الجهل العالم docta ignorantia فيقصد بها علم الإنسان بأنه جاهل. وفي هذا سار في إثر سقراط الذي يؤثر عنه أنه كان يقول «خير ما أعلم هو أنني لا أعلم«. ونقولا الكوزاني يرى أنه ليس في وسع الإنسان أن يعلم الحقيقة، وذلك راجع إلى طبيعة الحقيقة من ناحية، وإلى طبيعة العلم من ناحية أخرى فالحقيقة أمر مطلق؛ وهي واحدة، بسيطة جداً، بينما المعرفة هي بالضرورة نسبية، ومكونة، لأن كل معرفة هي انتقال من المعلوم إلى المجهول، ولما كانت لا توجد نسبة بين اللامتناهى والمتناهى، بين المعرفة وموضوعها، انذي هو الحقيقة، فإن ثمت دائماً مجالاً لمعرفة أدق وأصخ تزداد علماً بالأشياء ٠ وإذن فالمعرفة نسبتها إلى الحقيقة شبيهة بنسبة الكثير الأضلاع إلى الدائرة. ولهذا فإنه ليس فقط المعرفة بالله، بل وأيضاً حقيقة الأشياء، أعني ماعيتها هي دائماً تقريبية إن كل معرفة هي تقريبية؛ وكل علم هو ظني وافتراضي.

أما الفكرة الثانية وهي تطابق المتقابلات coincidentia oppositorum فمرتبطة بالفكرة الأولى. فهو يقول إن المعرفة العقلية أسمى من المعرفة الحسية من حيث أنها زيادة في التبسيط وزيادة في التوحيد: فالعقل يستبدل بالإحساسات المتعددة تصوراً يشتمل عليها كلها في بساطته. فتصور الإنسان يشتمل على كل الخصائص الحسية المتعددة المتعلقة بالإنسان. بيد أن تصاعد العقل في المزيد من التبسيط يتوقف بالضرورة أمام التناقض. ولهذا فإن مبدأ (عدم) التناقض - الذي هو مصدر ميزة العقل - هو في الوقت نفسه عنصر ضعيف فيه، لأنه يحت من ميدان البحث العقلي إن العقل يتوقف أمام واقع الأفكار المتضادة، كما أن الحس يتوقف أمام تعدد الإحساسات المتميزة فمن أجل التوجه إلى الحقيقة ينبغي على الإنسان أن يرتفع فوق العقل

المنفصل ومقتضياته، مثلما يرتفع فوق الحواس، وعليه إذن أن يلجأ إلى ملكة أسمى هي العيان أو الوجدان، الذي به يسعى الإنسان إلى الوصول إلى «البساطة التي فيها تتطابق المتقابلات».

وبهذا العيان - أو الوجدان - يسعى كوزانو إلى إدراك الحقائق العالية. وهذه التأملات الوجدانية لا يقصد منها أن تكون حقيقية بقدر ما يقصد منها أن تكون «جميلة» و«خيرة» - وبعبارة أوضح: يريد منها كوزانو أن تؤدي إلى قرار المعاني الدينية الرئيسية من إيمان ومحبة، الخ.

لكنه وجد أن اللغة العقلية لا تكفي للتعبير عن هذه «الحقائق العالية» . فإن «خلاف» الألفاظ لا يسمح بالنفوذ إلى حاقة الحقائق فاستعان لذلك بالأشكال الهندسية، وبالتركيبات العددية.

وتطبيقاً لهذه الفكرة رأى أن «العين البسيطة» للوجدان هي التي يجب عليها أن تبحث عن الله، لكن الله هو الموجود الذي لا يضاده العدم، وهو الواحد الذي لا يناقضه الكثرة. إنه الكبير إلى غير نهاية، والصغير إلى غير نهاية؛ إنه الحا الأعلى الذي يتطابق معه الحد الأدنى. إنه القوة التي يتطابق معها الفعل. وصفات الشه، وهي عديدة في نظرنا، هي واحدة في الحقيقة، لأنها تتطابق مع بعضها بعضاً. ولهذا فإن كل لاهوت هو دائري، أي يدور ويرجع على نفسه باستمرار ولهذا أيضاً فإن اللاهوت السلبي أسمى من اللاهوت الإيجابي وأسمى من كليهما اللاهوت الجاع بين كليهما؛ ويسميه باسم : اللاهوت العطفي (أي المعطوف بعضه مع بعض) copulative، وهذا اللاهوت يقول مثلاً إن الله ليس واحداً ولا ثلاثة؛ إنه الواحد الذي يتطابق مع الثلاثة، والثلاثة التي تتطابق مع الواحد.

كل شيء هوفي الله؛ والشه محيط بكل شيء؛ والله في كل شيء؛ والله يفسر كل شيء ’ وعنايته توحد بين النقائض، ولهذا لا يفوته شيء. إنه المركز والمحيط في وقت واحد معا: مركز العالم ومحيطه وهو في كل مكان، وهو أيضاً لا في مكان

ولا بد أن القارى المطلع على آراء المعتزلة وآراء الصوفية المسلمين يدرك في الحال أن كلام نقولا

ميوتن

الكوزاني هاهنا كأنه مستمد كله من آراء الصوفية المسلمين، القائلين بوحدة الوجود، وخصوصاً محيي الدين بن عربي (٢١١٦٥- ١٢٤٠م) الذي عاش قبل نقولا الكوزاني بقرابة ثلاثة قرون فهل قرأ نقولا الكوزاني مؤلفات ابن عربي أو ألم بمحتواها؟

هذا أمر محتمل جداً، ولا عبرة بكونه لم يشر إلى ابن عربي في كتبه فإنه لم يعتد الإشارة إلى مصادره I وقوة الاحتمال هاهنا تصدر عن هذه الواقعة، وهي أن كوزانو ألف كتاباً صغيراً بعنوان: «الامتحان النقدي للقرآن» De cribratione Alchorani (حرفياً: «في غربلة القرآن»). وهذا الكتاب الصغير يندرج في سلسلة الردود التي كتبها اللاهوتيون النصارى ضد الإسلام والنبي محمد في بيزنطة وسائر أنحاء أوروبا (راجع كتابنا: بالفرنسية): «الدفاع عن النبي محمد ضد المفترين عليه»، باريس سنة ١٩٩٠ ). والفكرة الرئيسية فيه هي أن الإسلام شكل مبسط من أشكال المسيحية! وأن دور (النبي) محمد كان دور المبشر بمسيحية ساذجة بدائية تتفق مع العقلية البدائية الساذجة التي اتصف بها العرب!! إلى آخر هذه التخريفات المعهودة عند اللاهوتيين المسيحيين حتى اليوم. ولا بد أن كوزانو وهو يكتب هذا الكتاب الصغير قد اطلع على الترجمة اللاتينية للقرآن (راجع كتابنا: «موسوعة المستشرقين» ، مادة: ترجمات القرآن في أوروبا، بيروت ط١٩٨٣١، ط٣ بيروت سنة ١٩٩٣) وبعض الدراسات الأوروبية عن الإسلام، التي ظهرت في القرن الخامس عشر وما قبله، وهي عديدة.

وبالجملة فإن آراء نقولا الكوزاني تعوزها الأصالة والتعمق، ويبدو أن دوره السياسي كان هو ا لأغلب عليه وربما كان هو الذي أسهم في شهرته أكثر جداً من إنتاجه الفلسفي والعلمي واللاهوتي.

نشرة مؤلفاته

النشرة الكاملة لمؤلفاته صدرت في ستراسبورج سنة ١٤٨٨ (وأعيد طبعها بالأوفست في برلين ١٩٦٧ ). وتلتها نشرة أشرف عليها Cortemaggiore ظهرت سنة ١٥٠٢. ثم ظهرت طبعة أنقص من هاتين الطبعتين، أشرف عليها Lefèvre d’Etaples، في بارين ١٥١٤، وأعيد طبعها في بازل في سنة ١٥٦٥ ثم شرعت أكاديمية

هيدلبرج في إصدار طبعة نقدية لمؤلفاته الكاملة Opera omnia فى ٢١ مجلدا، ابتداء من سنة ١٩٣٤، عند الناشر Felix Meiner في ليبتسك أولاً، وبعد ذلك في هامبورج حالي؛ وهذه الطبعة مزودة بترجمة ألمانية وتعليقات. كذلك يجري حاليا إصدار طبعتين، إحداهما في فيينا والأخرى في بولونيا (ايطاليا) مع ترجمة ألمانية وأخرى ايطالية، وهاتان الطبعتان - في أربع مجلدات، كل واحدة منهما - تقتصران على المؤلفات الفلسفية واللاهوتية.