محمد اليعقوبي (عالم دين)



هو الشيخ محمد بن الشيخ موسى بن الشيخ محمد علي بن الشيخ يعقوب بن الحاج جعفر. ولد في النجف الأشرف فجر المولد النبوي الشريف عام 1380 هجرية الموافق أيلول/1960 ونشأ في أسرة علمية دينية سجلت معاجم الأدب والفكر والخطابة جملة منهم ومنهم أبوه الشيخ موسى وجده الشيخ محمد علي الملقب شيخ الخطباء وجده لأمه الشيخ مهدي وجد أبيه الشيخ يعقوب الذي نهل من المدرسة العرفانية والأخلاقية للمرحوم الشيخ جعفر الشوشتري والمرحوم الشيخ حسين قلي الهمداني.

نشأته

انتقل مع والده إلى بغداد عام 1968 لارتباط أبيه بنشاطات دينية واجتماعية وسياسية مع المرحوم الشهيد السيد مهدي الحكيم نجل المرحوم المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم والذي كان يتمتع بزعامة دينية واجتماعية في بغداد.

نهل المعارف الدينية منذ نعومة أظفاره حيث كان يرافق أباه ويحضر مجالس خطابته ويلتقطها بدقة ثم سردها بالتفصيل بعد عودته على والدته وكان أبوه يشيد بنبوغه المبكر أمام العلماء والفضلاء. وبدأ مطالعة الكتب وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وألّف بحثاً موسعاً بعنوان (الخمر أم الخبائث) وهو لم يبلغ الحلم، وكان نوع الكتب التي يطالعها تتعمق كلما مرت عليه الأعوام. والتحق أيضاً في بداية السبعينات بحوزة علمية دينية مصغرة أسسها المرحوم السيد علي العلوي في حي العبيدي ببغداد.

أكمل دراسته الأكاديمية في بغداد حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من كلية الهندسة /جامعة بغداد عام 1982 وكان عليه الالتحاق بالخدمة العسكرية بموجب التجنيد الإلزامي، وكانت يومئذ الحرب العراقية الإيرانية مشتعلة إلا إن تربيته الرسالية جعلته يرفض أن يرتدي ملابس الظلمة ويكون جزءاً من منظومتهم ولو للحظة واحدة وانزوى في الدار رغم أن هذا القرار يكلفه حياته حيث كان جلاوزة النظام ينتشرون في كل مكان خصوصا في بغداد ويعدم رمياً بالرصاص المتخلف عن الخدمة العسكرية في حفلة علنية. وتفرغ للمطالعة بدراسة وتأمل وتحقيق وبدا يكتب ويؤلف من دون أن يجد من يرعى كفاءته في تلك الظروف القاهرة حتى قيض الله تبارك وتعالى بلطفه طريقا سرياً عبر عدة وسائط للتواصل مع السيد الشهيد الصدر وكان ذلك عام 1985 وأثمر عن عدة كتابات في الفكر الإسلامي والأخلاق وتهذيب النفس طبعت ضمن كتابين هما (الشهيد الصدر الثاني كما أعرفه وكتاب (قناديل العارفين). وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 رجع إلى النجف الأشرف وتزوج كريمة المرحوم شهيد الانتفاضة الشعبانية العلامة السيد محسن الموسوي الغريفي

شارك في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وخرج مع المجاهدين من أبناء النجف الأشرف للدفاع عن كربلاء بعد أن زحفت عليها قوات الحرس الجمهوري لكنه لم يشارك في القتال ورجع مع غير المسلحين إلى النجف

ارتدى الزي الديني مطلع عام 1992 (شعبان /1413) وتوّجهُ بالعمامة المرجع الأعلى المرحوم السيد الخوئي وكان السند الأول للسيد الشهيد الصدر الثاني والوحيد الذي آزره في بداية إعلان مرجعيته في تلك السنة وهذا ما ذكره السيد الشهيد الصدر نفسه واقنع وجوده إلى جنبه الكثيرين من داخل الحوزة العلمية وخارجها بالرجوع إلى السيد الشهيد حتى انتشرت مرجعيته واتسعت وأصبح الشيخ اليعقوبي الرجل الثاني بعد السيد الصدر في هذه المرجعية الرسالية.

وكان يشيد به ويشير إليه ونشرت بعض هذه الكلمات في مقدمة كتاب (المشتق عند الأصوليين) و(قناديل العارفين) وقبل استشهاده بخمسة أشهر وبالضبط يوم 5/جمادى الثانية/1419 رشح الشيخ اليعقوبي لخلافته بقوله في لقاء مسجل مع طلبة جامعة الصدر الدينية: (.... والآن استطيع القول أن المرشح الوحيد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي وهو الذي ينبغي أن يمسك بزمام الحوزة من بعدي إذا شهد له بالاجتهاد).

ولم يعلن الشيخ اليعقوبي اجتهاده إلا بعد سقوط النظام الصدامي ونشر بعض بحوثه الاستدلالية فشهد له بالاجتهاد بعد الاطلاع عليها سماحة آية الله الشيخ محمد علي الكرامي (المجاز بالاجتهاد من قبل سماحة آية الله الشيخ المنتظري و آية الله الشيخ محمد الصادقي الطهراني (المجاز بالاجتهاد من قبل السيد الخوئي عام 1386) وآخرون, رحم الله الماضين وحفظ الباقين.

لازم السيد الشهيد الصدر حتى استشهاده في شباط /1999 وهو الذي تولى الصلاة على جسده الطاهر وولديه وواراه الثرى مع عدد الأصابع من الموالين في تلك الأجواء المشحونة الرهيبة ووسط جلاوزة النظام المدججين بالسلاح.

وتولى سماحة الشيخ اليعقوبي قيادة الحركة الإسلامية في العراق ورعاية قواعدها التي يشكل أتباع السيد الشهيد الصدر غالبيتها وقد عمل بآليات جديدة بعد أن عطل النظام آليات عمل السيد الشهيد الصدر وفي طليعتها صلاة الجمعة المباركة. مقالة المهندس عمار الشمري

دراسته الدينية :

بداً دراسته من السطوح المتوسطة (أي شرح اللمعة وأصول الفقه للمظفر) في جامعة النجف الدينية برعاية المرحوم السيد محمد كلانتر وقطع مراحل الدراسة بفترة قياسية بجد واشتغال وتزامناً مع دراسته للسطوح العالية التحق ببحوث الخارج برغبة من السيد الشهيد الصدر فحضر بحث الأصول اللفظية عنده من شوال 1414 حتى استشهاده في ذي القعدة /1419 وحضر بحوث الأصول العملية عند سماحة آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض (1417- 1421) وحضر في الفقه عند آية الله السيد علي السيستاني في (1415- 1420) وعند الشهيد آية الله الميرزا علي الغروي (1416-1418) ودوّن كل تقريراتها.

بدا بتدريس المقدمات قبل مرور سنة على التحاقه بالحوزة العلمية في جامعة النجف ثم تدرج في تدريس السطوح المتوسطة (اللمعة وأصول الفقه) والعالية (المكاسب والكفاية) وكانت حلقته العلمية من أوسع الحلقات حضوراً وأكثرها عطاءً.

وبدا إلقاء محاضراته في البحث الخارج في الفقه في شعبان/1427, واختار المسائل الخلافية لتكون موضوعاً لبحثه حيث يختار مسائل ذات عمق علمي ومثار جدل بين الفقهاء ليكون أكثر إنضاجاً للفضيلة العلمية حيث يحضر أكثر من (70) من فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية بحثه الشريف وقد حرر إلى الآن عدة مسائل مهمة علمياً وعملياً وتُطبع في كتاب عنوانه (فقه الخلاف), وقد صدرت منه خمس مجلدات ضمّت ثمان وثلاثين مسألة. ومن مميزات بحثه تعرّضه لآراء أساطين القدماء وأعلام المعاصرين من مدرستي النجف وقم .

له رسالة عملية بعنوان (سُبُل السلام) وقد صدر المجلد الأول منها عام 1430هـ ضم العبادات وأعيد طبعه مراراً، ويواصل إنجاز الجزء الثاني في المعاملات، كما صدرت له رسالة عملية موسعة في مناسك الحج وأعيد طبعها مرات.

مؤلفاته:

له مؤلفات عديدة غير ما ذكرناه أعلاه، منها:-

  1. الرياضيات للفقيه (مجلّد)،
  2. ملامح من تاريخ وخطاب القيادة الدينية في العراق (5مجلدات)،
  3. ثلاثة يشكون (مجلد)، دور الأئمة في الحياة الإسلامية (مجلد)،
  4. قناديل العارفين (مجلد)،
  5. المشتق عند الأصوليين (مجلد بجزئين) وهو تقرير بحث السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)،
  6. الأسوة الحسنة (مجلد)،
  7. المعالم المستقبلية للحوزة العلمية (مجلد)،
  8. الفقه الاجتماعي (مجلدان) (نحن والغرب)،
  9. (من وحي الغدير)،
  10. (فقه طلبة الجامعات)،

وغيرها من الكتب والكراريس.

كما أصدر كتباً وكراريس ساعده فيه عدد من الفضلاء من طلبته بأن يضع الخطوط العريضة لأفكار الكتاب لأحد الفضلاء من طلبته ثم يشرف عليه أثناء الكتابة حتى يحقق المطلوب لشعوره بسعة الحاجة بحسب سعة التحديات مما لا يستطيع بمفرده أن ينجزها ولإنضاج القابليات وتفجير الطاقات لدى الآخرين وقد تجاوز عددها المئة, وكلها كتبت لسد فراغ أو معالجة حالة شخّصها بفكره الثاقب.

وقد سجلّت له المئات من المحاضرات الأخلاقية والفكرية والاجتماعية في مناسبات شتى ودُوّن كثير منها مع مواقفه السياسية - إزاء مختلف الأحداث - وتوجيهاته ومواعظه في كتاب (ملامح من تاريخ وخطاب القيادة الدينية في العراق) وقد أنجز منه إلى الآن خمس مجلدات.