منطق هيغل
تمهيدات
الفارق بين منطق هيجل والمنطق بعامة
يتميز منطق هيجل من المنطق بعامة، أي من المنطق كما وضعه أرسطو وتطور من بعده حتى اليوم( ) . فسواء أكان المنطق علماً أم فنا، فإنه يبحث في الطرق والقواعد التي بمقتضاها يتأدى العقل إلى الصواب في التفكير ومن هنا أمكن أن يطلق عليه اسم: «فن التفكير» (منطق يور رويال). إن موضوعه ليس الكشف عن الحقائق، بل بيان الطرق المؤدية إلى الكشف عن الحقائق.
أما عند هيجل فقد صار المنطق هو علم الوجود (أنطولوجيا)، ولذ ربطه ربطاً وثيقاً بعلم ما بعد الطبيعة حتى صار جزءاً من هذا الأخير، وصار يتحدد أساسا وفقاً لارتباطه بما بعد الطبيعة .
لقد كان المنطق الكلاسيكي( بحثاً في «التصور» و«الحكم» (أو القضية)، و«الاستنتاج» (القياس والبرهان)، أما المنطق عند هيجل فصار يبحث في «الوجود» والماهية، حتى قال إن علم المنطق «هو الميتافيزيقا الحقيقية أو الفلسفة التأملية"
ذلك أن هيجل أخذ على المنطق الكلاسيكي أنه «صوري محض«، أي أنه يتعلق بصورة الفكر لا بمضمونه، بالشكل لا بالموضوع . يقول هيجل :
«حين يقال إن المنطق هو علم الفكر بعامة، فإنه يقصد بهذا أن هذا الفكر ليس إلا الشكل (أو الصورة) المحض البسيط للمعرفة، وأن المنطق يصرف النظر عن
(١) راجع تفصيل هذا في كتابنا: "المنطق الصوري والرياضي»، المقدمات التمهيدية. القا هرة سنة ١٩٦١
(٢) المنطق الكلاسيكي= المنطت الأرسطيء لمنطق لتقليدي
كل مضمون، وأن العنصر المكون الآخر، الذي يكون جزءاً من المعرفة، أعني المادة ينبغي أن يأتي من مصدر آخر، وأن المنطق، تبعاً لذلك - وهذه المادة مستقلة عنه تماماً - لا يمكن أن يعطي غير الشروط الصورية للمعرفة الحقيقية، وليس المعرفة الواقعية نفسها، كما أنه لا يمكن أن يكون الطريق المؤدي إلى هذه المعرفة الواقعية، وذلك لأن العنصر الجوهري للحقيقة، أعني المحتوى، يوجد خا رجاً عنه»
ويرد هيجل على دعوى المنطق الكلاسيكي هذه قاعلا:
«أولاً: ليس صحيحاً أن المنطق يصرف النظر عن كل مضمون، وأنه لا يعلم إلا قواعد الفكر دون أن يبحث فيما يفكر فيه ولا أن ينظر في طبيعته. إذ لما كان الفكر وقواعد الفكر هي التي تكون موضوعه فإن كليهما يكون مضمونه الخاص، فالمنطق إذن يملك العنصر الآخر المكون للمعرفة، أعني المادة، وطبيعة هذه المادة لا يمكنه أن يكون غير مهتم بها» . (حا ، ص٤ ٢ ؛ ترجمة فرنسية ط١ ص٢٨).
وثانياً : هذه الدعوى تفترض أنه يوجد بين هذين العنصرين المكونين للمعرفة، أعني الصورة والمادة، ترتيب تدرجي بحيث يكون الموضوع أمراً مكتملاً هو في حاجة إلى الفكر من أجل أن يكون واقعياً، بينما سيكون الفكر أمراً غير مكتمل، ولكي يكتمل سيكون في حاجة إلى مادة، متله مثل شكل كلامي غير محدد وعليه إذن أن يتكيف مع المادة. وستقوم الحقيقة إذن في الاتفاق بين الفكر والموضوع، ولكي يحدث هذا الاتفاق، فإن على الفكر أن يتوافق مع الموضوع.
ثالثاً : لما كان الاختلاف بين الصورة والمادة، بين الفكر والموضوع، لا ينبغي أن يترك هكذا غامضاً، بل ينبغي أن يدرك إدراكاً محدداً دقيقاً ، فإن المرء مضطر إلى أن ينظرإلى كل منهما على أنه متميز من الآخر. وهكذا، وفقاً لتلك الدعوى، سيظل الموضوع ثابتاً، وشيتاً في ذاته خارج
(١) يجل: «علم المنطق، ح١ ص٥ Wissenschaft der logik. Enter
teil, leipzig 1951. Philosophische Bibliothek, Bd. 56. W.L.
وسنشير إليه فيما بعد هكذا:
(٢) .W.L ح١ ص٢٤ ؛ ترجمة فرنية ح١ ص٢٨
نطاق الفكر، بينما الفكر سيتغير ويتكيف وفقا للموضوع،
وهيجل يرى أن تصور العلاقة بين الفكر والمضمون على هذا النحو تصور خاطىء ينبغي على الفلسفة التخلص منه لأنه يحول دون التفلسف الحق. ويشيد با لميتافيزيقا الكلاسيكية لأنها كانت ترى أنه يوجد توافق بين الشيء وتصوره، بين الفكر وبين الطبيعة الحقة للأشياء، وأن مضمون الفكر هو مضمون الواقع.
وهو هنا إنما يهاجم كنت الذي قال إن شكول الذهن لا تنطبق على الأشياء في ذاتها. وينعت «الشيء في ذاته» الذي قال به كنت بأنه «شبح لا حقيقة له» علم المنطق؛ ترجمة فرنسية ص٣٢ ومكان «الشيء في ذاته" يريد هيجل أن يضع «التصور» Begriff الذي هو في «ذاته ولذاته» an und für sich وهيجل يريغ إلى أن يجعل موضوع المنطق هو هذا «التصور» المحض الذي هو في ذاته ولذاته، والذي لا تفرقة فيه بين فكر وموضوع، بين شكل ومادة.
إن كنت - هكذا يقول هيجل — قد أطرى المنطق بالمعنى المألوف، على اساس أنه اكتمل في وقت مبكر جداً، قبل سائر العلوم، ولهذا لم يضف إليه شيي ذو بال بعد أرسطو. «لكن، إذا كان المنطق منذ أرسطو لم يطرأ عليه أي تعديل (والواقع أنه يكفي لهذا أن نقرأ أحدث المتون في المنطق للاقتناع بأنه إذا كان ثم تعديلات فيها كانت بالأحرى استبعادات وإسقاطات) ، فيجب أن نستنتج أن المنطق صار أحوج ما يكون إلى التغيير، لأن كل ألفي عام من التفكير كان أحرى أن يزوده بشعور بفكرة أسمى وبجوهريته المحضة» ٠
أما ما جرى من تعديلات حتى الآن، هكذا يلاحظ هيجل، عن طريق إدخال بعض المواد النفسانية والتربوية بل والفسيولوجية، فقد تبين أنها تشويهات وليست إصلاحات للمنطق. «إن كثيراً من هذم الملاحظات، والقوانين والقواعد النفسانية، والتربوية والفسيولوجية , سواء أكانت تؤلف جزءاً من المنطق، أم كانت تنتسب إلى علوم أخرى - فإنها لا تبدو في ذاتها. إلاً مبتذلة وسطحية». (ح١ ص٣٣).
إن هذا المنطق «الصوري» هو بمثابة •عظام ميتة، totes Gebein ، ينبغي إحياؤها «بالروح لتصير مضموناً ومحتوى» (ح١ ص٣٤٢) . «ولأجل أن تكون لهذا الهيكل العظمى من المنطق حياة ومحتوى عن طريق الروح، ينبغي أن يكون منهجه بحيث يكون قادراً على أن يجعله علماً محضاً. أما في الحالة الراهنة التي هو عليها الآن، فلأياً ما نجد فيه أثراً لمنهج علمي، وقصارى ما فيه هو أن له شكل علم تجريبي» (حا ص٤ ٣) .
لكنه رغم ذلك لا ينكر كل فضل للمنطق الأرسطي : إذ يرى أنه وصف لوظائف الصورية يتم الحصول عليه بملاحظة الظواهر التجريبية للتفكير. ويشيد بفضل أرسطو الكبير في القيام بهذا الوصف، فيقول: «ليس بالأمر الهين الشأن اكتشاف ستين لوناً من الببغاء، ومائة وسبعة أنواع من نبات الشيح véronique، وما شابه هذا. وأقل من ذلك هواناً بكشير اكتشاف أشكال التعقل أليس الشكل في القياس أسمى بما لا نهاية له من المرات منأي نوع من الببغاء أو الشيح؟» (ح٢ ص٤٣).
إن المنطق الصوري المألوف ليس من نتاج البراعة النافلة، بل هو صاعة لا غنى عنها وإن كان الذهن ينتجها ابتغاء تفسير تفكيره هو دون الارتفاع فوق مستوى تفكيرم، ذلك إنه ليس فلسفي بل هو وصفي .
إن المنطق الصوري ينبع من محاولة للانتقال من التاريخ الطبيعي إلى رياضيات التفكير المتناهي؛ بيد أنه لم يفلح وا يمكن أن يفلح في تطبيق مبادئه. وهيجل يرى أن المنطق، مادام علماً من علوم الفلسفة، فليس له أن «يستمد منهجه من علم في مرتبة أدنى، مثل الرياضيات («علم المنطق» ح١ ص٦. ويرى أن «اسبينوزا، وفولف Wolf وغيرهما قد ضلوا حين أراغوا إلى تطبيق الرياضيات على الفلسفة، وجعلوا من المسار الخارجي للكم الخالي من التصور مساراً للتصور، وهذا أمر يتناقض مع نفسه» (الكتاب نفسه ح١ ص٣٥) . إن المنطق لا يستمد مبادئه من الرياضيات، بل الرياضيات هي التي تحصل على تحددها في المنطق، لأن المنطق يحصل على أبعاده في التصور المحض ٠
تعريف المنطق عند هيجل
ذلك أن المنطق عند هيجل هو كما يقول في التمهيدات الأولية Vorbegriff لقسم «المنطق» في كتابه «موسوعة العلوم الفلسفية» Encyclopaedic der
علم التصور" : philosophischen Wissenschaften
المحض، التصور في العنصر المجرد للفكر» . ويشرح معنى «التصور، فيقول «التصور هو الفكر، لا بوصفه فكراً صورياً محضاً، بل بوصفه كلية تنمى ذاتها في تعيناتها وقوانينها؛ وتبعاً لذلك فإن هذه التعينات وهذه القوانين لا يجدها التصور في ذاته بوصفها عناصر موجودة من قبل فيه، ومعطاة له مقدماً، بل هو يعطيها نفسه» . («منطق» الموسوعة، ترجمة véra ح١٢ صم ٣٩) .
وصعوبة المنطق ناجمة عن أن موضوعه ليس العيانات ولا الامتثالات التيهي في تجردها امتثاات حسية، بل موضوعه تجريدات محضة، ولا بد من التركيز في الفكر المحض من أجل إدراك هذا الموضوع.
لكنه يمكن القول أيضاً أن المنطق هو أسهل العلوم، لأن محتواه هو الفكر وتعيناته المعتادة التي هي أبسط الأمور، وأقربها إلى المعرفة، لأنها تتعلق بالوجود واللاوجود، بالتحدد، بالمقدار، بالوجود - في ذاته، بالوجود - من - أجل - ذاته (أو الوجود لذاته)، والواحد والكثير، الخ.
ويتوسع هيجل في هذا التعريف للمنطق، وذلك في «علم المنطق» (أو «المنطق الكبير» كما يسمى أحياناً للتمييز بينه وبين «المنطق الصغير» الذي هو القسم الأول من «موسوعة العلوم الفلسفية» فيقول «لقد حددنا المنطق بأنه علم التصور المحض، الذي يجد مبدأه في العلم المحض، وهو علم مزود بالوحدة، لا الوحدة المجردة، بل الوحدة العينية الحية، إذ فيها يزول التقابل بين الوجود الذاتي والوجود الموضوعى، لأن الوجود يذرك فيها على أنه تصور محض، يوجد بذاته، والتصور هو الوجود الحق». (.٢٧٧.1ح١ ص٤٢).
ومن هنا فإن منطق هيجل هو ميتافيزيقا، أو على وجه أكثر تحديداً هو: أنطولوجيا، أي علم الوجود٠ ويتضح هذا بجلاء من تصفح الموضوعات التي يتناولها هيجل في كتابه «علم المنطق» وهاك بيانها:
الكتاب الأول:
(أ) القسم الأول:
الفصل الأول: الوجود، ويبحث في: الوجود، العدم، الصيرورة.
المنطق المثالي أو منطق هيجل
٢٨٣
الفصل الثاني: الانية Dasein: الانية بعامة، التناهي، اللامتناهي، الانتقال.
الفصل الثالث: الوجود لذاته: الوجود لذاته بما هوكذلك، الواحد والكشير.
(ب) القسم الثاني: المقدارم
الفصل الأول: الكم: الكم المحض؛ الكم المتصل والكم المنفصل.
الفصل الثاني العدد.
الفصل الثالث: العلاقة الكمية؟ العلاقة المباشرة، العلاقة المقلوبة، العلاقة الممكنة.
(ح) القسم الثالث: المقياس:
الفصا الأول: الكمية النوعية؛ المقياس المنوع؛ الوجود لذاته في المقياس.
الفصل الثاني: المقياس الواقعي.
الفصل الثالث: صيرورة الماهية.
الكتاب الثاني:
(أ) القسم الأول: الماهية بوصفها التأمل الذاتي
الفصل الأول: الظاهر: ما هومن الماهية، وما هو ليس من الماعية، الظاهر، التأمل
الفصل الثاني: الماهيات أو التعينات التأملية: الهوية؛ الاختلاف؛ التقابل؛ التناقض
الفصل الثالث: الأساس: الأساس المطلق؛ الأساس المحدد؛ الشرط
(ب) القسم الثاني: الظاهرة.
الفصل الأول: الوجود المتحقق Existenz الشيء وخواصه؛ الأفعال المتبادلة بين الأشياء، انحلال الشيء
الفصل الثاني: الظاهرة قانون الظاهرة؛ عالم الظواهر وعالم الموجود في ذاته؛ انحلال الظاهرة.
الفصل الثالث: العلاقة المتصلة بالماهية: العلاقة بين الكل وأجزاؤه؛ العلاقة بين القوة وتجلياتها الخارجية؛ العلاقة بين الظاهر والباطن.
(ج) القسم الثالث: الواقع:
الفصل الأول: المطلق
الفصل الثاني: الواقع،
الفصل الثالث: العلاقة المطلقة: علاقة الجوهرية؛ علاقة العلية؛ الفعل المتبادل.
الكتاب الثالث: في التصور بعامة.
(أ) القسم الأول: لذاتية:
الفصل الأول: التصور: التصور العام؛ التصور الجزئي؛ التصور المفرد.
الفصل الثاني : الحكم : أحكام الوجود؛ أحكام التأمل؛ أحكام الضرورة، الحكم التصوري.
الفصل الثالث م القياس القياس الوجودي؛ القياس التأملي؛ القياس الضروري
(ب) القسم الثاني : الموضوعية.
الفصل الأول: الآلية: الموضوع لآلي؛ العملية الآلية، العملية المطلقة
الفصل الثاني : الكيماوية: الموضوع الكيماوي، العملية؛ تحول الكيماوية .
الفصل الثالث: الغاثية: الغاية الذاتية؛ الوسيلة؛ الغاية المتحققة.
(ج) القسم الثالث: التصور.
الفصل الأول: الحياة: الفرد الحي، العملية الحيوية؛ النوعي
الفصل الثاني: تصور (أو: فكرة) المعرفة: تصور الحق؛ تصور الخير.
الفصل الثالث: التصور المطلق.
ومن رؤوس الموضوعات التي يتناولها المنطق الهيجليهذه تبين
أولا: أن المنطق الهيجلي هو مبحث في الوجود.
ثانياً: أنه وإن تشابه في بعض موضوعاته مع المنطق بالمعنى المألوف منذ أيام أرسطو فإن هذا التشابه هو في التعبير أو المصطلح فقط، أما المضمون فمختلف تماماً . وهذا واضح في فصول القسم الأول من الكتاب الثالث، الذي يتناول: التصور، والحكم، والقياس،
المنطق الثالي أو منطق هيجل
ولكنه على نحو مختلف تماما عن نظائرها في متون المنطق المألوف.
أقسام المنطق الهيجلي
يقسم هيجل المنطق وفقاً للتمييز الذي وضعه كنت بين : المنطق بالمعنى المألوف، والمنطق الذي سماه بالمتعالي Transzendental.
وقد عرف كنت المنطق المتعالي بأنه «منطق محض يعني بالمبادى ء القبلية الصريحة: أنه قانون الذهن Kanon des Verstandes وللعقل Vernunft، لكنه فقط فيما يختص بما هو صوري في استخدامه» . وقال أيضا: «إن المنطق بالمعنى المألوف يتجرد من كل مضمون للمعرفة، أي من كل علاقة لها بالموضوع، وينظر فقط في الصورة المنطقية في علاقتها بالمعرفة، أي بصورة التفكير بعامة» (الكتاب نفسه ط ٨ ص٥٥ ، ط B ص٧٩). وهكذا يميز كنت بين المادة والصورة، بين الموضوع والتفكير، ويخص كلا منها بمجال مستهل
وهذا بعينه ما يأخذه هيجل على كنت. يقول هيجل:
«في أيامنا هذه أوجد كنت، إلى جانب ما يسمى عادة بالمنطق، منطقاً متعالياً. وما نسميه نحن هاهنا بالمنطق الموضوعي يناظر جزئياً هذا المنطق المتعالي وهو يميزه عما يسميه المنطق بالمعنى العام، بالخصائص التالية: أ) هذا المنطق المتعالي ينظر في التصورات التي تتعلق قبلياً a priori بالموضوعات، وتبعاً لذلك لا تتجرد من كل مضمون للمعرفة الموضوعية، أو هو يتميز بكونه يشتمل على قواعد الفكر المحض؛ ب) وأن يعود إلى أصول معرفتنا، بالقدر الذي به هذه الأصول لا يمكن أن تنسب إلى الموضوعات ٠ وقد انحصر اهتمام كنت فلسفياً في هذه النقطة الثانية. وفكرته الأساسية تقوم في الربط بين المقولات وبين الوعي بالذات، أي الأنا الذاتي وبهذا التحديد فإن طريقته في النظر لا تتعدى حدود الوعي وتقابله، ويفترض، إلى جانب ما ندين به لتجريبية
(١) كنت: «نقد العقل المحض، الطبعة ٨، ص ٥٣ وما يليها = الطبعة
B ص ٧٨ وما يليها.
الإحساس والعاطفة والعيان - وجود شيء اخر ليس موضوعاً ولا معيناً بالوعي المفكر، وهذا الشيء هو الشيء - فيذاته، الخارج والأجنبي عن الفكر، وإن كان من السهل أن نرى أن تجريداً مثل «الشيء في ذاته» ليس إلا نتاجاً للفكر، الفكر الذي يجرد». (.W.L ح١ ص ٤٥ -٤٦).
إن كنت — في نظر هيجل - قد ركز كل اهتمامه بالجانب "المتعالي" للمقولات، ولهذا لم يؤد بيانه لهذه المقولات إلا إلى خواء. فهو لم يبحث فيما للمقولات في ذاتها من خصائص، ولم يحدد نسبة بعضها إلى بعض. «ولهذا فإن هذه الفلسفة (ت فلسفة كنت) لم تقدم أي إسهام، في معرفة طبيعتها. والأمر الوحيد المفيد المتعلق بها هو نقدها للتصورات .
بيد أن التقدم الحقيفي للفلسفة كان يقضتي أن يهتم الفكر بالنظر في الجانب الصوري، في الأنا، في الوعي بما هو كذلك، أعني في العلاقة المجردة بين المعرفة الذاتية والموضوع. وأن تحصل معرفة الصورة اللامتناهية، أعني التصور، بسلوك هذا الطريق» (.W.L ح١ص٤٦ -٤٧).
ومن هذا النقد لموقف كنت من المنطق المتعالي، ينتهي هيجل إلى القول بأن ثمت نوعين من المنطق: (١) المنطق الموضوعي، (٢) المنطق الذاتي.
(١) أما المنطق الموضوعي فهو الميتافيزيقا. إنه يحل محل الأنطولوجيا، أي علم الوجود بما هو وجود، كما يحل محل سائر الميتافيزيقا، إذ يبحث في النفس، والعالم، والله، والمقولات. والمنطق الموضوعي هو النقد الحقيقي للمقولات، إنه نقد ينظر فيها لا من حيث الجانب المجرد لما هو قبلي a priori في مقابل ما هو بعدي a posteriori، وإنما ينظر إليها في ذاتها، «حساباً لمضمونها الخاص» (.W.L ح١ ص٤٨).
(٢) أما المنطق الذاتي فهو منطق اسور Begriff، والماعية مجردة من كل علاقة مع كائن أو مع مظهره، والذي هو في تعينه ليس له بعد شيء خارجي، بل هو الذاتي، حراً ومستقلاً، إنه المعين هو نفسه، أو بالأحرى هو الذات نفسها. (الموضع نفسه).
المنطق المثالي أو منطق هيجل
ولمزيد من التحديد والتدقيق، يقسم هيجل المنطق إلى:
(١) منطق الوجود؛
(٢)منطق الماهية؛
(٣) منطق التصور؛
القسم الأول: منطق الوجود
«الوجود» و«الواحد» هما أعلى الحدود أو المفهومات. ولهذا كان من العسير، إن لم يكن من المستحيل تعريفهما ، إذ هما لا يدخلان تحت أي حد -أو مفهوم - أعلى منهما.
ورغم ذلك حاول الفلاسفة منذ أرسطو حتى هيدجر تعريف الوجود، لا تعريفاً بالحد على النحو الذي يشترطه المنطق، بل تعريفاً أقرب إلى الرسم، أي ببعض الخصائص ٠
وهيجل قد عرف الوجود على النحو التالي؟
أولاً: في «منطق الموسوعة» هكذا: «الوجود هو التصور في ذاته محضاً، وتتم تعيناته أولا، ثم يتميز بعضها من بعض، وأخيراً (وهذا هو الشكل الديالكتيكي) تنتقل هذم التعينات من بعضها إلى بعضها الآخر. وهذه الحركة التقدمية هي سلسلة من الأوضاع، وتبعاً لذلك هي نمو وتطور للتصور في ذاته، ونمو وتطور فيه ينفذ الوجود في ذات الوجود وفي أعماقه - وتطور ونمو التصور في نطاق الوجود هو الذي يصنع كلية الوجود، لكنه في الوقت نفسه يؤدي إلى القضاء على الوجود في حالته المباشرة، أو الوجود بما هو وجود» .
ثانياً: في «علم المنطق» (أو «المنطق» الكبير) هكذا: «الوجود هو المباشر اللامتعين؛ إنه خال من كل علاقة بالماهية، ومن كل علاقة بأي شيء في داخل نفسه ٠ هذا الوجود اللامتعين هو الموجود كما يوجد في محايثته المباشرة المستبعدة لما سواها . ولما كان غير متعين، فإنه خال من الكيف. لكن اللامتعين لا يميزه في ذاته، إلآ بالتقابل مع المتحدد أوذي الكيف. بيد أنه في مقابل الوجود بعامة يقوم الوجود المحدد بما هو محدد،
حتى إن لا تعينه هو نفسه الذي يصنع كيفه . وتبعا لهذا سنرى أن الموجود الأول يتحدد في ذاته؛ وأنه ثانياً، ينتقل إلى الآنية، وأنه هو الآنية Dasein، لكن هذا يقضى عليه من حيث هو وجود متناه، ويصير العلاقة اللامتناهية للموجود مع نفسه، أي أنم ينتقل، ثالثاً، إلى الوجود لذاته». (L٠-W٠ ح١ ص٦٦). ولإيضاح هذين النصين علينا أن نحدد معاني المصطلحات الواردة بهما:
المباشر das Unmittelbare: ما لا يتحدد بشيء آخر.
اللامتعين das Unbestimmte: ما لا يتصف بأية صفة .
الوضع (أو الجمع: أوضاع) Position: أتخاذ صفة .
التصور: Der Begriff: هو الفكرة التي تؤسس الحقيقة الواقعية. يقول هيجل: «الأشياء هي ما هي بواسطة فاعلية التصور الباطن فيها والمتجلي عنهاا (مجموع مؤلفاته، نشرة Glockner ح٨ ص٣٦١) والحرية، والكلية Totalität، واكين Bestimmttheit، والماهية، والجوهر، والحقيقة، والواقعية هي من بين التحديدات التي تميز التصور الذي ينمي نفسه بنفسه. وكان كنت قد وضع «التصور» في مقابل العيان Anschaung، على أساس أن التصور هو الامتثال لما هو مشترك بين عدة موضوعات، فتصور «الإنسان هو المعنى المشترك بين أفراد الناس ومادة التصور هي الموضوعات، وصورة (أو شكل) التصور هي صفة الكلية allgemenheit (كنت: «المنطق» Logik بند ٢٢).
المحايثة Immanenz: الوجود في باطن الشيء محض rein: أي خال من التجربة الحسية؛ أي عقليخالص.
٢ - الوجود والعدم والصيرورة
ويشرح هيجل هذا التعريف للوجود أولاً بمزيد من القول. وثانياً بمقابلته بما يناقضه وهو العدم، وثاكاً بيان المعنى الديناميكي الجامع بين الوجود والعدم، وهو الصيرورة. فيقول في مزيد من التوضيح لمعنى الوجود:
«الوجود، الوجود المحض، ومن أي تعين آخر.
المنطق المثالي أو منطق هيجل
إنه في مباشرته غير المتحددة ليس مساويا إلا لنفسه، دون أن يكون غير مساو لشيء آخر: إنه خال من كل اختلاف. سواء بالنسبة إلى باطنه وبالنسبة إلى خارجه . وأن ينتسب إليه أي تحدد أو أي مضمون من شأنه أن يوجد اختلافاً في داخله، أو أن يميزه من الأشياء الخارجية : هذا من شأنه أن ينزع عنه محوضته. إنه اللاتحدد المحض، والخواص المحض I وليس فيه شيء يمكن النظر فيه، إن كان من الممكن فيما يتعلق به أن يكون ثم نظر، اللهم إلا إذا كان نظراً محضاً خاوياً. كذلك ليس ثمما هو قابل فيه للتفكير، لأن ذلك سيكون أيضاً تفكيراً في الخواء. والحق أن الوجود، هذا المباشر اللامتعين، هو عدم، وليس أكثر ولا أقل من العدم» (.1.٧*ح١ص٦٧).
وفي مقابل ذلك يقول عن العدم:
«العدم، العدم المحض: هو المساواة البسيطة مع الذات، والخواء التام، والخلو من التعين والمضمون؛ وهو عدم التميز في داخل نفسه ٠ وبقدر ما يمكن أن يكون ثم تأمل أو فكرة، فإنه فقط من حيث الاختلاف يكون ثم تأمل أو فكر في شيء ، وتأمل أو فكر في لا شيء . فأما يتأمل في لا شيء أو يفكر فيه معنا، أننا نضع تفرقة، من هذه الناحية، بين شيء ولا شيء، ومن هنا ينتج أن هذا يوجد في تأملنا وفكرنا؛ أو بالأحرى إنه التأمل والفكر الخاويان هما ذاتهما، نفس التأمل أوا لفكر الخاويان مثل الوجود الخاوي. فالعدم يمثل إذن نفس التحدد، أو بالأحرى نفس الخلو من التحدد الذي للوجود، المحض» (.W.L ح١ ص٦٦ - ٦٧).
ومعنى هذا هو «أن الوجود المحض والعدم المحض هما إذن نفس الشيء». لأن كليهما خال من كل تعين.
وإنما يبدأ الوجود المتحقق ابتداء من الصيرورة Werden: «فما هو حق ليس هو الوجود ولا العدم، بل الانتقال، الانتقال الذي تم، من الوجود إلى العدم، ومن العدم إلى الوجود. لكن من الحق أيضاً أن الوجود والعدم ليسا غير متميزين، وليسا شيئاً واحداً، بل الوجود يختلف عن العدم اختلافاً مطلقا، مع كونهما في الوقت نفسه غير منفصلين وغير قابلين للانفصال، وكل واحد منهما يختفي مباشرة في مضاده . فحقيقتهما إذن إنما تقوم
في حركة الاختفاء المباشر لأحدهما في لآخر، وذلك في الصيرورة، وهي حركة تقضي على اختلافهما في نفس الوقت الذي فيه تبرز هذا الاختلاف بينهما». (.1.٦٨٧ح١ص٦٧)
في الصيرورة يجتمع الوجود مع العدم واشيء في السماء أو على الأرض، إلا ويحتوي على وجود وعدم معاً .
والحقيقة الواقعية الأولى هي وحدة الوجود والعدم في الشيء الواحد. وأي موجود متحقق تأملناه فسنجد فيه دائماً وجوداً وعدماً معاً لا ينفصل أحدهما عن الآخر ولما كانت هذه الوحدة بين الوجود، والعدم إنما تتحقق في الصيرورة، فإن الصيرورة هي التجلي الأول لفعالية الفعل أو الروح.
لكن الصيرورة ليست هي التغير، لأن الصيرورة مقولة Kategorie، وهي أول صياغة محددة لفاعلية العقل أو الروح، بينما التغير، بمختلف أنواعه، هو شكل من أشكال الطبيعة، ويفترض مقدماً الزمان والمكان بوصفها من الناحية المنطقية أشكالاً أولية للطبيعة. فمثلا •المادة والحركة» هما تركيب من المكان والزمان.
ويشير هيجل إلى شواهد في تاريخ الفلسفة للوجود المحض وللصيرورة. فالمدرسة الأيلية، ومؤسيسها برمنيدس Parmenides كانت ترى أن الوجود المحض هو الحقيقة الوحيدة، وهو المطلق. وفيما بقي لنا من شذرات بيرمنيدس نجده يقول هذه العبارة الدالة على الحماسة العقلية: «الوجود هو وحده الكائن. أما العدم فليس بكائن» - وفي مقابل ذلك نجد هيرقليطس يقول بالصيرورة حين يؤكد «أن الوجود ليس (شيئاً) أكثر من العدم«، أو: «كل شيء في سيلان» pantahrai، ومعنى هذا أن: كل شيء هو بسبيل الصيرورة، كل شيء يصير.
كذلك يشير هيجل إلى شواهد من الفكر الشرقي، والبوذية بخاصة. فالحكمة عند الشرقيين، الشعبية منها والدينية، تقول: إن كل ما هو موجود فإنه من مجرد ميلاده يحتوي على يذور زواله؛ والموت ما هو إا الدخول في حياة جديدة.
وواضح أن تأويل هيجل لهذه الشواهد من تاريخ الفلسفة أو من الحكمة الشرقية هو تأويل هيجلي خالص،
المنطق المثالي أو منطق هيجل
٢٨٧
لم يخطر ببال أصحاب هذه الشواهد. فإن الوجود المحض عند برمنيدس هو الملاء الجسماني التام الذي يستبعد كل خلاء ؛ وقول هرقليطس بأن «الوجود دائم السيلان» إنما يتعلق بالنار التي جعل منها مبدأ الوجود؛ والحكمة الشرقية في كلامها عن الموت إنما تطمح إلى اعتبار الموت نقلة إلى حياة أسمى.
لكن تأويل هيجل لصالح مذهبه هو إنما هو مسلك سيسلكه اللاحقون من الفلاسفة بالنسبة إلى السابقين، وسنجد نموذجاً بارزاً جداً له عند هيدجر في تأويله لمذهب كل من برمنيدس وهرقليطس.
وإذا اعترض أحد على دعوى هيجل بأن الوجود المحض هو العدم المحض قائلاً: «إن الوجود شيء آخر مختلف تماماً عن العدم، وأنه لا شيء أوضح من اختلافهما المطلق، وأنه لا شيء أسهل من الإدراك والإقرار بهذا الاختلاف» - فإن هيجل يرد قائلاً: «لكن لا شيء أسهل من مشاهدة أن هذا مستحيل، وأن هذا الاختلاف لا يقبل التعبير عنه. وأولنك الذين يلحون في توكيد الاختلاف بين الوجود والعدم سيحسنون لنا إن ذكروا لناماهوهذا الاختلاف. لوكان لكل من الوجود والعدم طابع محدد، به يختلف كلاهما عن الآخر، فإن أحدهما سيكون الوجود المحدد، والآخر سيكون العدم المحدد، بدلاً من أن يكونا هما: الوجود المحض، والعدم المحض. فاختلافهما إذن باطل تماماً، إذ كلاهما غير متعين . فالاختلاف لا يتعلق إذن بما هما عليه في ذاتيهما، وإنما هو اختلاف فكري، أي معطى ذاتي تماماً لا محل له فيما نحن بسبيله هنا . فالأمر يتعلق إذن بشيء يستعمل في الوقت نفسه مع الوجود والعدم، ويؤلف جزءاً من هذه السلسلة، وذلك على شكل الصيرورة. إنه في الصيرورة يوجد التمييز بين الوجود والعدم، وليست الصيرورة ممكنة إلا بسبب هذا التمييز. لكن الصيرورة بدورها ليست هي الوجود، ولا هي العدم؛ بل الوجود والعدم يوجدان في الصيرورة، ومعنى هذا أنهما لا يوجدان لذاتهما. إن الصيرورة تشتمل على الوجود وعلى اللاوجود معا، وهذان لا يوجدان إ لآ بقدر ما هما في «الواحد»، هذا هو ما يمحو اختلافهما» ح١ ص٧٧ -٧٨) .
إن مثل الوجود المحض والعدم هو مثل النور
المحض والظلمة المحضة. فالواقع هو أن «النور المحض لا يختلف عن الظلمة المحضة، إذ في كلتا الحالتين نحن بإزاء رؤية محضة، رؤية العدم. إن النور المحض والظلمة المحضة هما خلاءان، وبوصفهما كذلك لا يختلف أحدهما عن الآخر ولا يستطيع المرء أن يميز شيئاً إلا فى النور المحدد (والنور يتحدد بالظلمة)، أعني في النور المعكر، وفي الظلمة المحددة، (لأن الظلمة بدورها تتحدد بالنور)، أعنى فى الظلمة المنورة؛ لأن النور المعكر والظلمة المنورة ينفصلان باختلاف باطن، ويمثلان، تبعاً لذلك، وجوداً متعيناً، أي آنية W.L.) «Dasein ح١ ص٧٨).
ويمكن تعريف «المطلق» بأنه الوجود، وبأنه العدم.
والقضية المشهورة التي تقول: «من العدم لم يكن شيء» exnihilo nihilfit معناها أن الوجود ينتقل إلى العدم، وأن العدم ينتقل إلى الوجود» والقضية: من العدم لا يتولد إلا العدم، العدم يبقى دائماً هو العدم -تستمد أهميتها الحقيقية من تقابله مع الصيرورة بعامة، وتبعا لذلك من تقابلها مع خلق العالم من العدم. لكن أولنك الذين يقبلون القضية: «العدم يبقى عدماً» ، معلنين إياها بصوت جهوري، لا يدركون أنهم بهذا يقولون بوحدة الوجود المجردة التي قال بها الأيليون، بل وأيضاً يتبعون وحدة الوجود التي قال بها اسبينوزا: إن النظرية الفلسفية التي مبدؤها هو: «ما الوجود إلا الوجود، وما العدم إلاً العدم» - تستحق أن تسمى: مذهب الهوية؛ وهذه الهوية المطلقة هي التي تصنع ماهية وحدة الوجود» (.ط.٧٧ح١ ص٦٩).
ولما كان الوجود هو والعدم سواء ، وكانت الحقيقة الأولى هي وحدة الوجود والعدم معاً، فليس ثم بدء (بداية) واحد، بل البدء مزدوج Gedoppeltes: وجود وعدم معا. إن البدء ليس هو الوجود بوصفه بدء باق، بل هو عدم الاختلاف المطلق بوصفه انتقالا من الوجود إلى العدم ومن العدم إلى الوجود.
لكن لا يمكن تصور البدء دون تصور النهاية. لهذا فإن للبدء مضموناً هو الغاية أو المشروع Entwurf. لهذا كان البدء غائياً، أي يشير إلى غاية. وبدون غاية فإنه ليس ثم بداية.
٢٨٨ المنطق المثالي أو منطق هيجل والوجود، والعدم، والصيرورة: هي النلاث الديالكتيكي لأول؛ لأنه يتضمن: الموضوع، نقيض الموضوع، مركب الموضوع. ب ٠ الآنية Dasein وأول تعين إنما يتم في الآنية إذ الآنية هي الوجود المحدد؛ وتحديده هو تحديد ما هو موجود، أي الكيف. إن الشيء ، بواسطة كيفه، يكون في مقابل أشياء أخرى؛ إنه متغير ومتناه، ليس فقط إلى شيء آخر، ولكن بفضل تعيين سلبي كامن فيه وهذا النفي، الذي هو أولاً سلب بالنسبة إلى متناه، يتكون بواسطة اللامتناهى. والتقابل المجرد الذي فيه تظهر هذه التعينات، ينحل ليتحول إلى لامتنام بدون مقابلات، وذلك في الوجود - لذاته ولهذا فإن تحليل الآنية يتضمن ثلاثة أقسام: (١) الآنية بما هي آنية، (٢) «شيء ما» و«شيء آخر»: المتناهي؛ (٣) اللامتناهي الكيفي" (.W.L ح١ ص٩٥)م ١-الآنية بماهي آنية حين يتكيف الوجود بكيف يصير آنية Dasein * «والآنية من نتاج الصيرورة. لأنها وحدة الوجود واللاوجود البسيطة، وبسبب هذه البساطة فإن لها شكل ما هو مباشر. أما توسطها، وهو الصيرورة، فيوجد خلفها: لقد رفع، وظهرت الآنية لهذا السبب، بوصفها ما ينبغي أن يكون نقطة أنطلاق. والآنية تتجلى أولاً على شكل تعين للوجود من ناحية واحدة؛ أما تعينها الآخر، وهو العدم، فإنه يتجلى بدوره في مواجهة التعين الأول». (.].7٧ح١ص٩٦). في الآنية يشارك العدم الوجود، والوجود العدم، بحيث يتخذان معاً شكل موجود واحد. الوجود أو العدم كلاهما غير متعين، أما الآنية فهي متعينة، محددة، عينية، غنية بالتحديدات، ولحظاتها تتخذ علاقات متنوعة. وكل تعين سلب، لأنه إتخاذ صفة واستبعاد سائر الصفات ولهذا كان إيجاباً من جهة، وسلباً من جهة أخرى وهذاماصاغه اسبينوزافي قوله Onrnis .determinatio est negatio وهذا التعين هو الكيف. ويعرفه هيجل في «منطق الموسوعة» بأنه «التعين المباشر الذي هو في هوية مع الوجود، وذلك على عكس الكم الذي ينبغي أن ينظر فيه بعد الكيف فالكم وإن كان تعيناً للوجود، فإن هذا التعين ليس مباشرة في هوية مع الوجود، إنه خارج عن الوجود ويستوي لديه . وما هو «شيء ما» هو كذلك بكيفه، حتى إذا ما فقد كيفه توقف عن أن يكون ما هو ثم إن الكيف إنما هو أساساً مقولة للمتناهي، وتبعاً لذلك فإن له مكانه الخاص في الطبيعة، ولا مكان له في عالم الروح (أو العقل) . فمثلاً في الطبيعة يجب أن نعد كيفيات ما يسمى با لجوا هر البسيطة، مثل ا لأوكسجين، الأزوت، الخ لكن في ميدان الروح (العقل) لاينتج الكيف إلا على نحو تابع، وليس يوجد بحيث يكون شكل معين من الروح قد استنفد بواسطته" . (ترجمة 2]غ٧ح١ص ٤١٦) ٢ - شيء ما Etwas وشيء خر لكن إذا كان الكيف سلباً للوجود المحض والعدم المحض، فإن ثمت سلباً لهذا السلب، ألا وهو «شيء ما» ٠Etwas «وسلب السلب، من حيث هو شيء ما، ليس إلا بداية الذات، والوجود - في داخل - ذاته الذي لم يتحدد. وهو يتحدد فيما بعد على أنه الموجود لذاته، وهكذا حتى يحصل على مفهوم الشدة العينية للذات. . . وشيء ما هو موجود، من حيث أنه نفي للنفي، الذي هو استعارة للعلاقة البسيطة بين «شيء ما» وبين نفسه؛ ولكن بهذا يصير «شيء ما» عاملاً لتوسطه مع نفسه ٠ وهذ التوسط للذات مع الذات يوجد في الوجود - لذاته، في الذات، الخ، كما يوجد - على نحو مجرد وتماما , في الصيرورة» (.w .L -ر ١ ص ١٠١ - ١٠٢). «شيء ما» ، هو آنية . وفي ذاته هو أيضاً صيرورة، لكنها صيرورة ليست عناصرها هي الوجود والعدم. «شيء مام هو انتقال، وعناصره هي أيضاً «شيء ما» «وشيء ما» يقابله «شيء آخر»: فإنه إذا كان «شيء ماء» هو ٨، فإن B هي «شيء آخر». والعكس بالعكس، بحيث أن كليهما «شيء آخر» بالنسبة إلى مقابله وبعبارة أخرى: همامتضايفان. والمتضايغان Corelatifs هما المفهومان اللذان لا يوجد ولا يتصور أحدهما إلا المنطق المثالي أو منطق هيجل
بالآخر ولهذا فإن «شيئاً ما» يقوم في «الشيء الآخر»، أي أنه يقوم فيما ليس إياه . ولهذا فإن «الوجود - للآخر» ودالوجود - في ذاته» هما لحظتان للآنية الواحدة أو لحظتان لشيء واحد. وهنا ينتقد هيجل «الشيء في ذاته» عند كنت، ويقول إنه «تجريد في غاية البساطة لكنه عل زمناً طويلاً كما لو كان له معنى متميز تماماً، وكذلك الشأن في القضية التي تقول إننا لا نستطيع أن نعرف فاعلية الأشياء في ذاتها : فإنها هي الأخرى عدت كما لو كانت تعبر عن حكمة عميقة . إننا نقول عن الأشياء إنها في ذاتها حينما نغض النظر عن كل وجود - للغير، أي، بوجه عام، من حيث أنها يفكر فيها كما لو كانت خالية من كل تعين، أي بوصفها لا موجودات محضة . وغني عن البيان أننا لو فهمناها بهذا المعنى، فمن المستحيل أن نعرف ما هو الشيء في ذاته لان السؤال: ما هو؟ يقتضي أن نذكر تحديدات. لكن لما كانت الأشياء التي تقتضي لها تحديدات ينبغي أن تكون في الوقت نفسه أشياء في ذاتها، أي خالية من كل تحديد، فإننا نفترص هنا دون تفكير في هذا، ونحن نضع هذا السؤال - استحالة وجود جواب عنه، أو تقدم جواباً خالياً من المعنى. إن الشيء في ذاته هو مثل المطلق، الذي يعلم فقط عنه أن الكل يكون فيه وحدة ولهذا نحن نعلم جيداً أمر هذه الأشياء في ذاتها، إنها، بهذا الوصف، ليست إلا تجريدات خاوية من كل شيء، وخصوصاً من الحقيقة» (.W.L ح١ص١٠٨). وبالجملة فإن «شيئاً ما» هو آنية مباشرة تشير إلى نفسها وتتحدد أولاً بالنسبة إلى شيء آخر وهذا الحد يعني عدم - وجود شيء آخر، لكنه لا يعبر عن «شيء ما» هو نفسه: إنه يحد في نفسه لآخر. وهذا الآخر هو أيضاً «شيء ماا و«شيء ما» ، من حيث هو آنية مباشرة، يؤلف الحد Grenze بالنسبة إلى «شيء ما» آخر. وهذا الحد محايث فيه، إذ هو ليس «شيئاً ما» إلآ بفضل هذا الحد .Grenze إن «شيناً ماء إذ أكت تفسه على أنه «في ذاته» ansich ، فإنه بهذا نفسه ينفي نفسه ويعبر عن وجوده بأنه «وجود للغير (أو] للآخر» Seinfür- anderes. والحد Grenze يقال بالنسبة إلى الكم، كما يقال بالنسبة إلى الكيف. لكن الحد الكمي يختلف عن الحد الكيفي. فمثلا مساحة من الأرض: فإن حدها الكمي هو مثلاًفدان (أي ٤٢٠٠٧/٣مم)؛ أما حدها الكيفي فهو أنها مزروعة قطناً أو أرزاً أو برسيماً الخ. ولا شأن هنا للكيف بالكم. المتناهي وأن يكون «شيء ما» هو نفسه وفي الوقت عينه يكون هو «الآخر» - تلك هي طبيعة ما يسميه هيجل باسم «المتناهي» das Endliche. إن المتناهي هو ما يتحدد بغيره، وليس بذاته فقط. إن المتناهي هو الذي بطبعه يتجاوز ذاته ليملك طبيعة في شيء آخر. والمتناهي بوصفه حداً Grenze هو ايضاً حاجز Schranke، لأنه مانع مؤقت ينبغي تجاوزه . فالقشرة مثلاً حاجز مؤقت للبذرة عليها أن تتجاوزه لتصبح برعماً، وهذا بدوره يتجاوز حالة البرعمية إلى حالة النبتة المستوية على ساق، وهكذا وهكذا باستمرار. والمتناهي ليس فقط يتحول، شأنه شأن كل الأشياء بوجه عام، بل هو يزول ويختفي. «وهذا الزوال، هذا الاختفاء للمتناهي ليس مجرد إمكان بسيط، يمكن أن يتحقق أو لا يتحقق، بل إن طبيعة الأشياء المتناهية هي بحيث أنها تحتوي في باطنها على جرثومة زوالها، جرثومة تكون جزءاً منها لا ينفصل عنها: إن ساعة ميلادها هي في الوقت عينه ساعة موتهام (.W.L ح١ ص١٧). لكن هيجل يخفف من وقع هذه النتيجة المثيرة للحزن بأن يقول إنه وإن كان التناهي يعني الزوال، فإن هذا الزوال هو أيضاً زائل: «إن الزوال، العدم، لا يكون النهاية الأخيرة، بل هو قابل للفناء ويزول بدوره» (.W.L ح١ ص١١٩). ما يجب أن يكون Das Sollen قلنا إن التناهي حاجز، لكن هذا الحاجز يقتضي أن المنطت المثالي أو منطق هيجل
تتجاوزه، وهذا هو «ما يجب أن يكون» . وما يجب أن يكون» صار يلعب دوراً كبيراً في الفلسفة على إثر قواعد الأخلاق التي وضعها كنت في «نقد العقل العملي» «أنت تستطيع، لأنه يجب عليك» هذه العبارة، المفترض أنها تعني الكثير، هي متضمنة في مفهوم «ما يجب أن يكون» . لأن «ما يجب أن يكون» هو تجاوز الحاجز: ومنه يمحى الحد؛ وهكذا فإن «الوجود - في -ذاته لما يجب أن يكون يصبح علامة الهوية مع الذات» بغض النظر عن الاستطاعة لكن العكس صحيح أيضاً: «أنت لا تستطيع، لأنه يجب عليك» إذ في «ما يجب أن يكون» يوجد أيضاً الحاجز بما هو حاجز وصورية الإمكان تمتلك في داخلها واقعاً هو «أن يكون آخر» كيفياً بالنسبة إلى نفسه، وعلاقاتهما التبادلية تكون تناقضاً، ومن هنا كان عدم-الاستطاعة، أوالاستحالة (.W.L ص ١٢١). إن تجاوز المتناهي يبدأ في «ما يجب أن يكون». وبما يجب أن يكون تبدأ عملية تستمر إلى غير نهاية. . لكن «إلى غير نهاية» هذا ليس هو اللامتناهي الحقيقي، بل هو اللامتناهي الزائف. Die schlechte Unendlichkeit، إذ هو مجرد تراجع أو تقدم - غير محدود، فيه يتحول «الشيء ما» إلى «آخر» إما بالتكرار أو بإعادة التشكيل. إن اللامتناهي الزائف أو الرديء ليس إلا نظراًكيفياً للكثرة لكمية. ٣- اللامتناهي الحقيقي في مقابل هذا اللامتناهي الزائف يقوم اللامتناهي الحقيقي. ويشيد به هيجل بوصفه «التصور الأساسي» Grundbegriff في الفلسفة. يقول هيجل: «اللامتناهي هو نفي النفي، هو الإيجاب، هو الموجود الذي استعاد قوامه بخروجه من تحذده. اللامتناهي موجود فعلاً، وذلك على نحو أقوى وأشد من الوجود الأول المباشر؛ إنه الوجود الحق، إنه التحرر من الحاجز. إن النفس والروح، لدى سماعهما كلمة: اللامتناهي، تشعران أنهما أسرى؛ إنهما يخرجان (١) راجعتغصيلذلكفيكنابنا: «الأخلاقعند كنت» الكويت سنة من التجريد الذي سجنتا فيه ابتغاء الإرتقاء إلى نور الفكر، والكلية والحرية» (.٧٧.1ح١ ص١٢٦) وبصرف النظر عن هذه العبارات الشعرية، ينبغي أن نلاحظ ’ أولا: إن هيجل يربط بين المتناهي واللامتناهي، بحيث يوهم أن اللامتناهي يصدر عن المتناهي، إذ من طبيعة المتناهي أن يتجاوز نفسه وأن ينفي ما فيه من نفي فيصير لامتنا هياً, ثانياً: نراه من ناحية أخرى يؤكد أن اللامتناهي قائم بذاته، لا يتوقف على متناه يبقى أسفل منه. والحق أن هيجل هنا يجد نفسه أمام محرجة dilema لم يستطع الخروج منها ولا إيجاد حل لها وإنما ظل يتخبط فيها طوال عشرين صفحة (.W.L ح١ ص١٢٦ -١٤٦) فهو يؤكد مرة أنهما متمايزان، ومرة أخرى أنهما متضايفان لا يوجد أحدهما إلا مع وجود الآخر، إن اللامتناهي ما هو إلا نفي - أو تجاوز-المتناهي. «فكل واحد منهما يحتوي على «الآخر» في حال محدودة، بينما بحسب تصور التقدم إلى غير نهاية، كل واحد منهما يجب أن يستبعد الآخر، وعليهما أن يتلو كلاهما الآخر على التبادل. ولا واحد منهما يمكن أن يوضع ولا أن يتصور دون ا لآخر: ا للامتنا هي دون المتناهي، أو هذا دون ذاك. وحين نقول إن اللامتناهي هو نفي المتناهي، نحن نعبر أيضاً عن هذا الأخير، ومن المستحيل الاستغناء عنه في تعريفنا للامتناهي. حسبنا أن نعرف ما نقول، كيما نجد المتناهي ي تعريف اللامتناهي» (.W.L ح١ ص١٣٢ - ١٣٣) ذلك أن المتناهي واللامتناهي متضايفان: فالمتناهي يقتضي نفيه وذلك هو اللامتناهي. والأمر هاهنا مثل الأمر في العلة والمعلول: فكلاهما متضايف مع الآخر: فلا علة بغير معلول، ولا معلول بغير علة. والتسلسل إلى غير نهاية يسميه هيجل: اللامتناهي الرديء أو الزائف. أما المتناهي الحقيقي فهو التكامل الذاتي لشيء ما إن المتناهي الحقيقي ليس الحد النهائي في سلسلة من التقدم غير محدودة، ولا هو المقابل للمتناهي، بل هو المركب من المتناهي واللامتناهي الزائف لغيريتة هو، أي الجهد غير التام لإكمال نفسه في المنطق المثاليأومطقهيجل
متناه آخر للكثرة. واللامتناهي الحقيقي هو حقيقة المتناهى، وهو الذي يرفع المتناهي ولا يقوم إلى جواره إن اللامتناهي الحقيقي هو "الصائر» das werdende، أيماهو في حالة صيرورة مستمرة. وكما في كل مجال ديالكتيكي، نجد هنا أيضاً ثلاثاً يتألف من: المتناهي، اللامتناهي الزائف، واللامتناهي الحقيقي ٠ إن اللامتناهي الحقيقي هو وجوده لذاته . Fürsichsein ح - الوجود - لذاته وهذا يقودنا إلى الحديث عن الوجود - لذاته. وهيجل في منطق «الموسوعة» يعرفه هكذات «الوجود لذاته هو الصفة التامة، وبهذه المثابة هو يحتوي على الوجود والآنية بوصفهما لحظتيه التصوريتين ٠ إن الوجود - لذاته، من حيث هو وجود، هو العلاقة البسيطة مع ذاته. وبوصفه آنيه : هو الوجود المتعين. وهذا التعين لم يعد التعين المتناهي لا "شيء ما» في اختلافه عن الغير، بل هو التعين اللامتناهي الذي يحتوي فى داخله على الاختلاف وقد «رفع»(١) aufgehoben» («منطق الموسوعة»، ترجمة4]ع٧ح١ ص ٤٣١ ). وفي «علم المنطق» (أو «المنطق الكبير») يعرفه هكذا: "الوجود - لذاته هو الوجود الكيفي التام؛ إنه الوجود اللامتناهي ٠ إن الوجود الأولى غير محدد ولا معين . والآنية هي الوجود المرفوع، لكن فقط على نحو مباشر. فهي تحتوي إذن وقبل كل شيء على النفي الأول، الذي هو بدوره غير مباشر؛ صحيح أن الوجود يبقى أيضاً وأن (١) الفعل aufheben (والاسم هو Aufhebung) ذو معنيين متضادين في اللغة الألمانية (أي أنم من الأضداد)، فهر يدل على الرفع بمعنى لإزالة والمحو، ويدل أيضا على الإبقام والمحافظة. وسنتوجه حسي المعنى المقصود في السياق، والملاحظ أن المعنى الأول هو الأغلب استعمالا عند هيجل «والرفع، اصطلاح شانع في المنطق العربي بمعنى الاستبعاد والإزالة، كما في قولنا قانون الثالث المرفوع (: المستبعد)، حالة الرفع (= الاستبعاد) في القياس الشرطي المتصل، الخ رالرفع بهذا المعنى يفابله الرضع ٠ ٠ راجع منطق الموسوعة» (ح١ ص٤٣٣ ترجمة Vera). كليهما يوجد مع الآخر في الآنية على شكل وحدة بسيطة، بل ومن أجل هذاهماغير متساويين في ذاتيهما ووحدتهما لم توضع بعد. . ولهذا السبب فإن الآنية هي مجال الاختلافات، والثنائية، ومجال التناهي والتحديدهو تحديد بما هو كذلك، إنه نسبى إنه ليس وجوداً - محدداً مطلقاً I في الوجود بذاته الاختلاف بين الوجود والتحديد، الذيهو سلب، يوضع ويختزل : الكيف، وجود- الغير، الحد، وكذلك الواقع، الوجود- في ذاته، الواجب أن يكون، الخ . . . هذه كلها أوصاف ناقصة لسلب الوجود الذي يقوم على الاختلاف بين كليهما٠ لكن سلب المتناهي المؤدي إلى اللامتناهي، إلى السلب الموضوع للسلب ينشأ عنه، بالنسبة إلى السلب، علاقة مع ذاته، وتصالح مع الوجود : أعني حالة معينة. . أو معين مطلق. إن الوجود - لذاته هو في المقام الأول، الواحد، أي ما هو من أجل ذاته. وفي المقام الثاني يصير الواحد أحادات متعددة : طرد : فذلك الوجود للغير للواحد يختفي في تصوريته : جذب . وفي المقام الثالث، يكون ثم تعين متبادل للطرد والجذب، بعده يحدث فيها توازن : والكيف الموجود في الوجود - لذاته يبلغ تعبيره ا لأقصى، ويتحول إلىكم". (علم المنطق» د١ ص١٤٧). ومعنى هذا التعين أن الوجود - لذاته هو ينفي نفيه فيؤكد إيجابه. إنه بعد أن تحدد، وبالتالي جرى عليه السلب، يقضي على هذا السلب، فيثبت بهذا ذاته ولهذا يكون الوجود لذاته في علاقة مع ذاته، بعد أن كان في علاقة مع الغير وفي الإضافة Zusatz التي ألحقها هيجل بالنص الأول يسوق مثلاً للوجود - لذاته هو: الأنا. ذلك أن «الأنا» das Ich، وأن كان آنيا، أي وجوداً متحققاً مع الغير وعلى علاقة بالآخرين، فإنه حين يعي ذاته فإنه يتجرد عن الأغيار (جمع: غير؛ وهو اصطلاح كثير الاستعمال عند الصوفية المسلمين، ويقولون عادة: السوى، والأغيار) ويركز على ذاته، فيصير وجوده هو وجود ذاته، أي وجود - لذاته. إن الوعي الذاتي عودة إلى الذات وتجرد عن السوي والأغيار. ريقول هيجل إن وعي الإنسان بذاته هو الذي يميز الإنسان من سائر الحيوان ومن الطبيعة. فالكائنات الطبيعية ليس لها وجود - لذاته، بل وجودها هو داثماً وجود - للغير. ٢٩٢ المنطق المثالي أو منطق هيجل أما قول هيجل في النص الثاني «إن الوجود لذاته هو , في المقام الأول - الواحد» فلا يعنى يه الواحد المعروف في الكم، بل الواحد هنا كيفي محض، ويعني به ما هو في علاقة مباشرة ذاته، وما يملك ذاته؛ إنه السلب الكيفي للسلب مباشرة والواحد هنا لامتناه حقاً، ولهذا هو لا يفقد ذاته في السوي والأغيار. فالواحد هنا قريب من وصف الله بأنه واحد، إذ نحن في هذا الوصف لا نقصد أن الله واحد بين كثرة وإنما الوحدة الإلهية وحدة كيفية محضة . إن الله واحد لذاته، لا بالنسبة إلى غيره. و«الوجود - لذاته والوجود - للواحد ليسا معنيين مختلفين في المثالية Ideali tat بل هما لحظتان جوهريتان غير قابلتين للانفصال عن هذه المثالية» (.W.L ح١ ص ١٥٠) وهنا يقرر هيجل أنه «ينبغي تصور الوجود - لذاته بعامة على أنه مثالية Idealitat ، بينما لآنية هي ٠ . الواقع. وبالجملة نحن نعد المثالية والواقع أنهم تحديدان موضوعان الواحد منهما في مواجهة I لاخر ولكل منهما استقلال مثلما للآخر، ونقول - وفقاً لوجهة النظر هذه -إنه خارج الواقع Reali tat يوجد أيضاً المثالية. ومع ذلك فإن المثالية ليست شيئاً يوجد خارج الواقع أو إلى جانبه، بل فكرة المثالية تقوم صراحة في هذا: أعني أنها حقيقة الواقع، وهذا يعني أن الواقع ينتج ذاته كمثالية بوصفه ما هو في ذاته (أي من حيث أنه متناه، ومن حيث يمتص نفسه في مثالية). لهذا لا يجوز أن نتخيل أننا رددنا إلى المثالية ما هو حقها حينما نقرر فقط أن الواقع ليس هو الكل، وأنه لا بد أيضاً من الإقرار بأنه إلى جانب الواقع توجد أيضاً المثالية .* فهذه المثالية التي ستكون إلى جانب، أو التي ستعت دائماً أنها فوق الواقع، لن تكون في الحقيقة إلا كلمة جوفاء. إن المثالية لا مضمون لها إلآ من حيث أنها مضمون لشيء ما. وهذا الشيء ما ليس هذا أو ذاك مما هو غير معين، بل هو الآنية المتعينة على شكل واقع، الأنية التي، منظوراً إليها في ذاتها ومحددة بحدودها، ليس لها حقيقة. لقد كان من الصواب بمعنى من المعاني أن نتمثل الفارق بين الطبيعة والروح (أو العقل) بحيث يكون التعين الأساسي للطبيعة هو الواقع، بينما المثالية تكون التعين الأساسي للروح. لكن الطبيعة ليست كرة ثابتة، تامة، توجد لذاتها ويمكن أن توجد بدون الروح، بل لأمر بالعكس وهو أن الطبيعة لا تصيب غرضها وتنال حقيقتها إلا في الروح؛ ولهذا السبب عينه ليست الروح كرة مجردة قائمة وراء الطبيعة، بل هي لا تكون روحاً حقة، وا تؤكد نفسها ذلك إلاً بقدر ما تحتويعلى، وتمتص في داخلها الطبيعة" («منطق الموسوعة» ط١ ص٤٣٢ ، ترجمة Véra). وهنا يؤكد عيجل أن كل فلسفة حقة هي مثالية، ذلك لأنه لا طبيعة بدون عقل، ولا عقل بدون طبيعة. وكل ما هو عقلي واقعي، وكل ما هو واقعي عقلي وفي هذه العبارة الأخيرة مفتاح فلسفة هيجل كلها. إنه لا يضع العقل في مقابل الطبيعة، ولا هذه في مقابل ذاك، بل العقل والطبيعة أمر واحد ولا ينفصلان. وكلاهما وجه لشيء واحد أحد. وسيكون لهذا فضل بيان في ثنايا هذه المادة. القسم الثاني الكم الكيف تحديد أولي مباشر أما الكم فهو تحديد لا يكترث للوجود. ذلك أن «الكم هو الوجود المحض حيث التعين لا يوضع بعد بوصفه في وحدة مع الوجود هو نفسه، وإنما بوصفه موضوعاً أو منبوذاً على السواء» («منطق الموسوعة» ح١ ص٤٤٣ ، ترجمة Vera) ٠ ولقد اعتاد علماء الرياضيات أن يعرفوا الكم بأنه «ما يقبل الزيادة والنقصان». لكن هيجل يعترض على هذا التعريف، لأنه يرى أن معنى هذا التعريف هو أن الكم، على عكس الكيف، لا يكترث للتغير. وذلك لأن هذا التقريق يقتضي أن الزيادة أو النقصان لا علاقة لهما بالكيف، مع أن الكيف هو الآخر يقبل الزيادة والنقصان. وإذن ليس "قبول الزيادة والنقصان» هو خاصية الكم وحله. وإنما الخاصية الحقيقية المميزة للكم من الكيف هي أن الكم خروج عن الذات، خروج للعقل عن ذاته، أما الكيف فقائم في ذات العقل غير متخارج عنه * وكما كان للكيف ثلاثة أقسام هي: الوجود، والماهية، والوجود لذاته, كذلك للكم ثلاثة أقسام هي: المنطق المثالي أو منطق هيجل ٢٩٣ الكم المحض، ومقدار الكم Quantum، ودرجة الكم. «والكم درجة من التصور، وبوصفه كذلك هو يلعب دوراً أولاً بوصفه مقولة منطقية، وئائياً في العالم الموضوعي، في عالم الطبيعة وفي عالم العقل (أو الروح) لكن يمكن أن نشاهد أيضاً أن التحديدات الكمية لا تتساوى في الأهمية لدى عالم الطبيعة ولدى عالم العقل. في عالم الطبيعة حيث التصور يبدو كأنه شيء غير ذاته وعلى أنه خارج عن ذاته، فإن للكم من أجل هذا أهمية أكبر مما له في عالم العقل، عالم الحياة الباطنة الحرة freier Innerlichkeit . صحيح أننا قد ننظر أحياناً إلى مضمون العقل من وجهة نظر الكم، لكن من الواضح أننا حين ننظر إلى الله على أنه ثالوث، فإن العدد ثلاثة ليس له نفس الأهمية التي للثلاثة أبعاد في الزمان مثلاً، أو الثلاثة أضلاع في المثلث لأن الحد الجوهري للمثلث هو أنه سطح مستو محاط بثلاثة أضلاع . بل وفي نطاق الطبيعة نفسها ليس للتحديدات الكمية نفس الأهمية فيكلحالة. فإنها أكبر في الطبيعة غير العضوية منها في الطبيعة العضوية، وفي نطاق الطبيعة غير العضوية نجد أن أهميتها في الكيمياء والفيزياء بالمعنى الصحيح أقل منها في الميكانيكا حيث لا نستطيع التقدم خطوة بدون معرفة الرياضيات؛ وهذا هو ما أعطى للرياضيات لقب : «العلوم الدقيقة» في المقام الأول، وأدى - كما لاحظنا من قبل - إلى الأتفاق بين وجهة النظر المادية ووجهة النظر الرياضية البحتة . «والخلاصة لما سبق هي أن نقرر أنه علينا أن نعد من الأخطاء الفاحشة أن نريد إرجاع , وهو أمر يحدث عادة - كل الاختلاف والتعينات التي تقع للأشياء إلى اختلافات وتعينات كمية محضة. صحيح أن العقل أكبر من الطبيعة وأن الحيوان أكبر من النبات. لكننا لن نعلم إلا القليل جدا عن هذه الكائنات واختلافها لو توقفنا عند هذا الأكثر والأقل، بدلاًمن إدراك قابليتها الخاصة للتعين، وفي المقام الأول هنا، قابليتها للتعين الكيفي» («منطق الموسوعة» ح١ ص٤٤٧ -٤٤٨، ترجمة ةةلالم. وهنا يحسن بنا أن نعرض آراء بعض الفلاسفة في الكم: ١ - ونبدأ بأرسطو لأنه أول من تناول مفهوم الكم وحدده بوضوح فقال : يطلق الكم poson على ما يقبل القسمة إلى أجزاء بحيث يكون كل واحد منها، اثنين كانا أو أكثر، واحداً ومفرداً محدداً بحسب طبيعته م والكثرة peth تكون كماً إذا كانت قابلة للحد، ومقداراً megethos إذا كانت قابلة للمساحة. كذلك تطلق الكثرة على ما يمكن تقسيمه إلى ما ليس بمتصل؟ ويطلق المقدار على ما يمكن تقسيمه إلى ما هو متصل («ما بعد الطبيعة» م٥ ف١٣ ، ص ١٠٢٠ أ٧ - ١). وقد أدرج أرسطو الكم بين المقولات العشر، وجعلة تالياً لمقولة الجوهر وسابقاً على مقولتي الإضافة والكيف. ولذلك تناوله في كتاب «المقولات» (فصل ٦) . ويقسم أرسطو الكم إلى متصل ءاحومم٧ ى س ومنفصل «2٧٥ء-•2عرء•ه . فالمتصل هو ما يصطدم بحد مشترك، مثل الخط، والسطح، والجسم، والمكان، والزمان. أما المنفصل فهو على عكس ذلك : ما لا يماس حداً مشتركاً، مثل العدد والقول (راجع «ما بعد الطبيعة» م٥ف ١٣ صم ١٠٢أ٨-١٤؛ «المقولات» ص٤ بس ٢٠ - ص٥ - أ س١٤)، ويقرر أرسطو أن الكم ليس فيه متضادات («المقولات ص٦أ س١٩ - ٢٥)؛ فإن قيل: وما هي حال الكبير والصغير، الكثير والقليل؟ قال أرسطو: إن العلاقة بينهما ليست تضاداً، بل إضافة: فالكبير مضايف للصغير، إذ لا يتصور أحدهما وا يوجد إلا بالآخر، وهذا هو التضايف وليس التضاد؛ وكذلك الشأن في الكثير والقليل. ولم يطرأ على تقرير أرسطو لمفهوم الكم هذا تعديل يستحق الذكر حتى جاء أمانويل كنت في كتابه «نقد العقل المحض» (سنة ١٧٨٣ فنظر إلى المقولات ٠ حسب اللوحة التي وضعها لها(١) - على أنها تصورات قبلية a priori للذهن من ناحية، وأنها من شروط إمكان المعرفة التجريبية بوجه عام من ناحية أخرى٠ ولما كانت المعرفة التجريبية هي تركيبية، فلا بد من إكمال المقولات بواسطة الاسكيمات التي بها تؤلف موضوعات (١) راجعتفصيلذلكفيكتابنا:«إمانريلكنت،، الكريت سنة ١٩٧٧
المنطت المثالي أو منطت هيجل التجربة في المكان والزمان: وفيما يتعلق بمقولة الكم، يقول كنت إن الكم بوصفه تصوراً للذهن قبلياً يمكن من تركيب موضوعات التجربة في الكثرة المكانية — الزمانية للظواهر ومقولة الكم عند كنت تتألف من ثلاثة عناصر هي: الوحدة، الكثرة، الكلية ويقرر أن كل عيان Anscha ung يتضمن مقداراً ممتدك886ة٢ة extensive. والمقدار الممتد هو المؤلف من أجزاء: ففي الهندسة لا بد أن نتصور في المكان نقطاً وخطوطا، وفي علم الحساب لا بد أن نتصور وحدات يتلو بعضها بعضاً في الزمان: «وهكذا فإنني حين أضع خمس نقط الواحدة تلو الأخرى . . فتلك هي صورة العدد ٥» («نقد العقل المحض»، ط B ص١٧٩). وهيجل يأخذ عن أرسطو، ويهاجم كنت. فلننظر في المباحث الرئيسة التي ينطوي عليها مفهوم الكم. ١ - الكم المحض الكم المحض هو الذي ليس له حد بعد، أوليس بعد مقداراً كمياً quantum. والأمثلة على الكم المحض إنما نجدها في المكان، وفي الزمان، وفي المادة بعامة، وفي الضوء، بل وفي الأنا - بشرط ألا نخلط بين الكم والمقدار الكمي. "إن المكان، والزمان، الخ هي امتدادات، وكرات تمثل سيلانا خارج الذات، لكنه سيلان لا يتحول إلى ضده، أعني إلى الكيف أو في الواحد؛ إنما هو يكون، من حيث هو سيلان خارج الذات، إنتاجاً مستمراً وتلقائياً لوحدته. فالمكان هو ذلك الوجود ٠ خارج - الذات المطلق، الذي لا ينقطع أبداً، إنه وجود — للغير مستمر يظل مع ذلك في هوية مع ذاته ٠ أما الزمان فهو خروج -عن-الذات، وتوليد للواحد، من الناحية الزمانية، وتوليد للآن، وإلغاء مباشر لهذا، وإلغاء للإلغاء، بحيث أن هذا التوليد للاوجود هو في الوقت عينه مساواة وهوية مع الذات". (.٧7٧.1ح١ص١٨١). وبهذه المناسبة يتناول هيجل النقيضة الثانية من النقائض الكونية التي ذكرها كنت في «نقد العقل المحض" ، ونعني بها النقيضة المتعلقة بالتقابل بين لحظات الكم، وهي النقيضة الخاصة بامكان القسمة إلى غير نهاية فيما يتعلق بالمكان ، والزمان ، والمادة L لخ . يقول هيجل في نقده لآراء كنت في هذا الموضوع : «إن النقائض Antinomien الكنتية تكون دائماً جزءاً مهماً من الفلسفة النقدية؛ وهي خصوصاً التي أفضت إلى انهيار الميتافيزيقا السابقة، ويمكن عدها أنها هي التي حددت الانتقال إلى الفلسفة الحديثة. وإذا كانت قد أدت إلى هذه النتيجة فذلك خصوصاً لأنه بالابتداء من المضمون فإنها برهنت على بطلان مقولات المتناهي د وهي برهنة أصح كثيراً من البرهنة، الشكلية الخالصة، التي قامت بها المثالية الذاتية، والتي تقول إن عيب هذه المقولات يقوم فقط في كونها ذاتية، لا فيما هي عليه في نفسها وهذه البرهنة، برغم فضلها الكبير، ناقصة جداً: ففضلاً عن أنها مشوشة مضطربة، فإنها تؤدي إلى نتيجة يمكن أن توصف بالمفارقة paradoxal لأنها تفترض أن المعرفة لا تقتضي أشكالاً أخرى للفكر غير المقولات المتناهية. ومن كلتا الناحيتين تستحق هذه النقائض نقداً أشد عمقاً يهدف إلى إيضاح وجهة النظر والمنهج كما يهدف إلى تخليص النقطة الرئيسة، موضوع البحث، من الشكل الزائف الذي فرض عليها قهراً والذي لا يفيد إلا في جعلها بمعزل عن التبين» (.W٠L ح١ ص١٨٣). ويرد هيجل على كنت قائلاً: إنه يلاحظ أن كل تصور، أياً ما كان، هو قابل لأن تكون له نقائض، وهو أمر أدركه مذهب الشكاك اليونانيين. ثانياً: إن كنت لم يشهد التناقض في التصورات نفسها، وإنما في الشكل العيني للتمديدات الكوسمولوجية. ولإدراك النقيضة في حالة محضة، كان لا بد من تصور المقولات، لا في تطبيقاتها وامتزاجها مع امتثال العالم، والزمان والمكان والمادة الخ، وإنما خارج هذا الموضوع الذي لا يملك قوة كافية كيما يصير جديراً بأن ينظر إليه في حالة محضة وفي ذاته وينتهي هيجل إلى القول بأن نقيضة المكان أو المادة فيما تتعلق بإمكان تجزئتها إلى غير نهاية أو عدم إمكان ذلك «ليست شيناً آخر غير القول بالكم مرة بوصفه متصلاً، ومرة أخرى بوصفه غير متصل. فإذا لم نتصور المكان والزمان الخ إلا وفقاً لتحديد الكم المتصل، فإنها المنطق المثالي أو منطق هيجل
ستكون قابلة للقسمة إلى غير نهاية. أما إذا تصورناها وفقاً لتحديد الكم المنفصل، فإنها ستحتوي على قسمة أخيرة وستتألف من أحادات غير قابلة للقسمة ٠ وكل واحد من هذين التحديدين يستبعد الآخر» («منطق الموسوعة»، ترجمة Vera ح١ ص٤٤٩) . ٢ - المقدار الكمي Quantum المقدار الكمي هو الكمية المحددة. «إن المقدار الكمي هو آنية الكم، بينما الكم المحض يناظر الوجود، بينما الدرجة. . . تناظر الوجود — لذاته» («منطق ا لموسوعة» ح١ ص ٠ ٥ ٤ ترجمة Vera) . ويميز هيجل بين العدد بعامة Zahl، والعدد الجامع anzahl - وهو ما هو مجموع معين من الأحادات، والوحدة هي الصفة العامة لما هو مؤلف من أحادات. والعمليات الحسابية تنتج أعداداً بطريقة عارضة محضة ٠ فنحن في العملية الحسابية نضيف وحدات كل واحدة منها خارجة عن الأخرى. وتوقفنا عند عدد بعينه ٧ أو ٨ مثلاً هو أمر اعتباطي خالص. وكل وحدة تضاف هي في هوية مع، واختلاف عن، آخر وحدة. فهذا هو التخارج الذاتي الذي هو خاصية الكم. والمقدار النسبي والمساواة أو اللامساواة للأعداد المضافة - هذه مسألة عارضة. ولهذا - هكذا يرى هيجل، أخطأ كنت حين عد القضية «٥٧= ١٢» قضية تركيبية( ). إنها مجرد ربط خال من التصور وعملية الطرح هي مثل عملية الجمع. وكذلك الحال بالنسبة إلى الضرب والقسمة: ليس بينهما اختلاف من حيث المبدأ. فنحن في الضرب نضيف مجموعاً من الوحدات، كل واحدة منها هي أيضاً مجموع (أو حاصل جمع). ولهذا يستوي أن نقول: ٤ مرات ثلاثة، أو ثلاث مرات أربعة وفي عملية القسمة القاسم هو العدد الجامع anzahl، وخارج القسمة هو الوحدة Einheit. والمقدار الكمي متناه، شأنه شأن كل ما هو ذو حد؛ وفي الوقت نفسه هو يتجاوز نفسه، إذ ينفي حده (١) القضية التحليلية هي التي يكون فيها المحمرل متضمناً في مفهوم الموضوع؛ والفضية التركيبية هي التي فيها المحمول غير متضمن في مفهرم الموضوع. ويصبح آخر. ومن هنا كانت لا نهايته فهو متناه في ذاته، وا متناه في غيره. «وا نهايته تقوم أولاً في عدد محدوديته، وثانياً في عودته على نفسه، في وجود - لذاته في حالة سوية. وبمقارنة هاتين اللحظتين نشاهد أن الطبيعة، المتناهية للمقدار الكمي، وتجاوزه لذاته نحو آخر فيه يجد تحدده - بميزان اللامتناهي: فإن نفي الحد يكون نفس تجاوز الحد، حتى إن المقدار الكمي يحظى بتحدده في هذه المقولة، أعني مقولة اللامتناهي 1 واللحظة الأخرى للامتناهي هي الوجود - في - ذاته، بصرف النظر عن الحذ؛ لكن المقدار الكمي هو نفسه محدد بحيث أنه في ذاته لا يكترث لحده، وتبعاً لذلك لا يكترث لمقادير كمية أخرى ولما يتجاوزه، فالتناهي واللاتناهي (الرديء ، ذلك الذي ينبغي أن يفصل عنه) يحتوي كل واحد منها، في المقدار الكمي، على لحظة الآخر» ح١ ص٢٢٢ - ٢٢٣). وهذه اللانهائية الزائفة تعد عادة على شكل تقدم من الكمي إلى اللامتناهي: أي التجاوز المستمر للحد، وهو أمر يرجع إلى عجز العقل عن القضاء على الحد٠ وينظر إلى هذه اللانهاية على أنها أمر في غاية السحر، وأنها الكلمة الأخيرة للفلسفة. لكن هذا السحر لا يجعل الموضوع عظيماً، بل يجعل العقل أو الذات عظيماً، لأنه هو الذي يمتص مثل هذه المقادير الكمية الهائلة. وقد أشاد كنت بهذا التدرج إلى غير تهاية، وبهذه اللانهائية التي فيها العقل أو «الذات تسمو بالفكر فوق المكان الذي نشغله، وتحقق تركيبات تزداد سعة، حتى تصل إلى ا للامتنا هي: مضبفة نجوماً إلى نجوم، وعوالم إلى عوالم، ونظماً فلكية إلى نظم، ناسبة إلى حركاتها الدورية، وإلى بداياتها ومردها أزمنة لا محدودة. لكن التصور يشعر بالعجز أمام هذا التقدم نحو البعيد اللامحدود، حيث العالم الأبعد يقتضي عالماً أكثر بعداً، وحيث الماضي، مهما تصورناه سحيقاً جداً، لايزال وراءه ماضي أكثر سحقاً، وحيث المستقبل، مهما تصورناه بعيداً، لايزال أمامه مستقبل أكثر بغداً. إن الفكر ينهار أمام هذا التصور الذي يتجاوز كل مقياس؛ وهذا السير دون توقف صوب هدف لا يستبصر أبداً، ينتهي بالسقوط أو الدوار» (كنت: «نقد العقل العملي»، الخاتمة).
المنطق الثالي أو منطق هيجل ويعلق هيجل على هذا الوصف الرائع بقوله: هذا النص رائع، ليس نقط بسبب وفرة الصور التي استخدمها كنت في وصف مضمون هذا السمو الكمي، بل وأيضاً وخصوصاً بسبب الصراحة التي عبر بها كنت عما عست أن يؤدي إليه هذا السمو، أعني: هزيمة الفكر، والسقوط، والدوار. والسبب في هذم الهزيمة وهذا السقوط وهذا الدوار ما هو إلا الملال الناجم عن التكرار الذي يجعل حداً يختفي وحداً آخر يظهره، كيما يختفي بدوره مر. جديد، فيتوالى الاختفاء والظهور من جديد ويقتضي كلاهما الآخرم الذي منهنا في الذي هناك، والذي هناك في الذي هنا، بحيث لا يبقى إلا الشعرر بالعجز الناجم عن هذا اللامتناهي أو هذا الذي يجب أن يوجد، وخيبة الامل الناشثة عن الرغبة في الاستيلاء على ما يتجاوز المتناهي، واستحالة إرضاء هذه الرغبة» ويذكر في «منطق الموسوعة» أن الشعراء، وخصوصاً هتر Haller وكلوبستوك Klopstock كثيراً ما يلجأون إلى هذا التصوير للاتناهي، ابتغاء الايحاء بتصوير ليس فقط للطبيعة، بل وأيضاً لله ٠ ويستشهد بقصيدة لهلر يصف فيها لانهائية الله فيقول: «إني أكذس أعداداً بغير نهاية وملايين الجبال وأضيف زماناً إلى زمان وأضم عالماً إلى عالم، وحين أنصرف عن هذا العلو الرهيب وأتوجه إليك أنت، وأنا في دوار: فإن كل توة للأرقام تتزايد آلاف المرات لا تكون جزهاً منك أنت» لكن هيجل لا يفسر القشعريرة أمام هذا الرقم اللانهائي إلأ على أنها ناجمة عن الملال الذي ينشا في النف بسبب التكرار المستمر لهذه الواقعة وهي أننا نضع حداً ثم نمحوه، وهكذا باستمرار مما يجعلنا نراوح في نفس المحل. كما يفسر اليت الأخير من هذه القصيدة والذي يقول : إني أشيح بوجهي عنك، ومع ذلك فانت جميعك امامي،. هذا البيت . أقول - يفسره هيجل بأنه يعبر عن هذه الفكرة وهي أن «اللاتناهي الحقيقي يجب أا يعد شينا قائماً بعد المتناهي، وأنه كيم نصل إلى الشعور باللامتناهي الحقيقي ينبغي علينا أن نلغي هذا التقدم إلى غير نهاية» («منطق لموسوعة»ح١ ص٤٦٢ - ٤٦٤، ترجمة Vera) . الدرجة وحدات العدد متخارجة تماماً بعضها عن بعض. لكن العدد من حيث هو حد هو عدد جامع anzahl . ولهذا فإن التخارج المتبادل للوحدات إنما يتعلق بعددها الجامع، وا يتوقف على شيء خارجها ولهذا فإن العدد الجامع في هوية مع الحد وبالجملة فإن العدد، بما هو عدد، هو كل العدد الجامع، أعني أنه مركب الوحدة والعدد الجامع: إنه مقدار كمي ممتد. والدرجة هي مقدار كمي، لكنها ليست كثرة Menge في داخل ذاتها مثلما هي الحال في المعدد وحينما ينتقل المقدار الكمي من العدد إلى الدرجة، فإن الوحدات لا تعود بعد متخارجة على التبادل؛ إنها تتحالف في الوحدة المحذدة، التي تصبح بذلك درجة وليست مجرد وحدة - والدرجة تتضمن التقدم أو التقهقر، وهكذا فإن الصعود أو النزول في سلم من الدرجات يصبح تقدماً مستمرا وفيضا من التغير غير المنقطع وغير المنقسم - اللامتناهي الرياضي للامتناهي الرياضي نتائج مهمة في الرياضيات والتعريف العادي للامتناهي الرياضي هو أنه : لا يوجد مقدار بعده لا يوجد مقدار أكبر منه، إذا كان هو لامتناهي الكبر؛ أما إذا كان لامتناهي الضغر فإنه لا يوجد مقدار أصغر منه؛ أو بعبارة أخرى: المقدار اللامتناهي في الكبر هو أكبر من أي مقدار، والمقدار اللامتناهي في الصغر هوأصغر من أي مقدار آخر. ويعرف المقدار في الرياضيات بأنه ما يقبل الزيادة أو النقصان. يإذن ليس اللامتناهي في الكبر أو في الصغر مقداراً، لأنه لا يقبل الزيادة في الحالة الأولى، ولا المنطق المثالي أو منطق هيجل
النقصان في الحالة الثانية. وقد رأى كنت في هذا الأمر نقيضة لا سبيل إلى حلها. وجاء هيجل واستلهم اسبينوزا لحل هذه المعضلة. ذلك أن اسبينوزا يميز بين نوعين من اللامتناهي : اللامتناهي في الخيال وهو ما لا يتناهى عند حد، واللامتناهي بالفعل infinitum actu وهو ماهو في علاقة مع ذاته، أو ما هو تام وحاضر بالفعل, فالكسر ٢/ ٧ إذا ترجم إلى نسبة عشرية كان ٢٥٨٧١٤ و وتستمرالكسور إلى غير نهاية - وهذا هو اللامتناهي في الخيال أو الوهم أو الظن، لأنه ليست له أية حقيقة واقعية. لكن إذا نظرنا إلى هذه الأعداد الكسرية على أنها أعداد موجودة في السلة وعلى أنها تنقصها أعداد تالية فإن هذا يعده اسبينوزا لامتناهياً بالفعل. فجاء هيجل وقال إن ٧/٢ هي نسبة، وهذه النسبة ثابتة، لأنها ستكون هيهيلوقلنا-بدلاً من ٧/٢-: ١٤/٤، ٢/٦، ٢٨/٨، ٣٥/١٠، الخ، الخ. "وفي هذا التصور للامتناهي الرياضي يرتفع المقدار الكمي إلى وجود كيفي؛ لقد وضع على أنه لامتناه حقيقي، إنه لم يزفع بوصفه مقداراً كمياً هو كذا أو كذا، بل من حيث هو مقدار كمي فحسب؟. (.W.L ح١ ص ٢٥٤). والخلاصة أن هيجل يرى أن اللامتناهي الرياضي الحقيقي يتصف بانه كيفي، ومن هنا كان حقيقياً واقعياً. وقد بالغ في الإسهاب في هذا الموضوع بحيث استغرق منه أربعين صفحة (ح١ ص٢٣٩ - ٢٧٨). فليرجع إليها من أوتي القدرة على متابعتة هاهنا! ومثل هذا سيفعله في التعليقة التالية (رقم ٢) والتي تدور حول «الغرض من حساب التفاضل مستخلصاً من تطبيقه». (.ط.٧٧ح١ ص٢٧٨-٣٠٩). الحسية وهكذا نصل إلى النسبة، والنسبة على ثلاثة أضرب: أ - نسبة مباشرة، وفيها لا يظهر الطابع الكيفي بما هوكذلك؛ ب - النسبة غير المباشرة، وفيها نفي أحد المقادير الكمية الذي يوضع في نفس الوقت الذي يوضع فيه تغير الآخر؛ وتسمى أيضا: النسبة العكسية؛ ج-النسبة بالقوة؛ وهي النسبة التي ترجع إلى ذاتها والتي تتجلى على أنها مجرد انتاج للمقدار الكمي بواسطة ذاته. في النسبة المباشرة يعبر الأس عن العلاقة الذاتية التي للمقدار الكمي، وأعداد البسط والمقام يمكن أن تتعدد إلىغير نهاية. وفي النسبة العكسية يكون المقدار الكمي في علاقة نفي مع ذاته. وفي النسبة بالقوة لا يهم تنوع الحدود، ويصبح المقدار الكمي نفياً للنفي، والنسبة تصبح كيفية خالصة، يمكن تعريفها بان نقول إن المجموع هو الوحدة نفسها، وأن المقدار الكمي هو - في وجوده الغيري - في هوية مع ذاته ٠ ٣-المقياس «المقياس هو المقدار الكمي الكيفي، وأولاً بوصفه مقداراً كمياً كيفياً مباشراً. إنه مقدار كمي يرتبط بآنية، أو كيفية I والمقياس، بوصفه وحدة جامعة بين الكيف والكم، هو الوجود القائم. إننا حين نتحدث عن الوجود، فإنه يبدو أولا على أنه لحظة مجردة تماماً وغير متعينة. لكن من طبيعة الوجود أنه يحدد نفسه؛ وهذا بالقدر الذي به يبلغ تمام تعينه . ويمكن أيضاً أن نعد المقياس تعريفاً للمطلق، وذلك بمقتضى وجهة النظر التي تقول عن الله إنه مقياس كل الأشياء» . («منطق الموسوعة» ح١ ص ٤٧٤ ترجمة Véra) . وتفسير هذا هو أننا نجد المقياس، وهو في ذاته كمي، مرتبطاً بالكيف في الطبيعة: إذ كل التركيبات الكيماوية هي نسب كمية تؤدي إلى صفات أو كيفيات. مثلاً: كب أ يد. (حمض الكبريتيك، ويتألف من كبريت بنسبة ١ ب اكسجين بنسبة ٤ ، وهيدروجين بنسبة ٢. وفي الموسيقى نجد أن درجة النغمة الصوتية تتوقف على الذبذبات الهوائية, وفي الطبيعة العضوية نجد المقياس رابطة جوهرية بين الحجم والتركيب. وهكذا نجد أن كل موجود واقعي له مقياس المنطق المثالي أو منطق هيجل
خاص، أعني نسبة بين العناصر التي يتألف منها، وخارج هذه النسبة فإنم لا يبقى صحيح أن النوع الواحد من الكائنات تختلف مقايسه : فثم إنسان سمين واخر نحيف، وثم نوع من الشجر ضخم وآخر صغير البنية ٠ بيد أنه يلاحظ أن زيادة المقياس لا تستمر طويلاً، بل لا بد أن تنتهي عند حد معين : فإذا وجد إنسان طوله متران وربع متر، فإنه لا يوجد إنسان طوله عشرة أمتار، ناهيك أن يكون عشرين أو ثلاثين أو مائة ٠ إن المقياس يتراوح بين مقادير كمية محددة، متوسطها هو الذي يعد المقياس الخاص بكلكائنكان. إن المقياس مقدار كمي لكيفية معينة ٠ لكنه ليس «تصوراً» في ذاته، لان المقياس أمر خارجي واصطلاحي ويطبق هيجل فكرة المقياس في ميدان العلوم الروحية، أو الإنسانية كما يقال عادة اليوم. ففي السياسة نجد أن الدستور السياسي يراعي فيه مساحة الدولة وعدد السكان، و«التشريع يختلف بحسب عدد السكان ومساحة الدولةة فتشريع كانتون canton صغير في سويسرا لا يناسب دولة كبيرة، كما أن تشريع الجمهورية الرومانية لم يسن لكي يطبق على المدن الصغيرة في الأمبراطورية الألمانية» («منطق الموسوعة» ح١ ص٤٧٨ - ٤٧٩ ، ترجمة Vera). وفي الديانة اليونانية نجد الإلاهة «نمسيس» Nemesis مهمتها هي أن تعاقب على الإفراط في الكبرياء أو في الهناء، فهي تمثل المقياس ٠ والقاعدة العامة في الأخلاق اليونانية تقول: تجنب الإفراط وأفلاطون أوضح العلاقة بين المقياس والكم في محاورة «السياسي" poloticus (٢٨٣د - ٢٨٥ح). ونجد الغريب في هذه المحاورة يقسم المقياس إلى معنين : مقياس لقياس الكمية النسبية، وآخر لقياس الإفراط والتفريط أو الزيادة المفرطة والنقص الفاحس. ونحن نعلم جيداً أن أرسطو جعل المقياس، بمعنى النسبة الوسطى، أو الوسط، هو معيار الفضيلة، إذ الفضيلة عنده وسط بين طرفين، أو اعتدال بين الإفراط والتفريط. وتحت باب المقياس يبحث هيجل في ثلاثة مسائل في «منطق الموسوعة»، وفي ١٥ مسألة في «علم المنطق» («المنطق الكبير«)، وحسبنا هنا أن نشير إلى ما يقوله في «منطق الموسوعة» فالمسائل الثلاث التي يثيرها فيه هي : (أ) القاعدة أو المعيار، أي الطابع العام للمقياس؛ (ب) ما لا مقياس له((ح) اللامتناهي الحقيقي للمقياس (أ) القاعدة أو المعيار المقياس هنا يتخذ شكل سلم من الدرجات، يحدث فيها تغير كيفي في بعض النقط فقط . والزيادة أو النقصان على سلم الدرجات تتنامى بالتزايد الحسابي فالأجسام الصلبة تتحول إلى سوائل، والسوائل إلى غازات وفقاً لدرجات الحرارة التي تتعرض لها؛ ودرجات النغمات في السلم الموسيقي تتغير وفقاً لتقدم الانسجام. وفي كلتا الحالتين يحدث تغير كيفي محدود. يقول هيجل «إذا ما تجاوزنا من جانب أو من آخر، المقياس الذي حددته العلاقات الفردية، فإننا نشاهد حينئذ ظهور الطبيعة الكيفية للمقياس" («منطق الموسوعة ا ح١ ص٤٧٨ ترجمة véra). وهذه الفكرة هي التي بالغ في استغلالها والتوسع قيها كارل ماركس حتى ذهب إلى أن الكم يتحول إلى كيف بمجرد الزيادة أو النقصان, وهذا التوسع لم يقصد إليه هيجل، وإنما قتصر - كما قلنا منذ قليل - على القول بأنه في حالة تعرض المقياس للزيادة قد يحدث أحياناً تغير في الكيف محدود وعارض ولم يجعل من هذا القول قاعدة عامة، بل مجرد وصف لحال عارضة قليلة الحدوث محدودة الأحوال. (ب) ما لا مقياس له Das Maaslos «أما انتفاء المقياس - ما ا مقياس له - فهو أولاً تجاوز المقياس - بفضل طبيعته الكمية - إلى ما فوق تعينه الكيفي العيني. لكن لما كانت الحالة الكمية الأخرى، وهي أسباب مقياس الحالة الأولى، هي أيضاً كيفية، فإن انتفاء المقياس هو أيضاً مقياس؛ فهذان الانتقالان - من الكيف إلى المقدار الكمي، ومن المقدار الكمي إلى الكيف — يمكن بدورهما أن يمثلا بتقدم لامتناه — مثل اطراح المقياس واستعادته في انتفاء المقياس. ذلك أن ما يحدث في الواقع هو أن المباشرة التي تعود إلى المقياس بما هو كذلك، قد ئحيت جانباً؛ لكن الكيف والكم يوجدان فيها بوصفهما مباشرين، ولي المقياس إلا
المنطق المثالي أو منطق هيجل هويتهما النسبية» («منطق الموسوعة» ح١ ص٤٧٩ -٤٨٠، ترجمة vera) . لكن الوجود غير المحدود للدرجات يعد لامتناهياً زائفاً. (ح) اللامتناهي الحقيقي للمقياس لكن يتبين أن المقايس في تراجعها هي في حالة هوية: فإن الكم والكيف قد صار كل واحد منهما سواء gleichgültig بالنسبة إلى الآخر، ولم يعد ثم بينهما خلاف. ذلك أن كل واحد من الحدين قد نفي نفسه ليجد نفسه في نفي مضاده؛ وكل واحد منهما يجعل من هذا المضاد لحظة من ذاته هو، ولهذا يرتفع كل واحد إلى اللامتناهي الحقيقي. وهذا اللامتناهي لم يعد لانهائية الكيف المحض، وا لانهائية الكم، بل هو لاتهائية الموجود الكلي، التي تظل هي هي خلال كل التغيرات الكمية أو الكيفية. إذن التغير هنا في الوقت نفسه بقاء واستمرار؛ إنه وجود واحد هو الذي يتجلى في تعينات مختلفة. ولا معين منها هو وجود مستقل، إنما هي أحوال وعوارض زائلة لموضوع ثابت أبداً خلاصة نظرية الوجود الوجود المحض والعدم المحض سيان، لأن كليهما ليس بمتعين. لكنهما فى الوقت نفسه يتميزان تميزاً مطلقاً، لان كليهما يزول مباشرة في نقيضه وحقيقتهما إنما تقوم في حركة زوال أحدهما في الآخر، وهذه الحركة هي الصيرورة . وفي الصيرورة يتحد الوجود والعدم ■ والصيرورة تفضي بدورها إلى مفهوم آخر هو الكيف والوجود ذو الكيف هو الآنية، أي الوجود المتحقق العيني. كل آنية محدودة بالغير، بالآخر. وما هو «شيء ما» هو الوجود المحدود بحد هو الآخر. ولا شيء على الأرض أو في السماء إلاً ويحتوي على الوجود والعدم في وقت واحد. والكيف يمكن أن يصير هو ذاته دون أن يحد بغيره، فيكون مجرد علاقة بالذات مع نفسها . وفي هذه الحالة يصبح هو الواحد. وهنالك يكون لوجود واحدا سرمديا ثابتا، وتصير الصيرورة مجرد مظهر خارجي. لكن الحقيقة ليست في الواحد، ولا في مضادها وهو التعدد أو الكثرة؛ إنما هي قي الوحدة الجامعة بين الواحد والمتعدد. وهذه الوحدة الجامعة هي الكم . وهكذا يتلو الانفصال الأساسي في العالم الذزي الاتصال الرتيب للكم المحض بيد أن الوجود لا يستطيع أن يتعين في عدم تعدد الكم، وإلا فني لهذا لا بد للكم أن يتحدد، بأن ينحل إلى كميات محددة بينها علاقات محددة - لكن الكم لا يمكن أن يتحدد تحدداً حقيقياً فعالاً إلا بواسطة الكيف لهذا فإن حقيقة الوجود ليست هي الكيف المحض، وا الكم المحض، بل الوحدة الجامعة بينهما، وهذه الوحدة هي المقياس , ولهذا فإن الوجود هو مجموع الآنيات ذوات الكيف والكم معاً . وهي بكميتها يتوقف بعضها على بعض ويتكافل معه وينفذ بعضه في بعض ويستمر فيه؛ وبكيفيتها هي تتميز بعضها من بعض وتتقابل بعضا ضد بعض وبالجملة فإن الوجود هو في وقت واحد معاً: واحد ومتعدد، متصل ومنفصل، ثابت ومتغير أما الموضوع الباقي تحت كل التغيرات العابرة، فهو المادة التي هيهي مع تنوع الأشكال، والواقع الراهن تحت كثرة المظاهر. ووفقاً لهذا فإن الوجود، متصوراً على هذا النحو، هو السوية Indifferenz المطلقة. وهذه السوية المطلقة هي الماهية. إذ الماهية هي النفى الجوهرى لما هو مباشر ولما هو معطى. فالماهية تنفي ها هو مباشر: إذ زيد وعمرو ربكر كل منها ينفى في الماهية التي هي ماهية الإنسان بعامة. لكن مع صدور زيد وعمرو وبكر عن الإنسانية كماهية يبقون في الماهية إذ يبقون متصفين بالإنسانية، ولا وجود حقيقياً لأي منهم إلا بماهية الإنسانية. - وهذا يقودنا إلى القسم الثاني من منطق هيجل وهو: منطق الماهية.
المنطق المثالي أو منطق هيجل القسم الثاني من منطق هيجل منطق الماهية الماهية نفي للوجود المباشر، لأنها تتجرد عن الآنيات العينية للأفراد. ولهذا فإنها نفي مطلق. وعلاقتها مع ذاتها هي عودة النفي على نفسه، أو انعكاسه على نفسه . ويقول هيجل في «منطق الموسوعة» : «الماهية هي التصور من حيث كونه موضوعاً؛ في الماهية لا تكون التعيينات إلاًنسبية، وليست منعكسة في ذاتها؛ ولهذا فإن التصور لا يكون بغد لذاته . إن الماهية، بوصفها الوجود الذي يصنع التوسط مع ذاته، بفضل سلبيته الخاصة، هو العلاقة مع الذات فقط من حيثث هي علاقة بشيء آخر ليس مباشرة بمثابة موجود seindes ، بل هو موضوع وغير مباشر», (ص١١٢ ؛ ترجمة جبلان Gibelin ص٨٨) وفي «علم المنطق» يقول: «إن حقيقة الوجود هي الماهية إن الوجود هو المباشر. ومن حيث أن العلم يريد أن يعرف الحق، أي الوجود في ذاته ولذاته، فإنه هو لا يقتصر على المباشر وتعيناته، بل يتجاوز هذا المباشر ويتخلله من جانب إلى جانب على افتراض أنه وراء هذا الوجود هناك أيضاً شيء آخر غير الوجود نفسه؛ وأن هذا العمق الخلفي هو الذي يكون حقيقة الوجود. وهذه المعرفة علم غير مباشر، لأنها لا توجد مباشرة في الماهية وحدها، بل تبدأ ابتداء من آخر، هو الوجود، وعليها أن تقطع شوطاً أولياً، هو طريق تجاوز الوجود، أو طريق الاختراق خلال هذا الوجود نفسه. وفقط من حيث أن المعرفة تتبطن ابتداء من الوجود المباشر، فإنها بواسطة هذا التوسط تعثر على الماهية» («علم المنطق» نشرة Lasson ح٢ ص٣). وبعبارة أبسط وأوضح، نجد أن هيجل يقول عن إلماهية أنها ما نحصل عليه من خلال استبطاننا للموجودات، بأن ننفي عن الموجود العيني كل تعين وتحدد، وتجرده من كل وصف عارض عابر والوجود هو لحظة الإيجاب، والماهية هي لحظة النفي أو السلب. وسنجد أن المركب من لإيجاب والسلب هو التصور Begriff . وكما رأينا في نظرية الوجود أن أقسامها ثلاثة هي: الوجود، العدم، الصيرورة - كذلك نجد في نظرية الماهية أن أقسامها ثلاثة هي: الماهية، الظاهر، الوجود بالفعل .Wirklichkeit أ-الماهية إن الماهية سلب مطلق. ذلك أن علاقتها مع ذاتها ليست إلا عودة السلب على نفسه. إن هذا السلب ينفي نفسه، ثم ينفي هذا النفي الأول، وهكذا باستمرار. لكن هذا النفي اللامتناهي للذات هو في الوقت نفسه هوية مع الذات: لأن السلب لا يكون سلباً إلا لأنه ينفى. وينجم عن هذه أن الماهية حين تنفي ذاتها فإنها لا تخرج عن ذاتها، ولا تنتقل إلى مضادها٠ إنما هي تدخل في ذاتها وتبرز هويتها مع ذاتها٠ ولهذا فإن الماهية لا تخضع للصيرورة. إن حركتها باطنة تماما. إنها انعكاس من الذات على الذات. ولهذا فإن الماهية والإنعكاس اسمان مترادفان لنفس التعين للتصور «إن العلاقة مع الذات في الماهية هي شكل الهوية، والانعكاس على الذات الذي يحل هنا محل مباشرة الوجود» («منطق الموسوعة» ص ١١٣). والماهية بوصفها عودة الوجود على ذاته، تكون أولاً غير متعينة، إذ تعينات الوجود ترفع aufgehoben فيها، والماهية تحتويها. والماهية المطلقة، في هذه البساطة مع الذات، لا تكون لها آنية Dasein. لكن من الضروري أن تصبح لها آنية، لأنها وجود -في-ذاته -ولذاته. ب - الظاهر والماهية يجب أن تظهر وظهورها في ذاتهاهو تنحيها من أجل المباشرة التي بوصفها انعكاساً على الذات، هو قوام (مادة) وشكل. «والظهور هو التعين الذي بفضله لا تكون الماهية هي الوجود، وإنما الماهية والظهور في نموه يكونان الظاهر. ولهذا فإن الماهية ليست وراء الظاهرة، وا عبرها؛ بل الوجود ظاهر لأن الماهية هي التي توجد («منطق الموسوعة» ص١٣١) المنطق المثاليأومنطتهيجل
والظاهر يحتوي على كل ثراء تعينات الوجود، ويقوم في مواجهة الذات بوصفه حداً مستقلاً قائماً برأسه لا يرد إلى شيء والظاهر يقابل الماهية بوصفه بقية للوجود. وهذه البقية تؤكد نفسها تجاه الماهية على أنها آخر مستقل . لكن الظاهر يظل مقترناً بالماهية لأنه ظاهر الماهية. ويعبر هيجل عن هذه المعاني في «علم المنطق" فيقول : «الوجود هو ظاهر. ووجود الظاهر يقوم فقط في الوجود المرفوع للوجود، أي في عدميته، وهذه العدمية تكون له في ماهيتة؛ وخارج عدميته، وخارج الماهية لأركان الظاهر. إن الظاهر هو النفي الموضوع بوصفه سالباً. والظاهر هو كل البقية التي بقيت بعد من نطاق الوجود. لكن يلوح أن لها أيضاً جانباً مباشراً مستقلاً عن الماهية، وهو «غير» لهذه الماهية بعامة. و«الغير» يحتوي بوجه عام على كلتا لحظتي الآنية واللآنية. ولما لم يعد للاماهية وجود، قإنه لا يبقى له من الآنية إلا اللحظة المحضة للآنية، والظاهر هو هذه اللاآنية المباشرة، بحيث أن تعين الوجود ليس له الآنية إلا كعلاقه مع شيء -آخر في لاآنيته، اللاذاتي الذي لا حقيقة له إلافي نفيه فلا يبقى له إذن إلا التعين المحض للمباشرة، إنه مثل المباشرة الانعكاسية، أي التي لا تكون إلأ بتوسط سلبها، والتي في مواجهة توسطها ليست إلا التعين الخاوي لمباشرة اللاآنية» («علم المنطق» ح٢ ص٩) والشكل والمضمون متضايفان وفي هوية معاً . ذلك لأنه في التقابل بين الشكل والمضمون ينبغي أن يلاحظ أن المضمون ليس عارياً عن الشكل، بل هو يتضمن الشكل في داخله، وإن كان هذا الشكل خارجاً عنه، إن المضمون ليس إلا انقلاب الشكل إلى مضمون، وانقلاب المضمون إلى شكل. وهذا الانقلاب تعين في غاية الأهمية؛ لكنه لا يقع إلاً في العلاقة المطلقة. والظاهر هو الانعكاس التأملي(" 11^ (١) وجدنا من الأفضل استعمال هذا الاصطلاح المزدوج، بدلاً من «التأمل»، منعاً للالتباس إذ فيه انعكاس من الذات او العقل على الموضوعات الخارجية، وانعكاس من هذه على الذات أو العفل. الانعكاس التأملي الذي لايزال ضمنياً؛ إنه الانعكاس الذي لحظاته المختلفة تكون كما لو كانت مركزة في وحدتها المباشرة ٠ وهذه الحالة المباشرة للانعكاس تتناقض مع تصوره. وعليه أن يتخلص منها ويصير انعكاساً صريحاً . ولحظاته المختلفة ينبغي أن يتميز بعضها من بعض، وأن تهب نفسها استقلالاً نسبياً وأن تدخل في وحدتها، وحدتها الانعكاسية غير المباشرة والانعكاس التأملي المعين هو بوجه عام وحدة الانعكاس التأملي الواضع والانعكاس التأملي الخارجي. . والانعكاس الخارجي يبتدى ء من الوجود المباشر، أما الانعكاس الواضع فيبتدىء من العدم. إن الانعكاس الخارجي الذي يصير معينا يضع آخر، هو الماهية، محل الوجود المرفوع؛ والوضع يضع تعينه ولكن ليس محل شيء آخر؛ إذ ليس له افتراض سابق ولهذا السبب فإنه ليس انعكاساً تاماً معيناً؛ فالتعين الذي يضعه هو تبعاً لذلك مجرد شيء موضوع؛ إنه مباشر، لكنه ليس كمساو لذاته، بل بوصفه ينفي نفسه، وله رابطة مطلقة مع العود في الذات؛ إنه فقط في لانعكاس في الذات، بيد أنه ليس هذا الانعكاس التأملي نفسه» («علم المنطق» ح٢ص٢٠). والانعكاس التأملي، من حيث هو وضع، ليس له وجود مباشر ذلك لأنه لا يوجد إلاً فيما هو موضوع إنه ليس إلا النفي الواقع عليه. وليس له مضمون خاص، إنه كما لم يكن؛ أعني أنه يرفع نفسه بنفسه. ذلك أنه لا حصل على مضمون خاص به، وبالتالي على حقيقة واقعية، إلاً من حيث هو ينفي سلبيته الخاصة، أو يرد إلى ما هو موضوع قواماً مستفلاً هنالك يصبح انعكاساً مفترضا Voraussetzende Reflexion. والافتراض هو الوضع الذي ينفي ذاته بما هو كذلك. وهنا يحسن بنا لمزيد من الايضاح - أن نشرح معنى الانعكاس التأملي (وعلى سبيل الاقتصار نقول أحياناً: الانعكاس، ولكننا نقصد دائماً الانعكاس التأملي) عند الفلاسفة المحدثين. أول من عني بدراسة الانعكاس التأملي من الفلاسفة المحدثين - هو ليبنتس Leibniz . وهو يعرف الانعكاس التأملي reflexion بأنه «ليس شيئاً آخر إلاً
المنطق المثالي أو منطق هيجل الانتباه الموجه إلى ما في باطن عقلنا" (راجع Nouveaux essais، المقدمة، ص٤) وفي إثره قال فولف Wolff إن الانعكاس التأملي هو «التوجه المتوالي للانتباه نحو ما هو متضمن في الشيء المدرك» (راجع كتابه Psychologia empirica، ص٢٥٧، فرانكفورت سنة ١٧٣٢) وعرف جون لوك Locke الانعكاس التأملي بأنه الفعل الباطن الذي به العقل يكمل الإدراك الحسي للعالم الخارجي فقال: «إن الانعكاس التأملي هووعي العقل بالعمليات التي يقوم بها وبأحوالها؛ وعلى هذا النحو تتكون في العقل أفكار هذه العمليات» (راجع An Essay Concerning Human Understanding، لندن سنة ١٨٧٧ ،ح٢ فصل ١،ص٤). ثم جاء كنت فعرف الانعكاس التأملي بأنه «الوعي بالعلاقة بين بعض الامتثالات المعطاة وبين الينابيع المختلفة للوعي» («نقد العقل المحض" ط A ص٢٦١أ) ويميز بين الانعكاس التأملي المتعالي، وبين الانعكاس التأملي المنطقي: فالأول هو العملية التي بها يفحص هل العلاقة والرابطة بين عدة امتثالات ينبغي أن ترد إلى الذهن المحض أو إلى العيان الحسي الذي يولد تصورات الانعكاس التأملي («نقد العقل المحض» ط B ص٣١٦) والثاني، أي الانعكاس التأملي المنطقي، هو مجرد مقارنة متعالية تحتوي على مبدأ امكانات المقارنة الموضوعية بين الامتثالات بعضها وبعض («نقد العقل المحض»، صم ٢٤ وما يليها). وكنت يسمى المقولات باسم: تصورات الانعكاس التأملي. أما هيجل فيرى أن الانعكاس التأملي «هو الفعل الذي به «الانا»، وهو يتخارج أولا من طبيعته ويدخل من جديد في ذاته، يصير واعيا بذاتيته في مواجهة الموضوعية التي تقابله» (راجع «موسوعة العلوم الفلسفية» لهيجل،ص٤١٣). والذي يحملنا على استعمال اللفظ: «انعكاس» هو أن الوجود الظاهر هو انعكاس الماهية على الخارج، وأن الموجودات الخارجية ما هي إلاً صور منعكسة في الخارج للماهية. وواضح ما هنا من مثالية محضة ٠ وتحت باب الانعكاس التاملي يدرج هيجل ثلاثة موضوعات هي: الهوية، لاختلاف، الأساس Grund. Identität ١ - الهوية إن لماهية في علاقتها المباشرة مع ذاتها هي الهوية. والهوية هي الوجود الانعكاسي أو وجود الانعكاس التأملي وإذاكان الوجودالمحض هو الايجاب المحض، فإن الهوية هي الايجاب بوصفه إعادة إيجاب، أي عود الايجاب على ذاته من خلال السلب ولذا فإن الهوية تحتوي على ضدها من حيث هو مرفوع. وهذا الضد هو السلب، أو عدم الوجود، ولكنه عدم الوجود الماهوي، أي الاختلاف. ولهذا فإن للهوية لحظتين: الهوية، والاختلاف إنها الرابطة بين هذين الحدين. لكن إذا انحصرنا في الهوية وحدها، كانت الهوية حينئذ صورية (شكلية) أو هوية الذهن، وهي التي يعبر عنها في صورة قانون للفكر هو المعروف في كتب المنطق العادي باسم «قانون الهوية» (أو بتعبير غير دقيق ويجب العدول عنه، رغم كثرة شيوعه: قانون الذاتية)، ويصاغ رمزياً هكذا أ= أ، أي كل شيء هو في هوية مع ذاته» . يقول هيجل اعتراضاً على هذا القانون : «هذه القضية (أ = أ) بدا من أن تكون قانوناً حقيقياً للفكر، ليست شيئاً آخر غير قانون الذهن المجرد. وشكل هذه القضية - يتناقض معها، لأن القضية تقتضي تمييزاً بين موضوع ومحمول، وهو أمر غير متحقق في هذه القضية . كما يلاحظ خصوصاً أن هذه القضية تستبعدها سائر القوانين المسماة بقوانين الفكر (إذ هي تقرر قانوناً ما هو مضاد لهذا القانون - وحين يقال إن هذه القضية لا يمكن أن يبرهن عليها، لكن كل شعور يسير وفقاً لها ويسلم بها متى ما سمعها وبعد التجربة فوراً , فإننا نرد على هذا ونقول إن التجربة العامة تتعارض مع هذه التجربة المزعومة التي يقول بها المدرسيون، وإن الشعور لا يفكر وليس لديه امتثاات وفقاً لهذا القانون، ولا يتكلم بحسبه، وأنه لا يوجد موجود، أياً كان، وفقاً لهذا القانون. إن الكلام وفقاً لهذا القانون المزعوم للحقيقة (الكوكب هو كوكب، المغناطيسية هي المغناطيسية، العقل هو العقل) هو حقاً ضرب من البلاهة؛ وتلك تجربة عامة . إن الفلسفة المدرسية، التي عندها وحدها المنطق المثالي أو منطق هيجل
تكون لهذه القوانين قيمة، قد فقدت منذ زمان بعيد هي وكتبها المنطقية التي تعرضها بجد - نقول إنها فقدت كل ثقة لدى الإدراك العام ولدى العقل معا» («منطق الموسوعة» ، ص٥ ١١، تعليق) . Unterschied ٢ - الاختلاف والهوية والاختلاف متضايفان، أي لا يفهم أحدهما إلا بالآخر، ولا يوجد إلا به. فلا معنى للهوية بدون الاختلاف، كما لا معنى للاختلاف بدون الهوية وهيجل في «علم المنطق» يقول: «الاختلاف هو في ذاته اختلاف في علاقة مع ذاته، إنها إذن سلب نفسها. إنه اختلاف ليس عن شيء آخر، بل اختلاف عن ذاته: إنه ليس ذاته، بل هو غيره. لكن ما يختلف عن الاختلاف هو الهوية. ولهذا فإن الاختلاف هو اختلاف وهوية معا. فكلاهما يكون الاختلاف إن الاختلاف هو الكل ولحظته، تماماً مثلما أن الهوية مع الذات هي الكل ولحظته. وهذا هو الطابع الجوهري للانعكاس التأملي والأساس الأصلي الدقيق لكل فغالية ولكل حركة ذاتية والخلاف والهوية يجعلان من الذات اللحظة أو الوجود -الموضوع، لأنهما - بوصفهما انعكاساً تأملياً، هما العلاقة السالبة لذاتها (.W.L ح٢ ص٣٤)٠ ومعنى هذا أن الاختلاف ينطوي في داخله على الهوية، كما أن الهوية تنطوي في ذاتها على الاختلاف. Verschiedenheit التنوع «تنحل الهوية في ذاتها إلى تنوع، لأنها، بوصفها اختلافاً مطلقاً في ذاتها، فإنها تصبح أنها كسالب لها، ولحظاتها هذه : هي ذاتها وسالبها، هي انعكاسات تأملية في الذات، هي في هوية مع الذات؛ أو لأنها ترفع بذاتها مباشرة نفيها، وهي في تعينها تنعكس تأملياً في ذاتها -والمتنوع يبقى كمتنوع لأنه في هوية مع ذاته، ولأن الهوية تكون أرضه وعنصره؛ أو بعبارة اخرى، المتنوع ليس هو كذلك إلا في مضاده أي الهوية» . (.W.L ح٢ ص٣٤). والمتنوعات تستوي لدى بعضها البعض في ختلافها، وإنما يحدث التباين بها بفضل الهوية التي تتصف بها . وفي التشابه Gleichheit يقع هوية من جانب واختلاف من جانب آخر. والحدان اللذان تقع بينهما المقارنة هما في هوية من ناحية، واختلاف من ناحية أخرى. والمقارنة ليست أمراً اعتباطياً، لأن التشابه واللا تشابه لا يمكن تصوز أحدهما بمعزل عن تصور الآخر. فلأن كل حد من الحدين المقارنين هو شبيه، أو غير شبيه، بالآخر فإن الحدين يمكن أن ينعتا إما بأنهما متشابهان أو بأنهما غير متشابهين، وإذا نعت أحدهما بأنه شبيه فيجب أن ينعت أيضاً بأنه غير شبيه. وهيجل يريغ من هذا كله إلى القول بهوية المتقابلات، فكل متقابل هو ذاته وهو مقابله , إذ كل حد منهما يحتوي على I لآخر ويستبعده معاً٠ أما المساواة فهي «الهوية بين حدود ليست هي هي، أي ليست في هوية - واللامساواة هي العلاقة القائمة بين الحدود اللامتساوية, وهذان اللفظان [المساواة واللامساواة] لا يفترقان من جوانب أو وجهات نظر متباينة، على سواء بعضها تجاه بعض، بل أحدهما يظهر في الآخر فالتنوع إذن هو اختلاف الانعكاس التأملي، أو الاختلاف في ذاته، وهو اختلاف متعين والاختلاف في ذاته هو الماهوي وهو الموجب والسالب، حتى إن الموجب هو العلاقة التي في هوية مع ذاته، بمعنى أنه ليس السالب، وأن السالب هو المتنوع لذاته، من حيث أنه ليس موجباً. وهكذا فإنه لما كان كل واحد هو لذاته وليس الآخر، فإن كل واحد يظهر في لآخر، وليس هو، من حيث أن الآخر هو فاختلاف الماهية هو إذن التقابل الذي وفقاً له لا يكون المتنوع يواجه فيه «آخر» بشكل عام، بل آخره هو، أعني أنه ليس لكل واحد تعينه الخاص؛ إلا بالنسبة إلى الآخر، وليس منعكساً في ذاته من حيث أنه ينعكس في الآخر؛ وبالنبة إلى الآخر الأمر هو كذلك، وهكذا فإن كل واحد غير غيره das andern seines anderes» («منطق الموسوعة» بند١١٨ - ١١٩). والاختلاف بوجه عام هو في ذاته تناقض، لأن الاختلاف هو الوحدة بين حدين هما ما هما من حيث هما ليسا واحداً، انفصال حدين هما منفصلان بفضل علاقة الوحدة هذه. وبالجملة يقول هيجل أن التناقض يشاهد في كل المنطق المثالي او منطق هيجل
مكان. إنه الخطة الأساسية في فعالية العقل: وهو الينبوع والدافع لكل حركة وفعالية وهو يؤكد «أن كل لأشياء متناقضة في ذاتها» . وأن «التناقض هو مبدأ كل حركة ذاتية»، وهو «الأصل في كل حركة وكل حيوية؛ وبقدر ما يكون في الشيء تناقض مع ذاته فإنه يتحرلث ويكون فيه دافع Trieb وفعالية W.L.) ((Tätigkeit ح٢ ص٥٨، وما يليها» فما الحركة إلا التناقض. وهذه الفكرة نجدها من قبل عند نقولا كوزانو Cusano (١٤٠١ - ١٤٦٤ وذلك في قوله ب «تلاقي المتقابلات«: الحركة والسكون، الفعل والانفعال، الخ إذ كان يرى أن كل . Coincidentia oppositorum التقابلات ينفي بعضها بعضاً في اللامتناهي. ويرى أن عملية المعرفة تقوم في عملية التوحيد: توحيد المحسوسات في وحدة الإدراك، توحيد كثرة المدركات في وحدة التعقل؛ والتعقلات بدورها تنحو نحو الوحدة في تصورات أعلى فأعلى، فيها تقل لاختلافات والتميزات. وهكذا يستمر العقل في مزيد من التوحيد بين المعقوات حتى يصل، بفضل قوة العيان vis intuitiva إلى عيان اللامتناهي الذي تلغى فيه كل الاختلافات وتتم الوحدة فيها ويرى كوزانو أن عملية التوحيد الشاملة هذه ممكنة بفضل المشاهدة العقلية التي تحتذي بالمشاهدة الإلهية لأن الإنسان على صورة الله. ويقول كوزانو أيضاً - وهو ما ستجد صداه عند هيجل إن الغيرية لا تفهم إلا بالهوية التي هي غيرية في تقابلها وكماأن الأضداد تتحد كلها في اله، فإنها أيضاً تتحد في الوجود. وهكذ يضفي كوزانو على مذهبه في وحدة الأضداد طابعاً لاعوتياً. وبكوزانو يتأثر جوردانو برونو (١٥٤٨ - ١٦٠٠ ) Giordano Bruno فيقرر أن مبدأ كل متقابلين هو مبدأ للآخر، وأن التغيرات تتم على شكل دوائر، لأن التغير هو التلاقي بين طرفين. وهكذا مثلاً: الحب عو نوع من الكراهية، والكراهية هي نوع من الحب؛ والطبيب يعالج السم بالسم المضاد* «من يرد الكشف عن أسرار الطبيعية. فليتأمل الحدود الدنيا والحدود القصوى في المتقابلات والمتناقضات. وإنه لسحر عميق أن يستطيع المرء أن يستخرج المقابل بعد أن يكون قد وجد نقطة الاتحاد» («في العلة والمبدأ والواحد» ، ١٩٠ ) . بيد أنه، على غرار كوزانو، يفضي إلى إيلاج هذه الفكرة في وحدة الوجود الصوفية. وعلى نحو مشابه يفعل يعقوب بيمه (١٥٧٥ -١٦٢٤) ويتجاوز برونو في ضفاء المزيد من الصوفية والثيوصوفية على فكرة «اتحاد الأضداد»، ويراها خصوصاً في العلاقة الدائمة التوتر بين الله والعالم والإنسان. ويبرز دور الشر الأخلاقي بوصفه العامل الفعال في الخير الأخلاقي في حياة الإنسان: إن الشر كمضاد هو ضروري لمساعدة الخير على الانتصار. ٣ - الأساس Grund<١> كل تعين للماهية، وكل تعين بوجه عام لا بد له من أساس، أي من سبب لوجوده والثلاث الذي يتألف منه الأساس هو الأساس الصوري (أو الشكلي)، والأساس الواقعي، والأساس الكامل. والأساس يكون صورياً إذا لم يكن ثم تمييز بين الأساس والأمر المؤسس. فمثلاً إذا قلنا إن الأساس (أي السبب) في حركة الكواكب حول الشمس هو قوة الجذب التي بسببها تدور الكواكب حول الشمس - فإننا لا نميز بين السبب والنتيجة، ونكون هنا بإزاء تحصيل حاصل. أما الأساس الواقعي فيجب فيه أن يكون المضمون مختلفاً عن الشكل، وأن ينفذ الشكل في المضمون. فمثلاً حين نقول إن السبب الذي من أجله يسقط الحجر هو الثقل، فإن لدينا هنا سبباً واقعياً. إن الحجر لا يسقط لأنه حجر، بل لأنه ثقيل. إن الواقعة المباشرة هنا تحتوي على السبب، وتحتوي على أكثر من السبب. لقد أصبح السبب مجرد جزء من المسبب. والتفسير يتم بفرز هذا الجزء، وبهذا نستخلص الكلي من الجزئي der vollständige Grund أما الأساس الكامل فهو الوحدة بين الأساس الصوري والأساس الواقعي. إنه الأساس المشروط ذلك أن الأساس يفترض الشرط. وفي الشرط ينعكس الأساس على نفسه؛ والشرط هو الذي يكون وجوده في ذاته، وجوده بوصفه حداً لعلاقة. (١) هذهالكلمةفي الألمانية تعني لأساس، والسبب أو لعلة المنطق المثالي أو منطق هيجل
والأساس هو المباشر، أما المؤسس فهو الموسط. والمباشر الذي يرتبط به الاساس بوصفه افتراضه الماهوي هو الشرط . ولهذا فإن الأساس الواقعي هو شروط في جوهره ٠ والتعين الذي يحتويه هو الوجود الغيري لذاته ٠ «وإذن الشرط هو في المقام لأول آنية مباشرة متنوعة . وفي المقام الثاني هذه الآنية مرتبطة بغير، بشيء هو أساس، لا لهذه الآنية، وإنما من منظور آخر، لأن الآنية نفسها مباشرة وبغير أساس. ومن هذه الناحية هي أمر موضوع؛ والآنية المباشرة يجب، كشرط، أن تكون لا لذاتها، وإنما لشيء آخر. وفي الوقت نفسه فإن كونه لشيء آخر هو وجود موضوع فحسب، وكونها أمراً موضوعاً هو شيء مرفوع في مباشرته، والآنية هي في سوية فيما يتعلق بواقعة أن تكون شرطاً. وفي المقام الشالث فإن الشرط هو مباشر بحيث يكون افتراض الأساس" وفي هذا التحدد فإنه هو العلاقة الصورية للأساس، علاقة صورية عادت إلى الهوية مع الذات، وتبعاً لذلك هو مضمون هذا الأساس. لكن المضمون من حيث هو كذلك هو فقط الوحدة السوية للأساس، الوحدة مفهومة في الشكل؛ بدون شكل فليس ثم مضمون». (.w L ح٢ ص ٩٢). والوحدة بين الشرط وبين الأساس هي الوحدة المطلقة للتوسط، وهي أيضاً وحدة التوسط والمباشر. إنها اللامشروط المطلق das absolut unbedingte وليس اللامشروط هو كذلك لأنه يستبعد من ذاته التوسط، بل بالعكس لأنه يحتوي على التوسط في داخله، ولأنه يتوسطه لنفسه لا يكون متوسطاً بآخر. واللامشروط مطلقاً هو الأساس المطلق الذي هو في هوية مع شر طه. Erscheinung الظهور «لا بد للماهية من الظهور ذلك أن الوجود هو تجريد مطلق؛ وهذه السلبية ليست شيئاً خارجياً عنه، بل هو وجود، وا شيء غير الوجود، فقط بوصفه هذه السلبية المطلقة وبسبب هذه السلبية، فإن الوجود هو فقط وجود يرفع نفسه بنفسه، وهو ماهية. لكن الماهية، مفهومة بوصفها المساواة البسيطة مع الذات، هي بالمقابل وجود. إن نظرية الوجود تحتوي على القضية الأولى، وهي: الوجود ماهية. والقضية الثانية، وهي٤ الماهية وجود تكون مضمون القسم الأول من نظرية الماهية لكن هذا الوجود الذي تصنعه الماهية من ذاتها هو الوجود الماهوي، Die Existenz : إنه وجود ظهر ابتداء من السلبية والمحايثة - وهكذا تظهر الماهية. والانعكاس التأملي هو ظهور الماهية في داخل ذاتها. وتعينات هذا الانعكاس التأملي ليست مندرجة في الوحدة إلا بوصفها تعينات موضوعة، مرفوعة؛ أو هي الماهية التي هي مباشرة في هوية مع ذاتها في وجودها الموضوع. لكن من حيث أن هذا هو أساس، فإنه يتعين واقعياً بانعكاسه التاملي وقد رفع ذاته أو عاد إلى ذاته. ومن حيث أن هذا التعين، فيما بعد، أو الوجود الغيري للعلاقة لأساسية يرتفع في لانعكاس التأملي للأساس ويصير وجودا ماهويا، فإن التعينات الشكلية لها في هذا عنصر بقاء ذاتي, وظهورها يتم في الظاهرة». (.W.L ح٢ص ١٠١). وبيان ذلك أن الماهية حين تصير فى حالة مباشرة فإنها تكون أولا: موجوداً أو شيئاً. ثم تصير ثانياً ظاهرة. والظاهرة هي حقيقة الشيء. وهنا يقوم ءزاء عالم الظاهرة عالم الوجود في ذاته. بيد أن وجود الماهية ووجود الظاهرة مرتبطان أحدهما بالآخر. ومن هنا فإن الوجود هو ثالثا: علاقة ماهوية. فما ظهر يكشف عما هو ماهوي، وهذا الماهوي موجود في ظاهرته. والتداخل الكامل بين الماهية والظاهرة هو الفعالية. إن الظاهرة هى الماهية فى مظهرها الخارجى. والموجود هو ضمنياً ظاهرة، لكنه لا يحدث فوراً على هذا الوجه. إن فيه صفة الظاهرة، لكن هذه ليست موضوعة مباشرة. وديالكتيك الموجود هو العملية التى بها يحدد الموجود نفسه كظاهرة. إن الموجود هو الشيء das Ding. والشيء هو ما (١) سنستعمل لفظ «المرجود» لترجمة كلمة Existenz عند هيجل في هذا السياق هنا، ومعنام الرجود الذي تعين واتخذ شكل ظاهرة.
المنطق المثالي أو منطق هيجل يناظر، في ميدان الوجود الانعكاس التأملي، شيناً ما Etwas ، أو تعين الوجود المباشر والموجودية هي حضور الشيء في حضن الآنية» أو المباشرة المحسوسة. إن الموجود يحتوي على الشيء في ذاته وعلى الوجود في الخارج (أو الوجود الخارجي äusserliche Existenz) . إن الشيء في ذاته هو الموجود من حيث أن فيه قد زال التوسط؛ إنه الموجود من حيث هو لامشروط. إن الوجود الخارجي هو التوسط، هو مجموع الشروط. بيد أن الشيء في ذاته لا يكون شيناً إلآ من حيث علاقته تعيته. وكان كذت Kant قد جعل من فكرة الشيء في ذاته Ding an sich فكرة أساسية وفكرة حدية Grund- und Grenzbegriff في المثالية المتعالية، ذلك لأننا لا نعرف إلا الظواهر، ولا معنى للظاهر إلا بالإشارة إلى باطنه، هو الشيء في ذاته. وهو في «نقد العقل المحض» يحدد الشيء في ذاته بأنه «فكرة غير محددة تماماً عن شيء بوجه عام» (ط B من XXVI وما يتلوه؛ وفي نشرة الأكاديمية ح٤ ص٤٥١) إنه «شيء ما، س، لا نعرف منه شيناً، ولن نستطيع أن نعرف منه شيئاً (بحسب التركيب الراهن لذهننا)» (ط A ص٢٥٠). وبهذا المعنى فإن «الشيء في ذاته» هو «نومين» Noumen في الذهن السلبي» ؛ إنه شيء «من حيث هو ليس موضوعاً لعيانا الحسي» (ط B ص٠٧ ٣) . وهو لهذا تصور حدي Grenzbegriff مطلق لكل معرفة ذهنية؛ إنه تصور نفترض أنه الأساس في كل الظواهر التي يدركها المعرفة الحسية إن وراء الظواهر «توجد الأشياء في ذاتها (ولكن مستورة عنا) . . . وا نستطيع أن نطالب بأن قوانين فعلها هي نفسها تلك التي تجري وفقاً لها الظواهر» (نشرة الأكاديميةح٢ص٤٥٩) ومن ثم صارت فكرة «الشيء في ذاته» مصدر نزاع شديد بين معاصري كنت وخلفائه. فقد فندها ياكوبي سنة ١٧٨٧ بأن قال إن قوانين العيان F.A. ٠ل Jacobi والفكر لا تسمح بادعاء وجود «أشياء في ذاتها» («مؤلفاته G.E. Schulze سنة ١٨١٥ ح٢ ص٣٠٧) وقال شولتسه الملقب بأنسيداموس: إن فكرة «الشيء في ذاته» تتجاوز حدود المعرفة الإنسانية والعقل الفلسفي وفندها فشته Fichte على أساس أن «الشيء في ذاته شيء هومن أجل الأنا، وتبعاً لذلك هو في الأنا، لكنه ينبغي ألا يكون في الأنا: إذن هو أمر يتناقض مع نفسه» (مؤلفاته، نشرة ابنه، ح١ ص٤٨٣ ) . إنها فكرة لا حقيقة لها. وقرر شلنج Schelling أن «الأشياء في ذاتها» هي أفكار في فعل المعرفة الخالد» («مجموع مؤلفاته» ح٢ ص٦٥)، لكنها ليست حقيقية إلا من الناحية الذاتية أما هيجل فيرى أن «الشيء في ذاته» ليس هو الأساس في الموجود المتحقق؛ إنما هو الوحدة الثابتة، غير المتعينة. والشيء في ذاته لا توجد فيه كثرة محددة؛ وا يتسم بالكثرة إلآ إذا ارتبط بالإنعكاس التأملي الخارجي وبالجملة، فإن «الشيء في ذاته» عند هيجل ليس شيئاً آخر غير تجريد خال من كل تعين، ولا يمكن أن نعرف عنه شيئا، لأنه تجريد خال من كل تعين (راجع (ح٢ص١١١ W.L. Existenz الموجود في الموجود يكون الأساس والمؤسس أمراً واحداً مباشرة. ذلك أن الموجود يصدر عن الأساس، لكن لاكناتج وضعه الأساس فإن وجدت مجموعة الشروط، وجد الموجود. يقول هيجل في «الإضافة» Zusatz إلى بند ١٢٣ فيمنطق الموسوعة: «إن الموجود، وقد صدر عن الأساس، فإنه يحتوي على الأساس في داخله . والأساس لا يبقى وراء الموجود، يل هو الدافع والناقل لذاته في داخل الموجود . وهذا واضح في وعينا العادي . فحينما ننظر في أساس شيء ما، فإننا لا نعده باطناً مجرداً، بل نعده موجوداً هو الآخر. ولنضرب مثلاً على ذلك الصاعقة التي تشعل الحريق في منزل، إنها الأساس في الحريق؛ كذلك شمائل الأمة وظروف معيشتها تعد هي الأساس في الدستور الذي تضعه لنفسها . وهذا هو المظهر الذي يبدو عليه العالم الموجود، يبدو للانعكاس التأملي، أي على هينة كثرة غير محدودة من الموجودات التي ينعكس بعضها على نفسها في وقت واحد و ينعكس بعضها على المنطق المثالي أو منطق هيجل
بعض فترتبط على التبادل كأساس ومؤشس» . الشيء Ding الشيء هو ما له خصائص. وهذه الخصائص في علاقاتها بعضها مع بعض، متنوعة وهويتها الذاتية تتم خلال الشيء فمثلاً قطعة من السكر: إنها بيضاء، لامعة، مكعبة، لها وزن معين - هذه الخصائص لا يوجد بينها ارتباط جوهري متبادل. فإذا سألنا: لماذا هي مجتمعة بعضها مع بعض، فالجواب هو: لأن «شيئاً» يملكها هو قطعة السكر. لكن كونها «شيثاً» لا يربط حقاً بين خصائصها ومن هنا فإن «الشيء هو ارتباط لا حول له ولا قوة kraftlose Verbindung. إن «الشيء» لا يفسر اجتماع هذه الخصائص. والخصاثص توجد مستقلة عن «الشيء" الحامل لها. «إن للشيء خواص؛ هي في المقام الأول علاقاته المحددة مع شيء آخر؛ والخاصية حاضرة فقط كحال للموجود - في علاقة مع آخر؛ فهي تبعاً لذلك الانعكاس الخارجي وجانب الوجود - الموضوع للشيء - وفي المقام الثاني : الشيء، في هذا الوجود - الموضوع، هو في ذاته؛ إنه يبقى في العلاقة مع شيء آخر؛ إنه من غير شك إذن سطح فقط فيه يستسلم الوجود في صيرورة الوجود وتغيره؛ والخاصية لا تضيع في هذا إن للشيء خاصية أن يفعل كذا أو كذلك في آخر وأن يتخارج على نحو خاص في نسبته (أو علاقته) وهو يثبت هذه الخاصية فقط تحت شرط استعداد مناظر للشيء الآخر، لكنها في الوقت نفسه خاصة به ولها أساس ذاتي؛ ولهذا فإن هذه الكيفية المنعكسة تسمى: خاصية Eigenschaft. إن الشيء في هذا ينتقل إلى الخارج، لكن الخاصية تبقى فيه والشيء، بخواصه، يصير علة، والعلة تبقى معلولا». (.٢٧.1 ح٢ص١٠) والشيء ينحل وذلك بأن تتغير المواد المركبة له . فالتغير هو أن تستبعد مادة أو أكثر من مجموع الشيء ، أو تضاف إليه. ٠د - الوجود بالفعل Wrklichkirt الوجود بالفعل، وهو القسم الثالث من مبحث الماهية، يتناول: المطلق، الحال، الامكان، لوجوب (الضرورة)، الجوهرية، والعلية وسمي الوجود بالفعل لأنه فعال، ولهذا يمكن ترجمة كلمة Wirklihkeit ب «الوجود الفعال». يقول هيجل: «الوجود بالفعل هو وحدة الماهية والوجود؛ وقيه الماهية الخالية من الشكل والظاهرة غير المنعوتة، أو البقاء الخالي - من ~ التعين والتنوع الخالي من البقاء - يجدان حقيقتهما». (.W.L ح٢ ص١٥٦) ويقول في «منطق الموسوعة»: «الوجود بالفعل هو الوحدة، وقد صارت مباشرة، للماهية وللوجود، أو للباطن والخارج» (بند ١٤٢) وهذه الوحدة بين الباطن والخارج هي الوجود بالفعل المطلق ولحظات الوجود بالفعل هي: الواقعية، والإمكان، والضرورة والوحدة بين المطلق وبين انعكاسه هي العلاقة (أو: الإضافة Relation) المطلقة، وذلك هو الجوهر .Substanz فلنتناول الآن المباحث التي تندرج تحت الوجود بالفعل. das absolute ١ ' المطلق المطلق هو الخالي من كل نسبة أو إضافة إلى شيء آخر. والمطلق بالمعنى الأنطولوجي (الوجودي) هو الذي لا يتوقف وجوده على آخر، أو هو ما ليس مشروطاًبأي شرط ولذلك يوصف ب: الله، في المقام الأول. والمطلق بالمعنى الأبستمولوجي أو المنطقي هو الذي ليست معرفته نسبية إلى قيمته، أي ما لا تتوقف قيمتة على معرفة أخرى - وذلك ككل الحقائق المباشرة للمعرفة الإنسانية وهي المبادى ء الأولى للتفكير، والثنيات المباشرة للتجربة. والحقيقة المطلقة، بهذا المعنى، هي المعرفة التي لا تتوقف معرفتها على قيمة معرفة أخرى ٠ وأول الفلاسفة المحدثين استخداماً للفظ: مطلق، اسماً وصفة، هو اسبينوزا, فهو في كتابه الرنيس:
المنطق المثالي أو منطق هيجل «الأخلاق» يعرف الله بأنه: «الموجود المطلق اللامتناهي، أي الجوهر« ، ويصفه أنه هو «القدرة المطلقة" ، و« الوجود المطلق»، و«اللاتناهي المطلق»، و"العلة المطلقة» وليبنتس يستخدم «مطلق" في مقابل «شرط» hypothetica؛ ويصف كمال الله بأنه «مطلق»، أي لا يحده حد. ويرى أن «الأحاد» Monade يشارك في المطلق، أي في الله. أما عند كنت فالمطلق هو «الممكن مطلقاً. . . وما هو ممكن في أية حال» («نقد العقل المحض" ، طبعة B ص٣٨١. ولا يستعمل «المطلق» بالمعنى الأنطولوجي، إلا فيما يتعلق بالعقل العملي، على أنه مجرد مصادرة، وتصور حدي يمكن افتراضه لأغراض أخلاقية محضة. ثم جاء شلنج فأعرق في تمجيد «المطلق» حتى صار يعد الفيلسوف الحقيقي للمطلق، وصار عرض تصوره للمطلق بمثابة عرض لكل مذهب. ففي مطلع إنتاجه كتب رسالة بعنوان: «الأنا بوصفه مبدأ الفلسفة»، وفيها حاول استنباط الأساس الحقيقي للمعرفة بوجه عام، فوجده في «الأنا المطلق» من خلال الحرية المطلقة. وتلا ذلك «بالرسائل الفلسفية عن الدوجماتيقية والنقدية فأخذ في تكوين «فلسفة الهوية»، وفيها حاول الجمع بين نقديه كنت ودوجماتيقية اسبينوزا، وذلك بأن اعتبر «المطلق» هو السوية الكلية للمعرفة والوجود. وانتهى إلى القول بأن «الهوية المطلقة هي الكلية totalität المطلقة. وقد سخر هيجل من «مطلق» شلنج هذا واصفاً إياه بأنه «مثل الليلة الظلماء التي فيها كل البقر أسود» («ظاهريات العقل» ح٢ ص ٢٢، تشرة اليوبيل). وتناول هيجل موضوع «المطلق» من زاوية مختلفة تماماً عن تلك التي منها نظر كل من كنت وشلنج. رجاء عرضه تحت ثلاثة بنود: (أ) عرض المطلق؛ (ب) المحمول المطلق؛ (ح) حال المطلق. ا-فقال في البند الأول إن «المطلق ليس هو فقط الوجود، وليس هو أيضاً الماهية ٠ إن الوجود هو المباشرة الأولى اللامنعكسة؛ بينما الماهية هي المنعكسة؛ وكلاهما هو شمول في ذاته، بيد أنه شمول متعين. في الماهية يتجلى الوجود كموجود Existenz؛ وعلاقة الوجود والماهية تكونت متقدمة حتى على علاقة الباطن والخارج. الباطن هو الماهية، لكن مفهومة بوصفها شمولاً يتعين أساساً كوجود منسوب إلى الوجود وهو مباشرة وجود. أما الخارج (أو الظاهر) فهو الوجود ولكن مع التعين الجوهري للوجود منسوباً إلى الانعكاس التأملي؛ بأن يكون مباشرة هوية مع الماهية، هوية خالية من العلاقة (أو الإضافة). إن المطلق هو الوحدة المطلقة بين كليهما؛ إنه هو ما يكون الأساس للإضافة الجوهرية التي فقط من حيث هي إضافة لم تعد بعد إلى هويتها، وأساسها لم يوضع بعد» (.W.L ح٢ ص١٥٨) فالمطلق هو الهوية الذاتية للعقل بوصفها هوية الباطن والخارج إنه «الشكل» بوجه عام، وهو الأساس لكل التعينات التي يكشف عنها الوجود والماهية. ولكنه هاوية Abgrund بقدر ما هو أساس Grund ٠ ب — والمطلق محمول Prädikat لأنه بوصفه هوية بسيطة، هو يدخل في تعيين الهوية, لكنه يلوح مع ذلك أنه مجرد حال للوجود. ح ح ويبين هيجل كيفية لانتقال من «المحمول» إلى «الحال» هكذا: «إن الخاصية المميزة للمحمول باعتباره باطن المطلق هي أن يضع نفسه على أنه حال. والحال هي خارجية المطلق، وضياع ذاتها في عدم استقرار وفي إمكانية الوجود: إن الحال هي الانتقال التام للمطلق إلى مقابله دون أن يعود إلى ذاته ٠ . . لكن الحال بوصفها خارجية المطلق، ليست هذا فحسب. وأنما هي أيضاً الخارجية موضوعة بوصفها خارجية، أي هي طريقة وكيفية وبالتالي هي ظاهرة بوصفها ظاهرة، أو هي الانعكاس الداخلي للشكل وتبعاً لذلك إنها تلك الهوية الذاتية التي هي المطلق. ومن هنا فإنه في الحال فحسب يوضع المطلق بوصفه هوية مطلقة؛ إن المطلق هو ما هو، أي الهوية الذاتية، إنه فقط سلبية منسوبة إلى ذاتها، وظاهرة موضوعة بوصفها ظاهرة» (.W.L ح٢ ص١٦٢ -١٦٣). والمعنى الصحيح للحال أنها الحركة الخاصة التي تعكس المطلق. ويشيد هيجل باسبينوزا لأنه بدأ بالمطلق، وتلاه بالمحمول، وانتهى إلى الحال؛ لكنه يأخذ عليه أنه سرد المنطق المثالي أر منطق هيجل ٣٠٩ هذه المعاني الواحد بعد الاخر، دون توال باطن" ح٢ ص١٦٦) - أي دون أن يبين الارتباط المنطقي الضروري بينها. إن عيب اسبينوزا هو أنه أدرك السلب، على أنه «سلب أول»، أي حركة من الموضوع إلى نقيض الموضوع فحسب إن المحمولات عند اسبينوزا ليست تفاضلات ذاتية ديالكتيكية فعالة . إن تقدم المطلق عند اسبينوزا يشبه النظرية الشرقية في الصدور الذي هو فقدان متواصل فحسب، وليس تجلياً متواصلاً، بل هو إظلام تدريجي، للمطلق. وبالجملة فإن اسبينوزا أخفق في جعل الجوهر كما تصوره روحاً. (أو عقلا) فعالاً. يقول هيجل في نقده لاسبينوزا: «إن الاسبينوزية فلسفة ناقصة من حيث أن الانعكاس التأملي وتعينه المتنوع هو فكر خارجي - والجوهر في هذا المذهب هو جوهر واحد، كلية لا تنفصل؛ ولا يوجد أي تعين هو ليس متضمناً ومذاباً فى هذا المطلق؛ ومن المهم أن كل ما يظهر ويفرض نفسه شيناً مستقلاً بذاته للامتثال الطبيعي أو الذهن المعين هو، في هذا الارتباط الضروري، قد أنزل إلى مستوى أمر - موضوع فقط -التعين سلبي - هذا هو المبدأ المطلق للفلسفة الاسبينوزية؛ وهذه النظرة الحقة البسيطة تؤسس الوحدة المطلقة للجوهر . لكن اسبينوزا يتوقف عند السلب بوصفه تعييناً أو كيفية؛ إنه لا يمضي حتى معرفة هذا السلب نفسه بوصفه سلباً مطلقاً، أي سلباً يسلب ذاته بذاته. وهكذا فإن الجوهر الذي قال به لا يحتوي على الشكل المطلق، ومعرفة هذا الجوهر ليست معرفة محايثة . صحيح إن الجوهر وحدة مطلقة للفكر والوجود أو الامتداد؛ إنه يحتوي إذن على الفكر ذاته، لكن فقط في وحدته مع الامتداد، أعني ليس بوصفه ينفصل الآمتداد، وإذن ليس أبداً كتعيين وتشكيل، ولا كحركة تعود على نفسها وتبدأ من ذاتها. ولهذا ينقص هذا الجوهر مبدأ الشخصية - وهذا النقص هو الذي أثار أكثر من غيره الحنق ضد مذهب اسبينوزا» (لط٠¥١ ح٢ ص١٦٤ -١٦٥). وخلاصة هذا النقد هي أن الجوهر كما تصوره اسبينوزا ليست عنده القدرة على وضع تعيناته، وهذا أمر يجعله مبدءاً مجرداً غير مشخص ٠ وكما قال في موضع آخر إن «الجوهر ووحدته المطلقة - عند اسبينوزا - له شكل وحدة ثابتة متحجرة ليس لها بعد تصور الوحدة السلبية للذات، أي: الذاتية» (.٢٧.1، قسم؟ الوجود، G. jarczykj PJ. Labarriere ترجمة فرنسية، قام بها ص٢٤٩،ياريسسنة١٩٧٢). كما أن عيجل يأخذ على النظرة الشرقية القائلة بالصدور Emanation أو الفيض للمطلق أنها تتصور كنور يضيء نفسه بنفسه؛ لكنه لا يكتفي بذلك، بل هو ينتشر، وا نتشاراته هي بمثابة ابتعادات عن السطوع الساجي؛ والمنتجات التالية في درجات الصدور تكون أشد نقصاً من السابقة عليها. وهكذا يكون الفيض بمثابة فقدان متواصل، وتصير الصيرورة ضياعاً متواصلاً «وهكذا يظلم الوجود شيثاً فشيناً، والليل، هذا السلب، هو الحد الأخير للخط الذي لا يعود إلى النور الأول» (.W.L ح٢ص١٦٧)، وفي مقابل هذا النقد الشديد للجوهر عند اسبينوزا، يشيد هيجل بالموناد Monade عند ليبنتس ويرى أنها خالية من النقص الذي رأيناه منذ قليل في الجوهر عند اسبينوزا . ذلك أن الموناد «منعكسة في ذاتها؛ إنها كلية مضمون العالم؛ والمتنوع المختلف موجود فيها وإن اختفى فإنه محفوظ باق على نحو سلبي . . . والموناد هي في جوهرها متمثلة؛ لكن بالرغم من أنها موناد متناهية، فليست فيها أية انفعالية؛ وإنما التغيرات والتعينات فيها هي تجليات منها في ذاتها. إنها انتلخيا [; كمال] ومهمتها الخاصة هي الكشف ومع هذا فإن الموناد هي أيضاً معينة، مختلفة عن غيرها؛ والتعين يقع في المضمون الخاص، وفي طريقة وجود التجلي. وتبعاً لذلك فإن الموناد هي في ذاتها، بحسب جوهرها، هي الكلية، وليس في ظهورها (تجليها» (W٠L٠ ح٢ ص١٦٧). ب - جهات الوجود الوجودإما ضرروي، أوممكن، أوواقع ومن هنا فإن المقولات من حيث الإضافة هي: الضرورة، والإمكان، والواقع وقد رأى كنت أن مقولات الإضافة لا تتعلق
المنطت المثاليأومنطقهيجل فقط بالأحكام المنطقية كما كانت الحال عند الفلاسفة السابقين منذ أرسطو، بل تتعلق أيضاً بالأشياء: امكانها وضرورتها، وواقعها («نقد العقل المحض» ط A ص٢١٩ ، ط B ص٢٦٧). وإذن فإن وظيفتها ليست فقط منطقية، بل هي أيضاً أنطولوجية، أي تتعلق بالوجود. فلنتناول كل واحدة من هذه المقولات المندرجة تحت باب الإضافة Relation. أ-الواقع الواقع هو الوجود من حيث هو موجب؛ بيد أن ايجابه لا يستبعد التوسط. إنه ليس الايجاب غير المحذد، الذي يجهل مضمونه، وليس هو الوجود المجرد الخاوي. إنما الواقع هو الوجود الموجود وجوداً مطلقا. والواقع بوصفه الوحدة بين الباطن والخارج، أو بين الماهية والوجود، هو واقع شكلي، أي شكل بدون مضمون؛ إنه الطابع المجرد لكل ما هو واقعي. والواقع هو الوحدة المباشرة بين الوجود والماهية، أو بين الباطن والخارج. وظهور ما هو واقعي هو الواقعي نفسه، فهو ماهوي بقدر ما هو واقعي، وهو واقعي بقدر ما هو ماهوي. ب-الإمكان لكنكل ما هو واقعي كان قبل ذلك ممكناً. ولكن الإمكان المحض هو تصور خاو تماماً. وهو ما يسمى بالإمكان المنطقي أو المجرد. ويعرف بأنه: الخلو من التناقض ٠ لكن الخالي من التناقض هو في نظر هيجل مستحيل، أو ممتنع . لأن كل إمكان حين يصنع نفسم إنما يصنع أيضاً مضاده وهكذا فإن الإمكان المحض يتحول فورا إلى مضاده، وهذا التحول هو صيرورة محضة، وليس انعكاساً على الذات إنه ليس إذن ما ينبغي أن يكون، أي محايثة أو ماهية إنه ليس إلا الوجود المباشر، أو الواقع المحض. ومكذا نجد أن الواقع الشكلي والإمكان الشكلي يتحول كلاهما إلى الاخر. ووحدتهما وحقيقتهما هي العارضية ) Contingence. قالعارضية هي الواقع بوصفه مجرد إمكان، إن العارض Contingence واقعي، لكنه واقعي لا قيمة له إلاً كمجرد إمكان، ومضاده ممكن أيضاً والعارض ينطوي على تناقض باطن: فهو كواقع مباشر أو مجرد وجود، فإنه يفتقر إلى سبب وجود ولا يمكن أن يكون ثم سبب لوجرد، وهو كتحقق لما كان ممكناً فحسب، فإنه يجب أن يكون ثم سبب لوجوده. والعارضية ليست وحدة مستقرة للحظتي الشيء، بل هي فقط تناوب غير محدود: أي انتقال متواصل من الممكن إلى الواقعى، ومن الواقعى إلى الممكن. وتبعاً لذلك فإنها تخضع لتناقض اللاتناهي الزائف؛ وحل هذا التناقض إنما يتم في اللامتناهي الحقيقي أعني في عودة كل حد على نفسه من خلال مضاده . وهذه العودة هي هنا الضرورة. والمشكلة هنا هي : هل الممكن الذي تحقق دون سائر الممكنات يعد ضرورياً مادام قد تحقق؟ مثلا: فلان ولد في يوم كذا من عام كذا لأبوين هما فلان وفلانة وفي بلد كذا وفي أيام حكم فلان I هل هذا ضروري، أو مجرد إمكان : إذا كان من الممكن أن تكون هذه التحديدات كلهاعلى غير ما كانت؟ القائل بالرأي الأول هو القائل بالقضاء والقدر أو الحتمية المطلقة؛ والقائل بالرأي الثاني هو القائل بالعارضية، وبالتالي بالحرية والاتفاق والبخت ولا سبيل مطلقاًإلى الحسم بين هذين الرأيين ٠ وها هنا موضوع شغل الفلاسفة منذ أرسطو حتى يوم الناس هذا، فلا محل للخوض فيه هاهنا . خصوصا وأن هيجل لم يتعرض له مباشرة. وإنما اخترنا أن نصرح بأن القول بأن هذا الأمر ممكن هو قول «سطحي وخاو مثل القضية القائلة بالتناقض وكل مضمون مفترض فيها. ممكنة : معنى هذا هو تماماً معنى قولنا: أهي أ. فبمقدار ما لا نخوض في تفصيل المضمون، فإن للمضمون شكل «البساطة»؛ وفقط بحل هذا المضمون إلى تعيناته يتجلى الاختلاف (١) عبر أرسطو بين الممكن dunaton وبين العارض endechomenon فالممكن هو الخالي من التناقض، والعارض هو الذي ليس من الممتنع أن يكون كما أنه ليس من الضروري أن يكون.
المنطق المثالي أو منطق هيجل فيه أما طالما كنا نتمسك بهذا الشكل البسيط [أي: أ ممكنة] ، فإن المضمون يظل شيناً في هوية مع ذاته، وبالتالي شيناً ممكناً لكننا بهذا ا نكون قد قدا شيئاً كما هي الحال في القضية الشكلية التي تعبر عن الهوية» ٠ (ط١٧٠ ح٢ص١٧٢). إن العارض أو الممكن له أساس، لأنه قد لا يتحقق؛ وهو أيضاً ذو أساس لأنه قد يتحقق. ح-الضرورة وإذا ما تحقق الممكن صار ضرورياً؛ لكنها ضرورة نسبية، لأنها ليست في الشيء نفسه، بل فقط في الشروط التي بفضلها تحقق الممكن. فالشيء، من حيث تستوي لديه الشروط، يمكن أن يوجد كما يمكن ألا يوجد. فالشيء هو بطبعه عارض. وكل موجود هو في ذاته عارض لكن هذه العارضية هي في الظاهر فقط، أن كل موجود واقعي يملك إمكاناً واقعياً هو إذا أخذ في نفسه فإنه موجود واقعي. وهكذا نجد أن الموجود الواقعي إنما عد عارضاً إذا ما نظر إليه وحده؛ لكن لو نظرنا في مجموع الموجودات فإننا نجدها ضرورية . ولهذا ينتهي هيجل إلى القول إنكل ما هو موجود في الواقع هو ضروري مطلقا ٠ والضرورة المطلقة هي الوحدة المطلقة بين الوجود والماهية. والضرورة المطلقة هي علاقة مطلقة، لأنها ليست الوجود بما هو كذلك، بل الموجود الذي هو موجود لأنه موجود. وهذا الموجود هو الجوهر «والضرورة المطلقة هي تضايف مطلق لأنها ليست الوجود بما هو وجود، بل الوجود الذي هو موجود لأنه موجود، الوجود بما هو توسط ذاتي" «والضرورة المطلقة هي الحقيقة التي فيها تعود الواقعية والإمكان بوجه عام، تماماً مثل الضرورة الشكلية والضرورة الواقعية. إنها... الوجود الذي في سلبه، في الماهية يرجع إلى ذاته ويصير موجوداً. إنها بسيطة أو وجود محض، كما أنها انعكاس - في - الذات بسيط، أو ماهية محضة؛ إنها كون هذين الحدين [الوجود والماهية] هما شيء واحد" (.طل١٧ ح٢ ص١٨٢). التضايف المطلق تحت باب التضايف يبحث هيجل في ثلاثة متضايقات ١-الجوهر والعرض؛ ٢ - العلة والمعلول؛ ٣-الفعل ورد الفعل؛ Substanz und Akzident ١ - الجوهر والعرض «إن الضرورة المطلقة هي إضافة مطلقة لأنها ليست الوجود بما هو كذلك، بل الوجود الذي هو موجود لأنه موجود، الوجود بوصفه التوسط المطلق للذات مع ذاتها. وهذا الوجود هو الجوهر، وبوصفه الوحدة القصوى للماهية والوجود، فإنه هو الوجود في كل موجود؛ إنه ليس المباشر غيره المنعكس، وليس أيضاً أمراً مجرداً، يقوم وراء الوجود المتحقق والظاهرة، بل هو الفاعلية المباشرة هي ذاتها، وهذه بوصفها وجودا, منعكساً في ذاته مطلقاً، وكبقاء في ذاته ولذاته -والجوهر، مفهوماً بوصفه تلك الوحدة بين الوجود والتأمل هو أساساً الظهور - وأن يكون — موضوعاً. إن الظهور هو الظهور العائد إلى الذات، وهكذا هو موجود؛ وهذا الموجود هو الجوهر بما هو جوهر. وبالعكس، هذا الموجود هو فقط الوجود - الموضوع الذي هو في هوية مع ذاته، ولهذا فهو شمول (أو: كلية) يظهر، أي عرضية» (،W.L ح١ ص١٨٥ - ١٨٦). إن الجوهر يبقى محايثاً في أعراضه؛ والأعراض هي مجرد تنوعات على الجوهر يتلو بعضها بعضاً دون أن يكون أحدها علة للآخر، ووحدتها هي الجوهر الذي تظهر هي فيه. لكن الجوهر في أعراضه ليس مجرد ارتباط لا حول له ولا قوة للشيء في خواصه. بل توالي الأعراض يعبر عن فاعلية الجوهر بوصفه خروجاً هادئاً للجوهر من ذاته، أعني أن الجوهر ينتج نفسه في كل عرضمن أعراضه. والجوهر هو وجود الأعراض، لكنه لا يوجد إلا فيها: إنه محايث في الأعراض. وحضوره في الأعراض يتجلى في الضرورة التي تعطي الوجود للأعراض أو تسحبه منها. وإذا كان الجوهر هو وجود الأعراض، فإن ٣١٢ المنطق المثالي أو منطق هيجل الأعراض ليس لها الجوهرية، وبعبارة أخرى، فإن العلاقة بين الجوهر وأعراضه ما هي إلا المظهر المباشر لعلاقة أعمق هي علاقة العلية. وبالجملة، فإن الجوهر علة، وأعراضه هي معلولاته. Ursache und Wirkung ٢ - العلة والمعلول العلة ليست علة إلا في المعلول، ومن حيث هي تنتج المعلول؛ والمعلول ليس معلولا إلاً من حيث أن علة قد أنتجته, وتبعاً لذلك فإن كل ما لا يسهم من العلة في إيجاد المعلول، وكل ما في المعلول فما ليس ناتجاً بواسطة العلة يعتبر خارجاً عن هذه العلاقة، أو لا وجود له ٠ وعلى هذا النحو فإن العلية ترفع نفسها بنفسها. فالعلة تنتقل كلها في المعلول؛ وفي هذا الانتقال يلغى التمييز بينهما. صحيح أن العلة والمعلول كليهما يبقى قائماً برأسه لو نظر إليه في ذاته، لكن لو نظر إليه من حيث العلاقة وهى العلية فإن أحدهما يغوص فى الآخر. فمشلاً إذا قلن أن المطر يحدث البلل، فإننا نعترف أيضاً بأن الماء الذي هو المطر هو بعينه البلل الذي أحدثه المطرم «وتبعاً لذلك فإن المعلول لا يحتوي على أي شيء لا تحتويه العلة. وبالعكس، العلة لا تحتوي على شيء ليس في المعلول. إن العلة تكون علة فقط بالقدر الذي هي به توجد المعلول؛ والعلة ليست شيناً آخر غير هذا التعيين الذي يقوم في إيجاد معلول، والمعلول ليس شيئاً آخر غير أنه هو ما له علة. ففي العلة بما هي علة يوجد معلولها، كذلك في المعلول بما هو معلول توجد العلة؛ وبمقدار ما لا تفعل العلة بعدد أو بمقدار ما تكون قد كفت عن الفعل، فإنها لن تكون علة، والمعلول، بالقدر الذي به تختفي علة، فإنه لا يعود معلولا، بل يصير واقعا سوياً. وفي هذه الهوية بين العلة والمعلول، يرتفع الشكل الذي به يتميزان بوصف أحدهما هو في ذاته، والآخر وجود - موضوع إن العلة تنطفىء (أو تزول) في المعلول؛ وهكذا أيضاً ينطفىء المعلول، لأنه ما هو ألا تعين العلة. فهذه العلية المنطقية في المعلول هي إذن مباشرة هي في حالة سوية بالنسبة إلى علاقة العلة بالمعلول، وهو فيها على نحو ظاهري" (.W.L ح٢ ص ١٩١)، ٣ - الفعل ورد الفعل Wirkung und Gegenwirkung أو تبادل الفعل Wechselwirkung العلة والمعلول علاقة يمكن أن تستمر في سلسلة غير متناهية. لكن عدم التناهي هنا هو اللامتنا هي الفاسد أو الزائف. أما إذا حدث تبادل بين العلة والمعلول فإن كليهما يصيران على نفس المستوى، وهنا يكون اللاتناهي لامتناهياً حقيقياً في هذه الحالة الأخيرة يرجع الفعل إلى كليهما معاً، أو إلى كل الجواهر مأخوذة معا . ولهذا فإن حقيقة العلية هي في الفعل المتبادل أو تبادل الفعل. وهكذا ينتهي هيجل إلى القول بأن الوجود كله في تفاعل متبادل ينتظم الكل والكل عقلي محض، فالمعقول هو الموجود، والموجود هو المعقول . وبهذا تنتهي نظرية الماهية في منطق هيجل. فلننتقل إلى نظرية التصور الذي هو عصب منطق هيجل وفلسفته كلها. القسم الثالث Begriffslehre «نظرية «التصور ١ - تطور معنى «التصور» تطور معنى المصطلح الفلسفي: «التصور» Concept, Begriff منذ أن وضعه أفلاطون حتى هيجل: (أ) فعند أفلاطون أن «التصور» هو المفهوم المشترك بين كثرة من الأفراد، مثل إنسان (راجع محاورة «لاخس» ١٩٣ه - ١٩٤د؛ «يوطفرون» ٥د - ٦د؛ «مينون» ٧٢ب وما يتلوها). وقد استعمل لهذا المفهوم لفظ eidos ولفظ idea . ومن رأى أفلاطون أن «التصورات» مفارقة للجزئيات، وهذه تشارك فيها ومن ثم ميز بين «الصور» المفارقة، وبين ماهيات الأفراد. وجاء أرسطو فاقتصر على المدلول الأخير، وهو «الماهيات» واستبعل «الصور! المفارقة, وعرف الماهية بأنها «ما يجعل الشيء هو هو» ، أي الحد أو التعريف. وأدى هذا إلى إثارة مشكلة: هل التصورات في الأذهان، أو في الأعيان؟ المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣١٣ (ب) وفي أوائل العصر الحديث جاء ديكارت فأثار مشكلة مصدر التصورات: وقال بوجود «أفكار فطرية» ideae innatae («التأملات»، مجموع مؤلفات ديكارت، نشرة آدم وتنري، ح٧ ص٣٦ وما يليها). وعارضه لوك Locke إذ قال إن التصورات هي من نتاج الإدراك الحسي: «إن ما يدركه العقل في ذاته أو ما هو الموضوع المباشر للإدراك الحسي أو الفكر أو الفهم - هو الفكرة». (لوك: «بحث في العقل الإنساني» ٢: ٨٢٨) وانتهى إلى أن الكليات (التصورات الكلية) هي مجرد أسماء اصطلح عليها للدلالة على مجموعات من الإدراكات الحسية. (ح) ثم جاء امانويل كنت فميز لأول مرة. بوضوح بين العيانات anschauungen وبين التصورات Begriffe . يقول كنت: «التصور يقوم في مقابل العيان، لأن التصور امتثال عام لما هو مشترك بين عدة موضوعات». ومادته هي الموضوع، وشكله هو العموم («كنت «المنطق» ص١ ، ٢). لكن إذا كانت التصورات تصدر عن التجربة كما يقول لرك، فإن كنت يفهم التجربة على نحو مخالف لما يقول به التجريبيون: فهؤلاء يرون أن التجربة كلها حسية بعدية خالية منكل ما هو قبلي مابق على الحس؛ أما كنت فيرى أن التجربة مزيج من المعطيات الحتية ومن المبادى ء القبلية أي السابقة على التجربة. فهناك شكول قبلية - هي الزمان والمكان والعلية، والمقولات , وفقاً لها - ترتب معطيات الحس. وقبلية شكول المعرفة تعني أنها لا تصدر عن مضمون التجربة، أو عن الامتثالات الحسية، وإنها هي فطريه في العقل أي فطرية في فعل المعرفة نفسه بمعناه الكلي الذاتي. وهكذا انتهى كنت إلى القول بأن التصور الكلي ليس مجرد اسم، وليس تصوراً مجرداً، وليس أيضاً حقيقة أنطولوجية قائمة فيذاتها. ٢ - نظرية «التصور» عند هيجل وهنا جاء هيجل وجعل التصور الكلي أولا: أنطولوجيا، وليس فقط معرفاً كما عند كنت؛ وثانياً: ديناميكياً أي ذا قدرة على إيجاد الموجودات، وقال: «إن الأشياء هي ماهي بفضل فغالية التصور Begriff الكامن فيها والمتجلي منها» («مؤلفات هيجل»، نشرة .H Glockner ح٨ ص٣٦١) الحرية، والكلية Totalität، والتعين، والماهية، والجوهر، والحقيقة والراقع هي من بين الصفات التي يتميز بها "التصور». والتصور الكلي عند هيجل: عيني، وواقعي، لأنه هو الحقيقة الواقعية نفسها، وهو شامل لكل الواقع وللمطلق، وللأشكال الجزئية في الوجود وهو يتطور في لحظاته مكوناً للوجود , وبالجملة فإن «التصور» - عند هيجل - هو الوجود الكلي الفعال المتطور على شكل لحظات ديالكتيكية. وهاك ما يقوله في "منطق الموسوعة» : (ص١٦٠) التصور هو الحرية das Freie من حيث هو القوة الجوهرية الموجودة لذاتها؛ وهو الكلية Totalität التي فيها كل واحدة من اللحظات هي الكل الذي هو التصور، والذي هو موضوع معه كوحدة مشخصة؛ وهكذا هو - في هويته مع ذاته - المتعين في ذاته ولذاته. (ص١٦١) وحركة التصور ليست انتقالا، ولا ظهوراً في شيء آخر، بل هي تطور، لأنه لما كان المختلف قد وضع مباشرة على أنه في هوية مع ذاته ومع الكل، فإن التحدد العيني هو وجود حر لكل التصور (ص١٦٢) ونظرية التصور تشمل: (أ) نظرية التصور الذاتي أو الصوري؛ (٢) نظرية التصور المتعين بالنسبة إلى المباشرة، أو نظرية الموضوعية؛ (٣) نظرية «الصورة» Idee، أو نظرية الذات الموضوع، أو نظرية وحدة التصور والموضوعية، أو نظرية الحقيقة المطلقة». وهذا القسم من منطق هيجل، بعكس القسمين الأول والثاني، يتناول نفس الموضوعات التقليدية في المنطق الصوري المعتاد أي (١) التصورات، (٢) الأحكام (أو التصديقات كما يقال في كتب المنطق العربية القديمة)، (٣) القياس لكنه يتناولها من وجهة نظر فلسفة هيجل، مما يجعلها تبدو مخالفة لما جرى عليه الأمرفيكتب لمنطق المعتاد. ثم إنه يضيف إليها مبحثين: (١) الموضوع ويشمل: الميكانيكية، والكيمياوية، والغائية؛ (٢) الصورة14٥، وتشملم الحياة، المعرفة، الصورة المطلقة.
المنطق المثالي أو منطق هيجل ذلك أن المنطق المعتاد هو كما لاحظ هيجل بحق، منطق صوري لا يعنيه إلا الصورة أو الشكل، بغض النظر عن المادة أو الموضوع. وهيجل يريد أن يضع منطقاً موضوعياً يتناول المضمون ٠ ونظراً للتشابه المشار إليه بين المنطق المعتاد ويين ما يتناوله هيجل في هذا القسم الثالث من المنطق، فإنه سمي هذا القسم الثالث باسم «مذهب المنطق الذاتي» ، أي الباحث في التصور. الذي هو المفهوم العقلي الكلي، في مقابل «المنطق الموضوعي» الذي يبحث في الوجود وفي الماهية . بيد أن هيجل نفسه قد نبه القارى ء إلى أن عليه ألا يعير أهمية لهذه القسمة : منطق ذاتي ومنطق موضوعي، ثم إنه ألغى هذه التفرقة في «منطق الموسوعة» مما يدل على أنها لا قيمة لها عند هيجل نفسه، ذلك لأن الذات كلية، وما هو ذاتي كلي في آن معاً. وأبواب المنطق الذاتي هي: (أ) التصور الذاتي، (ب) الموضوع، (ح) الصورة. - التصور الذاتي ١ - التصور بما هو كذلك يقول هيجل في "منطق الموسوعة»: «التصور بما هو كذلك يشمل اللحظات التالية: - الكلية Allgemeinheit بوصفها المساواة الحرة مع الذات في تحددها العيني Bestimmtheit. - الجزئية Besonderheit أي التحدد الغينى الذي فيه يبقى الكلي مساوياً لنفسه دون تغير - الفردانية Einzelheit: من حيث هي انعكاس على الذات للتحددات العينية التي للكلية وللجزئية، وهي بوصفها وحدة سلبية في ذاتها هي المتعين في ذاته ولذاته، وفي نفس الوقت هي الهوية مع الذات أو الكلي» (ص١٦٣). وعلى الرغم من هذا التقسيم، فينبغي أن يلاحظ أن هذهاللحظاتمتداخلة! فالكلي لا يفهم بدون الجزئي والفردي: «إن العرض وحده هو الذي يمكن أن يفصل بين الكلي والجزئي والفردي» (.٧.1*ح٢ص٦٢). و«كل لحظة من لحظات التصور لا تفهم مباشرة إلا مع اللحظتين الأخرين ومنهما» («منطق الموسوعة» بند ١٦٤). وبيان ذلك هو أن «الكلي هو ما هو في هوية مع ذاته صراحة، بمعنى أنه يتضمن في ذاته وفي نفس الوقت كلاً من الجزئي والفردي ٠ ثم إن الجزئي هو المتميز أو التحدد العيني، لكن بمعنى الوجود الكلي في ذاته والفردي. وكذلك الفردي يعني أنه الذات والأساس الذي يحتوي في ذاته على الجنس والنوع، وهو ذاته جوهري وذلك هو عدم انقسام اللحظات موضوعاً في اختلافها (ص ١٦٠)- ووضوح التصور الذي فيه الاختلاف لا يحدث أي انقطاع ولا أي اضطراب، وإنما هو أيضاً شفاف» («منطق الموسوعة"، تعليق على بند ١٦٤)، أ - التصور الكلي Das allgemeine إن التصور المحض لامتناه مطلقاً، ولا مشروط، وحر. والتصور الكلي هو القوة الحرة؛ إنه هو ذاته وفي الوقت نفسه يستولي على غيره. وبالقدر الذي له التحدد في ذاته، فإنه ليس فقط السلب الأول، بل وأيضاً الانعكاس في ذاته لهذا السلب. وهو قوة خلاقة من حيث أنه سلب مطلق يرجع إلى ذاته والكلي هو اللامتعين الذي ليس هذا ولا ذاك، بل هو كل شيء على السواء٠ لكنه ليس مجرد إمكان، بل هو قدرة على التحديد والتعيين. إنه يستطيع أن يحدد ذاته، بل يجب عليه أن يحدد ذاته، وهو لا يعد كلياً إلا لهذا السبب أي إمكان ووجوب تحديد ذاته. إنه يضع في ذاته تحدده أو سلبه، أعني الجزئي ٠ Das Besondere ب - الجزئي إن الجزئي هو أولاً التحدد الباطن للكلي، ويظل محصوراً في داخل الكلي؛ إنه السلب الباطن للكلي. وفي مقابل ذلك فإن الكلي هو السلب الاستبعادي للجزئي، فكل وجوده هو في كونه ليس مضاده وينتج عن هذا أن الجزئي والكلي كليهما مضاد لنفسه . فالكلي جزئي والجزئي كلي ولتوضيح ذلك لنأخذ العلاقة بين الجنس الطبيعي والأنواع المندرجة تحته. إن الأنواع يختلف بعضها عن بعض بما يسمى في المنطق المعتاد ب "الفصل النوعي» ؛
الضطق المثالي أو منطتهيجل لكن الأنواع لا تختلف عن الجنس، لأن الجنس هو أنواعه، والأنواع كلية. والفصل النوعي الذي يميز بين الأنواع، ليس شيئاً خارجياً، بل هو فقط «الفصل» («الفارق») بين الكلي والجزئي. وفي هذا يقول هيجل في «علم المنطق» : "إن الجزئي يشتمل على الكلية، التي تكون جوهره؛ والجنس لا يتغير في أنواعه؛ والأنواع ليست مختلفة بالنسبة إلى الكلي، بل فقط تجاه بعضها البعض. إن للجزئي كلية واحدة مع الجزئيات الأخرى التي يعود إليها. وفي الوقت نفسه فإن اختلاف هذه الجزئيات، بسبب هويتها مع الكلي، هي بهذه المثابة كلية: إنها شمول Totalität - وإذن الجزئي لا يشتمل على الكلي فقط، بل هو أيضاً يمثل هذا الكلى بتعينه؛ وبهذا القدر فإن الكلى يكون مجالاً لا رد أن يستنفذه الجزئي» (.W.L ح٢ ص٢٤٥) وهكذا فإن الجزئي هو الكلي نفسه ولكن من حيث علاقته بالغير، وظهوره نحو الخارج. والأنواع الداخلة تحت جنس هي (١) الكلي هو نفسه، (٢) والجزأي ح-الفردي الفردي هو المتعين الراجع إلى ذاته. والفردية هي انعكاس التصور على ذاته ابتداء منتعينه. إنها توسط بلل التصور يالقدر الدي به رجود النير يجعل من :انه وإذا كان الكلي يناتلر الهري: رالجزبي يناطر الاختلاف، فإن الفردي هو علة كليهما أو هو أساسهما المشترك. صحيح أن الجنس والنوع والفرد تؤلف ثلاثة حدود أو تعينات متمايزة، لكننا نستطيع أن نقول مع ذلك إنها ليست إلا فكرة واحدة، بمعنى أنه لا يمكن التفكير في أحدها دون أن نفكر في الاثنين الآخرين في نف الوقت. وحقيقة التصور تقوم في الفردي؛ لكن الفردي المجرد هو الفردي بوصفه كلياً محضاً. وهنا (في ملاحظة على بند ١٦٥ من «منطق الموسوعة»). ينقد هيجل بعض التمييزات التي وضعها الفلاسفة السابقون فيما يخص التصورات. فيقول إن التمييز في التصورات بين التصورات الواضحة والتصورات المتميزة والتصورات المطابقة adéquates هي تمييزات تندرج في علم النفس، وا مدخل لها في علم المنطق. وأما فهمنا عن «التصور الواضح» فهو إنه الامتثال المجرد، وفهمنا عن "التصور المتميز» فهو أنه الامتثال الذي يدل على طابع، أي على تحديد عيني بالنسبة إلى المعرفة الذاتية». ولا شيء أدل على خارجية وانحلال المنطق من مقولة م الطابع caractère التي تحظى مع ذلك بالتقدير. أما التصور «المطابق» adéquate فهو أقرب إلى التصور بل وإلى «الصورة» Idee، لكنه لا يعبر إلا عما هو شكلي في توافق التصور، أو الامتثال، مع موضوعه — وهذا أمر خارجي i وأما التصورات المندرجة subordonnées والتصورات المتناسقة coordonnées فتقوم على التمييز بين الكلي والحزئي وعلاقتهما، دون تدخل للتصور، في الانعكاس الخارجي. يضاف إلى ذلك أن سرد أنواع التصورات: المتضادة وا لمتناقضة، والموجبة والسالبة الخ, . , ليس شيناً آخر غير اقتطاف تحديدات عينية للفكر حسبما أتفق، تنتسب إلى مجال الوجود أو الماهية. . . ولا شأن لها بالتحديد العيني للتصور». («منطق الموسوعة» ، ملاحظة على بند ١٦٥) Urteil ٢-الحكم «الحكم هو التصور في خاصيته أن يكون علاقة تميز لحظاته، التي هي موضوعة من حيث هي لذاتها ومع ذاتها، وليس في هوية مع بعضها البعض» («منطق ا لموسوعة» ص١٦٦ ) وبعبارة أوضح: الحكم هو العلاقة بين حدين نظر إليهما على أن كلاً منهما مستقل بذاته. فحين أقول: لإنسان حيوان ناطق - فإنني أضع علاقة بين مفهومين همام الإنسانية والحياة العاقلة. . وهذا الحكم موجب لأن الموضوع ينظر إليه على أنم مندرج في ما صدق الكلي الذي يؤلف محموله. وقد يكون الحكم سالبا، حين لا يندرج الموضوع في ما صدق المحمول، مثل أن تقول: الفيل ليس إنساناً. وفي «ملاحظته» على هذه الفقرة يقول هيجل إن الناس اعتادوا، فيما يتعلق بالحكم، أن يفكروا أولاً في
المطق المثالي أو منطق هيجل استقلال حدي الحكم؛ أي: الموضوع والمحمول، إذ الأول شيء أو تحديد لذاته، والثاني (المحمول) تحدد عام خارج عن الذات. وعلى عادته مراراً - وهو أمر سيبالغ فيه هيدجر إلى أقصى حد - يشير هيجل إلى اشتقاق كلمة Urteil في اللغة الألمانية: فالمقطع الأول سها ,Ur يدل على لأصل والبداية والقدم، والمقطع الثاني teil هو من الفعل teilen أي يقسم. ويستدل من هذا الاشتقاق على أن الحكم هو بمعنام الاشتقاقي يعبر عن «وحدة التصور يوصفها موجودة في المقام الأول، وأن انقسامها، من حيث هو تقسيم أقلي، هو الحكم في الحقيقة» («ملاحظة»على بند ١٦٦) ويقرر أنه في الحكم تعبير عن هذه القضية وهي أن: الفردي هو الكلي، أو بتعبير أدق: الموضوع هو المحمول، مثلا: «الله روح مطلقة» صحيح أن الموضوع متميز عن المحمول، لكن يبقى صحيحاً أيضاً أن الحكم يعبر عنهما بوصفهما في هوية, être, essere, sein أما الرابطة - وهي فعل الكينونة الخ - فناشئه عن طبيعة التصور، من حيث أن التصور، في تخارجه، هوفي هوية مع ذاتهم إن الفردي والكلي، من حيث هما لحظتا التصور، تحديدان يمكن أن ينعزل كلاهماعن الآخر. وبالجملة فإن الحكم هو الجزئية الحقيقية للتصور ويميز هيجل بين الحكم وبين القضية على أساس أن القضية تحتوي على تحديدات للموضوعات ليست بينها وبين بعض علاقة العموم أو الكلية، مثلاً: يوليوس قيصر ولد في روما في تاريخ كذا، وحارب في بلاد الغال طوال عشر سنوات، وعبر نهر الروبيكون، الخ -هذه كلها قضاياً، وليست أحكاماً لأنها لا تضع علاقة بين موضوع - هو قيصر-وبين محمول كلي؛ بينما الحكم يضع علاقة بين موضوع وبين محمول كلي مثل: الأسد حيوان ٠ فهنا علاقة بين الأسد ومفهوم كلي هو الحيوانية، لهذا كان هذا حكماً . كذلك من الباطل أن نعد أحكاماً قضايا مثل : نمت في مثل هذه الليلة نوماً عميقاً. تلك الامثلة هي قضايا، وليست أحكاماً لأنها تعبر عن أفعال أو أحوال فردية دون أية إشارة إلى مفهوم كلي • والحكم ليس مجرد فعل ذاتي محض يمزج بين أمرين مستقلين. بل هو تصور تعبير عن الهوية بين الموضوع والمحمول : إن الموضوع ليس فقط يملك المحمول، بل هو أيضاً المحمول . ولهذا فإن هيجل ينعي على اللغات الأوروبية أنها الخ للدلالة على être, sein, to be تستعمل فعل الكينونة الرابطة، إذ فعل الكينونة يدل على الوجود، بينما الرابطة في الحكم يجب أن تدل على الهوية. ولو كان هيجل يعرف العربية إذن لأطراها لأنها إما أن تجعل الرابطة غير مصرح بها: الأسد حيوان، وإما أن تعبر عنها باسم الإشارة: «هو»، أي بالهوية identité: الأسد هو حيوان. والحكم هو تحقيق قريب للتصور. بالقدر الذي به الواقع يدل بوجه عام على فعل الدخول في الآنية على شكل وجود معين وهو يحتوي على حدين مستقلين هما الموضوع والمحمول وهما غيرمتعينين، لأنه بالحكم فقط يتم تحديدها , وفيما يتعلق بالتحديد العيني للموضوع والمحمول، فإن الموضوع، بوصفه العلاقة السلبية بالذات فإنه هو الأساس الراسخ الذي يستند إليه المحمول. والموضوع هو - عامة ومباشرة عيني - أما المحمول فهو الكلي الباقي بذاته، ويستوي لديه أن يكون الموضوع موجوداً أو غير موضوع. إنه يتجاوز الموضوع ويرفعه، إذ هو أوسع ما صدقامن الموضوع. والمضمون المتحدد للمحمول يكون وحدة الهوية بين الموضوع والمحمول . «إن الموضوع والمحمول والمضمون المحدد، أو الهوية، توضع أولأ، في الحكم على أنها مختلفة موضوعة في علاقتها. لكنها في ذاتها، أعني بحسب التصور، فإنها مع ذلك في هوية، من حيث أن الشمول العيني للموضوع يقوم في كونه ليس كثرة غير محددة، بل هو فقط فردية، إنه الجزئي والكلي وهما في حالة هوية - وهذه الوحدة هي المحمول . وفضلاً عن ذلك فإنه في الرابطة توضع هوية الموضوع والمحمول، لكن أولاً على شكل كينونة مجردة. وبحسب هذه الهوية، فإن الموضوع يجب أن يوضع أيضاً في تحديد المحمول، الذي بهذا يحصل على تحديد الموضوع، ويتم تحقق الرابطة. وعلى هذا النحو يتحدد الحكم بعد ذلك على شكل قياس Schluss، بفضل امتلاء المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣١٧ الرابطة. وفي الحكم يكون التحديد أولاً تحديداً للملكية، أولاًعلى أنها مجردة ومحسوسة في الكلية Allheit : الجنس والنوع، وفي العموم المنمي للتصور» («منطق الموسوعة» يند ١٧١). وهنا أيضاً، في الملاحظة على هذا البند، يهاجم هيجل التقسيم التقليدي للأحكام من حيث الجهة إلى: موجبة، وحملية، وتقريرية ٠ وذلك لأنه يرى أن الأحكام ينبغي أن ينظر إليها على أنها ناتجة بعضها عن بعض بالضرورة، وعلى أنها تحديد تدريجي للتصور، لأن الحكم تفسه ليس إلا التصور حين يتعين أو يتحدد. ١ - أنواع الأحكام ويقسم هيجل الأحكام إلى أربعة أنواع: ١ - الأحكام الكيفية، أو أحكام الآنية، أو أحكام التضمن؛ ٢ - أحكام الانعكاس التأملي، أو أحكام الاندراج؛ ٣ - أحكام الضرورة؛ ٤ - أحكام «التصور» . ثم هو يقسم كل نوع من هذه الأنواع الأربعة إلى ثلاثة أصناف : ١ - فالأحكام الكيفية تنقسم إلى موجبة، سالبة، ولا محدودة؛ ٢ - وأحكام الانعكاس التأملي تنقسم إلى: مفردة، جزئية، وكلية؛ ٣ - وأحكام الضرورة تنقسم إلى : حملية، شرطية متصلة، وشرطية منفصلة؛ ٤ - وأحكام الضرورة تنقسم إلى: تقريرية، احتمالية، وضرورية . فلتتناول كل نوع بحسب أصنافه: الأحكام الكيفية هي المتعلقة بالآنية أو بالكيف. وهي مباشرة، ولهذا يمكن أن تسمى أحكام التضمن، إذ الموضوع هو المباشر، وبالتالي عو العنصر الأولي منطقياً، والذي عليم يقوم المحمول. الأحكام الموجية حين أقول: «هذه الوردة حمراء» - فإن هذا الحكم لا يعبر عن الحقيقة : إنه يمكن أن يكون صحيحاً في الميدان المحدود للإدراك الحسي والامتثال والفكر المتناهيين، ولكن لا يستند إلى «التصور». فالعقل في هذا الضرب من الأحكام لا يؤكد ذاته والموضوع والمحمول هنا يتلاقيان، والرابطة تعبر عن وحدتهما كعلاقة بين حدين هما مجرد موجودين هناك. الأحكام السالبة وإذا قلنا: «هذه الوردة ليست صفراء»، فإن السلب هاهنا ليس سلباً بالمعنى الكامل، لأن هذا الحكم يدل فقط على أن هذه الوردة ليست صفراء اللون، لكنه لا ينبغى أن لها لوناً بوجه عام. فنحن هنا إنما ننفي أحد صفات الكلي وهي الصفرة، وا ننفي الكلي الذي هو اللون. الأحكام اللامحدودة الحكم اللامحدود unendlich هو الحكم الذي محموله حد سالب، مثل: الإنسان هو لا ٠ حجر. وفي هذا الضرب من الحكم لا يوصف الموضوع بأية صفة، إن الحكم اللامحدود يفصل الموضوع عن المحمول فصلاً تاما، ويترك الموضوع غير موصوف بأي وصف ولهذا فإن هيجل ينعت الحكم اللامحدود بأنه حكم باطل لامعنىله؛ إنه ليس حكماً على الاطلاق، (.W.L ح٢ ص٨٩-٩٠، نشرة جلوكنر). ٢ - أحكام الانعكاس التأملي أو الاندراج هذا النوع من الأحكام هو الذي يناظره في المنطق المعتاد: الأحكام من حيث الكم؛ إذ تقسم الأحكام إلى كلية، وجزنية، وشخصية أو مفردة. لكن أحكام الانعكاس التأملي عند هيجل تتجاوز نطاق الوجود من حيث هو كم، ذلك أن الحكم عند هيجل - كما رأينا مراراً من قبل - هو التصور، وتبعاً لذلك فإن كل نوع من أنواع الحكم هو كلي. ولهذا يقصد هيجل من هذا النوع من الأحكام أنه يعبر عن مدى تعبير الحكم عن التصور.
المنطق المثالي أو منطت هيجل الحكم المفرد هو الذي موضوعه شخصن أو علم مفرد، مثل : «يوليوس قيصر امبراطور روماني». وهنا الرابطة تعبر عن علاقة جوهرية بين الموضوع وبين المحمول وسائر الأشخاص التي من نفس الجنس، أي يعبر عن علاقة بين يوليوس قيصر وبين الرومان وسائر الأباطرة الرومان. الحكم الجزئي هو الذي يكون السور فيه هو «بعض» . و«بعض» يحتوي على معنى الكلية، بينما الشخص أو الحكم لا يحتوي على معنى الكلية ولهذا فإن الحكم الجزئي يقرر أن الجزئي هو الكلي، لكنه ليس جميع الكلي. لكن الكم الجزئي سالب بقدر ما هو موجب. فحين أقول: «بعض الأساتذة شعراءه فإني أقول في الوقت نفسه إن بعض الأساتذة ليسوا شعراء» . الحكم لكلي هنا يكون الموضوع كلياً صراحة وبتمامه . وهنا تقع الهوية بين الموضوع والمحمول تماما, وهذا الضرب من الحكم يعبر عن حمل صفة على موصوف حملاً شاملاً فحين نقول: •كل إنسان فان» ، فإننا نشير إلى رابطة ضرورية بين الإنسانية والفناء. ٣ - أحكام الضرورة في أحكام الضرورة يحتوي المحمول على جوهر أو طبيعة الموضوع. الحكم الحملي الحكم الحملي يقرر أن الجزئي هو الكلي • وفيه يكون الموضوع نوعاً، والمحمول جنساً يندرج هذا النوع تحته - مثل : •الذهب معدن» . والعلاقة بين الموضوع والمحمول هي الهوية، وهي علاقة ضرورية. لكن النوع لا يشمل الجنس، ولهذا فإن الهوية هنا ليست كاملة: فالذعب لا يستغرق مفهوم المعدن، والمعدن لا يقتصر على الذهب. ولهذا فإن الحقيقة التي يعبر عنها الحكم الحملي ليست مطلقة، بل بين بين. الحكم الشرطي المتصل الحكم الشرطي المتصل يعبر عادة عن الشرط ومشروطه، أو العلة ومعلولها، أو السبب والمسبب. وكلا جزئي الشرطية المتصلة منعكس على الآخر: إن كان المعلول، كانت العلة، إن كان الجنس كانت الأنواع المندرجة تحته. ومن هنا كان الحكم الشرطي المتصل يعبر عن ضرورة في العلاقة؛ ولذا نجد كثيراً من القوانين الطبيعية والوضعية تتخذ شكل الحكم الشرطي المتصل ٠ ومركب الموضوع بين الحكم الحملي والحكم الشرطي المتصل هو: الحكم الشرطي المنفصل وهو يقول إن الجنس هو إما هذا النوع أو ذاك . لكن الجنس هو وحدة الأنواع: إنه هذا النوع وهو أيضاً ذاك النوع «في الحكم الحملي يكون «التصور» هو الكلية الموضوعية، كما توجد فردية خارجية وفي الحكم الشرطي المتصل ينبثق التصور في هويته السالبة في نطاق هذا التخارج، وتبعاً لذلك فإن الحكم الشرطي المنفصل هو الكلية الموضوعية الموضوعة فى نفس الوقت فى التوحيد مع الشكل ٠ لهذا فإنه يحتوي أولاً على الكلية العينية أو الجنس على شكل بسيط بوصفه الموضوع؛ وثانياً يحتوي على نفس هذه الكلية العينية، لكن بوصفها شمولا لتحديداته المتفاضلة. وهي إما ب وإما ح٠ تلك هي ضرورة التصور، حيث أولا واحدية الطرفين هي بنفس السعة : المضمون والكلية؛ وثانياً هما متفاضلان وفقاً لشكل تعين التطور، لكن بحيث أنه بسبب هذه الهوية فإن هذه هي مجرد شكل. وثالثاً: الكلية النوعية الموضوعية تظهر لهذا السبب كأنه المنعكس في ذاته بالنسبة إلى الشكل غير الجوهري، أي كمضمون، لكن فيه تعين الشكل: مرة على شكل التعين البسيط للجنس، ومرة أخرى يكون هذا التعين منمى في اختلافه، على هذا النحو يكون جزئية الأنواع وشمولها، أي كلية التنوع». (.٧.1ح٢ ص٢٩٧) وفي الحكم الشرطي المنفصل يكون الكلي ضرورياً بصراحة. إنه في هوية مع تجزؤه الذاتي الشكل. ومعنى هذا أن الموضرع فرد بوصفه كلياً تجزأ تجززاً شاملا - المنطق المثالي أو منطت هيجل
وهذا يفضي بنا إلى الكلام عن أحكام التصور هو أولاً das Urteil des Begriffs حكم التصور الحكم التقريري. في هذا الضرب من الحكم يكون الموضوع فرداً معينا، والمحمول يعبر عن الاتفاق بين الموضوع وبين كلي التصور. . مثل المحمولات: طيب، حق، عادل، الخ. إن لكل شيء جنسا، وتناهي الأشياء هو أن من الممكن أن تكون -أو ا تكون - مطابقة لطبيعة الجنس الذي تنتمي إليه ولهذا فإن الحكم التقريري لا يعبر إلا عن حقيقة عارضة. إنه يمكن أن يكون صحيحاً كما أن من الممكن أن يكون باطلاً: وبعبارة أخرى: حقيقة الحكم التقريري أو بطلانه هما خارج الحكم التقريري. ولو رد إلى ذاته لتوقف عن أن يكون حكماً تقريرياً ليصير حكماً احتمالياً ولكي يفرض نفسه على الفعل، أي ليكون محتوياً في ذاته على حقيقته، فيجب أن يقوم على أساس جزئية الموضوع بوصفه مجرد واقع موجود، أو على أساس اسم مباشر. هنالك يصبح حكماً ضرورياً apodictique . بيد أن الحكم الضروري هو في حقيقته حكم غير مباشر ذلك لأن الموضوع ليس مطابقاً لتصوره من حيث أنه هذا الموضوع، وإنما من حيث. أن فيه هذه الخاصية أو تلك. فمثلاً: هذه الدائرة ليست دائرة كاملة لأنها هذه الدائرة، وإنما لأن كل أنصاف أقطارها متساوية؛ زيد ليس عادلا لأنه زيد، وإنما لأنه في سلوكه يتبع قواعد العدالة. وهكذا نرى أن حكم التصور، وبالأحرى الحكم بوجه عام، لا يكفي نفسه بنفسه ٠ بل كل حكم إذا أخذ بمفرده يجد حقيقته خارجاً عنه، أما في ذاته فهو باطل. وتقوم حقيقة الحكم في البرهنة أو القياس Schluss. في ميدان التصور يكون الحكم هو اللحظة السالبة، تلك التي فيها التصور ينفي نفسه بنفسه وينفصل عن نفسه، والتي فيها تضيع وحدته في كثرة اختلافاته. والقياس يمثل سلب السلب، وعودة التصور إلى ذاته واستعادة وحدته. وهيجل يقول في «منطق الموسوعة» عن حكم التصور: «(ص١٧٨ ) : مضمون حكم التصور هو التصور، هو الكلية Totalität على شكلها البسيط، هو العام في تجرده التام العيني والموضوع هو (١) أولا: فردي محموله هو انعكاس الوجود الجزئي على عنصره العام -هو الاتفاق - أو عدم الاتفاق - بين هذين التحديدين: طيب، حق، دقيق، الخ ٠ * إنه حكم تقريري». وفي «الملاحظة» على هذه البند يشير هيجل إلى أننا في العادة نستخدم كلمة: حكم حين يتعلق الأمر بالأحكام التقويمية: هذا حسن، أو رديء، صادق أو كاذب، جميل أو قبيح. ولا نسمي أحكاماً تلك التي تقرر وقائع، مثل: هذه الوردة حمراء، هذه المنضدة يعلو ها التراب، الخ. «(ص ١٧٩): الحكم التقريري لا يحتوي في موضوعه المباشر جداً علاقة الجزئي والعام، المعبر عنها في المحمول. فهذا الحكم ليس إلا خاصية ذاتية، والقول المضاد يتعارض معه على نحو صحيح أو بالأحرى غير صحيح؛ ولهذا فإنه ثانياً! (٢) في المقام الأول حكم احتمالي. لكن (٣) لما كانت الخاصية الموضوعية موضوعة في الموضوع، وطابعه الخاص موضوعاً على أنه كيفية وجوده، فإن الموضوع يعبر عن العلاقة مع تحدده، أعني مع الجنس الذي ينتسب إليه، إذن ما يكون مضمون المحمول. . . في حقيقة فردية ذات وضع خاص جزئي؛ وتناهيها يقوم في كون جزئيي هذه الأمور يمكن - أو لا يمكن ٠ أن يكون موافقاً للكلي. «(ص ١٨٠ ): الموضوع والمحمول كلاهما بشكل، على هذا النحو، كل الحكم. والحال المباشرة للموضوع تتجلى أولاً على أنها الأساس (السبب) الذي يتوسط بين فردية الواقع وعموميته كسبب Grund للحكم ٠ وما وضع فعلاً هو وحدة الموضوع والمحمول من حيث التصور نفسه؛ إنه انجاز الكينونة الخاوية للرابطة؛ ومن حيث أن لحظاته متميزة كموضوع ومحمول، فإنها موضوعة كوحدة، كعلاقة تربط بينهما، فإن هذا هو القياس». ومحصل هذا القول الأخير هو أن الرابطة - فعل الخ لا تعبر تعبيراً كاملاً عن العلاقة être, sein الكينونة الأنطولوجية بين الموضوع والمحمول. إن الرابطة هي مجرد «رابطة» أي علامة للربط بين حدين، لكنها لا تعبر عن ثراء وعينية هذا الربط. وإنما يتخذ الربط تمام معناه
المنطق المثالي أو منطق هيجل حين يتحول الحكم إلى استنتاج ٠ فمثلاً بدلاً من أن نقول: «البيت جيد» علينا أن نقول: «البيت، من حيث أنه مبني على الطريقة الفلانية، فإنه جيد» لكن هذا استنتاج، وليس مجرد حكم. وهكذا نحن نتجاوز مجال الحكم، وندخل في مجال الاستنتاج، وهو ما يسميه هيجل ب «القياس» Schluss، لكنه لا يقصد «القياس» بالمعغى المحدد في كتب المنطق الصوري، وإنما الاستنتاج بوجه عام وتكون الرابطة مليئة إذا كانت ليس فقط تربط بين الطرفين (الموضوع والمحمول) ، بل وأيضاً تكون جزءاً من كلا الطرفين. فملاؤها يقوم في أن كل طرف يملك هذه الرابطة في داخله؛ هنالك تعبر الرابطة عن التركيب الباطن الخاص بكل طرف ولما كان كل طرف من الطرفين لا يكون ذاته إلا بالاتحاد مع الطرف الآخر، فإن كل طرف يعتمد على الآخر، أي أنهما يعتمد كليهما على بعضهما بعضاً على التبادل. وبعبارة أخرى ينبغي أن نعت الرابطة في الحكم كالحد الأوسط في القياس. وهذا أوان الكلام عن القياس. ٣-القياس «(ص ١٨١) م القياس هو وحدة التصور والحكم؛ إنه التصور من حيث هو الهوية البسيطة التي ترتد إليها الاختلانات الصورية للحكم؛ إنه الحكم من حيث هو موضوع في الواقع في نفس الوقت، أي في اختلاف تعيناته . إن القياس هو ما هو معقول وكل ما هو معقول. ٥ملاحظة: يعد القياس عادة أنه شكل ما هو معقول، لكن بوصفه شكلاً ذاتياً، دون أن يكتشف المرء وجود أية رابطة بين هذا الشكل وبين مضمون معقول أياً كان، مثل: مبدأ، فعل، فكرة (أو صورة)، الخ وبوجه عام يتحدث المرء عن العقل كثيراً ومراراً، ومراراً أيضاً يهاب به دون بيان تحدده، أي ما هو؛ وأقل من هذا يفكر في معنى الاستنتاج . والواقع أن البرهنة الصورية هي المعقول الذي هو من اللامعقولية بحيث لا يكون له شأن بمضمون معقول , لكن لما كان هذا المضمون لا يمكن أن يكون معقولاً إلآ بفضل التحديد العيني الذي به يكون الفكر عقلاً، فإنه لا يمكن أن يكون كذلك إا بواسطة الشكل (أو: الصورة) الذي هو القياس - ولكن القياس يى شيئاً آخر غير التصور الحقيقي (الشكل أولاً) موضوعاً على حسب ما تقوله هذه الفقرة (أي الفقرة ١٨١). فالقياس هو إذن سبب الوجود الجوهري لكل ما هو حقيقي؛ وتعريف المطلق هو إذن القياس، أو إذا صغنا هذا في قضية قلنا: كل شيء قياس('). إن كل شيء تصورBegriff ، ووجوده يقوم في تمييز لحظاته بحيث أن مادته العامة تتجلى في الجزئية، وهي حقيقة خارجية تصير فردية على هذا النحو وعلى شكل انعكاس i على - الذات سالب — أو بالعكس، الواقعي هو عنصر فردي يرتفع بواسطة الجزئية إلى الكلية، جاعلاً نفسه في هوية مع ذاته - إن الواقعي (أو الحقيقي) واحد، لكنه هو أيضاً تفاضل لحظات التصور، والقياس هو دورة توسط لحظاته، التي بفضلها يضع ذاته على أنه واحد». («منطق الموسوعة» بند ١٨١). وخلاصة هذه الفقرة هي أن القياس يوحد بين التصور وبين الحكم، مما يمكننا من إدراك الواقع الأنطولوجي. إذ الأحكام تعبر عن حقيقة الواقع، وبهذا تفض مضمون التصور الكلي. إننا لكي ندرك الحقيقة الواقعية في حاجة إلى ثلاثة أمور: (١) الوحدة الباطنة للأشياء، أي التصور الكلي؛ (٢) التفاضل على شكل حدين متقابلين (موضوع ونقيض موضوع)؛ (٣) ثم الشمول Totalität الذي يجمع تفاضلات التصور الكلي. ويضرب هيجل مثلاً على ذلك بالثلاث التالي: الصورة Jdee، الطبيعة، العقل. فالصورة هي المعنى الضروري الذي تقوم عليه كل الحقيقة الواقعية. ولا بد لها أن تتجلى خارجياً في الطبيعة، وكذلك لا بد لها أن تعود إلى إدراك ذاتها في العقل, فهنا ثلاثة حدود: حد أوسط هو الصورة Jdee، وطرفان هما الطبيعة والعقل. ومن هنا نفهم قول هيجل إن «كل شيء قياس»، أي أن كل شيء يتألف من حد أوسط وطرفين متقابلين يجتمعان عند هذا الأوسط. أو بعبارة أصرح وأشهر: كل شيء يقوم على ديالكتيك: موضوع - نقيض موضوع - مركب الموضوع ونقيضه . وذلك هو القياس بالمعنى الأنطولوجي وشتان ما alles ist ein Schluss. (١) المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٢١ بينه وبين القياس بالمعنى المنطقي المعتاد في كتب المنطق الصوري ■ «كل شيء قياس» هكذا يؤكد هيجل، لأن كل شيء يقوم على ثلاث من الحدود: أحدهما هو وحدة الكل، بينما الاثنان الآخران يمثلان حقيقة هذا الكل من حيث هو مشقوق إلى شقين متقابلين، لكنهما مع ذلك يتوقفان أحدهما على الآخر، ومن ثم جاءت وحدة الكل. وهيجل ينعي على الفلاسفة السابقين أنهم فصلوا بين الشكل والموضوع في التفكير، فجعلوا من الممكن وجود منطق شكلي لا علاقة له بالموضوع. ومن هنا جعلوا من شكول العقل مجرد الأعيب. القياس(') بين أرسطو وهيجل ولكي نفهم نظرية هيجل في القياس ينبغي أن نتقدم بالمقارنة بينه وبين أرسطو الواضع الأول لنظرية القياس يميز أرسطو بين ثلاثة أشكال في القياس على أساس موضع الحد الأوسط في كلتا المقدمتين: فهو موضوع في الكبرى محمول في الصغرى - في الشكل الأول؛ وهو محمول في كلتا المقدمتين - في الشكل الثاني؛ وهو موضوع في كلتا المقدمتين - في الشكل الاك. ولما كان وضع الأوسط في المقدمات أمراً آلياً لا يدل على حقيقة البرهنة في كل شكل، فقد تعاقبت المحاولات لبيان الأساس المنطقى العقلى فى هذا التمييز بين الأشكال الثلاثة، ويبدو أن أرسطو، يدرك هذه الحقيقة الآلية للتمييز بين الأشكال، وحاول حل المشكلة بأن رد الشكلين الثاني والثالث إلى الأول على أساس أن ضرورة الاستنتاج إنما تظهر في الشكل الأول وحده، فلكي نبرر ضرورة لاستنتاج في الشكلين الثاني والثالث (١) لابدأن نحيل القارى هنا إلى كتابنا: «المنطت الصرري والرياضي» (ط١ القاهرة سنة ١٩٦٢، طه الكويت ستة ١٩٨٠ ، باب القياس، ص١٥٧ ومايليها. (٢) التحليلات الاولى م١ ف٢٣ص1١١ س١٣ - ١٦ كان لا بد من ردهما إلى الشكل الأول. وهيجل آخذ بهذا التقسيم لأشكال القياس عند أرسطو؛ ولكنه اختلف معه في ترتيب الأشكال: فجعل الثاني عند أرسطو هو الثالث عنده، وجعل الثالش عند أرسطو هو الثاني عنده، وبرر هذا التعديل باعتبارات ديالكتيكية في تسلسل أشكال القياس. ذلك فارق أول. والفارق الثاني هو أن أرسطو نظر إلى العلاقة بين الموضوع والمحمول في الحكم على أنها علاقة تضمن صنف في صنف آخر، أي أنها قائمة على الماصدق، لا على المفهوم. ولهذا استوى أن يكون الموضوع مفرداً أو كلياً، لأن الحمل في كلتا الحالتين هو على كل الموضوع. ولهذا فإن الحمل هو إما كلي، إن كان على كل الموضوع، وإما جزئي إن كان على بعض الموضوع فمن حيث الكلي إذن لا تمييز إلآبين القضايا الكلية والقضايا الجزئية. أما هيجل فيضع الكم أو الماصدق في الحدود الثلاثة في القياس هي نفسها. وهذا الاختلاف يسمح بربط أشكال القياس الثلاثة بعملية التحديدات التصورية، ولهذا يشيع في القياس روح النظر إلى المضمون، وليس إلى الشكل وحده كما هي الحال في القياس الشكلي في المنطق المعتاد. وبالجملة، فإن القياس عند أرسطو والمنطق المعتاد صوري خالص < بينما القياس عند هيجل يأخذ في اعتباره المضمون التصوري . . ولهذا يقول هيجل إن المطلوب هو استخلاص «المعنى الموضوعي، (ط.١٧ ح٢ ص٣١٢، ٣٢١، ٣٢٥). لكل شكل من لأشكال الشلاثة. ويأخذ هيجل على أشكال القياس عند أرسطو «أنها موضوعة الواحد إلى جانب الآخر، دون أدنى تفكير في كونها ضرورية، وفي أهميتها وتعمقها. فليس بعجب بعد ذلك أن نظر إلى هذه الأشكال على أنها صورية باطلة. ولكن لها مع ذلك معنى عميقاً، يقوم في الضرورة التي تجعل أن كل لحظة، بوصفها تحديداً للتصور، تصير هي نفسها الشمول والعلة الوسيطة ٠ وإنها لعملية ميكانيكية أن نبين تحديدات القضايا، أعني ما إذا كانت كلية، لخ، أو سالبة حتى يمكن استخلاص نتائج صحيحة في الأشكال المختلفة للقياس؛ وهذه العملية، بسبب آليتها اللاعقلية ٣٢٢ المنطق المثالي أو منطق هيجل وبسبب عدم قيمتها الذاتية، قد أصابها النسيان عن حق — ولا يمكن الرجوع إلى أرسطو بوجه عام فيما يتعلق بأهمية هذا البحث وهنا يتعلق بقياس الذهن، على الرغم من أنه، والحق يقال، قد وصف هذه الأشكال كما وصف أشكالاً مماثلة عديدة للعقل وللطبيعة وبحث وبين أحوالها ٠ إنه في تصوراته الميتافيزيقية وفي تصورات العنصر الفيزيائي والمعنوي كان بعيداً جداً عن أن يجعل من شكل القياس الذهني الأساس والمعيار، حتى يمكن أن يقال إنه لم يكن من الممكن أن توجد أو توضع أية واحدة من هذه التصورات، لو كان عليها أن تخضع لقوانين الذهن. إن أرسطو في كل الأوصاف التي قدمها وفي كل ما قدر أنه معقول - إنما ساد لديه دائماً التصور النظري، ولم يسمح للبرهنة الذهنية، كما وصفها بدقة، أن تنفذ في هذا المجال» . («منطق الموسوعة» ، ملاحظة على بند ١٨٧). ريدلاًمن انكل الابب ) البمتادم ني متون العلا الني نم نلب ارسطر تاتم كان ارلنن افردويكفا رابعاً مستقلاً هو جالينوس، قال هيجل بشكل رابع آخر هو القياس الرياضي الذي يقوم على هذه القاعدة وهي : الشينان المساويان لواحد ثالث متساويان فيما بينهما. ويميز هيجل ثلاثة أنواع من القياس، سماها : أ-قياس الآنية؛ ب-قياس الانعكاس التأملي؛ ح-قياس الضرورة؛ فلنتحدث بإيجاز عن كل نوع من هذم الأنواع الثلاثة. وننبه القارىء إلى أن ما يسوقه هيجل فيما يلي لا شان له أبداً بما يعرفه في متون المنطق المعتاد. ٢- قياس الآنية عو القياس بالمعنى التقليدي المعتاد في متون المنطق . وهو القياس الذي تكون لحظاته هي تحديدات التصور المباشرة ٠ وهي تحديدات للشكل مجردة، لم (١) وهو عكس الثكل الأول في موضع الحد الأوسط في المقدمات: إذ الأوسط فيه محمول في الكبرى موضوع في الصغرى. تصبح بعد عينية بالتوسط، إنما هي تحديدات مفردة، أي منعزلة. ولهذا كان هذا النوع الأول من القياس هو القياس الشكلي (أو الصوري) بالمعنى الدقيق؛ وفيه التصور، وقد انقسم إلى لحظاته المجردة، يبدو أنه الجزئية القائمة بين الفردية والكلية , والجزئية تؤلف أولاً الحد الأوسط من حيث أنها تجمع في ذاتها مباشرة لحظتي الفردية والكلية. ومن هذا التحديد العام لهذا النوع لأول من القياس، يأخذ هيجل في دراسة كل شكل من الأشكال الثلاثة للقياس. الشكل الأول الاسكيم العام للقياس المحدد هو: م (مقرر) -ج (جزئي) - لث (كلي) لأب8 فالمفرد يقاس إلى الكلي بواسطة الجزئى. والمفرد ليس هو الكلى مباشرة، بل متوسط الجزئي؛ وبالعكس، الكلي ليس هو المفرد مباشرة، بل ينزل إليه بواسطة الجزئي. وهكذا نرى أن الجزئي يقوم بدور الحد الأوسط. ونحن نعرف في كتب المنطق المعتاد أن حاصل الشكل الأول هو اندراج الأصغر في الأوسط المحمول عليه كلياً بالأكبر، كما يظهر في المثال التقليدي: كل إنسان فان سقراط إنسان سقراط فان فالأصغر: سقراط، اندرج في الأوسط: إنسان، الموصوف كلياً بالفناء ، فينتج وصف سقراط بالفناء . لكن هيجل ينعت هذا المثال التقليدي (وفيه يضع: «كايوس» مكان «سقراط») بأنه يثير الملل في نفس من يسمعه «وهذا ناشىء من ذلك الشكل غير المفيد الذي يوهم بوجود تنوع بواسطة قضايا مجزأة، وهو وهم ينحل في الشيء ذاته. إن القياس، بهذا الشكل الذاتي، يظهر كآنه حيلة ذاتية يلجأ إليها العقل أو الذهن هناك حيث لا (٢) ينبغيعلى القارى أن يفهم المصطلحات: مفرد - كلي - جزثي على نحو مختلف تماماً عما يعرفه في المنطق الصوري المعتاد، بل وعما يجدم لدى اي فيلسوف آخر غير هيجل. المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٢٣ يستطيع أن يعرف بطريقة مباشرة. بحسب طبيعة الأشياء فإن العقلي لا يسلك بحيث توضع أولا مقدمة كبرى، هي علاقة بين جزئية وبين كلي باق، ثم توجد بعد ذلك ثانياً علاقة متجزئة بين مفرد ومتجزىء، بحيث ينشأ ثالثاً، ذات يوم، قضية جديدة. إن عملية القياس هذه لتي تسير بواسطة قضايا متجزئة ليست شيئاً آخر غير شكل ذاتي؛ أما طبيعة الشيء فهي أن تعينات التصور المتفاضلة للشيء اجتمعت في الوحدة الجوهرية ٠ وهذه المعقولية ليست حيلة، بل هي بالأحرى في مواجهة مباشرة مع العلاقه الموجودة في الكم، هي الموضوعي، وهذه المباشرة للمعرفه هي بالأحرى، الذاتي بينما القياس هو حقيقة الحكم. إن كل الأشياء هي القياس، هي كلي ينقاس مع الفردية بواسطة الجزئية؛ لكنها ليست كلاً مؤلفاً من ثلاث قضايا» (١٧.٤٠ ح٢ ص٣١٤). ومحصل كلام هيجل هذا هو أن العملية في القياس المعتاد هي عملية ذهنية وليس لها مدلول في الوجود، فهي إذن عملية ذاتية (أي تتعلق بالذات، أي بالعقل) وليست موضوعية. وفي «منطق الموسوعة» يشير هيجل إلى المصادرة على المطلوب الأول التي ينطوي عليها الضرب الأول من الشكل الأول، والتي أثارها الشكاك اليونان في القرن الثالث قبل الميلاد، ومفادها أن النتيجة مسلم بها مقدماً في المقدمة الكبرى : فقولنا : «كل إنسان فان» يفترص ويسلم مقدماً بأن «سقراط فان» وإلاً لم جاز لنا أن نقول في المقدمة الكبرى: كل إنسان فان. لكن هيجل في كلامه المسهب جداً في هذا الشأن في كتاب «علم المنطق» (ح٢ ص٣١٤- ٣٢٠) لم يأت بأي حل لهذه المشكلة، بل راح على عادته في كل هذا الكتاب يدور ويلف ويحوم ولا يصيب أبداً كبد المعضلة. بل يكتفي بأن ينعت الشكل الأول بأنه مجرد إذ لا يتم فيه تحقيق تعينات التصور. الشكل الثاني وننبه مرة أخرى هاهنا إلى أن الشكل الثاني عند هيجل هو الثالث عند أرسطو، أي الشكل الذي فيه يكون الحد الأوسط موضوعاً في المقدمتين. يبدأ هيجل كلامه عن هذا الشكل. بمقارنتة بالثكل الأول، فيقول: «إن حقيقة الشكل الأول الكيفي هي أن شيناً ما لم ينقس في ذاته ولذاته مع معين كيفي يمفهم على أنه تعين كلي، وإنما بواسطة عرضيته أو في فرديته. وفي مثل هذه الكيفية ليس موضوع القياس مقلوباً في تصوره، بل هو مفهوم فقط في تخارجه؛ والمباشرة تؤلف أساس العلاقة، وبالتالي التوسط؛ وبهذا القدر فإن الفردي هو في الحقيقة الحد الأوسط . ونغلأعن ذلك فإن العلاقة القياسية هي رفع ج1111هةد المباشرة؛ إن النتيجة ليست علاقة مباشرة، بل علاقة بواسطة حد ثالث؛ وتبعاً لذلك فإنها تحتوي على وحدة سالبة؛ فالتوسط، إذن، قد تحدد أنه يحتويي ذاته على لحظة سالبة». (.ط.^٢ص٣٢٠). ويحدد الشكل الثاني (المناظر للثالث عند أرسطو) بأن مقدمتيه هما : الأول هي: ة-؟ - أي جزئي - مفرد الثانيةهي:لآ-5-أي مفرد-كلي والاسكيم العام له هو والمعنى المحدد الموضوعي لهذا الشكل هو أن الكلي ليس في ذاته ولذاته جزئياً متعيناً، لأنه هو بالأحرى شمول جزئياته؛ وإنما هو أحد أنواعه، بواسطة الفردية؛ وسائر أنواعه قد استبعدت منه بالتخارج المباشر. والجزئي ليس مباشرة ولا في ذاته ولذاته هو الكلي؛ بل إن الوحدة السالبة تنتزع منه التعين، وترفعه بذلك إلى الكلية. الشكل الثالث اسكيم هذا الشكل هو 2-لآ-5مفرد - كلي - جزئي وهو كما نبهنا مراراً يناظر الشكل الثاني عند أرسطو، وفيه يكون الأوسط محمولاً في كلتا المقدمتين. وهيجل يعذ الشكل الثالث عنده (أي الثاني عند أرسطو) أنه هو حقيقة القياس الصوري، لأنه يعبر عن هذه الواقعة وهي أن توسطه هو التوسط الكلي المجرد، وأن طرفيه ليسا متضمنين في الحد الأوسط، وإنما فقط بحسب كليتهما. إن الحد الأوسط في هذا الشكل هو وحدة الطرفين ٣٢٤ المنطق المثالي أو منطق هيجل (الحدين الآخرين)، لكنها وحدة يجرد من تعينها: الكلي غير المتعين الشكل الرابع عند هيجل أو القياس لرياضي قلنا من قبل أن هيجل اطرح الشكل الرابع الذي وضعه جالينوس والذي رفضه كل الفلاسفة لأنه مناف للطبع، لكن هيجل اقترح شكلاً رابعاً من نوع آخر؛ هو القياس الرياضي وصيغته: «إذا كان شينان، أو تعينان، مساويين لثالث، فإنهما متساويان فيما بينهما». وهو قياس معروف منذ عهد أرسطو، وسماه المناطقة العرب باسم : «قياس المساواة» . لكن هيجل أفرده قياساً رابعاً مستقلاً، بدعوى أن فيه تزول رابطة التضمن أو الاندراج وهذا صحيح، لأن القياس الرياضي إنما يقوم على خاصية التعدي على الإضافات(". «والحد الثالث، بوجه عام، هو الوسيط؛ لكنه ليس له أي تعين تجاه الطرفين. ولهذا فإن كل واحد من الحدود الثلاثة يمكن أن يكون هو الحد الثالث الوسيط . أما أي هذه الحدود الثلاثة ينبغي أن يؤخذ حداً وسيطاً ، وأيها ينبغي أن يؤخذ كعلاقة مباشرة، وايها ينبغي أن يكون العلاقة التي يتم التوسط بها — فهذه أمور تتوقف على ظروف خارجية وشروط أخرى... إن القياس الرياضي يساوي مثل البديهية في الرياضيات؛ مثل القضية الأولية، البينة في ذاتها وبذاتها، والتي لا يمكن البرهنة عليها وليست في حاجة إلى البرهنة عليها، أي أنها لا تحتاج إلى أي توسط، ولا تفترض شيئاً آخر، ولا يستنبط منه شيء آخر» ح٢ ص٣٢٦) ب-قياس الانعكاس التأملي يندرج تحت هذا النوع الثاني من القياس ثلاثة أصناف: -قياس التكمل؛ -قياس الاستقراء؛ (١) راجع بيان ذلك في كتابنا: «المنطق الصوري والرياضي»، باب: خواص الإضافات. ٠ قياس النظير؛ قياس التكمل «قياس التكمل هو القياس الذهني في كماله» (W.L٠ ح٢ ص٣٣٤). وفيه تكون الفردية هي في الوقت نفسه كلية، فالأوسط يكون ليس فقط تحديداً جزئياً خاصاً بالموضوع، بل ويكون أيضاً في نفس الوقت تحديداً لكل الموضوعات العينية الفردية. وفيه المقدمة الكبرى تفترض النتيجة. ولهذا كان هذا النوع من القياس نظيراً للشكل الأول من القياس الكيفي الذي تحدثنا عنه. إننا في هذا النوع نؤكد أن الكلي يتألف من مفردات ينتسب إليها ما يتصف به الكلي: فالكلي «إنسان» يتألف من مفردات هي زيد، عمرو، الخ، وهم يتصفون بما يتصف به الكلي: إنسان. فهو من الناحية التصورية يعبر عن وحدة بين الكلي والجزئي، ومن الناحية الشكلية يعبر عن اندراج المفرد في الكلي. ومن هنا كانت المفارقة paradoxe: إذ الكبرى تفترض مقدماً النتيجة. يقول هيجل: «في قياس الانعكاس التأملي يوضع في ذاته أن الكبرى تفترض مقدماً نتيجتها، من حيث أن الكبرى تحتوي على ارتباط المفرد بمحمول يجب حقاً أن يكون فقط نتيجة. فما هو معطى يمكن أن يعبر عنه أولاً هكذا: إن قياس الانعكاس ليس إلاً المظهر الخاوي الخارجي لعملية القياس - ولهذا فإن ماهية عملية القياس هذه تقوم على فردية ذاتية، وهذه بهذا تؤلف الحد الأوسط وينبغي وضعها بهذه المثابة: أي الفردية التي هي بهذه المثابة والتي ليس فيها الكلية إلا بشكلخارجي». (.٦٢٧.1ح٢ ص٣٣٦). لكن لكي تحتفظ الكبرى بحقيقتها،لا بد أن تكون النتيجة صحيحة مباشرة، أعني ألا تكون نتيجة مستخلصة من الكبرى. وهذا يدل أولاًعلى اعتماد الكبرى على النتيجة واعتماد النتيجة على الكبرى ٠ ويدل ثانياً على أن البرهنة القياسية ليست إلا مظهرية. ويدل ثالثاً على أن كل شيء في القياس يتوقف على الفردية، التي هي بمثابة الحد الأوسط، ونفضي بذلك إلى الاستقراء لكن هذه الفردية
المنطق المثالي أو منطق هيجل لا تستطيع أن تقوم بدون الحد الأوسط في قياس الانعكاس إلآ إذا كانت مباشرة في هوية مع الكلية. وهذا يقودنا إلى الحديث عن الصنف الثاني من قياس الانعكاس التأملي، وهو الاستقراء. قياس الاستقراء اسكيم قياس التكمل هو كما رأينا ، هو اسكيم الشكل الأول، أي لا-ب8 مفرد - جزئي-كلي. أما اسكيم قياس الاستقراء، وصورته ?-8-٧ كمي - مفرد - جزئي فهو اسكيم الشكل الثاني عند هيجل (: الثالث عند أرسطو)، لأن الحد الأوسط هو الفردية، لا الفردية المجردة، بل الفردية الموضوعة مع التحديد المقابل لها، أي الكلية. أي أن الفردية لم تعد مجردة، بلعينية. وأحد الطرفين (أو الحدين المتطرفين: الأكبر والأصغر) هو محمول ما، مشترك بين كل هذه المفردات. والطرف الآخر يمكن أن يكون الجنس المباشر، كما هو حاضر في الحد الأوسط للقياس السابق أو في موضوع الحكم الكلي، والذي يستنفد في مجموع المفردات أو أنواع الحد الأوسط. ولذلك فإن شكل هذا القياس هو: مفرد مفرد جزئي- -كلي مفرد مفرد إلى غير نهاية والاستقراء ليس هو القياس الناتج عن مجرد الإدراك الحسي أو القرينة العارضة، كما هي الحال في الشكل الثاني الهيجلي المناظر له؛ بل هو قياس ناتج عن التجربة؛ إنه قياس الإيجاز الذاتي للمفردات في الجنس، وقياس الجنس مع تعين كلي، لأننا نجده في كل المفردات. والاستقراء قياس ذاتي في جوهره إذ الحد الأوسط هو المفردات في مباشرتها؛ وإيجاز هذه المفردات نفسها في الجنس بواسطة التكمل هو انعكاس تأملي خارجي - قياس النظير اسكيم قياس النظير هو الشكل الثالث الهيجلي (الثاني عند أرسطو)، على الصورة: ?-ئآ-8 بيد أن حده الأوسط ليس صفة مفردة، بل هو كليتة هي الانعكاس -في - الذات لما هو عيني، أي طبيعة هذا العيني. ومن حيث أن الكلية من حيث هي كليتة أمر عيني فإنه في ذاته هو هذا العيني ٠ فالمفرد هنا حد أوسط، لكن بحسب طبيعته الكلية. ثم إن مفرداًآخر هو حد متطرف له مع الأوسط نفس الطبيعة الكلية ٠ مثال ذلك: الأرض فيها سكان القمر أرض القمر فيه سكان وقياس النظير سطحي، لأن المناظرة تزداد سطحية بقدر ما أن الكلى الذي به المفردان يكونان شيئاً واحداً، والذي تبعاً له يصير الواحد محمولاً للآخر، إنما هو مجرد صفة، أو مشابهة. ومن غير السليم تصوير المقدمة الكبرى لهذا النوع من القياس بحيث ينبغي أن تصاغ هكذا: «ما هو مشابه لشيء ببعض العلامات المميزة، فإنه مشابه له بعلامات أخرى«. وإذا اعتبرنا أن شكل قياس النظير هو في الصيغة التالية للكبرى، ألا وهي: «إذا اتفق شيئان في إحدى أو في بعض الخواص، فإنهينتسب إلىأحدهما أيضاً خاصية أخرى يتصف بها أحدهما - فإنه يحدث عن ذلك وجود حد رابع 0غع٢حا3ل٩٦ في المقدمات: حدان مقرران، وحد ثالث هو الخاصية المعتبرة مباشرة أنها مشتركة، وحد رابع هو الخاصية التي لأحد الحدين المفردين مباشرة، والتي لا يحصل عليها الحد الآخر. إلا بالقياس. وهذا ناشى عن أن الحد الأوسط في قياس النظير يوضع على أنه مفرد، وأيضاً على أنه كليته الحقيقية. ٣٢٦ المطق المثالي أو منطق هيجل ج - قياس الضرورة تحت هذا النوع الثالث من القياس يدرج هيجل : - القياس الحملي؛ - القياس الشرطي المتصل؛ - القياس الشرطي المنفصل؛ القياس الحملي في هذا القياس يكون الحد الأوسط هو الكلية الموضوعية. وهو أول قياس ضروري فيه الموضوع يقاس بجوهره مع محمول. والجوهر، مرفوعاً في ميدان التصور، هو الكلي، موضوعاً على أنه موجود في ذاته وبذاته بحيث لا يكون فيه عرضية . وهذا القياس، بوصفه القياس الأول، وإذن المباشر، للضرورة، فإنه يكون على اسكيم الشكل الأول ل-1-8. والقياس الحملي ليس ذاتياً، بل به تبدا الموضوعية؛ والحد الأوسط هو الهوية المليئة بالمضمون بين طرفيه. إن الأوسط لا يكون فيه خارجاً عن الحدين المتطرفين ولا يقتضي أي تدخل من أجل أن يربط يتهما. القياس الشرطي المتصل «القياس الشرطي المتصل يحتوي فقط على العلاقة الضرورية، دون المباشرة، بين المقدم والتالي. إذا وجدت ا، وجدت ب؛ أو: وجود ا هو أيضاً وجود أمر آخر هو ب؛ لكننا بهذا لا نقول بعد إن أ موجودة، ولا أن ب موجودة ٠ إن القياس الشرطي المتصل يضيف هذه المباشرة للوجود . إذا وجدت أ، وجدت ب و أ موجودة و ب موجودة والصغرى، لذاتها، تقول بالوجود المباشر ل أ. لكن ليس هذا فقط هو ما أضيف إلى الحكم. إن القياس يحتوي على العلاقة بين الموضوع والمحمول، لكنه ليس على نحو الرابطة المجردة، وإنما على نحو الوحدة الملينة، التي تقوم بالتوسط. ولهذا فإن وجود أ ينبغي أن يؤخذ، لا على أنه مجرد مباشرة بل على أنه جوهرياً هو الحد الأوسط للقياس». (.W.L ح٢ ص٣٤٦ - ٣٤٧). والقياس الشرطي المتصل يصور العلاقة الضرورية على أنها ترابط بالشكل أو الوحدة السالبة، مثلما أن القياس الحملي - بواسطة الوحدة الموجبة - يصور المضمون على أنه الكلية الموضوعية. وحقيقة القياس الشرطي المتصل تقوم في الهوية بين الوسيط وبين ما يتوسط له. القياس الشرطي المنفصل اسكيم القياس الشرطي المنفصل هو على شكل اسكيم الشكل الثالث الهيجلي S-U-P . لكن الحد الأوسط هو الكلية المليئة بالشكل؛ وهو يتحدد بأنه ٠الشمول Totalität، أو الكلية الموضوعية المنماة. ولهذا فإن الحد الأوسط هو كلية، وهو أيضاً جزئية، وفردية. ويرمز إليه هكذا: أهو إتاب أوج أو د و أهوب و أ ليس ح و ا د أوهكذا: أهو إتاب أوج أو د وأليسهوج ولا د و أهو ب ويلاحظ أن أ ليس فقط موضوعاً في المقدمتين، بل وأيضاً في النتيجة إنه في المقدمة الأولى كلي، وفي المقدمة الثانية هو مثل شيء محدد، أو نوع؛ وفي النتيجة يوضع على أنه التحديد المستبعد، الفردي القسم الثاني من نظرية «التصور» الموضوعية عرفنا من نظرية الوجود ومن نظرية الماهية أن المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٢٧ الوجود الكلي وجود عقلي تحكمه الضرورة. فكل ما هو موجود عقلي، وكل ما هو عقلي موجود وهذا الوجود العقلي الكلي الشامل له وجهان : وجه ذاتي هو ما درسناه في منطق هيجل حتى الآن، ووجه موضوعي هو ما نشرع الآن في دراسته. لقد كان الوجه الذاتي للوجود العقلي الكلي الشامل عبارة عن شمولية تحكمها الضرورة العقلية، أما الوجه الموضوعي فعبارة عن تركيب ذي مستويات، ويمكن تسميته بالواقع الموضوعي المتعدد المستويات بالضرورة. وهيجل يميز في هذا الواقع الموضوعي ثلاثة مستوياتم الميكانيكية، والكيمياوية، والغائية. وهي مستويات تصاعدية : أدناها الميكانيكية، وأوسطها الكيماوية، وأعلاها هو الغائية. في الميكانيكية تكون الأشياء خارج بعضها البعض، ولا توجد بينها الوحدة الذاتية للتصور إلا كوحدة باطنة أو وحدة خارجية . وفي الكيماوية تتجلى هذه الوحدة كقانون محايث للأشياء، وتصير العلاقة بينها هي الاختلاف المميز المؤسس بحسب قانونها . وفي الغائية توضع الوحدة الجوهرية بين لأشياء على أنها مختلفة عن استقلالها الذاتي؛ إنها التصور الذاتي، لكن موضوعاً بوصفه راجعا في ذاته ولذاته إلى الموضوعية على أساس أنه غاية. والغائية قد وضعت أولاً على أنها خارجية، تصل - بتحقيقها للغاية - إلى الغائية الباطنة وإلى الصورة Idee . فلنتناول الآن كل مستوى من هذه المستويات الشلاثة. ٠١ الميكانيكية في هذا المستوى يكون الشيء غير مكترث لخواصه، أعني أن خواصه متعلقة به دون أن يكون هناك أية ضرورة باطنة. وعلاقات العلية التي تفسر الشيء هي خارجية و أجنبية عنه. ولا تعترف الميكانيكية إلا بالعلية الفاعلة، التي هي علية بين حدود تربط فيما بينها أو تتحد بطريقة عرضية. وفي الميكانيكية تفسر خصائص الشيء بغيره، وهذا الأخير تفسر خصائصه بغيره، وهكذا باستمرار إلى غير نهاية بالمعنى الفاسد للامتناهي. والميكانيكية على ثلاثة أضرب: ميكانيكية شكلية، ميكانيكية متفاضلة، ميكانيكية مطلقة. في الميكانيكية الشكلية يكون الموضوع في مباشرته «هو التصور في ذاته فقط؛ فيكون أولا خارج ذاته، وكل تعين يوضع على أنه خارجي. فمن حيث أنه وحدة لتفاضلات، فإنه إذن مركب، ومجموع، وفعله في شيء آخر يبقى علاقة خارجية. . . ومن هذه الناحية، وفي هذا الاعتماد على الغير، تبقى الموضوعات مستقلة، ومقاومة، وخارجية بعضها عن بعض» («منطق الموسوعة» ، بنل ١٩٥) وفي الميكانيكية المتفاضلة، يكون الموضوع وحدة سالبة مع ذاته، ومركزية، وذاتية. وفي هذه الحالة يتوجه نحو الخارج ويصبح على علاقة معه. وهذا الخارج يتركز في ذاته، وبهذا المركز لا يتعلق إا بالمركز الآخر ويتمثل هذا في سقوط الأجسام، وفي الشهوة، وفي الغريزة الاجتماعية. وفي الميكانيكية المطلقة "تنمو هذه العلاقة ويفضي نموها إلى هذا القياس الذي فيه السلبية المحايثة، بوصفها فردية مركزية للموضوع (مركز مجرد) - تتعلق بموضوعات غير مستقلة، تؤلف الطرف الآخر عن طريق وسيلة، فتتوحل فيه المركزية وتتوقف الموضوعات بعضها على بعض» («منطق الموسوعة» بند ١٩٧ ) م ويضرب هيجل مثلاً على هذه الميكانيكية المطلقة بالدولة، فيقول : «إن الدولة - مثلها مثل النظام الشمسي - هي عملياً نظام مؤلف من ثلاثة أقيسة : ١ - الفرد (الشخص) يتحدد عن طريق جزئيته (الحاجات المادية والمعنوية التي بنموها تكون المجتمع) -بالعام (المجتمع، القانون، الحق، الحكومة). ٢ -إرادة الأفراد ونشاطهم هما الحد الأوسط الذي يشبع الحاجات الاجتماعية، والقانون الخ، وبهما يحقق المجتمع والقانون الخ ذاته ٠ ٣٢٨ المنطق المثالي او منطق هيجل ٣ . ومع ذلك فإن العام (الدولة، الحكومة، القانون) هو الحد الأوسط الجوهري الذي فيه يجد الأفراد ورضا هؤلاء الأفراد حقيقتهم المتحققة، وتوسطهم وقوامهم. وكل تعين - مادام التوسط يجمعه مع الطرف الآخر ٠ يتحد أيضاً مع ذاته، وينتج ذاته، وهذا الانتاج هو محافظته على ذاته. وفقط بفضل طبيعة هذا التسلسل، وبفضل ثلاث الأقيسة التي لنفس الحدود يفهم الكل في نظامه فهماً حقيقياً» («منطق الموسوعة» بند ١٩٨). وفي حالة هذه الميكانيكية المطلقة يكون القانون هو المحرك للنظام؛ فلا يعود الأمر كما كان في الميكانيكية الشكلية مجرد عناصر سالبة أو مقاومة تفنى وتزول؛ بل تكون ثمت حركة توجب ذاتها بحرية. لكننا مع ذلك لا نكون في حالة غائية، بل يبقى ثم توتر فالعناصر صارت سلبية ومتوترة بعضها تجاه البعض الآخر. وهذا يفضي إلى الكيمياوية. ٢ - الكيمياوية في مستوى الكيمياوية نجد المواد المختلفة ٠ مرتبطة بعضها ببعض ذاتياً، ومتوترة تجاه بعضها البعض مع نزوع إلى الامتزاج، ابتغاء التغلب على أحاديتها كيما تصير مادة واحدة محايدة ٠ والموضوعات الكيمياوية المتوترة لا يفهم أحدها إلا بالآخر، لأن وجود الواحد هو وجود الآخر ومع ذلك فإن هذا التوتر هو نفسه يفصل بينها كأفراد خارجية، بعضها عن بعض. ولهذا فإن هذه الطبيعة المتوترة تنطوي على تناقض ذاتي محايث، هو نزعة الأشياء إلى العلو على ذاتها وتحقيق تصورها على شكل حالة من التكمل اسايد. ويتجلى هذا، في الطبيعة، في ميل العناصر ذات الأنساب المتبادلة إلى الامتزاج في نتاج محايد تتغير فيه خواصها وهذاهوالأساس في العلاقات الجنسية البيولوجية وفي الحب وفي الصداقة. والموضوع الكيمياوي ينطوي على التناقض الذي يفسره: فإنه لا يتحدد إلا بعلاقته السلبية مع الآخر، وبالرغبة في الاتحاد معهم فمثلا الحامض والقاعدي إنما يتحددان بنزوع أحدهما إلى الاتحاد بالآخر، وبالتحايد وفقاً لنسب محددة؛ ومع ذلك فإن كليهما لا يستطيع أن يؤكد نوعيته الذاتية إلا بالبقاء خارج الآخر. فالعناصر في العملية الكيمياوية تنتقل إلى نتاج محايد، يلغى فيه كل عنصر العنصر (أو العناصر) الآخر. يقول هيجل في «منطق الموسوعة» : "بند ٢٠١ «إن العملية الكيمياوية تنتج الحد المحايد الأطراف التي في توتر: أي ما هي عليه هذه في ذاتها؛ والتصور، أي الكلي العيني يتحد بفضل اختلاف الموضوعات وجزئية الفرد - مع النتاج، وفي داخل هذا مع ذاته ٠ وفي هذه العملية يوجد أيضاً سائر الأقيسة، والفردية، بوصفها فعالية، هي أيضاً حد أوسط، مثلما الكلي العيني، الذي هو ماهية الأطراف التي في توتر، وهو في الناتج يصل إلى الوجود - بند ٢٠٢: والكيمياوية، من حيث هي علاقة منعكسة للموضوعية مع الطبيعة المختلفة للموضوعات تفترص في نفس الوقت الاستقلال المباشر لهذه الموضوعات. إن العملية (الكيمياوية) هي ذهاب — وجينة من شكل إلى آخر؛ وتظل هذه الأشكال خارجة بعضها عن بعض - وفي النتاج المحايد، تنحى جانباً الخواص المحددة التي تعارضت في الأطراف وهذا موافق للتصور قطعاً، لكن المبدأ المحرك للتفاضل لا يوجد فيه من حيث هو قد سقط من جديد في المباشرة، وهكذا يمكن المحايد أن ينفصل. بيد أن المبدأ الذي يحكم، والذي يقسم المحايد إلى أطراف مختلفة ويهب الموضوع غير المختلف، بوجه عام، اختلافه وحركته بالنسبة إلى الآخر، والعملية بوصفها تقسيماً متواتراً - هي خارج هذه العملية الأولى - بند ٠٣ ٢ : وخارجية هاتين العمليتين: رد المختلف إلى المحايد، وتفاضل غير المختلف أو العنصر المحايد الذي يجعلهما يظهران مستقلين الواحد إزاء الآخر - نقول إن هذه الخارجية تكشف عن تناهيهما في الانتقال إلى نواتج فيها ينحيان جانبا - وبفضل هذا النفي للخارجية والمباشرة حيث وضع التصور بوصفه موضوعاً، فإن التصور يوضع حراً ولذاته في مواجهة تلك الخارجية وتلك المباشرة - بوصفه غاية». وهذا يفضي بنا إلى الغائية. المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٢٩ ٣-الغائية الغائية هي تفسير الطبيعة وفقاً لاعتبارات تتعلق بالغاية . وقد أنكر اسبينوزا كل غائية في الطبيعة فقال إن الطبيعة لا تكشف عن وجود غاية مقررة من قبل، وكل العلل الغائية ماهي إلا تخيلات إنسانية» («الأخلاق» ١ القضية ٣٦). وقد كرس كنت كل القسم الثاني من كتابه : «نقد ملكة الحكم» للبحث في «نقد ملكة الحكم الغائي» . يقول كنت إن الفكرة العامة عن الطبيعة بوصفها نظاماً منطقياً لموضوعات الحواس لا تؤذن بأن الأشياء في الطبيعة يستخدم بعضها بعضاً كوسائل من أجل غايات، ولا تدل على أنه لا بد من افتراض ذلك من أجل فهمها. . أجل قد يكون افتراض الغائية مفيداً لملكة الحكم الذاتي، لكن لهذا شأن يتعلق بالعقل الإنساني، وليس بالطبيعة الموضوعية. «وأكثر من هذا: إن التجربة نفسها لا يمكن أن تبرهن لنا على حقيقة وجود هذه الغائية)» («نقد ملكة الحكم"، ترجمة فرنسية لفيلونتكو ط٣ باريسسنة ١٩٧٤ص ١٨١ ). ثم إن الغائية الموضوعية، بوصفها مبدأ إمكان الأشياء في الطبيعة، ليست بالضرورة مرتبطة بتصورها، بل هي بالأحرى ما نهيب نحن به أساساً ابتغاء إثبات عرضية الطبيعة وشكلها. وإذا كنا نلجأ إلى الحكم الغائي في دراسة الطبيعة، فما ذلك إلا لإخضاعها، وفقاً لقياس النظير analogie مع العلية الغائية، لإخضاعها لمبادىء الملاحظة والبحث، دون إدعاء تفسيرها عن هذا الطريق إننا نلجأ إلى الحكم الغائي حين يعوز التفسير العلي وفقاً لآلية الطبيعة. «إننا ندخل مبدأ العلية حين نعزو عليه فيما يتعلق بموضوع ما إلى تصور هذا الموضوع، كما لو كان هذا التصور موجوداً في الطبيعة، وليس في داخل نفوسنا، أو-بالأحرى - وفقاً لقياس النظير مع مثل هذه العلية (ونحن لا نعثر في داخل أنفسنا على مثل هذه العلية) - نحن نتمثل إمكان الموضوع، وتبعاً لذلك حين تتصور الطبيعة من صناعة قوتها الخاصة؛ لكن إذا لم ينسب إليها مثل هذا الضرب من الفعالية، فإن عليتها يجب أن تتصور أنها آلية عمياء» (الكتاب نفسه، ص١٨٢). وخلاصة القول أن كنت يؤكد أن الغائية لا يمكن أن تطبق على الطبيعة إلاً كتصور عقلي ذاتي، تماماً مثل الجمال أو الخير والحكم الغائي ليس حكماً يحدد الأشياء، بل هو حكم يتأمل في الأشياء؛ إنه يزودنا بمادة للتأمل، وقصاراه أن يزودنا بمبداً منظم يساعدنا على تعزف أنفسنا في تفاصيل الأشياء؛ إنه لا يمكننا من معرفة الأشياء نفسها بالمعنى الدقيق للمعرفة، كما تفعل الآلية بادراجها العيانات تحت التصورات . وجاء هيجل فقال «إن من أكبر أفضال كنت على الفلسفة أنه يميز بين الغائية النسبية أو الخارجية، وبين الغائية الباطنة؛ وفي هذه الأخيرة أدرج تصور الحياة، وه الصرر Idee؛ وبهذا رفع الفلسفة - على نحو إيجابي - فوق تحديدات التأمل وفوق العالم النسبي لما بعد الطبيعة، وهو ما لم يفعله «نقد العقل» إلا بطريقة ناقصة، وبصورة قاصرة، وعلى نحو سلبى فحسب - لقد ذكرنا أن التقابل بين الغائية والآلية هو أولاًالتقابل على هذا الشكل في نقائض العقل، وفي نحو أدق على أنه النتاج الثالث بين الأفكار المتعالية» (.W.L ح٢ ص٣٨٧). ويورد هيجل النقيضة الثالثة من نقائض العقل التي بينها كنت وصاغها هكذا: قضية موضوعة العلية المحددة بقوانين الطبيعة ليست العلية الوحيدة التي يمكن أن تستمد منها كل ظواهر العالم بل لا بد من الإقرار أيضاً بعلية حزة من أجل تفسيرها ٠ نقيضها لا توجد حرية؛ بل كل ما يحدث في العالم يحدث وفقاً لقوانين طبيعية. ويعلق عليها هيجل قائلاً أنه على الرغم من جودة ما قاله كنت عن المبدأ الغائي، فإن من المفيد أن ننظر في المكانة التي أعطاها كنت لهذا المبدأ. إنه من حيث أنه ينسبه إلى الحكم التأملي، فإنه يجعل منه وسيطاً للربط بين كلي العقل ومفرد العيان؛ وهو أيضاً يميز بين الحكم التأملي والحكم التحديدي déterminant، فهذا الأخير يدرج فقط الجزئي تحت الكلي. ومثل هذا ٣٣ المنطق المثالي أو منطق هيجل الكلي، الذي ليس إلا مدرجاً، هو أمر مجرد، لا يصير غيبياً إلا في شيءآخر هو الجزئي أما الغاية فهي الكلي العيني، الذي في ذاته له لحظته الجزئية والخارجية، وهو بالتالي فعال، وهو الميل إلى طرد نفسه بنفسه. والتصور، من حيث هو غاية، هو على كل حال حكم موضوعي، فيم أحد التحديدات، أي الموضوع، أي التصور العيني — يتحدد بذاته، بينما لآخر (: المحمول) ليس فقط محمولا ، بل هو الموضوعية الخارجية . لكن علاقة الغائية ليست بهذا حكماً تأملياً réfléchissant لا ينظر إلى الأشياء الخارجية إلا وفقاً للوحدة، كما لو كان عقل أعطاها من أجل ملكتنا للمعرفة، بل هو الحقيقي في ذاته ولذاته الذي يحكم موضوعياً ، ويعين الموضوعية الخارجية تعييناً مطلقاً وبهذا فإن علاقة الغائية هي أكثر من حكم: إنها القياس الخاص بالتصور المستقل الحر الذي ينقاس مع نفسه بواسطة الموضوعية» (.W.L ح٢ ص٣٨٩ - ٣٩٠). ويرى هيجل أن فضل كنت في هذا الموضوع يرجع إلى أمرين: الأول : أن كنت ميز بين علية خارجية، وعلية باطنة : الأولى يمكن أن تعد أيضاً العلية الخاصة بالطبيعة، إما الثانية فهي التي يتميز بها بعض الكائنات من حيث أنها تبدي عن قدرة على التكوين لا يمكن ردها إلى التحديدات الميكانيكية وحدها ٠ الثاني: أنه استطاع بهذا أن يربط بين الغائية وبين تصور الحياة، وبهذا توصل إلى فهم «الصورة». لكن هيجل ياخذ مع ذلك على كنت أمرين أيضاً : الأول: إن كنت في براهينه على القضية ونقيضتها في النقيضة الثالثة التي أوردنا نصها، لم يقدم برهاناً إيجابياً صريحاً؛ بل برهن برهنة أباجوجية، أي بالرد إلى المحال، وهذا ليس برهاناً صريحاً، يل هو برهان ظاهري وهمي ٠ الثاني: إن كنت أقتصر على وضع قضيتين متناقضتين الواحدة في مواجهة الأخرى: ففي حالة القضية الأصلية يقال إن القوانين الطبيعية لا تؤدي إلآ إلى تقهقهر من علة إلى علة إذا لم نقل بتلقائية مطلقة، أي بعلية حرة . وفي حالة النقيضة يبرهن على أن القول بالحرية منظوراً إليها على أنها تلقائية مطلقة من شأنه أن يكسر التسلسل الواحدي للظواهر في التجربة. وفي «منطق الموسوعة» (ملاحظة على بند ٤ ٠ ٢) نجد هيجل يطري كنت لأنه «بفضل فكرة الغائية الباطنة قد أحيا من جديد «الصورة» بوجه عام، و(( صورة الحياة» بوجه خاص. ذلك أن تعريف أرسطو للحياة ينطوي على قكرة الغائية الباطنة، وهو لذلك أسمى إلى غير نهاية من فكرة الغائية الحديثة التي لا ترى غائية غير الغائية المتناهية، الخارجية] . وأبسط الأمثلة على الغاية: الحاجة والميل Trieb، وكل منهما يمتل التناقض المشعور به في داخل الذات الحية وكلاهما نفي ينفيه الفعل، أي الإشباع. فبالإشباع يعاد السلام بين الذات والموضوع. «والميل هو التعيين بان الذاتي ليس إلا استبعادياً، وليست له غاية حقيقية، وكذلك الموضوعي ليت له حقيقة هو الآخر. والميل هو أيضاً تحقيق هذا اليقين: إنه يصل إلى استبعاد تقابل الذاتي الذي لا يريد إلا أن يكون ذاتياً، وتقابل الموضوع الذي لا يريد إلا أن يكون موضوعياً» (بند ٢٠٤، ملاحظة). (ص٠٧ ٢) والعلاقة الغائية هي القياس الذي فيه تتحد الغائية الذاتية مع الموضوعية الخارجة عنها بواسطة حد أوسط، هو وحدتهما بوصفها فعالية غائية والحد الأوسط من حيث هو موضوعية خاضعة مباشرة لغاية». (بد ٢٠٦). «والغاية الذاتية هي القياس الذي فيه التصور العام، بفضل الجزئية، يتحد مع الفردية، بحيث أن هذه الأخيرة تصدر الحكم كتحديد تلقائي؛ أي أنها تجزىء هذا (التصور) العام غير المحدد بعد، بأن تجعل منه مضموناً محدداً، كما أنها تضع التقابل بين الذاتية والموضوعية -وقد صارت بهذا عودة إلى الذات، وذلك بتحديد الذاتية الخاصة بالتصور في مواجهة الموضوعية على أنها ناقصة، وذلك بالمقارنة مع الشمولية المتضمنة في ذاتها وبالتوجه هكذا نحو الخارج في نفس الوقت. (بند ٢٠٨) وهذه الفعالية المتوجهة نحو الخارج تعود، من حيث هي فردية (في هوية - لغرض ذاتي - مع الجزئية التي فيها تنضوي الموضوعية الخارجية مع المضمون) أولاً مباشرة مع الموضوع، وتستولي عليه كما لو كان أوسط (أو المنطق المثالي أو منطق هيجل
وسيلة) . والتصور هو تلك القوة المباشرة لأنها هي السلب الذي هو في هوية مع ذاته الذي فيه لا يتحدد وجود الموضوع إلا كشيء تصورن مثالي ideelles ٠ والحد الأوسط كله هو الآن هذه القوة الباطنة التي للتصور من حيث أنه فعالية يتحد بها الموضوع مباشرة كوسيلة وهو يخضع لها» . الغائية الخارجية والغائية الباطنة وهيجل في البنود التي أوردناها من «منطق الموسوعة» ونظائرها المفصلة بإسهاب شديد في «علم المنطق.W.L» ينقد الغائية الخارجية. والغائية الخارجية كانت النزعة المحبوبة عنل أصحاب النزعة المؤلهة Deismus (أي القائلة بوجود إله، دون المتقيد بدين وضعي معين) في القرن الثامن عشر. وخلاصتها أن الكائنات في العالم تكشف عن غائية بينها وبين بعض، وبينها والكل. وهذا يؤذن بوجود علة مدبرة هي التي أوجدت هذه الغائية، وهذه العلة المدبرة هي الله، بوصفه العقل المدبر للكون ٠ لكن هيجل - في إثر كنت الذي نقد هذه العلية الخارجية - أنكر العلية الخارجية ممثلة في أذهان أصحاب مذهب المؤلهة، لأنها تؤدي إلى أن ينسب المرء ما لا حصر له من الأغراض المضحكة إلى اشه، ابتغاء تفسير تفاصيل في ما في العالم، مما يفضي إلى نسبة غايات متناحرة غير مترابطة إلى الله؛ وهذا ما لا يرضاه العقل، لأن العقل ينشد ربطاً محكماً معقولاً بين أجزاء الوجود كله. وقد حاولت الميكانيكية العثور على هذا الارتباط بيد أنها لم تستطع الوصول إلى تفسير ضروري عن طريق علل معقولة، لأن عللها آلية، تفسر الأحداث الجزئية ولا تفسر الغاية من الكل ٠ آفة الغائية الخارجية هي الفصل بين المضمون وبين الشكل وهي لا تستطيع لذلك أن تفسر ارتباطهما في شيء معين. مثلا أريد أن أبني بيتا. فأتخيل لنفسي تصميم هذا البيت , وآتي بالمواد الكفيلة بتحقيق هذا التصميم . لكن العلاقة بين التصميم الذي تصورته أنا وبين هذه المواد علاقة خارجية محض، إذ هي لا تتركب من نفسها بنفسها، كما هي الحال في الكائنات الحية؛ بل أنا الذي أفرض عليها التركيب الذي يحقق التصميم الذي تصورته أنا بعقلي وفي عقلي. ولهذا أطرح هيجل هذه الغائية الخارجية مستهدفاً الوصول إلى غائية باطنة. كيف تأتى له ذلك؟ عن طريق تصور الكون كله ككائن حي شامل واحد. وتلك هي الغائية الباطنة، وفيها تختفي كل المتقابلات والنقائض، وما كانت الغائية الخارجية نتصورها حدوداً منفصلة ستصبح متحدة معاً . وفي هذه الغائية يصير كل شيء وسيلة وفي الوقت نفسه جزءاً من غاية، أي يكون نهاية وفي الوقت نفسه بداية . ويتحقق هذا التصور عند هيجل بتصوره الوجود على مستويات مختلفة. وبسبب اختلاف مستويات الوجود، تختلف متويات تفسير الوجود. فالميكانيكية تقدم تفسيراً مقبولا لما يجري في مستواها من أحداث وعمليات . والظواهر التي تجري في مستوى الميكانيكية تندرج بدورها في كائنات أكثر تركيباً ينبغي تفسيرها في مستويات أعلى، وهكذا نرتفع إلى فهم كل الوجود فهماً غائيا - لكن كل ما في الوجود وسيلة وا يوجد فيه غاية مطلقة أو نهائية. ذلك لأنه لما كان العمل الغائي إبداعاً مستقلاً عن المادة، فإن الغاية التي يحققها هذا العمل لا تكفي نفسها بنفسها أبداً. مثلاً: الفلاح يحرث الأرض، لكن الأرض المحروثة وسيلة لبذر البذور، وهذه بدورها لآنبات محصول، وهذا بدور ه لفوت شخص، وهكذا باستمرار فكل شيء وسيلة، وليس أبداً غاية نهائية مستقلة بذاتها . مكر العقل وهنا يولج هيجل فكرة طالما سيستخدمها في تفسير أحداث التاريخ، وهي فكرة: «مكر العقل» . ويقول في تحديدها : «العقل ماكر بقدر ما هو قوي. ومكره، بوجه عام، يقوم في فعل التوسط الذي يمكن الموضوعات من السير وفقاً لطبيعتها [المتناهية أو الظاهرية] وفي الوقت نفسه يفعل في بعضها البعض حتى تستهلك نفسها، وا تتدخل هي بنفسها في العملية، بينما هي تعمل في سبيل ٣٣٢ المنطق المثالي أو منطق هيجل أغراضها هي. وبهذا التفسير يمكن أن يقال إن العناية الإلهية تقف من العالم وعملياته موقف المكر المطلق إن الله يدع الناس يفعلون ما يحلو لهم أن يفعلوه بأهوائهم ومصالحهم الخاصة، لكن النتيجة هي إنجاز خططه هو لا خططهم هم، وهذه تختلف قطعاً عن الغايات التي سعى إليها أولنك الذين استخدمهم هو» («منطق الموسوعة» ، بند ٢٠٩ الحاق) . فالمقصود بمكر العقل هو أن تستخدم غاية علياً مبادىء من مستوى أدنى لتحقيق غايتها. فالغاية العليا بدلاً من أن تعمل مباشرة في الموضوع تولج موضوعاً آخر بينها وبين ما تريد أن تقوم بتحويله. ذلك لأنها لو تدخلت هي بنفسها في تغيير الأشياء، لصارت شيناً جزئياً، وعدت واحدة من الأشياء الجزئية لكن مكرها يخلصها من الوقوع في هذا الوضع بأن تجعل ما تريد فعله يتم بواسطة التفاعل الآلي بين الأشياء في العالم. إن العقل كثيراً ما يستخفي وراء الأشياء، ويحقق ظواهر تلوح أنها في تعارض معه، وذلك ابتغاء أن يحقق هو نفسه . والغاية تضع نفسها في علاقة غير مباشرة مع الموضوع، وذلك بأن نضع موضوعاًآخر يتوسط بينها وبين الموضوع. فالكون إذن ذو مستويات مختلفة. والمستويات العليا تستخدم المستويات الأدنى منها لتحقيق غاياتها. والله يدع الناس يتصرفون متخيلين أنهم إنما يتصرفون وفقاً لأهوائهم وأغراضهم، لكن الحقيقة هي أنهم إنما يتصرفون وفقاً للخطة التي رسمها الله لهم. والغاية اللانهائية تتحقق من خلال الغايات المتناهية . ولا بد لنا أن ننظر إلى الكون على أنه تحقيق لغاية. وهذه الغاية باطنة، وليست خارجية. وفي هذا التحقيق تتحكم الضرورة، الضرورة المطلقة غير المشروطة بأي شرط . وكل ما يحدث يحدث عن ضرورة هي تحقيق الغاية من الكون . ولا تكون الغاية ضرورية ضرورة مطلقة إذا كانت مفروضة من قوة عالية على الكون. وإذن فالضرورة التي تسود الكون هي ضرورة باطنة في الكون لا تفرضها عليه أية قوة عالية عليه. وهكذا ينكر هيجل الغائية الخارجية التي قال بها أصحاب مذهب المؤلةة الذين قالوا بأن قوة خارجة عن الكون، هي الله، هي التي أوجدت الغائية في الكون. القسم الثالث (١) «الصورة» Idee يعرف هيجل "الصورة» Idee في أول القسم الثالث من نظرية التصور في كتابه «علم المنطق» على النحو التالي: «الصورة» هي التصور المطابق، والمقصود الحقيقي، أو الحق بما هو كذلك ٠ فإن كان لشيء ما حقيقة، فإنما يدين بها لصورته، أو يقول إن الشيء لا تكون له حقيقة إلا بمقدار ما هو صورة. والاصطلاح م «صورة» كثيراً ما جرى استعماله، سواء في الفلسفة وفي الحياة العامة، أيضاً بدلاً من الكلمة: تصور Begriff، يل وأيضاً بدلاً من مجرد الامتثال: [فقولي:] ليست عندي صورة [أو: فكرة] عن هذه القضية، أو عن هذا البناء، أو عن هذه البلاد -لايعني أكثر من: الامتثال ثم جاء كنت فأعاد للاصطلاح: «صورة» معنى «تصور العقل» وتصور العقل عند كثت يجب أن يفهم بمعنى التصور غير المشروط، لكنه عال على الظواهر، أي أنه ينبغي عدم استعماله استعمالاًتجريبياً لأنه سيكون غير مطابق. إن تصورات العقل يجب أن تستخدم لفعل الفهم التصوري، وتصورات الذهن يجب أن تستخدم لفعل فهم المدركات الحسية - لكن في الواقع إذا كانت المدركات الحسية تصورات فعلا، فإنها تصورات - بها نفهم تصوريا، وفعل فهم المدركات الحسية بتصورات الذهن سيكون فعل فهم بالتصورات . I والاصطلاح م تصور العقل هو تعبير غير موفق كثيراً، لأن التصور هو بوجه عام شيء عقلي؛ وبالقدر الذي به العقل يتميز من الذهن ومن التصور بما هو كذلك، فإن العقل هو جماع التصور والموضوعية -وفي هذه الحالة فإن الصورة هي «العقلي» (أو المعقول)؛ إنها اللامشروط نظراً إلى أنما له شروط هو وحده ما يرجع أساساًإلى موضوعية، موضوعية غير محددة بذاتها وإنما هي موضوعية من حيث أنها لا تزال على شكل السوية Indifferenz والخارجية، مثلما هي الحال بالنسبة إلى الغاية الخارجية» (.W.L ح٢ ص٤٠٧ -٤٠٨) ومن هذا النص يتبين أن هيجل - في إثر كذت -يعود إلى فهم "الصورة» بالمعنى الذي وضعه لها المنطق المثالي أو منطق عيجل
- ٢٠٢٠٢
أفلاطون ، أي المفهوم العقلي الكلي الذي يجعل الموضوع الخارجي أو الواقع هو ما هو «الصورة» عند هيجل هي الحقيقة، هي وحدة التصور والموضوعية. «الصورة هي الحقيقة في ذاتها ولذاتها» («منطق الموسوعة» ص٢٣) ولقد أصاب كنت - هكذا يرى هيجل - حين جعل «الصورة» أمراً غير مشروط بشرط، وعالياً على الظواهر، ولا يمكن أن نجد لها في التجربة تطبيقاً مكافناً صادقاً. لكن كان على كنت - هكذا يلاحظ عيجل - أن يقرر أن عدم التطابق هذا ليس مرجعه إلى نقص أو عيب في «الصورة»، وإنما إلى عيب في الأشياء التجريبية. ذلك أن الأفراد لا تطابق مفهومها العقلي تماماً، وهذا هو السبب في أن الأفراد متناهية فانية. ويفسر هيجل هذا المقصود على نحو أكثر تفصيلاً في الملاحظة على بند٢٣ في «منطق الموسوعة» ، فيقول: «الصورة» هي الحقيقة، لأن الحقيقة هي أن تكون الموضوعية مطابقة للتصور - لا أن تكون الموضوعات الخارجية مطابقة لامتثااتي، فإن هذه ليست إلا٠ الامتثالات إلدقيقة التي عندي أنا عن هذه الأشياء . في «الصورة» لا يتعلق الأمر بهذا الشيء أو ذاك، ولا بامتثالات، وا بموضوعات خارجية : - إن كل ما هو واقعي، من حيث أنه حقيقي، هو «الصورة»، ولا حقيقة له إلا «بالصورة» وبفضل «الصورةة. إن الموجود المفرد هو جانب ما من "الصورة»، فلا بد له إذن من وقائع أخرى تظهر أنها توجد خاصة من أجل ذاتها؛ والتصور لا يتحقق إلا بمجموعها وبعلاقاتها * إن المفرد لذاته لا يطابق تصوره؛ ومن هذا التحدد لوجوده ينشأ تناهيه وفناؤه . و«الصورة» هي نفسها ينبغي ألا ينظر إليها على أنها صورة لشيء ما، كما لا ينبغي أن ينظر إلى التصور على أنه تصور معين. إن المطلق هو «الصورة» الكلية الواحدة التي بالحكم، بالتقسيم، تتجزأ إلى نسق من الصور المعينة التي ليست كذلك إلا لكي تقود إلى «الصورة» (١) «الصورة» - وسنضع هذا اللفظ بين هلالين كلما قصدنا المعنى الاصطلاحي - هي بمعناها عند أفلاطون في نظربة «الصور» أي المعاني الكلية التي بالمشاركة فيها توجد الأشياء وتفهم، وتشمل الماهبات، والأجناس، والأنواع. الواحدة، التي هي حقيقتها. وتبعا لهذا الحكم فإن «الصورة» ليست أولاً إلآ الجوهر الكلي الواحد، لكن في واقعه الحقيقي، وقد نمت وتطورت، إنها الذات، وبالتالي إنها العقل" وينبه هيجل إلى خطأيين في تصور «الصورة»: الأول: أن ندركها على أنها مجرد عنصر منطقي، صوري - فهذا القول مرده إلى تصور الموجودات التي لم تصل إلى مستوى «الصورة» على أنها موجودات حقيقية * الثاني: أن ندركها على أنه ما هومجرد لكن «الصورة» هي في حقيقتها عينية، لأنها التصور الحر الذي يحدد نفه بنغه - ويغالي هيجل في توكيد معاني «الصورة» فيقول «الصورة يمكن إدراكها على أنها العقل (وذلك هو المعنى الفلسفي الصحيح للعقل) ، وأنها الذات -الموضوع، وأنها وحدة المثالي والواقعي، والمتناهي-اللامتناهي، وأنها النفس والجسم، وأنها الإمكان الذي يملك في ذاته الواقع، وأنها لا تفهم طبيعتها إلا بوصفها موجودة، الخ. ٠ . ذلك لأنها تشتمل على كل علاقات الذهن، لكن في عودة اللانهائية لهذه العلامات وهويتها مع ذاتها» («منطق الموسوعة» ، ص ٢١٤) وا يأبه عيجل لما عسى أن يعترض به الذهن على هذه الأوصاف من أنها يناقض بعضها بعضاً: الذات-الموضوع، المثالي-الواقعي، المتناهي - اللا متنا هي، النفس - الجسم، لامكان - الواقع - ذلك لأن «الصورة» ديالكتيك : «إن «الصورة» هي نفسها الديالكتيك الذي يفصل ويميز أبداً الهودي في ذاته عن المختلف، والذاتي عن الموضوعي والنفس عن الجسم؛ وبهذا الشرط وحده فإن «الصورة» هي الخلق السرمدي، والحيام السرمدية، والروح (أو العقل) السرمدية , . . إنها أيضاً العقل السرمدي، إنها الديالكتيك الذي يفهم هذا الذهن، وهذا الاختلاف -طبيعته المتناهية، والمظهر الزائف الذي هو استقلال نواتجه ويرته إلى الوحدة» . (ص٢١٤، ملاحظة) . إن «الصورة» هي ذاتها التي تعين ذاتها؛ إنها موضوعية تتابع تعينها الكلي الشامل العيني. إن «الصورة» هي الحكم اللامتناهي الذي كل جانب فيه هو شمول مستقل بذاته. ٣٣٤ المنطق المثالي أو منطق هيجل «والصورة هي في جوهرها (نوع من) العملية، وهويتها ليست هي الهوية المطلقة الحرة للتصور إلاإذا كانت هي السلبية المطلقة، وبالتالي (عملية) ديالكتيكية ونموها وتطورها يقوم في كون التصور - من حيث أنه كلية هي فردية - يتحدد للموضوعية وللتقابل مع هذه، مزجعاً الخارجية التي جوهرها هو التصور، بواسطة ديالكتيكية المحايث - إلى ذاتها في الذاتية» («منطق الموسوعة» ص٥ ٢١) . ونورد هاهنا أقواا متناثرة في ثنايا مؤلفاته في تعريف «الصورة! : - الطبيعة هي «الصورة» على شكل وجود الغير andersseyn» (مجموع مؤلفاته، ح٦ ص١٤٧) - ما يميز «الصورة» المنطقية هو الوجود في ذاته المباشر البسيط ٠ أما ما يميز الطبيعة فهو وجود «الصورة» خارج ذاتها (مجموع مؤلفاته حم ١ ص٢١) . - «الروح (أو العقل) Geist هو «الصورة» الحقيقية التي تعرف ذاتها» (مجموع مؤلفاته ح. ١ ص٠ ٢) . - «الدولة هي «الصورة» الروحية [العقلية] في تخارج الإرادة الإنسانية وحريتها» (مجموع مؤلفاته ح١ ١ ص ٨٠) . ولهذا تجد كارل روزنكرتس Rosenkranz في كتابه system der Wissenschaft (ص١١٨ ، طبعة سنة ١٨٥٠) وهو من أتباع ما يسمى باليمين الهيجلي يقول: «الصورة» هي نفسها الوجود المطلق غير المشروط في ذاته، وغير المعتمد على أي أمرآخر، والذي يضم - كتضام Involution-كل تعيناته نحو التطور، يضمها في ذاته». وبالجملة، فإن "الصورة» عند هيجل هي عملية وضع الآخر ثم استعادة الوحدة مع الذات في هذا الآخر وهذه العملية ديالكتيكية، أي تنطوي على تناقض وحركة من النقيض إلى النقيض في حضرة «الصورة» ذاتها. ومن هنا كان النزاع والتناقض ضروريين في داخل •الصورة». ولا تستطيع «الصورة» أن تحقق ذاته إلا بالحركة من النقيض إلى النقيض. ولهذا فإن «الصورة» تتحقق بأن تضع عالماً هو في تناقض مع ذاتها، وهو في الوقت نفسه غيرها. وهذه العملية التي تقوم بها «الصورة» لتحقيق ذاتها لا تدرك بالذهن verstand بل بالعقل vermunft، إن الذهن لا يدرك المتنافض بل الخالي من التناقض، أما العقل فيدرك المتناقضات في حركتها. ومن ناحية أخرى، فإن «الصورة» يرتبط بها وبعملياتها الذات subject التي تعقل. ومعنى هذا أن «الصورة» ليست فقط في ذاتها an sich، بل وأيضاً لذاتها für sich أي تعي ذاتها. ولهذا كان الوعي الذاتي عنصراً جوهرياً في «الصورة» وتنطوي «الصورة» على ثلاثة أوجه أ - الحياة؛ ب - المعرفة؛ ج-الصورة المطلقة؛ أ-الحياة «الصور» المباشرة هي الحياة. فالتصور، بوصفه نفسا، يتحقق في جسم، والنفس هي العموم المباشر وتعود إلى ذاتها من الخارجية الجسمية؛ وكذلك الحال في التجزئة - حتى إن الجسم لا يعبر عن اختلافات أخرى غير تعينات التصور - وهي في النهاية: الفردية، بوصفها سلبية لامتناهية - إنه ديالكتيك موضوعيتها المفصولة، مردوداً من الكيان المستقل الظاهري في الذاتية، حتى إن كل الأعضاء هي على التبادل وسائل وقتية، كغايات وقتية، والحياة، من حيث أنها التجزئة الأولى، تفضي إلى الوحدة السلبية من حيث هي موجودة لذاتها ولا تندرج إلا مع نفسها في الجسمانية من حيث هي ديا لكتيك — وهكذا فإن الحياة هي في جوهرها شيء حي، وهذا الحي - وفقاً لمباشرته - فردي . وفي هذا المجال تتعين النهائية، بحيث أنه، بسبب مباشرة «الصورة» فإن النفس والجسم قابلان للانفصال؛ وهذا هو ما يصنع فناء الكائن الحي ومع ذلك فإنه من حيث يكون ميتا فإن هذين الجانبين «للصورة» هما جزءان مكونان مختلفان». («منطق الموسوعة» ، ص٢١٦) وتفسير هذا النص هو أن الحياة إنما تتحقق في الفرد العيني المباشر. فالحياة كائن حي يحيا ويموت، هو في صورته الأولى ذات واحدة نفساً وجسماً. المنطق المثالي أو منطق هيجل
ومن هنا نرى هيجل يفهم الحياة تماما كما فهمها أرسطو: فعند أرسطو أن النفس «كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة» ، ولا حياة للنفس بدون الجسم ، ولا للجسم بدون النفس" والجسم لحي ليس مؤلفاً من أجزاء، بل من أعضاء، أي من أدوات مرتبطة جوهرياً بعضها ببعض في القيام بعملية الحياة كله ٠ ويوافق هيجل على قول أرسطو إن اليد التي تبتر من الجسم لا تسمى يداً إلا باشتراك المعنى فقط («منطق الموسوعة" بند ٢١٦ إلحاق) ، أما في الحقيقة فلا تعديداً بعد. والكاثن الحي شمول موضوعي، مترابط جوهرياً في عملية واحدة هي عملية الحياة . ولهذا فإن الحياة تتجاوز (تعلو على) الميكانيكية والكيماوية، وتظل عالية عليهما طالما كان الكائن حياً، حتى إذا ما مات عادت إليهما هويتهما فصار الجسم الميت خاضعاً للميكانيكية والكيمياوية . والكائن لحي طالما كان حيا يظل يصارع ضد العودة إلى الميكانيكية والالية في الجسم إلى طبيعتيهما ا لأولى وهو في صراعه «ضد الطبيعة ا للاعضوية يحافظ على نفسه ، وينمو ويتموضع» (بند ٢١٩). "والفرد الحي، الذي يتصرف، في العملية الأولى في نفسه بوصفه ذاتاً وتصوراً، وبتمثل، في العملية الثانية، موضوعيته الخارجية، واضعاً هكذا في ذاته المتحدد الواقعى العينى - يكون الآن فى ذاته جنساً، أي عموماً جوهرياً. والتجزئة هي علاقة الذات بذات أخرى من نفس جنسها، والكم هو علاقة الجنس بهؤلاء الأفراد الذين حدد بعضهم بعضاً على هذا النحو - وهذا هو اختلاف الذكورة والأنوثة» (بند ٢٢٠). والجنس هو «الهوية للشعور الذاتي للفرد فيما هو في الوقت نفسه فرد آخر مستقل بذاته» ح٢ ص ٢٦٠، نشرة جلوكنر) . فالفرد يجد نفسه ويشعر بنفسه في فرد آخر، وبهذا يحقق فرديته كجنس. وبهذا يكون الفرد جنساً كلياً ضمنياً لا صراحة , ومن هنا فإن العلاقة بين أفراد الجنس تنطوي على تناقض . وهذا التناقض يصبح جرثومة لأفراد حية أخرى. والطبيعة تحافظ على الجنس عن طريق التوالد، لكن الأفراد يموتون والجنس ليس فقط يخلق أفراداً، بل هو أيضاً يتجاوزهم (يعلو عليهم) ويرجع إلى ذاته من خلالهم «حينئذ تكون «الصور» على علاقة بذاتها كصورة، ويكون الكلي الذي له كلية لتحدده ولآنيته» (.W.L ح٢ ص٢٦٢، نشرة جلوكنر). وتفسير ذلك أن العلاقة بين الفرد الحي وفرد آخر داخل نفس الجنس إنما تنجم عن عملية التجزؤ داخل الجنس بأن يحدث اختلاف بين الأفراد، من جهة، واتفاق من جهة أخرى هو اتقاقهم في الجنس. فيكون هناك شعور بالذات من ناحية، وشعور بالجنس المشترك من ناحية أخرى. ومن ثم يكون التناقض في داخل الجنس الواحد: اختلاف عن سائر أفراد الجنس، واتفاق معهم في الجنس المشترك بينهم «والكائن الحي يموت لأنه هو التناقض بين أن يكون في ذاته هو الكلي أو الجنس، وبين كونه إنما يوجد مباشرة بوصفه فردا» («منطق الموسوعة» بند ٢٢١، الحاق). ولهذا يرى هيجل أن الكائنات الحية هي تحقيق ناقص «للصورة». إنهم لا يعملون في المحافظة على وحدة الجنس، وبالتالي خلوده. إنهم يحافظون على الجنس على نحو ناقص، متقطع هو التراجع اللانهائي لتوالي الأجيال. بيد أن هيجل يسعى لاستعادة الوحدة، وذلك في الروح (أو: العقل) Geist، أي في المعرفة، يختم الفصل الخاص بالحياة في «منطق الموسوعة» على النحو التالي: (بند ٢٢٢) تتحرر «صورة» الحياة من الهاوية (أي الجزئية) المباشرة، وأيضاً من المباشرة الأولى. . . وبهذا تصل إلى ذاتها، إلى حقيقتها، وتدخل بعد ذلك، من أجل ذاتها، كجنس حر، في الوجود. إن موت الحياة الفردية المباشرة هو ميلاد الروح". ب - المعرفة تحت هذا الباب يتناول هيجل موضوعين منفصلين: أ)«صورة« الحق؛ ب) ولاصورة)) الخير؛ ٣٣٦ المنطق المثالي أو منطق هيجل وفي الأول يتناول: ١) المعرفة التحليلية؛ ٢) والمعرفة التركيبية؛ ويندرج تحت هذه الأخيرة : ١ ) التعريف؛ ٢) اشمة؛ ٣) النظرية؛ وقد قدم بين يدي هذا الباب بمقدمة عن ميتافيزيقا النفس، أو علم النفس الميتافيزيقي أو علم النفس العقلي psychologia rationalis كما عرضه فولف في psycologia rationalis methodo scientifica كتابه pertractata (سنة ١٧٣٤)، ثم جاء كنت فنقده نقداً حاداً دقيقاً في باب «الديالكتيك المتعالي» من كتابه: «نقد العقل المحض» (سنة ١٧٨٢ ، ط A ص٤٠٥٠٣٣٣). لقد أخذ كنت على علم النفس العقلي كما هو عند فولف وديكا رت أنه يسلك منهجاً قبلياً a priori خالصاً، إذ يبدأ من «أنا أفكر» ego cogito كي يستنبط الوجود الميتافيزيقي للأنا وا لجو هر وللذات الميتا فيزيقية. لكن كنت يلاحظ أن دراسة الأنا الإنساني لا يمكن أن تكون علماً، لأن الأنا الإنساني ليس أبداً موضوعاً للتجربة، وإنما هو شرط منطقي لكل تجربة، إنه «أنا» متعال، أي فوق التجربة، وليس أبداً تجريبياً. ومن هذا الشرط المنطقي لكل تجربة لا يمكن أبداً استنباط الوجود الأنطولوجي لهذا الأنا، وإلاً لكان في ذلك إساءة استعمال لمقولات لوجود، والجوهر، والوحدة، الخ. إن المعرفة العلمية مقصورة تماما على عالم الظواهر. ولهذا فمن المستحيل الحصول على معرفة يقينية بالأنا الأنطولوجي. ولهذا فإن علم النفس العقلي مستحيل؛ وفقط علم النفس القائم على التجربة هو الذي يمكن سثييده. وهاك نص كلام كنت في هذا الشأن: بعد أن أورد كنت أغلاط علم النفس المتعالي قال؟ «من هنا نشأت أغلاط علم النفس المتعالي الذي نظن خطأ أنه علم العقل المحض فيما يتعلق بطبيعة وجودنا المفكر. إننا لا نستطيع أن تعطيه أساساً آخر غير لامتثال البسيط، الخاوي بنفسه من كل مضمون: الأنا، الذي لا يمكن حتى أن نقول إنه تصور، وما هو إلا مجرد شعور (أي وعي) مصاحب لكل التصورات . إننا بهذا «الأنا»، بهذا «الهو» أو بهذا الشيء الذي يفكر نحن لا نتمثل شيئاً أكثر من أن ذاتاً متعالية للأفكار = س، وإنما الأفكار التي هي محمولاته نحن نعرف هذه الذات، التي لا تستطيع أبداً أن نملك عنها منفصلة، أي تصور، فنحن هنا إذن ندور في دائرة مستمرة، لأننا ملزمون بأن نستخدم أولا امتثال الأنا ابتغاء أن نصدر عليه أي حكم؛ وذلك أمر غير ملائم لا ينفصل عنه، لأن الوعي، في ذاته، هو أحرى أن يكون شكلاً للامتثال بوجه عام، من حيث ينبغي أن يوسم باسم المعرفة - من أن يكون امتثالا يميز موضوعاً خاصاً؛ وذلك إنه عن الامتثال وحدم يمكنني أن أقول إنني أفكر به في أي شيء» . («نقد العقل المحض" ، نشرة برلين لمجموع مؤلفات كنت، ح٣ ص ٢٦٥) وجاء هيجل فنقل عن كنت هذا النص بحروفه تقريباً ، وعقب عليه بما يلي : «الغلط الذي يرتكبه المذهب العقلي في النفس يقوم في أن أحوال الوعي بالذات إبان التفكير قد جعلت تصورات للذهن كما لو كان الأمر يتعلق بموضوع، وأن هذا «الأنا أفكر» أخذ على أنه ماهية مفكرة» وشيء في ذاته؛ وبهذه الطريقة، فإنه من كون «الأنا» في الوعي يوجد دائماً على أنه ذات، وفي الحق على أنه ذات مفردة في هوية أثناء كل تنوع للامتثال، ومتميزاً عنه كشيء خارجي - فإنه يستنبط، دون وجه حق، أن «الأنا» جوهر، وأنه أيضاً شيء بسيط من حيث الكيف، وأنه واحد، وأنه موجود قائم برأسه مستقل عن الأمور المكانية والزمانية» (١٧.٤٠ ح٢ ص٤٣١) وفي هذا النص لخص هيجل كلام كنت السالف الايراد تلخيصاً أمينا. ثم ما لبث أن لاحظ على كلام كنت ما يلي : أولاً: إن كنت نظر إلى حال الميتافيزيقا في زمانه، تلك الميتافيزيقا التي تعلقت بتحديدات مجردة، أحادية الأبحاث، لا تحسب حساباً لأي ديالكتيك؛ ولكنه لم يعر أي انتباه لآراء الفلاسفة ا لأقد مين فيما يتعلق بالنفس، المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٣٧ ولم يفحص عنها . وفي نقده لهذه التحديدات اتبع أسلوب الشك الذي اتبعم ديفد هيوم . ثانياً: لم يفلح كنت - هكذا يرى هيجل - في إدراك طبيعة الوعي الذاتي، المتجلي حتى في التجربة الحسية ذلك أن افتراض الذات يبقى في الوقت نفسه افتراض الموضوع لأن «الأنا حين يفكر في شيء، فإن هذا الشيء هو إما هو ذاته، وإما هو شيء آخر» (.W.L ح٢ ص٤٣٣) أي أن افتراض الذات يعني في الوقت نفسه افتراض الموضوع. كذلك يورد هيجل نقد كنت للبرهان الذي ساقه مندلزون Mendelsohn في كتابه «فيدون أو في خلود النفس» لإثبات بقاء النفس بعد فناء الجسم. وهذا البرهان - هكذا يقول هيجل - يقوم على أساس بساطة النفس، البساطة التي بفضلها لا تقبل النفس أي تغير، أو انتقال في الآخر في الزمان. والبساطة الكيفية هي الشكل المعتبر في التجريد بوجه عام. . . أما نقد كنت فيقوم على مقابلة التحديد الكيفي للوحدة التصورية بالتحديد الكمي. فعلى الرغم من أن النفس ليست خارجية تبادلية متنوعة ولا تحتوي على مقدار ممتد، فإن للوعي مع ذلك درجة، والنفس - شأنها شأن كل موجود - لها مقدار من الشدة؛ وبهذا يوضع إمكان الوقوع في الفناء بالزوال التدريجي • ويعلق هيجل على تفنيد كنت هذا لبرهان مندلزون قائلاً: «هل هذا التفنيد شيء آخر غير تطبيق إحدى مقولات الوجود، وهي مقدار الشدة، على النفس؟ وهذا أمر ليس له حقيقة في ذاته، وهو بالأحرى مرفوع في التصور» (.W.L ح٢ ص٤٣٤). وهيجل بهذا الرد إنما يعني أن كنت لجأ إلى تحديد كمي، علماً أن التحديد الكمي لا يجوز استخدامه بطريقة مباشرة حين يتعلق الأمر بحقيقة تصورية. هي هنا النفس. وبعد هذا التمهيد التاريخي النقدي، يحدد هيجل المعرفة بأنها تعرف التقابل بين الذات وبين الموضوع، والتيقن من هويتهما في النهاية. والمعرفة تنقسم إلى وجهين؟ التفكير النظري، والإرادة بيد أن كليهما ينكر المطلق، ويؤكد خارجية موضوعيهما ونسبيته. •العقل يأتي إلى العالم وهو يعتقد اعتقاداً مطلقاً أنه قادر على أن يضع هذه الهوية (بين الذات والموضوع) وعلى أن يرفع يقينه حتى الحقيقة، مع الميل إلى أن يضع - كعدم -،التقابل الذي هو في ذاته بالنسبة إلى العقل عدم» («منطق الموسوعة» بند ٢٢٤). و«الصورة» كما قلنا تتخذ في المعرفة شكلين: النشاط النظري، والنشاط العملي، الأول هو السعي إلى معرفة الحقيقة، والثاني هو السعي إلى تحقيق الخير. في الموقف الأول تسعى الذات إلى إعدام التقابل بين الذات والموضوع عن طريق دماج الموضوع في داخله وهذا يتضمن أن الموضوع مفترض مقدماً عند الذات: «فالصورة» في البداية تهب نفسها مضموناً أساسه معطى، وفيه قد يرفع فقط شكل الخارجية» ح٢ ص٢٧٦ نشرة جلوكنر) - أما في الموقف الثاني فإن الذات تسعى إلى إلغاء التقابل بين الذات والموضوع عن طريق إخضاع الموضوع إلى نفسه، وبنائه. في الموقف الأول يرفع شكل الخارجية، أي أنني أتقبل العالم كماهو ولا أحاول إحداث أي تغيير فيه، وفي الموقف الثاني أسعى بإرادتي أن أنشىء العالم. ومن هنا ينقسم البحث في المعرفة إلى: (أ) «صورة» الحق؛ (ب) «صورة» الخير. (أ) صورة الحق قلنا من قبل إنه تحت هذا العنوان يندرج أمران : المعرفة التحليلية، والمعرفة التركيبية؛ وهذه الأخيرة تنقسم إلى مباحث في التعريف، القسمة، والنظرية. ١-المغرفة التحليلية في المعرفة التحليلية توجد لحظتان غير منفصلتين، كل واحدة منهما عذت أحياناً عن خطأ هي التحليل كله . بيد أن المعرفة التحليلية ليست هي (أ) مجرد استخراج تحديدات من موضوع سابق الوجود، كما يزعم أصحاب المذهب الواقعي التجريبي، كما أنها ليست هي (ب) مجرد وضع الذهن لشكوله الذاتية في موضوع لا يؤخذ إذن على أنه شيء في ذاته، كما يدعى أصحاب المذهب المثالي وهيجل يرى أن كلا هذين الرأيين فاسد. ذلك لأن التحليل نوعان: فإما أن يأخذ المرء معطى حسياً، ويحل الاختلافات الموجودة فيه إلى كليات عامة مجردة - فمثلاً: الكيميائي يحلل اللحم إلى نتروجين، وكربون، وهيدروجين الخ، ثم يقول إن اللحم هو هذه المواد الكلية - وإما أن يبقى على المعطى الحسي ويتخذ منه أساساً ، ويغض النظر عن اختلافاته الخاصة بدعوى أنها غير جوهرية، ثم يجرد أمراً كلياً لا يزال مع ذلك عينياً بمعنى أنه ليس تجريداً من الموضوع الحسي العيني، ثم يستنبط جنساً، أو قانوناً، أو قوة، أو علة، أي أمراً عاماً يحكم سلوك هذا المعطى الحسي - مثل أن الحجر يسقط بفعل جاذبية الأرض إذا لم يسنده ساند. وفي هذا النوع الثاني من التحليل يكون العالم في مواجهة مشكلة عليه أن يحلها بطريقة تحليلية . لكن التحليل في كلا نوعيه يفترض أن الذهن لا دخل له في الموضوع الذي تتناوله المعرفة وكل ما فعله الذهن هو استخلاص أمور كلية موجودة في الموضوع نفسه . وكلما تقدم العالم في التحليل ازداد في التجريد الأجوف مع بقاء ذهنه غير مؤثر في طبيعة الموضوع ويتجلى التحليل في أعلى مراحله في الرياضيات بعامة، والحساب والجبر منها بخاصة . وفي سلوكنا في هذين العلمين نحن نعتمد على المبدأ المحايث للهوية التحليلية، أعني المساواة في المختلفات والتقدم فيها يقوم على رد اللامتساوي إلى مزيد من المساواة. وهذا المسلك تحليلي صرف، إنه يحل مسألة، لكنه لا يبرهن أبداً على نظرية . ولقد قال كنت إن٥ + ٧= ١٢ هى قضية تركيبية. لكن هيجل ينكر ذلك تماماً(') ويقول إن التمييز بين ه + ٧ وبين ١٢ ا يستند إلى أية مقولة : لا الكيف، ولا الماهية، ولا التصور. إنه يستند فقط إلى وجهة النظر التي بها نختار أن نوقف عملية جمع ٠ ولو كانت تلك القضية تركيبية لكانت في حاجة إلى برهان؛ ولكن البرهان في هذه الحالة سيقتصر على إجراء عملية عد، وهذا ليس برهاناً, ذلك أن الجمع - عند هيجل - هو مجرد عد، إنه مجرد إطالة للعملية التي تضع العدد. والخلاصة هي أن التحليل يقوم على أساس مبدأ الهوية البسيطة المجردة، ولهذا فإنه لا يمثل مسلكاً (١) برر كنت رايم هذا بأن قال «إن تصوري، لا يحدث أبداً من مجرد كرني أفكر في هذا الضم لسبعة إلى خمسة» («نقد العقل المحض، ط 8ص ١٥). برهانياً حقيقياً، ولا يقوم بأي توسط أما المسلك البرهاني الحقيقي فهو المعرفة التركيبية، لأنها تقوم بعملية توسط، وإن كان ذلك على نحو خارجي خالص . لكن هيجل استثنى العمليات الرياضية العليا من كونها معرفة تحليلية صرفة، وهذه العمليات الرياضية العليا هي الموجودة في حساب التفاضل والتكامل، وفي نظرية الدوال الرياضية. ٢ - المعرفة التركيبية رأينا أن التحليل يبدأ من معطى فردي؛ ويحاول أن يدرك هذا المعطى على أنه هوية محضة، وليس على أنه ترابط ضروري بين اختلافات، ترابطها في وحدة. وعلى عكس هذا يفعل التركيب : إنه يبدأ من الكلي الذي وصلنا إليه بالتحليل، وينزل إلى الفردي، ويحاول أن يدرك تعينات الموضوع على أنها مترابطة ومتحدة : إنه يريغ إلى تكوين تصور عنها. والمعرفة التركيبية على أضرب هي: التعريف، القسمة، النظرية أو القضية المبرهنة. التعريف التعريف، في المعرفة التركيبية، يريغ إلى تحديد الموضوع المفرد. بواسطة الجنس والفصول النوعية - إنه يبدأ من الكلي الذي وصلنا إليه بالتحليل؛ ثم يخصصه إلى مفرد، ويعرف الموضوع على أنه نوع أسفل infima species . ولهذا فإن مضمونه ليس الكلي، بل شمول التصور. لكن الصعوبة هي في تحديد ما يخصص الموضوع، ذلك لأن للموضوع صفات عرضية عديدة. ولهذا يعتور التعريف طابع اعتباطي، هو ا لاختيار بين هذه الصفات العرضية الممكنة. فمثلاً: الإنسان هو وحدة - من بين سائر الحيوان - الذي يوجد في أذنه فصوص ■ لكن هذه الصفة لا يمكن أن تكون هي المميز التصوري للإنسان عن سائر الحيوان. ونواتج الغرض الواعي يسهل تعريفها، لأن الغرض يزؤدنا بمعيار للتمييز بين الصفات التصورية (: أي المتعلقة بالماهية) وبين الصفات العرضية (أو الممكنة) . والموضوعات الهندسية أيضاً يسهل تعريفها . لأن المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٣٩ المكان شكل قبلي a priori بسيط ومتعدد محض للعيان الحسي، ولهذا ينعت هيجل المكان بأنه محسوس حسي, فحين نعين المكان الهندسي في أشكال، فإن هذه هي تعيناته الجوهرية إن لأشكال الهندسية كاملة، لأنها - شأنها شأن نواتج الغرض ٠ هي ما ينبغي أن يكون؛ إن حقيقتها تقوم في ذاتها . القسمة القسمة هي تخصيص العام وفقاً لعلاقة خارجية ما . والقسمة كما يعنيها هيجل هي القسمة الثنائية diairesis كما عرضها أفلاطون، خصوصاً في محاورة «فدرس» (٢٦٥ ح_ وما يليها) واعتبرها مع «الاستنتاج» sunagoge هي الديالتيك وصيغتها(١) هي: اقسم الجنس أ بواسطة فصل نوعي ب إلى أ التي هي ب، أ التي ليست ب ثم اقسم كل واحد من هذين النصفين بفصل نوعي آخر ر والناتج هو (١) أ ب ح، (٢) أب - ليست ٠ ح؛ ؛، (٣) أ- ليست -بالتيهيح،()أ ليست ب ا لتيهي ليست-ح واستمر في هذه العملية حتى تصل إلى الأنواع السفلى فإذا كان كل فصل نوعي يستنفد بالقسمة جنسه إلى نوعين متقابلين، فإن الناتج سيكون جنساً متعيناً دائماً بالانفصال إلى أنواع سفلى لكن كما لاحظ أرسطو («أجزاء الحيوان» م ١، فصل ٢-٤؛٦٤٣بس١٠وما يليه) فإن القسمة لا تقدم أي ضمان لكون الفصل النوعي ليس إلا صفة اختيرت اعتباطاً وأنها ليست إلا أمراً غير جوهري. وآفة هذه القسمة الثنائية بقاء التقسيم السالب بدون تحديد فهي، كما يقول Linné ، أكبر من صنف أنواع النبات، تؤدي إلى «أنظمة مصطنعة» قائمة على اختيار صفة مميزة ل . والصورة الحقيقية في القسمة وفي التصنيف هي في (١) انظر ميور Mure : «دراسة لمنطق هيجل» ص٢٧٩، اكسفورد سنة Mure: a study of Hegel’s logic, Oxford, 1950. :١٩٥٠ العثور عى «الصفة المميزة» التي من شأنها أن تقسم الجنس إلى أنواع جوهرية، لا إلى مجرد أنواع أياً كانت فهذا لا يفيد معرفة حقيقية. وهيجل في ختام هذا الفصل عن «القسمة" (ح٢ ص٤٦٣-٤٦٤) يشير إلى هذه المسألة فيقول: «بقدر ما الجزئي هو هنا عارض تجاه الكلي، وتبعاً لذلك القسمة بوجه ما، بهذا القدر نفسه يمكن أن ننسب إلى غريزة العقل كون أنه في هذا الضرب من المعرفة، نجد أساساً للقسمة وقسمة يتجلى أنها أقرب إلى التصور بقدر ما تسمح بذلك الخواص الحسية , مثلاً في الحيوان، نستخدم في نظام القسمة: الفك، والأسنان، والمخالب بوصفها أساساً للقسمة كبير المدى، إنها تؤخذ أولا كوجوه يسهل بها تحديد العلامات المميزة من أجل المنفعة الذاتية للمعرفة لكن لا نجد في هذه الأعضاء عامل تمييز وفصل فحسب، يعود إلى تأمل خارجي، بل هي أيضاً النقطة الحيوية للفردية الحيوانية، حيث تصنع ذاتها بذاتها، ابتداء من الفردية الأخرى الموجودة في الطبيعة والخارجية عنها، بوصفها فردية عائدة إلى ذاتها وفاصلة لها عن الاتصال مع شيء - آخر. «وفيما يتصل بالنبات: أجزاء الإخصاب تكون نفس هذه النقطة العليا للحياة النباتية التي بها تشعر بالانتقال إلى الاختلاف في الجنس، وفي الوقت نفسه إلى الفردانية . وقد أصاب نظام (التصنيف) في التوجه إلى هذه النقطة ابتغاء إيجاد أساس للقسمة، وإن لم يكن كافياً، فإنه مع ذلك كبير الأهمية؛ وبهذا وضع في الأساس تحديداً ليس فقط تحديدية للتأمل الخارجي من أجل المقارنة، بل وأيضاً أسمى تحديي في ذاته ولذاته يقدر عليه النبات» (-٦١٧٠٤ ح٢ ص٤٦٣ - ٤٦٤). وبالجملة، فإن ما يأخذه هيجل على القسمة كطريقة للمعرفة، هو ما سبق أن أخذه على التعريف. ذلك أن آفة القسمة، كما هي آفة التعريف، هي أنها ليست الا استشعاراً بما هو جوهري، وأنها غريزة في المعقولية . إنها عاجزة عن استخلاص التصور من موضوعه، ومفتقرة إلى تلقيه من الامتثال الحسي أو من أي مصدر آخر للمعرفة المتناهية . إن القسمة تفتقر إلى «مبدأ محايث» أو «أساس
المنطق المثالي أو منطق هيجل خاص» (.W.L ح٢ ص٤٦١). وقصاراها أنها تنطبق على محتوى تجريبي، ونقطة ابتدائها هي ناتجة عن تجريد من التجربة (الجنس) . وإذا كانت القسمة تستند إلى التجربة، فهل يمكن أبداً أن تكون وافية تستغرقه؟! إن كتشاف أنواع جديدة باستمرار لجنس ما بين النبات أو الحيوان أو المعدن كفيل بإثبات ما يعتور القسمة من نقص وعرضية وانتفاء للتعين , على أنه مع ذلك في موضع آخر من مؤلفاته («دروس في تاريخ الفلسفة» (ص ٤١١). يتساءل ساخراً عما عسى أن يستفيده العلم من معرفة وجود نوع جديد حقير لجنس حقير من الطحالب! Theoreme النظرية أو القضية المبرهنة النظرية (كما هي معروفة في نظريات الهندسة، وهي قضايا مبرهنة) تمثل مرحلة الانتقال في المعرفة التركيبية , من الفكرة النظرية إلى الفكرة العملية. ويمكن ييان دورها هكذا: أولاً: أنها تنجز معنى العملية التركيبية، وبذلك تحدد حدودها المبدئية ٠ ثانياً: تحدد جماع المعرفة النظرية. ثالثاً: تبرز ملامح المعرفة الهندسية، وتميزها من العملية المنطقية. ذلك أن المجال الرئيسي للنظرية؛ أي القضية المبرهنة، هو علم الهندسة. ولهذا ينطلق هيجل هنا من دراسة كتاب اقليدس في الهندسة، وذلك في «علم المنطق» (ح٢ ص٣٠٦ وما يليها) فيقرر أولا أن البديهيات التي بدأ بها اقليدس كتابه ليست موضوعاً للبرهنة في داخل علم الهندسة، بيد أنها ليست بينة بنفسها ولا تستغني عن البرهنة، وإلا لكانت مجرد تحصيل حاصل. وإنما تحتاج إلى البرهنة بواسطة المنطق، بالاستنباط من «التصور»؛ وهذا ما يتولاه علم آخر هو فلسفة الطبيعة، في باب البحث في طبيعة المكان أما التعريفات التي وضعها اقليدس فهي من نتاج التحليل. إنها تحتوي على جنس قريب وفصل نوعي مأخوذ مباشرة من الموضوعات الحسية بوصفها معطيات مباشرة - مثل تعريف المثلثم بأنه سطح مستو محاط بثلاثة مستقيمات متقاطعة مثنى مثنى. ويتلو ذلك سلسلة من التحديدات يبرهن على أنها تنتسب إلى المثلث، ويستمر الأمر هكذا حتى يبلغ تعريف المثلث كماله في نظرية فيثاغورس (المربع المنشأ على الوتر في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين). ويشيد هيجل بنظرية فيثاغورس هذه فيقول : «إن التحديد المليء لمقدار المثلث وفقاً لأضلاعه، كما هو في ذاته، إنما هي نظرية فيثاغورس هي التي تحتويه؛ فهذه النظرية وحدها هي معادلة أضلاع المثلث، لأن الأضلاع السابقة (أي كما عرضت في النظريات السابقة على نظرية فيثاغورس هذه من بداية كتاب اقليدس حتى هذه الأخيرة) لا تبين إلا تحدد أجزاء المثلث بعضها بالنسبة إلى البعض الآخر، ولا تحدد أنها معادلة equation . فهذه القضية (= نظرية فيثاغورس) هي إذن التعريف الحقيقي الكامل للمثلث، وفي المقام الأول المثلث القائم الزاوية، وهو الأبسط في فصوله (اختلافاته) والأكثر انتظاماً تبعاً لذلك. واقليدس بهذه النظرية يختم المقالة الأولى من كتابه، من حيث أنها تحديد تام وصل إليه» (.W.L ح٢ ص٤٦٨ -٤٦٩) كذلك يختم اقليدس المقالة الثانية من كتابه بمعادلة بين ما هو مساو لنفسه، أي المربع وبين ما ليس بمساو في ذاته وهو المستطيل. وذلك بعد أن رت إلى المشاكلة uniforme المثلثات غير قائمة الزاوية، وذلك برد المستطيل إلى المربع. وهذه المعادلة بين المربع والمستطيل هي الأساس في التعريف الثاني للدائرة، وهو: «الدائرة هي الخط المرسوم بواسطة رأس زاوية قائمة ضلعا ها العموديان يمران من نقطتين ثابتتين هما طرفاقطر الدائرة». إن النظرية الهندسية تنطوي على وجهتين: التركيب (أو البناء) ، والبرهان. والتركيب يتم بطريقة خارجية؛ إنه لا ينطلق بالضرورة من الكلي — بوصفه صفة الجوهرية , إلى الفردية. فالخطوط المرسومة، والأعمدة المسقطة، المنطق المثالي أو منطق هيجل
الخ هي مأخوذة من مضمون حسي مفترض. إنها تورد أولا، ولا شيء يدل على أن الغرض من التركيب هو نظرية أو مسألة وفقط حين يتم البرهان، تتجلى الضرورة في البرهان من خلال التركيب، وتنبثق حينثذ كأمر مفروض على الذات، وليس على أنه تعبير عن نشاط الذات . وبالجملة فإن البرهان ليس متولداً من الموضوع، بل هو يقلب الطبيعة الحقيقة للموضوع وهكذا يفسر هيجل المنهج التركيبي في الرياضيات على أنه مسلك خارجي واعتباطي، وبغير أساس قائم في الضرورة الخاصة بالتصور . صورة الخير صورة الخير يسميها هيجل تارة باسم: الإرادة، وطوراً باسم الصورة العملية , وقد يتوهم القارى ء من هذه العبارة «صورة الخير» أنها هي «صورة الخير» كما عرضها أفلاطون وجعلها على قمة عالم الصور. ولكن الفارق هائل بين هيجل وبين أفلاطون في استعمالهما لهذا التعبير. فإن «صورة الخير» عند هيجل هي العقل بوصفه إرادة والإرادة تتعلق بالوجود لا كما هو، بل كما يجب أن يكون < والمشكلة التي يواجهها العقل هنا هي انجاز الخير بمنحه الوجود في ذاته، وبوصفه الإرادة الذاتية بحيث تتحول إلى موضوع عيني متحقق. ومن ثم كان للصورة العملية عائقان: الأول هو التمييز بين الغاية النهائية وهي الخير، وبين المضمون الجزئي للإرادة؛ والثاني هو التقابل بين الوجود لذاته (موضوعية الخير) وبين الوجود في ذاته (مباشرة العالم) . لكن الخير «من حيث مضمونه هو شيء محدود، وثم أنواع عديدة من الخير؛ فالخير الموجود ليس فقط خاضعاً للتدمير بعارض خارجي وبالشر، بل وأيضاً بالتصادم والتنازع في داخل الخير نفسه. ومن جانب العالم الموضوعي، المفترض مقدماً، وفي افتراضه تقوم ذاتية الخير ونهائيته، والذي يسلك طريقه الخاص كما لو كان عالماً مستقلا، فإن تحقيق الخير معرض لعوائق، بل وللاستحالة. وهكذا يبقى الخير «ما يجب أن يكون» ؛ إنه في ذاته ولذاته، لكن الوجود، مفهوماً على أنه المباشرة النهائية المجردة، يظل متعيناً أيضاً تجاه هذا الخير، كالوجود. صحيح أن فكرة الخير التام هي مصادرة مطلقة، لكن لا بوصفها مصادرة، أعني مطلق الموصوف بتعين الذاتية . ولايزال ثم عالمان متقابلان : أحدهما ملكوت الذاتية في الأماكن المحضة للفكر الشفاف، والآخر ملكوت الموضوعية في عنصر الواقع الفعلي المتنوع خارجياً الذي هو الملكوت المغلق للظلام» ٠ ح٢ص ٤٨٠). وبالجملة، فإن الخير الذي تحققه يظل عزضة لكل عوارض الخطر. إن مضمونه متناه محدود، ويمكن أن يدمره أي عارض أو شر. وفضلاً عن ذلك، فإن ظروف تحقيقه يمكن أن تكون في تنازع بعضها مع بعض، وهو ما يعرف بتنازع الواجبات >. ومن الواضح أن هيجل هاهنا ينتقد أخلاق الواجب التي دعا إليها كنت، ومجدها وشته، وإن كان لم يشر صرحة إلى أي منهما في هذا الفصل. ولتلخيص مجمل آراء هيجل في هذا الموضوع، فلننقل هاهنا جماع ما قاله في «منطق الموسوعة؟ تحت عنوان] الإرادة م (بند ٢٣٣) الصورة الذاتية، من حيث هي المحذد في ذاته ولذاته والمضمون البسيط الذي هو في هوية مع ذاته , هي الخير. ونزوعها إلى التحقق هو النسبة العكسية لصورة الحق، وهي تريغ بالأحرى إلى أن تعين وفقاً لغرضها الخاص العالم الذي التقت به. وهذه الإرادة هي - من ناحية — متيقنة من عدم الموضوع المفترض - ومن ناحية أخرى هي تفترض في الوقت نفسه، أن تناهي الخير كصورة ذاتية فقط واستقلال الموضوع - هو أمر متداه . (بند ٢٣٤) وتبعاً لذلك، فإن تناهي هذه الفاعلية هو ذلك التناقض وأعني بهأنه في التعينات المتناقضة للعالم الموضوعي فإن الغرض من الخير يمكن أن يتحقق وألا يتحقق، وأنه موضوع على أنه غير جوهري بقدر ما هو جوهري، وأنه واقعي في الوقت الذي هو فيه ممكن فحسب وهذا التناقض يتجلى على أنه التقدم اللامتناهي (١) راجع كتابنا: «الاخلاق النغلرية، فصل: الواجب، فقرة تنازع الواجبات، الكويت سنة ١٩٧٥. ٣٤٢ المنطق المثالي أو منطق هيجل لتحقيق الخير الذي لم يحدد إلا بوصفه واجبا. ومع ذلك، فإنه من وجهة النظر الشكلية، فإن التناقض يزول، بمعنى أن الفغالية تستبعد ذاتية الغاية وفي الوقت نفسه الموضوعية، والتقابل الذي يجعل كلتيهما متناهية؛ وليس فقط يميز ذاتية معينة، بل وهذا التمييز Einseitigkeit بوجه عام. وإن ذاتية أخرى من هذا النوع، أعني إيجاد تقابل جديد، لن يتميز من ذلك الذي ظننا أنه لابد قد سبقه. والعود إلى الذات هو أيضاً تذكر للمضمون في ذاته الذي هو الخير والهوية الموجودة في ذاتها لكلا الجانبين، تذكر الافتراض السابق للموقف النظري (انظر بند ٢٢٤)، أعني أن الموضوع هو في نفسه الجوهري والحق. (بند ٢٣٥) وهكذا فإن حقيقة الخير قد وضعت على أنها وحدة الصورة النظرية والصورة العملية، أعني أن الخير قد تم بلوغه كما هو في ذاته ولذاته - وأن العالم الموضوعي هو في ذاته ولذاته الصورة كما تضع نفسها أبداً بوصفها غاية وتتحقق بالفعالية، وهذه الحياة، وقد عادت من الاختلاف ومن تناهي المعرفة - إلى ذاتها وصارت بفعالية التصور في هوية مع هذا - هي الصورة التأملية أو المطلقة». ح ٠ الصورة المطلقة والصورة المطلقة هي قمة المعاني. إنها مركب المعرفة والحياة، وهي الوحدة في ذاتها ولذاتها للتصور مع موضوعه. إنها التصور الذاتي الحر. «وماعداها فضلال، واختلاط، وظن، ومحاولة، ونزوة، وانتقالية. إن الصورة المطلقة وحدها هي الوجود، هي الحياة الباقية، هي الحقيقة التي تعي ذاتها، وهي كل الحقيقة» (.T.W.L ص٤٨٤). ولهذا ينعتها هيجل بأنها «الموضوع والمحتوى الوحيد للفلسفة» (الموضع نفسه)، لأنها هي الحقيقة التي تعي ذاتها بذاتها، وتدرك ذاتها في حركتها. واألحصورة المطلقة» هي التحقيق الذاتي للإرادة في موضوعها، بحيث يكون الموضوع مطابقاً للشعور وكما يجب أن يكون. والصورة المطلقة هي التحديد الذاتي المطلق للروح (أو للعقل). وهي حقيقية تتجاوز الصواب والخطأ، وخيرة تتجاوز الخير والشر. والصورة المطلقة فوق التمييز بين الذات والموضوع. إنها بوصفها ذاتاً هي فردية مطلقة، وشخصية مطلقة؛ وبوصفها موضوعاً فإنها شخصيتها المطلقة. والصورة المطلقة يمكن أن تعد «كل حقيقة» (,١v.L ح٢ ص٤٨٤)، إذ لا يوجد خارجها أية حقيقة، ذلك أنه لا حق خارج العملية الكلية التي بمقتضاها يتحقق المضمون الذي يتعارض معها بوصفه في هوية مع ذاته في الغير، حيث يستشعر قدرته على التنوع الذاتي إن الصورة المطلقة حقيقة مطلقة لأنها شمول Totalität في حركة وهوية في عملية، بدونهما لا تصل الذات والموضوع إلى تجاوز علاقتهما المتقابلة. والصورة المطلقة هي ذاتها بذاتها، ولهذا فإنها ليست فقط الحقيقة، بل «الحقيقة الواعية بذاتها» (.W.L ح٢ صاجالم. والصورة المطلقة عملية تتأمل ذاتها٠ ومحتواها هو مجموع تعينات التصور في تسلسلها التام. المنهج الديالكتيكي ويختم هيجل الفصل المعنون بعنوان: «الصورة المطلقة» - بالبحث في المنهج، ويقصد المنهج الديالكتيكي وهو في «محاضرات في تاريخ الفلسفة" (١٨ ، ص٢٢١) يقول إن «الفلسفة النظرية أو المنطق سماها الأواثل باسم: الديالكتيك». ويؤكد أن الفضل إنما يرجع إلى أفلاطون في إبداع «علم» الديالكتيك ٠ صحيح - هكذا يقرر هيجل - أن الايليين وهيرقليطس عرفوا الديالكتيك، لكنهم حصروه في ميدان المحسوسات . أما أفلاطون فهو أول من أقام علم الديالكتيك في ميدان المنطق، وعرضه في عنصر التصور والمعاني الكلية ٠ ولهذا يمكن ابتداء من أفلاطون أن يقال إن «البحث في الأفكار المحضة في ذاتها ولذاتها يسمى الديالكتيك» («محاضرات في تاريخ الفلسفة»، ح١٨ ص٢٢٧). لكن هيجل يؤكد في الوقت نفسه أن أفلاطون لم المنطق المثالي أو منطق هيجل ٣٤٣ يرد من هذا الديالكتيك أن يبعدنا عن أرض الواقع ويحلق بنا في سماء عالم الصور، بل أراغ منه إلى تأمل الأشياء العينية الواقعية في ذاتها ولذاتها. بيد أن هيجل ينعي على الديالكتيك كما وضعه أفلاطون وتابعه عليه بعض الفلاسفة اللاحقين أنه اقتصر على النظر في التقابل بين المعاني واستنتاج بطلان التقابل بين الموضوع ونقيض الموضوع - دون أن ينظر في إمكان الجمع والتوحيد بين كليهما والقول بوحدة النقائض ٠ وقد أدى ذلك الوضع إلى موقفين متعارضين: الأول: أدى إلى إبطال كلا الطرفين: الموضوع ونقيض الموضوع، كما هو بين بكل وضوح من حجج زينون الأيلي المشهورة في إبطال الحركة ) , والموقف الثاني أدى إلى الشك في قدرة العقل على المعرفة، كما انتهى إلى ذلك الشكاكاليونانيون(؟)، وأوفى عليهم في ذلك الشكاك المحدثون، ويمثلهم خصوصاً ديفد هيوم الذي أنكر الكليات اطلاقاً. وهاك ما يقوله هيجل في هذا الصدد في كتاب «علم المنطق» (ح٢ ص٤٩٢ -٤٩٣): «إن المدرسة الإيلية القديمة استخدمت الديالكتيك خصوصاً ضد الحركة، وأفلاطون استخدمه مراراً ضد تصورات أهل عصره، وخصوصاً ضد السوفسطائيين، ولكن أيضاً ضد المقولات والتحديدات العقلية المحضة . أما نزعة الشكاك التالية لذلك العصر فقد توسعت لتجعله يشمل ما يسمى بالوقائع المباشرة للشعور وقواعد السلوك في الحياة العادية، بل وأيضاً التصورات العلمية والنتيجة التي نستخلصها من مثل هذا الديالكتيك هي بوجه عام : تناقض وبطلان القضايا المستخدمة في العلم. لكن هذا قد يحدث بمعنيين: إما بمعنى موضوعي وهو أن الموضوع الذي يناقض ذاته على هذا النحو في نفسه سيرفع ذاته ويصبح لا شيء؛ وكانت هذه هي النتيجة التي استخلصها الإيليون، فقالوا إنه لا حقيقة للعالم، ولا للحركة ولا للنقطة؛ وإما بالمعنى الذاتي وهو أن المعرفة (١) راجع هذم الحجج بالتفصيل في كتابنا: «ربيع الفكر اليوناني ط ١ القاهرة سنة ١٩٤٢ وما تلاها من طبعات عديدة , (٢) راجععنهم كتابنا: «خريف الفكر اليوناني» لقاهرة سنة ١٩٤٣ وما تلا ها من طبعات أخرى غير ممكنة (أو ناقصة). وبمقتضى هذه النتيجة الأخيرة فإما أن يقال إن الديالكتيك هو الذي يحدث خدعة المظهر الباطل - وتلك هي النظرة المعتادة لما يسمى بالإدراك الإنساني السليم، الذي يتمسك بالبينة الحسية والامتثالات والأقوال المعتادة ٠٠ وأحياناً بطريقة أكثر هدوءاً على نحو ما فعل ذيوجانس الكلبي ضد ديالكتيك الحركة في تجرده وذلك بالمشى ذهوباً وجيئة في صمت، وأحياناً كثيرة في غضب إما بمناسبة مبالغة، او حين يتعلق الأمر بموضوعات مهمة من الناحية الأخلاقية، مثلما يحدث بمناسبة جسيمة تسعى إلى زعزعة ما هو راسخ، وتدعو إلى تزويد الرذيلة بأسباب -وهي نظرة توجد في الديالكتيك السقراطي في مواجهة الديالكتيك السوفسطائي، وبمناسبة غضبة كلفت سقراط حياته» (.W٠L ح٢ ص٤٩٢ -٤٩٣). وبالجملة، فإن آفة هؤلاء: الآيليين والشكاك ومن ضرب على قالبهم هو أنهم قصروا الديالكتيك على الوجه السلبي، وجعلوا من هذا الوجه السلبي أنه المطلق؛ وهكذا غفلوا عن الوجه الإيجابي للتناقض «إن الحكم السابق préjugé الأساسي عندهم هو أن الديالكتيك ذو ناتج سلبي فحسب (.W,L ح٢ ص٤٩٣ ) . لكن، لئن كان الوجه السلبي في الديالكتيك لحظة أساسية جداً، فإنه أحدوجهي الديالكتيك فحسب ذلك أن الديالكتيك هو «مبدأ كل حركة، وكل حياة، وكل تجل فعغال في الواقع الفعلي» («منطق الموسوعة" بند ٨١، الحاق). لكنه فوق هذ لا يقتصر على الوجه السلبي الهادم، بل يتضمن الانتاج الحرللتصور فيقول هيجل: «إن الديالكتيك الأعلى للتصور يقوم في انتاج وإدراك التعين ليس فقط على أنه حد ومضاد، بل وأيضاً يقوم في انتاج وإدراك المحتوى والناتج الإيجابيين، من حيث أن الديالكتيك هو نمو وتقدم محايثان» («مبادى ء فلسفة الحق» بند ٣١، ملاحظة). ولابد من الجمع بين الوجهين السلبي والإيجابي في الديالكتيك، وهذا هو التركيب أو مركب الموضوع synthèse، وهذه اللحظة الثالثة هي الأهم والأكثر جوهرية، بل هي لحظة الحقيقة. إن لحظة التركيب الإيجابية تسود على لحظتي السلب والإيجاب، وذلك لأن سلب السلب ايجاب، أو كما تقول العبارة اللاتنية: ٣٤٤ المنطق المثالي أو منطق هيجل (١) راجع عن الديالكتيك عند هيجل: - ل. McTaggart: Studies in the Hegehan dialectic. Cabmbridge 1896: New York, 1964. - A. Diirr: Zum Problem der Hegelschen dialek-tik und ihrer Formen, 1938. - w. Axmann: Zur Feage nach dem Ursprung des dialektischen Denkens bei Hegel, 1939. - E. Bloch: Subjekt- Objekt. Erläuterungen zu Hegel 1951. - E. Coreth: Das dialektische sein in Hegels Lo-gik, 1952. - 1. Schwarz: «Die Denkformen der Hegelschen Logik», in Kantstudien 50 (1958/59), 5.37-76. - H. G. Gadamer: «Hegel und die antike Dialek-tik», in Hegel- Studien, I (1961), s. 173-199. - M. Rossi: «Drei Momente der Hegelschen Dia-lektik: ihre Etstehung, ihre Formulerung, ihre au-flösung», in Hegel- Jahrbücher (1961), s. 11 ff. - R. Heiss: die grossen Dialektiker des 19. Jahr-hundert, 1963, s. 11-196. - A. Sarlemin: Hegelsche Dialektik, 1971. - Thomas Kesserling: Hegels Dialektik in Lichte der genetischen Erkenntnistheorie und der for-malen logik. Frankfurt, 1984. السلب المزدوج ايجاب duplex negatio affinnatio . إن ما هو متناقض إنما يمثل أمراً ناقصاً جزئياً محدوداً ذا جانب واحد، وبالتالي فإنه مجرد، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون شيئاً نهائياً وحاسماً، بل يحتاج دائماً إلى أن يعلى عليه وأن يتجاوز إلى أمر أعلى، شامل، مركب، إلى لحظة إيجابية، عينية، فيها ما هو جانبي (أعني السلب، أو الإيجاب فقط) يتكامل في حقيقة شاملة عينية عضوية. إن المتقابلات يجب أن تندمج في وحدة أعلى ايجابية، في هوية مع ذاتها . ولهذا فإن هيجل يؤكد أن المتناقضات لا توجد لذاتها وعلى حيالها، بل توجد وجودها الحق في الوحدة العالية عليها، وحدة المركب من الموضوع ونقيض الموضوع. والخلاصة هي أن الحقيقة إنما توجد في الهوية المطلقة الشاملة لكل الموجودات، الهوية العينية المليئة، لا تلك الهوية الجوفاء التي يتحدث عنها المنطق الصوري التقليدي والتي هي مجرد تحصيل حاصل. ولهذا يمكن ان توصف بأنها «الهوية في الاختلاف» أو «وحدة المتميزات» Die Einheit Unterschiedener، أو «هوية Identität der Identität und der «الهوية واللاهوتية Nichtidentitat أو «ارتباط الارتباط وعدم الارتباط» Verbindung der Verbindung und der . Nichiverbindung