مكان (فلسفة)

المكان عند الحكماء، هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوى. وعند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذي يشغله الجسم وتنفذ فيه أبعاده.

يطلق المكان بمعنيين:

  • يقال المكان لشيء يكون فيه الجسم، فيكون محيطا به.
  • يقال المكان لشيء يعتمد عليه الجسم، فيستقر عليه.

وذكر ابن سينا أنه «قد قيل أن المكان مساو. فإما أن يكون مساويا لجسم المتمكن، وقد قيل أنه محال، وإما أن يكون مساويا لسطحه، وهو الصواب».

المكان

كل الأشياء في العالم الخارجي تشغل مكاناً، أي أنها

ذات امتداد، وبينها بعضها وبعض مسافات، ولا يتداخل بعضها في بعض. ومن هنا اتصف المكان بالصفات التالية:

١ - أنه ذو امتداد في ثلائة أبعاد هي الطول والعرض والعمق.

٢ - عدم قابلية النفوذ، فلا تتداخل الأشياء بعضها في بعض في المكان الواحد الخاص بها.

وقد بحث أرسطو في المكان بحثاً مفصلا في ككاب ،الماع الطبيعي» (المقالة الرابعة، الفصل الرابع) فبين أنه موجود بدليل انه حيث يوجد جسم فيمكن أن ينتقل عنه ويشغل محله جسم آخر، ومعنى هذا ان المكان يختلف عن أي شيء يتحيزفيه. ثم إن العناصر الطبيعية يميل بعضها إلى فوق والبعض الآخر إلى تحت، والفوق والتحت ليا نسبيين فقط إلينا، بل الفوق هو الاتجاه الذي تتحرك نحوهالنار، والتحت هو الاتجاه الذي تتحرك نحوه الأرض.

ويميز أرسطو الخصائص التالية للمكان:

١ - المكان هو الحاوي الأول (٢٠٩ ب ١)؛

٢ - والمكان ليس جزهاً من الشيء. (٢٠٨ب٢٧؛ فصل ٢)

٣ - وهو مساو للشيء المحوي (٢٠٨ ب١؛ ٢٠٧ ب٢١؛ ٣١-٣٢).

٥ - وفيه الأعلى والأسفل (٢٠٨ ب٨).

والمكان ليس هيولي، ولا صورة، ولا بعداً ,لأنه إن كان بعدا فقد ييب أن يكون ها هنا بعد ما آخر غير بعد الأمر المتنقل» («الطبيعة» ج١ص٣١٢من نشرتنا). بل المكان هو نهاية الجسم المحيط، وهو هاية الجسم المحتوى تماس عليها ما يجتوي عليه، أعفي الجسم الذي يحتوي عليه المتحرك حركة انتقال».

ومن ثم جاء التعريف الوارد عند الفلاسفة الإسلاميين للمكان بأنه: «الطح الباطن للجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر للجسم المحوى» .

وكان افلاطون قد نظر إلى المكان عل انه الحاوي؛ وبمثل ذلك سيقول كلارك ونيوتن، إذ تصورا المكان أنه الحاوي للأشياء ، ولكنهما وصفاه بخصائص أساسية هي : اللاتناهي، الأزلية والأبدية، القدم، وعدم الفناء

المكان

وللمكان عند اقليدسثلاثة أبعاد: الطول، والعرض، والعمق. لكن جاء الرياضيون المحدثون في القرن التاسع عشر، وعلى رأسهم جاوس، وريمن، وهلمهولتز، وبولياي، ولوبتشفسكي، وبلترامي- فاثبتوا إمكان وجود مكان غير قليدسي،وعدوا المكان الاقليدسي ذا الثلاثة ابعاد حالة خاصة من المكان بوجه عام ذي ع - بغد (ع: عدد ) ، اي أنه يمكن تصور أبعاد عديدة للمكان ، وأن المكان الاقليدسى ليس الآ واحداً من بين أنواع المكان . وتبعاً لذلك قالوا بهندسات اخرى غير هندسة اقليدس ، تقوم على هذه التصورات المختلفة للمكان ، وكلها لا تؤدي إلى تناقص .

والسؤال الرئيسي في مشكلة المكان هو : ما العلاقة بين المكان ، وبين المتمكنات ؟ .

ا ) يجيب البعض قائلين إن المكان والمتمكنات شيء واحد ، وما المكان إلا تجريد المتمكنات ، أو هو الامتداد مجرداً . وأساس المكان هو الامتداد ، لانه إذا لم توجد متمكنات ممتدة ، فلن يوجد مكان .

ب ) ولكن نقولاي هرتمن ينكر هذا الرأي قائلا : إن المكان ليس الامتداد ولا الممتد ، بلهو « ما فيه» يمتد الممتد . وعلى ذلك فالأشياء في المكان ، وليس المكان في الأشياء . إن المكان هو الشرط للامتداد وللممتد .والمحل ( الموضع ) والموقع والبعد والمسافة هي أمور في المكان . والمكان - بحسب تصوره - يسبق الأشياء الممتدة

وقد جعل اسيبنوزا من الامتداد صفة من صفات اله ، فقال : ا الامتداد صفة لله ، وبعبارة أخرى : الله شيء متد ( الاخلاق ، الكتاب الثافي ، القضية رقم (٢).

فجاء مالبرانش وخفف من غلظ هذا التصور وقال بما سماه باسم االامتداد المعقول ٠ L’étendue intelligible . ويفسره هكذا : ٠ الامتداد المعقول اللامتناهي ليس حالة في عقلي . إنه ثابت ، سرمدي ، ضروري ، ولا أستطيع الشك في حقيقته ، وسعته المائلة . وكل ما هوثابت، سرمدي ، ضروري، وخصوصاً لا نهائي ، ليس مخلوقاً ، ولا يمكن ان يوصف به المخلوق . إذن هوينتسب إلى اله » («مطارحات ميتافيزيقية، المقاسة الثانية : ١ ).

وعند برجون ( « البحث في المعطيات المباشرة للشعور،(ص ٧٢- ٧٤) ان المكان متجانس ، والأشياء القائمة في المكان تكون كثرة متميزة . والمكان وسط

متجانس ، مشابه لنفسه باستمرار في كل مكان ، وهو حقيقة بدون كيفية .

ومن ناحية أخرى نجد نيوتن يميز بين المكان المطلق والمكان النسبى ، قاثلا : ,إن المكان المطلق ، في طبيعته الخاصةبه، يبقى دائماً مثابهاً لنفسه وثابتاً غير متحرك اما المكان النبي فهو بغد متحرك او واسطة للأماكن المطلقة، التي تحددها حواسنا بواسطة وضعها بالنسبة الى الاجسام ويعتبر-من الناحية العامية - مكاناً ثانياً غير متحرك، ( نيوتن : , ال مبادىء » ). ويقول في حاشية عامةعلىكتاب : المبادىء ، إن لله ، على الرغم من أنه ليس مكاناً ، فإنه موجود في كل مكان بحيث يكون المكان . ويرى نيوتن أن المكان مستقل عن المتمكنات ، إذ يوجد بذاته سواء شغلته اشياء او لم تشغله ؛ إن الحركات في المكان نسبية ، ولكن المكان ليس نسبياً .

وعلى عكس نيوتن قرر ليبنت ان المكان ليس مطلقاً ، وليس جوهراً ، ولا عرضاً لجوهر، بل هوعلاقة ( اضافة relation) . والمونادات هى وحدها الجوهر؛ والمكان لا يمكن ان يكون جوهراً . والمكان ، بوصفه علاقة ، هو نظام وترتيب order : نظام الوجود معا ، اوبتعبيرادق : نظام الظواهر الموجودة معاً. والزمان ليس أمراً واقعياً ، بل ذهنياً مثالياً ؛ بمعفى انه لا يوجد مكان واقعي خارج العالم المادي ؛ والمكان هوفي ذاته أمرذهفي ، مثالي .

وفي إثر ليبنت جاء كنت فقرر أن المكان شكل متعال من أشكال الحساسية ، أي شكل قبلي a priori مغروزفي طبيعة الذهن ، وليس مستمداً من التجربة ، بل التجربة هي التى تتوقف عليه . إن المكان - هكذا يقرر كنت - امتثال ضروري قبلي يقوم اسدساً لكل العيانات الخارجية . فلا يكن ابداً تصور عدم وجود مكان ، وإن أمكن تماماً تصورعدم وجود اشياء في المكان ٠ إن المكان يعد شرطاً لإمكان حدوث الظواهر، وليس تحديداً متوقفاً عليها , وهو امتثال قبلي يؤدي دور الأساس الضروري للظواهر الخارجية . وعلى هذه الضرورة القبلية يقوم اليقين الضروري لكل المبادى، الهندسية وامكان تركيبهاالقبلى. والمكان ليس مدركا تصوريا منطقيا discursif او، كما يقال ، تصوراً كلياً للعلاقة بين الأشباء بوجم عام ، بل هو عيان عض . والواقع أنه لا يمكن تصور إلا مكان واحد أحد . وحين نتحدث عن عدة أمكنة ، فإننا نقصد بذلك الكلام عن عدة أجزاء لمكان واحد أحد وحيد .

مكيافلي

وهذه الأجزاء لا يمكن أن تكون سابقة على المكان الأحد الوحيد الذي يشمل كل شيء ، كما لو كانت عناصر له يمكن ان تؤلفه إذا اجتمعت ، لكنها لا يمكن ان تتصور إلآ فيه .

( راجع تفصيل مذهب كنت في المكان في كتابنا : «امانويلكنت»ج١ ص١٨٨-١٩٢).

والتطور الهام الذي حدث في نظريات المكان بعد كنت ، هو ذلك الذي أحدثته نظرية النسبية التي قال بها اينشتين ومنكوقسكي . وأسهم في ايجادها مكسويل ئم أن H. Minkowski لورنتس. فقد استنتج ه . منكوفسكي الزمان والمكان لا يمكن عدهما مستقلين الواحد عن الآخر، بل لا بد من المزج بينهما فيما سمي باسم ٠ متصل الزمان والمكان،. إذ تبين أنه لا يوجد نظام إشارة مطلق-كما زعم نيوتن- يمكن باعتماده لرسم الاحداثيات تحديد المكان والزمان لجسم مامتحرك. إنملاحظين يتحركان حركة نسبية الواحد إلى الآخر لا بد أن يتخذا عحورين مختلفين للزمان والمكان من زاويتين مختلفتين الواحد بالنسبة إلى الآخر .