لواء المردة
هذه المقالة بحاجة إلى إعادة كتابة باستخدام التنسيق العام لويكيبيديا، مثل استخدام صيغ الويكي، وإضافة روابط. الرجاء إعادة صياغة المقالة بشكل يتماشى مع دليل تنسيق المقالات. بإمكانك إزالة هذه الرسالة بعد عمل التعديلات اللازمة. وسمت هذا المقالة منذ: يوليو 2008 |
لم تشكل إضافة اسم "لواء المردة"، مطلع عام 1976، إلى قائمة التنظيمات العسكرية التي بلغ عددها، حينذاك، 29 تنظيماً، مفاجأة لأحد. فبوادر قيام تنظيم عسكري في زغرتا كانت قد بدأت ترتسم على أرض الواقع منذ عام 1968، كردّة فعل على الصعود الفلسطيني المسلّح في لبنان. هذا الصعود الذي تعزز بعد نكسة 1967 ليبلغ ذروته بعد أحداث الأردن 1970)، واعلان "منظمة التحرير الفلسطينية" عن تمركزها في لبنان 1970.
جيش التحرير الزغرتاوي
النواة العسكرية الأولى كانت قد تشكلت، صيف 1968، متخذةً شكل تدريبات عسكرية، على نطاق محدود، في بقعة قريبة من نبع جوعيت، في اهدن، لتنتقل، مع انتهاء فصل الصيف، إلى بنشعي، حيث بدأت التدريبات الجدية لنحو عامين. والهدف كان الاستعداد للدفاع عن مصير وطن مهدد في كيانه، اولاً بسبب تأزّم علاقة سلطاته مع فصائل المقاومة التي تزايد انتشار عناصرها على ارضه، وتالياً بسبب انقسام ابنائه في الرأي، بين مؤيّدٍ لحرية العمل الفدائي، انطلاقاً من جنوب لبنان، كساحة عربية وحيدة متاحة لهذا العمل، وبين داعٍ إلى تقييده وتنظيمه. وكان كل ذلك يتمّ على وقع الردود الإسرائيلية الانتقامية (أعنفها الغارة على مطار بيروت الدولي في كانون الأول 1968. أما اختيار بنشعي بالذات فلم يكن وليد الصدفة، ففي هذه القرية انتصر يوسف بك كرم على جيش المتصرّف الأول داوود باشا.
"المخيم اللبناني للتدريب" كان أول اسم أُطلق على هذه المجموعة لكنه لم يَشعْ لأن اسماً آخر خطّه عنصر دبّت فيها الحماسة على آليته، اي "جيش التحرير الزغرتاوي" طغى عليه، وقدّر له ان يشيع، وتتداوله وسائل الإعلام. وكان القائد الأول لهذا التنظيم، والساعي إلى انشائه، الوزير الشهيد طوني فرنجية يُشرف، وباهتمام كبير، على هذا المخيّم، فيزوره، غير مرة في الأسبوع، لمواكبة التدريبات المتواصلة، وينام، حيناً فآخر، في خيمة تكاد لا تتّسع لسرير. واول من تولّى التدريب في المخيّم كان الشهيد طنوس يمين (أبو واكيم). اما السيد ألبير يمّين فقد بذل ما في وسعه لتزويد المخيّم بإذاعة ميدانية عرفت شهرة بعدما استوحى منها الفنان بيار صادق فكرة لأحد اعماله الكاريكاتورية في "جريدة النهار". ولم يسجّل، خلال هذه التدريبات، سوى وقوع حادثة واحدة وذلك عندما انطلقت خطأً بعض رصاصات قاتلة من رشاش جوزيف بطرس المصري وهو يقفز، فكان بذلك أول شهيد في قائمة شهداء المردة. في موازاة ما كان يجري على أرض بنشعي كان الرئيس سليمان فرنجية يُطلق نداءه الشهير لعقد مؤتمر وطني في اهدن تداركاً للوضع. فالأفق اللبناني كان قد تلبّد بما يكفي من الغيوم المنذرة بعاصفة وشيكة الهبوب. ولم يكد شهر ايار 1969 ينتصف حتى كان فراغ الحكم قد امتد وكبر، والقلق قد اخذ يستبد باللبنانيين أكثر فأكثر. يومها قطع الرئيس فرنجية الصمت الذي كان يسود بمقال مدوّ نشرته "جريدة النهار" في 15 ايار على الصفحة الأولى، مكان الافتتاحية، وجّه من خلاله نداءً حدّد فيه موقفه "من العمل الفدائي، ومن القضية الفلسطينية، ومن لبنان السيادة والضرورة". وقد عَنْونه بما أصبح شعاراً : "وطني دائماً على حق". مع التوصل إلى "اتفاقية القاهرة"، عامذاك، تأجلت المشكلة إلى العهد التالي، عهد الرئيس فرنجية. كما عادت وارجئت، مرة أخرى، بعد التوصل إلى "اتفاقية ملكارت"، عام 1973، والنزاع الذي نشب في اعقاب حادثة فردان (ادّت إلى اغتيال رجال الكوماندوس الإسرائيلي لثلاثة زعماء فلسطينيين في قلب العاصمة بيروت).
تنظيم المردة
وحين اندلعت نيران "حرب السنتين" كانت التسمية التي راجت، اي "جيش التحرير الزغرتاوي"، لا تزال ملتصقة بالنواة التأسيسية إلى ان حتمت الضرورات الدفاعية خلق تنظيم اوسع نطاقاً، وارسخ هيكلية، فانقلبت التسمية إلى "مردة" تيّمناً بما هو شائع عن الموارنة. فظهر "لواء المردة" بشكل تنظيم عسكري مؤلف من خمس كتائب: المردة، لبّيك يا لبنان، أرز لبنان، مجد لبنان والأرز الخالد، تُشرف عليه قيادة سياسية عليا متمثلة بالزعماء السياسيين الخمسة في زغرتا: طوني فرنجية، رينيه معوض، الأب سمعان الدويهي، سليم بك كرم والشيخ سيمون بولس، وبالتعاون مع ممثلين امنيين عن العائلات السياسية. وقد صهر التنظيم المتجدد ضمن اطاره، بشكل أساسي، مقاتلي زغرتا، مدينة وقضاءً، فضلاً عن صهره سائر المنخرطين في صفوفه. ومع ان البيان الذي صدر يوم الخميس في 22 كانون الثاني عام 1976، بعد المجابهة مع "لواء اليرموك" حمل توقيع "لواء المردة الزغرتاوي"، فإن بعض الصحف رأت من الضروري إقرانه بعبارة "التجمّع الزغرتاوي" امعاناً في التوضيح بأن صدوره كان عن تجمّع عائلات زغرتا. ومن ثمّ، شاعت التسمية الجديدة.
وتوالت دورات التدريب في منطقة البعول في اهدن بإشراف المهندس رينيه القارح والشهيد جورج خوّام، وحفلات تخريج المقاتلين في "الميدان"، بحضور زعماء زغرتا، وحشد من الأهالي. وكان المقاتل انطوان يوسف دحدح أوّل من وضع التسمية الجديدة: "لواء المردة" على آليته العسكرية فور علمه بالتوافق عليها. ويعود إلى الأب يوسف يمين الذي عرف بـ"ابي المردة" بعث كلمة "مردة" من رقادها التاريخي من خلال رجوعه إلى كتاب "تاريخ الطائفة المارونية" للبطريرك اسطفان الدويهي الذي كان ابرز المؤرخين اللبنانيين اثارة لقضية المردة، حسب الاصطلاح المعمول به في لبنان، في القرن السابع عشر. كما يعود اليه لفت الانتباه إلى علم المردة الذي كان مكوّناً من صليب تحته سيف، فجاء علم التنظيم، في بداية امره، محاكياً له: أبيض يتوسطه صليب مرسوم بالأحمر تعلوه ارزة لبنان، وفي الأسفل كلمة المردة، وفي الزاوية اليسرى: سيف. وذلك قبل أن يتمّ تعديله من خلال مزج العناصر المكونة له، والمشار إليها، آنفاً بعناصر اضافية بعضها مستوحى من العلم اللبناني كالأرزة، واللون الأحمر الذي يرمز إلى دم الشهادة، وبعضها الآخر جديد: كالكحلي الدال على البحر الأبيض المتوسط، بحر فينيقيا، والأصفر المشير إلى البرق. وقد قام برسم علم المردة، وفقاً للأفكار المطروحة، السيد جون باسيلي قبل أن يحوز على موافقة اولياء الشأن، وقبل أن يصبح رايةً تُرفع فوق المراكز العسكرية، وفي الساحات العامة، وشارة تعلّق على زنود المقاتلين، وتُلصق على السيارات والجدران. وقد تصدّى "لواء المردة" ببسالة نادرة لكل الهجمات المتعاقبة التي تعرضت لها جبهة زغرتا- الزاوية الممتدة على طول 42 كيلومتراً، وبخاصة الهجمات التي وقعت في 9 ايلول 1975، وتلك التي تلتها في 21 كانون الثاني 1976، وقام بها "لواء اليرموك". كما كان ينتقل من الدفاع إلى الهجوم حين كانت التطورات الميدانية تستوجب ذلك، لا سيّما بعد "معركة الكورة" من(5 إلى 12 تموز 1976). سُجّل في تلك الآونة ظهور نشرتي "صوت المردة" (عن أسرة التحرير في اذاعة عمشيت التي كان يديرها الأستاذ رامز خازن) و"المارد الساخر".
بعد انتهاء "حرب السنتين" ساور المحاربين "المردة" اعتقاد بأن الاستراحة ستطول، خصوصاً بعد مصالحة القاعدة الشمالية اولاً، وهي مصالحة تجلّت على المستوى الشعبي، وتكرّست بعدما هرع أهالي طرابلس للتبرّع بدمائهم لأبناء زغرتا بعد الانفجار الذي وقع في زغرتا في 1 ايار 1978، فمصالحة القمة الشمالية، من ثمّ، التي جمعت الرئيسين سليمان فرنجية ورشيد كرامي في "الهيكلية" في الكورة بعد ايام قلائل. لكن سرعان ما اثبتت الأحداث ان الأسوأ كان في انتظارهم في اهدن، في 13 حزيران 1978. وكان سبق وقوع مجزرة اهدن جملة تطورات ابرزها على المستوى العربي وصول الانقسامات إلى حدّها الأقصى بين الدول العربية بعد زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل، وما نجم عنها من انعكاسات. اما على الصعيد اللبناني فسبقها ابتعاد تدريجي للرئيس فرنجية عن حلفاء الأمس في "الجبهة اللبنانية" بعدما لمس جنوحاً متزايداً للانفتاح على إسرائيل، وإنشاء "الجبهة الوطنية" في الشمال (1977) التي انتخبت نائب بشري السابق الشيخ قبلان عيسى الخوري رئيساً لها، والمرحوم الشيخ سيمون بولس اميناً عاماً. كما سبقها تمدّد كتائبي باتجاه الشمال، تعزز بالخدمات والتنظيم والسلاح، ادّى إلى حصول احتكاكات في أماكن عدّة انتهت بوقوع اشتباكات في شكا بين عناصر الحزب، وأبناء زغرتا، والى سقوط قتلى من الطرفين. الأجواء التي خلّفتها أحداث شكا حاول البطريرك خريش تبريدها خلال اجتماع عقد في بكركي حضره المعنيون كافة، تداركاً لحصول الأسوأ، لكنه اخفق في احتواء النزاع المحتدم. وكان ما كان. وفي ذلك النهار بالذات، اي في 13 حزيران 1978، كان مقرراً ان تنسحب قوات الاحتلال من الجنوب بعد 91 يوماً من تدخلها العسكري الدامي. وبدل ان تتجه الأنظار نحو الجنوب اللبناني، ونحو الدويلة التي سيعلن عن قيامها داخل الشريط الحدودي الرائد المنشق سعد حداد، إذا بها ترتدّ صوب اهدن كي تحوّل الانتباه عن الشرخ الجغرافي والوطني المتمثل باقتطاع جزء (لن يعيده سوى التحرير عام 2000) من جنوب لبنان، وبقاعه الغربي في ما بعد بشرخ جغرافي ومسيحي، انطلاقاً من اهدن.غالياً كان الثمن. وقد سدده "المردة" من دماء الشهداء الذين سقطوا، غدراً، في اهدن أو هم في طريقهم لنجدتها، وعلى رأسهم طوني فرنجية، وعقيلته فيرا، وابنتهما جيهان، بأمر من كتائب بشير الجميل وبقيادة سمير جعجع. "ما ان وقعت مأساة اهدن – بحسب تعبير جريدة "لوموند" الفرنسية- التي شاءها الكتائب لإعادة جرّ البلاد إلى الحرب الأهلية، ونبع ارتكابها من نزعة لبسط نفوذ هذا الحزب على المناطق المسيحية" حتى انتفض المردة، مرة أخرى، دفاعاً عما يؤمنون به من مبادئ: فلبنان العزّة والكرامة هو أيضاً لبنان الحرّ الموحد، لبنان المنتمي إلى واقعه العربي، المتكامل مع سوريا، والرافض للخيار الإسرائيلي كأشد ما يكون الرفض. انتفضوا ذوداً عن عنفوان لم يفلح في كسره لا المماليك، حين سطوتهم، ولا العثمانيين، في ايام عزّهم.
وبالضراوة التي واجهوا بها الفلسطنيين، وكل من آزرهم، خلال "حرب السنتين"، جابه "المردة" تحقيق "مشروع الأمن الذاتي" الكتائبي وهو يتمدّد نحو "جبال الشمال". وقد مكّنتهم حكمة الرئيس فرنجية، وبعد نظره، من تخطي الأفخاخ التي نُصبت بعناية للإيقاع بينهم وبين أبناء بشري، من جهة أخرى، لتوجه انظارهم، وبنادقهم، صوب جحافل الحزب الرامي إلى اخضاعهم لسيطرته، على غرار ما فعله مع سائر التنظيمات، من المدفون إلى كفرشيما. "الكتائب تحاول بتخطيط خارجي الحلول محلّ الدولة"، صرخ اعضاء القيادة السياسية العليا في زغرتا – الزاوية بفم واحد "واليد الملطخة بدم الشهداء الأبرياء لن تُصافح". اما طوني فرنجية فكان صرّح إلى "وكالة الأنباء الصحفية"، قبيل استشهاده، "ان الأشخاص يزولون اما لبنان فباقٍ". واضاف"نحن على استعداد للموت من اجل منع تقسيم لبنان".
قيادة المردة وكتيبة 3.400
الرئيس فرنجية الذي قاد البلاد في واحدة من ادقّ مراحل تاريخها لم يتزحزح عن مواقفه، رغم جراحه الثخينة. ومحلّ طوني حلّ شقيقه روبير. فتحمّل عبء المجابهة. واعادة هيكلة "المردة"، قيادة وتنظيماً. وقد استمرّ القتال سنوات طوالاً على تخوم منطقة البترون. وكان "للمردة"، منذ ذلك الحين، ولغاية منتصف التسعينات، وسائل اعلامهم التي رعاها الرئيس فرنجية متعاوناً ونجله روبير. فانطلقت أولاً "الوكالة اللبنانية الحرة" بإمكانيات ضئيلة، وبواسطة آلة كاتبة، في 16/6/1978 قبل أن تشقّ طريقها إلى المطبعة، ومن ثمّ، اذاعة لبنان الحرّ الموحد، عملياً في 1/8/1978، ورسمياً في 1/9/1978، فجريدة "الأمل" في 22/10/1978، "فتلفزيون لبنان الحرّ الموحد" في 24/8/1982، وذلك مواكبة لما كان يجري، ايصالاً لصوت "المردة" ومحاربة للتضليل الإعلامي الواسع الذي كان يتعرّض له الرأي العام اللبناني عامة، والمسيحي منه بوجه خاص. وقد ساهمت هذه الوسائل الإعلامية، على تواضعها، في توضيح صورة الثوابت التي تحكم نظرة "المردة" إلى الأوضاع في لبنان، كما رافقت التطورات السياسية والأمنية، يوماً بيوم. وكان لها دورها الأكيد في الإضاءة على مواقف الرئيس فرنجية، سواء في ندوته الصحفية الأسبوعية، أو في المحطات البارزة كـ"مشروع الوفاق الوطني" الذي طرحه في 25 شباط 1981، والمرتكز على "الوثيقة الدستورية" المعلنة في اواخر عهده، في 14 شباط 1976، بالتوافق مع الرئيسين حافظ الأسد ورشيد كرامي، مع بعض التعديلات التي اوجبها مرور الزمن، وتعاقب الأحداث، إلى "جبهة الخلاص الوطني" التي ناضلت من اجل إسقاط "اتفاقية 17 ايار"إلى مؤتمري "جنيف" (1983) ولوزان (1984)، وصولاً إلى ترشحه للرئاسة عام 1988، وما تبع ذلك من مجريات. كما رافقت هذه الوسائل المنجزات الاقتصادية والاجتماعية التي حققها روبير فرنجية: من التعاونية الاستهلاكية، إلى الصيدلية، إلى المستوصف، فالتمهيد لإنشاء "مركز الشمال الاستشفائي"، ومن شقّ اوتوستراد الجديدة – الكورة، إلى متابعة الشأن التربوي وهموم الحياة اليومية وتنشيط الحركة المصرفية، فترميم الأديرة والكنائس، وما إلى ذلك من مشاريع. وهكذا عادت فتابعت راية القيادة وهي تنتقل من يد المؤتمن عليها، اي روبير فرنجية، إلى يد رافعها الحالي الوزير والنائب سليمان فرنجيّة. الفترة الانتقالية تلك وضعت حداً لسنوات من التكامل في العمل بين "قيادة المردة" التي اتخذت من مبنى الضمان الاجتماعي الحالي في زغرتا مقراً لها، وبين كتيبة 3.400 التي انشأها الوزير فرنجية، وتمركزت في بنشعي في ثكنة مجهزة بكافة مستلزمات التدريب والصيانة وإقامة المقاتلين. فتوّحدت القطاعات كافة، تحت تسمية واحدة وجامعة: مؤسسة المردة، وذلك اثر قرار اتخذ في بنشعي خلال اجتماع "للمكتب السياسي" ترأسه سليمان فرنجيّة في 25/10/1990. وقد سبق وتلا نشأة المؤسسة ظهور نشرات عدة في بنشعي، فصدرت "صلة"، الاغترابية المرسلة بواسطة الفاكس، وتبعها "التقرير اليومي" عن "مكتب الإعلام والتوثيق"، وصدرت "اصداء" مصحوبة بسلسلة من الدراسات الشهرية عن "مكتب الدراسات"، ساهمت جميعها في تكريس الطروحات التي تتجاوز العصبيّات العائلية، وترتفع فوقها.
مؤسسة المردة
لم يصعب على سليمان فرنجية ان يشقّ طريقه بسرعة. فقد ساهم نزوله المبكر إلى معترك العمل، ومعايشته للناس في ابراز دوره، وتنامي خبرته. وقد برهن عن صلابة في تحمّل المسؤولية خلال الأحداث التي عصفت بلبنان اثر التوصل إلى اتفاق الطائف، واغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض (1989)، واندلاع حربي "التحرير" و"الإلغاء"1989-1990)، صلابة بدت وكأنها موروثة من البيت العريق في السياسة، ومقدودة من صخر اهدن. خصوصاً بعد تعاظم مسؤولياته اثر غياب جدّه الرئيس فرنجية في 23 تموز 1992. وقد ايّد اتفاق الطائف، منذ اللحظة الأولى، وراهن على إمكان نقله من حال إلى حال، وعلى انهاضه الدولة المركزية بعد عثرات الحرب. وهذا ما حصل بالفعل. ومع دخول لبنان مرحلة السلم الأهلي، واتخاذ قرار بحلّ الميليشيات المسلّحة، كان لا بدّ من أن يتخذ قرارا، عام 1991، بحلّ تنظيم المردة، وبتسريح المقاتلين، مستهلاً بذلك مرحلة جديدة من العمل ذات طابع سياسي. فأنشأ مؤسسة تُعنى بالشؤون الاجتماعية والصحية والتربوية والشبابية مدفوعاً بتركيزه على اهمية البُعد الإنساني في السياسة، في وقت كانت فيه الأزمة الاقتصادية تُضيّق الخناق على اللبنانيين، بشكل متزايد. ويتعذر على من يريد تتبع الأبواب التي فتحها سليمان فرنجيّة لمساعدة الناس من حوله الإحاطة بمنجزاته في سطور: من رغيف الخبز، إلى حبّة الدواء، إلى مبضع الجرّاح، ومن نظافة البلدات والقرى إلى المولّدات الكهربائية ومن قسط المدرسة والجامعة إلى المساعدات الاجتماعية، في وجوهها المختلفة. واكثر ما يسترعي الانتباه في تجربته هو ان مسؤولياته الوزارية، بدءاً من 24/11/1990 حتى حقيبة الداخلية والبلديات في الحكومة الكرامية الأخيرة، والنيابية، منذ حزيران ،1991 حتى 19 حزيران 2005، لم تشغله عن الالتفات إلى هموم منطقته وحاجات ابنائها. فمدّ يد المساعدة على التوالي إلى هيئة انماء زغرتا – الزاوية، ولجنة دعم البلدية في زغرتا – اهدن، فالمجلسين البلدين المنتخبين (1998 و2004). ولم يحل وصوله إلى مرتبة القطب السياسي دون تفجّر طموحاته العمرانية من زغرتا إلى اهدن مروراً بكل الطرقات التي اختصرت اعمال تأهيلها البالغة الكلفة زمن عبورها، وكل الطرقات التي لم يكن لها وجود ووُجدت، وكل المستشفيات والمراكز الطبية المستحدثة، أو المعزّزة، وكل المساحات المشجرة، والآبار الارتوازية المحفورة، والقاعات المشادة، والكنائس المرممة، وصولاً إلى الأماكن التي أُضيفت إلى الخريطة السياحية. بدا مع الوقت ان المهام الوزارية والنيابية زادت سليمان فرنجيّة قدرةً على خدمة منطقته، والوفاء بحاجات اهلها. وهو إذ كان فعل ويفعل، فإيماناً منه بأن الوقت قد يطول قبل أن تحقق الدولة وعدها بالإنماء المتوازن المطل من البيانات الوزارية أكثر مما يطلّ من الواقع. وادراكاً منه بأن المناطق كلما نأت عن المركز في بيروت كان نصيبها من الحرمان اوفر. لذلك اطلق، منذ اطلالته الباكرة، دينامية انمائية يعوّل عليها في انعاش البلدات والقرى، والحؤول دون ارتفاع وتائر الهجرتين الداخلية والخارجية، على ان تلاقيها، في منتصف الطريق، الدينامية التي يفترض ان تطلقها الدولة، متى عقدت العزم على ذلك، واسعفتها الإمكانيات. من زغرتا واهدن، وبنشعي ورشعين وسبعل ومزرعة التفاح وأسلوت، ومن مستشفى اهدن ،ومن مدرج كرمسده، إلى أرض ملعب السلام في زغرتا، وساحات مهرجانات اهدن، وقد تطول لائحة المشاريع المنجزة. وهو يأمل ان يتوج هذه اللائحة التي ستطول، يوماً بعد آخر بمشروع التزلج في اعالي اهدن الذي يراهن عليه لبثّ الحياة فيها على مدار السنة.
المردة الآن
والآن، بعد مرور ما يقارب الأربعة عقود على ولادة النواة الأولى لتنظيم المردة، وبعد مرور المردة في ثلاثة اطوار عسكرية (1968-1969) و(1975-1976) و(1978 – 1991) وطور سياسي – اجتماعي (1991-2005)، يتعاظم الشعور بأن المرحلة المقبلة باتت تتجاوز ولاء المواطن للأشخاص، وتحتم ولاءه للمبادئ والأفكار والصيغ، التي تضمن في خطوطها العريضة، وسائل بناء لبنان الجديد. فانبثاق لبنان الجديد لا يمكن ان يتمّ إلا من خلال ولادة حياة سياسية جديدة تنتظم في احزاب وتيّارات ذات مبادئ واضحة. والمأمول ان يوفق "المردة" في وقت غير بعيد إلى ما ينظم صفوفهم ضمن تيار جديد، والى ما يترجم رغبتهم، ويبلور ايمانهم بلبنان الذي يرضي طموحاتهم، ويكون مكاناً آمناً لأبنائهم. وقبل أن نختم هذه اللمحة التاريخية الموجزة نشير إلى ان الرئيس سليمان فرنجية كان قد توصل في وقت ما إلى قناعة بأنه لا بدّ من توجيه القوى الشابة في اتجاه التخطيط لقيام لبنان جديد مكان ذاك الذي هدّمت صيغته الحرب، وما تلاها من متغيرات. وهو كان طلب من المؤرخ جواد بولس ومن الوزير السابق الدكتور شارل مالك والنائب السابق ادوار حنين اعداد مبادئ لحزب رأى من الضروري تأسيسه لكنه لم يمضِ في فكرته إلى آخر الطريق، فهل تحمل الشهور المقبلة بذور تأسيس تيار استعيض عنه، يومئذ، بـ"الجبهة الوطنية الشمالية" فتتحقق الفكرة المؤجلة، ويُعاد رصّ الصفوف، ويتوسع الإطار الجامع؟ المستقبل القريب سيحمل الجواب. فالمجتمعات ليست كيانات ساكنة. وما كان صعب التنفيذ، قبل ثلاثين عاماً، يمكن ان يرى النور في زماننا. ولا شك، في أن هذا الأمر إذا ما وضع موضع التطبيق سيكمل المردة ما شرع به الرئيس فرنجية، والشهيد طوني فرنجية الذي شكّل نضاله وغيابه قوة دفع للتنظيم، وروحاً ملهمة لعناصره. كما سيبلور الإطار الجامع وثابت الذي لا يمكن ان توفره التركيبات العشائرية الضيّقة.[١]
مراجع
- ^ www.elmarada.org