محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
مُحمَّد بن عبد الرَّحمن بن مُحمَّد بن عبد اللَّه ابن قاسمٍ، من آل عاصم. هو علامة وفقيه سعودي حنبلي. ولد سنة ألف وثلاث مئة وخمس وأربعين من الهجرة (1345هـ) الموافق لسنة 1926م، في بلدة «البِير» - تبعد عن الرِّياض مئة وعشرين (120) كيلومتراً شمالاً -.
نَشأتُه، وطلبُه للعِلم
نَشَأَ نشأة دينيَّة عِلميَّة؛ فوالده الشَّيخ عبد الرَّحمن ابن قاسمٍ جامع «الدُّرر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجديَّة» - ستة عشر (16) مجلَّداً -، ومُصنِّفُ «حاشية الرَّوض المُرْبِع» - سبعة (7) مجلَّدات -، وغير ذلك من المُؤلَّفات النَّافعة.
وجَّهه والده منذ صغره لتعلُّم القراءة والكتابة، ولَمَّا أتقنهما حَضَر والده إليه - وهو في الكُتَّاب – وأخذ بيده وأخرجه منها، وقال له: «أُريدك أن تكون عالِماً، وليس كاتباً فقط».
فقَدِم الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم وعُمُره ستُّ (6) سنوات؛ للالتحاق بدروسه، فسأله: «هل أنت حافظٌ للقرآن؟ فقال: لا، فقال له: لا يحضر عندي أحد في الدَّرس إلَّا وهو حافظ للقرآن»، فعَكَف على حفظ القرآن الكريم، وحفظه في ثمانية أشهر، ثمَّ التحق بدروس الشَّيخ وغيره.
شُيوخُه
طَلَبَ العِلم على كبار العلماء في عصره، ومِنْ أولئك:
- الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ مفتي المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، ورئيس القضاة والشُّؤون الإسلاميَّة - (ت 1389هـ)؛ قرأ عليه في التَّفسير، والعقيدة، والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والفرائض، والنَّحو والصَّرف، والعَرُوض، والتَّاريخ، وغيرها من العلوم.
- الشَّيخ عبد اللَّطيف بن إبراهيم آل الشَّيخ - شقيق الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم، ومدير المعاهد العلمية والكليَّات - (ت 1386هـ)؛ قرأ عليه الفرائض.
- الشَّيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز - مفتي عام المملكة العربيَّة السُّعوديَّة - (ت 1420هـ)؛ قرأ عليه في الحديث وعلومه: «نُخبَة الفِكَر» و«بلوغ المرام»، وفي الفقه: «زاد المستقنع».
- الشَّيخ عبد اللَّه بن مُحمَّد ابن حُمَيد - رئيس المجلس الأعلى للقضاء - (ت 1402هـ)؛ قرأ عليه في النَّحو «الآجُرُّومِيَّة».
- والده عبد الرَّحمن ابن قاسم - صاحب المُؤلَّفات النَّافعة - (ت 1392هـ)؛ قرأ عليه في الفقه.
وكانت حصيلته العِلميَّة واستفادته الكبرى من الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم آل الشيخ.
تَلامِيذُه
من بينِ تلاميذِهِ:
- كان يُدَرِّس في معهد إمام الدَّعوة العِلمي بالرِّياض، فدَرَس عليه كبار طلُّاب العِلم، ومِنْ أبرز طلَّابه فيه: مفتي عام المملكة الحالي الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشَّيخ.
- دَرَس عليه كثيرٌ من طلبة العِلم في كُلِّيَّة أصول الدِّين في جامعة الإمام مُحمَّد بن سعود الإسلاميَّة بالرِّياض.
- كان له طلَّاب في درسه في جامع أبي بكر الصِّدِّيق بالمَلَز بالرِّياض، وقد دَرَسْنا عليه كتاب التَّوحيد والواسطيَّة وغيرهما.
مَكانَتُه العِلميَّة
تَبَؤّأ ابن قاسم مكانةً عِلميَّة؛ ويتبيَّن ذلك بالآتي:
- كان الشَّيخ عبد العزيز ابن باز يُكَلِّفه بالإفتاء في دار الإفتاء بالرِّياض، إضافة إلى ما كَلَّفَه به الملك فيصل من جمع «فتاوى ورسائل الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ».
- كان الشَّيخ ابن باز يسأله عن كلامٍ لشيخ الإسلام في الفتاوى.
- طَلَبَ منه الشَّيخ مُحمَّد ناصر الدِّين الألبانيُّ صورةً من مخطوط كتاب «الضُّعفاء» للذَّهبيِّ.
- كان العلماء يراسلونه عمَّا يُشكِل عليهم من مسائل عِلميَّة، فكانت رسائل من مشايخ بخَطِّهم؛ أمثال الشَّيخ بكر أبو زيد، والشَّيخ حَمَّاد الأنصاريِّ، والشَّيخ إسماعيل الأنصاريِّ الباحث في دار الإفتاء.
- قال الشَّيخ ابن جبرين: «مُحمَّد ابن قاسم خَيرٌ مِنِّي وأَعلمُ».
- كانت عِلميَّته تفوق الشَّهادات العالميَّة العَالِيَة، فكان يُكَلَّف بمناقشة الرَّسائل العِلميَّة العَالِيَة في الجامعات.
- كان المشايخ يُجِلُّونه ويُوَقِّرونه، فكان الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم يزوره في بيته، وكذا بقيَّة المشايخ؛ أمثال الشَّيخ عبد اللَّه ابن جبرين.
أعماله
- في عام (1374هـ) عُيِّن مُعلِّماً في معهد إمام الدَّعوة العِلميِّ بالرِّياض، وهو طالب في كُلِّيَّة الشَّريعَة.
- في عام (1386هـ) كُلِّف بالعمل في مكَّة المكرَّمة لطبع «فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة» في مطابع الحكومة بمكَّة، بالإضافة إلى التَّدريس في معهد مكَّة العِلميِّ.
- في عام (1390هـ) صَدَر أمر الملك فيصل بأَنْ يُفرَّغ لجمع «فتاوى ورسائل الشَّيخ مُحمَّد بن إبراهيم آل الشَّيخ».
- في عام (1403هـ)، درَّس في كُلِّيَّة أصول الدِّين بجامعة الإمام مُحمَّد بن سعود الإسلاميَّة بالرِّياض.
- في عام (1405هـ) أقام دروساً في العقيدة والفقه وغيرهما، في المسجد المُجاوِر لمنزله بالمَلَز بالرِّياض - جامع أبي بكر الصِّدِّيق -. كان خطيباً للجمعة تسعة وعشرين (29) عاماً، خَلَفاً لوالده من عام (1392هـ) إلى وفاته عام (1421هـ)، في جامع أبي الكِباش في طريق العمارية شمال الرِّياض.
آثَارُه ومُصنَّفاتُه
وغيرها من الشروحات.
وَفاتُه
وفقًا لِمَا ذَكرهُ ابنه، رأى محمد بن قاسم ثلاث رؤى تُشير بقُرْبِ أَجَلِه، وفي الساعة الثَّامنة صباحاً من يوم الاثنين في السَّابع والعشرين من شهر جُمَادى الآخرة لعام ألف وأربع مئة وواحد وعشرين (27/6/1421هـ) كان يَسِيرُ على قدميه في مدينة الرِّياض، فصدمته سيَّارةٌ مُسْرِعة، وأُصيبَ بإصاباتٍ بَالغةٍ في رأسه وجسده، ثمَّ نُقِل إلى مدينة الملك سعود الطِّبِّيَّة بالرِّياض - المعروفة قديماً بـ«مستشفى الشميسي» - وتوفِّي فيها؛ وهو المستشفى نفسه الذي توفِّي فيه والده.
ومنذ وقوع الحادث إلى أنْ فارق الحياة وهو يتلفَّظ بالشَّهادة، مع أنَّه فاقدٌ وَعْيَه، وقد فارق الحياة عن ستَّةٍ وسبعين (76) عاماً.
وصُلِّي عليه عصر الثُّلاثاء في الجامع الكبير بالرِّياض، في الثَّامن والعشرين من شهر جُمَادى الآخرة، عام ألف وأربع مئة وواحد وعشرين (28/6/1421هـ)، وقد أَمَّ المصلِّين مفتي المملكة العربيَّة السُّعوديَّة الشَّيخ عبد العزيز آل الشَّيخ، وحَضَرَ الصَّلاة عليه الأمير سلطان بن عبد العزيز - وَلِيُّ العهد -، والشَّيخ صالح بن مُحمَّد اللّحيدان - رئيس مجلس القضاء الأعلى -، وجَمْع من العلماء والأعيان، وعامَّة النَّاس، وقد حزن الجميع لوفاته؛ لِمَا قَدَّم من خِدمة عظيمة للدِّين.
وقد قال الشَّيخ عبد اللَّه ابن غديَّان: «إنَّه شَهيدٌ بإذن اللَّه؛ لأنَّ الصَّدْمَ بالسَّيَّارة كالهَدْمِ، ورسول الله قال: (وَصَاحِبُ الهَدَمِ شَهِيدٌ)».