لبنى ياسين


لبنى ياسين هي كاتبة سورية ومحررة في مجلة حياة للفتيات، ولها صفحة مقال ساخر بعنوان (ضوضاء). كما تكتب في شباب اليوم في صفحة بها بعنوان (صور أخرى).

لبنى هي عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات. عضو في اتحاد كتاب الإنترنت.

حازت على بكالوريوس في العلوم من جامعة دمشق.

ولم تنتهي عند البكالوريوس فحازت على دبلوم التأهيل التربوي من جامعة دمشق.

درست لبنى الرسم والنحت في معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة في دمشق.

وقد تدلى اسمها من عدة إصدارات هي:

(ضد التيار) - وهي مجموعة قصصية نالت عنها العضوية الفخرية للكاتبات المصريات وهي البادرة الأولى للجمعية في إعطاء العضوية لكاتبة غير مصرية.

شاركت لبنى في مجموعة قصصية بعنوان(استفهامات خرساء) الصادرة عن وهج الحياة للإعلام لمجموعة من الكتاب بقصة (دعوت لأختي).

شاركت أيضاً في مجموعة قصصية بعنوان (أسراب طينية) الصادرة عن وهج الحياة للإعلام لمجموعة من الكتاب بقصة (أياد بيضاء.. ولكن).

(أنثى في قفص)- مجموعة قصصية صادرة عن وهج الحياة للإعلام في الرياض- السعودية.

(طقوس متوحشة) - مجموعة قصصية عن دار وجوه للنشر والاعلام في الرياض-السعودية.

(الموت صمتاً) - مجموعة قصصية.

آراء كتاب كبار:

الأديب أسامة أنور عكاشة

القاصة لبنى محمود ياسين أدهشتني في أول مجموعة قصصية لها تلك التي صدرت بعنوان " ضد الـتيـار ", والدهشة هي الانطباع الوحيد الذي يؤكد الجـدارة, فالأدب الجيـد هو الذي يدهش ويثير ذلك المزيج الساحر من التجاوب بالعقـل مع ما يلمس أوتار القلب, وهذا ما لمسته في قصص لبنـى ياسـين. لبنى ياسـين.. توقفـوا أمام هذا الاسـم راصـدين متابعـين, لأنه لكاتبـة واعـدة ومبشّـرة سنقرأ لها كثيرًا وندهـش.

الكاتبة فتحية العسال رئيسة جمعية الكاتبات المصريات القـاصـة السورية لبنى محمود ياسين في مجموعتها القصصية الأولى(ضـد التيّـار) تؤكـد أنها كاتـبة وأديـبة صاحبة قــلم لـه أسلوب بارع, وأهم ما يميّـز هـذه الكاتبة هو انحيـازها إلى طبقـة البســطاء.. لذلك هي تأخذ من رحيـق الإنسان البسيط الطيـب وتغـزل فنـّـاً.. للبنـى مني كل التحيــة والحــب, وأملـي كبيـر جـداً جـداً وكـذلك ثـقــتي بمستقبلها كـكاتبــة.

الكاتب محفوظ عبد الرحمـن:

التجربة الأولى دائما مأزق, فهي تعرفنا إلى الناس, لكنها في الوقت ذاته تورطنا بصورة دائمة, ومن الصعب معرفة الكاتب من تجربته الأولى, إلا إذا كان مبدعا حقا مثل لبنى محمود ياسين, في مجموعتها القصصية الأولى ضد التيار. بالتأكيد عندما تكتب مجموعتها الثانية ستكون أكثر رسوخا فهي من الآن تمتلك قدرات كبيرة, والقصة التي تصدرت مجموعتها بها وعنوانها (موت صابر) تضعها بين كتاب القصة الراسخين...إنها أجمل مجموعة أولى. إنهـا أجمل مجموعة قصصيـة أولى.

تجيء ويغضي القمر لبنى ياسين لها وجه قمر... ولي شعرها المنسدل... وجمال قامتها... لها ابتسامة قمر... ولي دمعة... أمسكتُ اللوحة المصفرة بحذر, ووضعتها داخل ملف بلاستيكي شفاف جلبته خصيصاً لها, كانت تلك اللوحة...كل ما تبقى لي منها، من رائحة أنفاسها...من دفء عينيها, من حزن باذخ أخفته خلف شال.

عندما أصررت على أن تكون هذه اللوحة غلاف مجموعتي الشعرية الأولى اعترض مصمم الغلاف, وكاد ينفجر في وجهي إلا أن صاحب دار النشر ضغط عليه، فمجموعتي هي الفائزة الأولى في المسابقة الشعرية، وأراد لها أن تخرج كما أحب تماماً، وأردت أنا أن تنعجن بروحها وأن تحمل بقايا أنفاسها ورائحتها، تلك التي انغرست عميقا في ذاكرة الفقد...أردت أن أهديها لها وحدها، فهي التي فجرت بي حمى الكلمات الملتهبة، وبين الحرف والنقطة والفاصلة بإمكان أي إنسان أن يلمح وجهها ودموعي يتعانقون.

كل من قرأ تلك المجموعة قال أنها باذخة الإحساس والدفء، لكن أحدهم لم ينتبه إلى أني سكبت فيها مشاعري فالتهبت, ونثرت دموعي على السطور فأصبحت حروفاً، ورصفت وجعي فتدفقت الكلمات لتدمي وجه البياض, ثمة شعور مفجع بالفقد يعتريني كلما كان يلم بي صوتها فأهرب إلى الورق, فقد اعتدت أن أكون معجونة بها, جزءاً منها...جزءاً غير قابل للانفلات، وحدي كنت أغلق باب غرفتي دونهم، وأشرع نافذتي لأرى وجهها على صفحة القمر فتياً باسماً، ولأنني لم أجد لها شعراً بعد ذلك، فقد ألصقت لها خصلات من شعري، لأنها يجب أن تظل هكذا، أسطورة حب، وقصيدة وجع، ووعداً لا يفيني نفسه، وألماً قصياً في حنايا روحي لا أعرف كيف لي أن أعالجه، ربما لأنني لا أطيق منه شفاءً؟ أصغر المشتركين في تلك المسابقة الشعرية كنت - تسابقني الست عشرة شمعة التي لم أعد أشعلها ولا أطفئها ولا حتى أحصيها بعد رحيلها- في مواجهة من يرفلون في ثياب العشرينيات والثلاثينيات من العمر، كنت أعلم أنني سأفوز رغم ذلك، هي همست لي ساعة سَحَر، أخبرتني بأن حروفي تضيء في الليل كالنجوم، وتمطر في النهار كسحابة حبلى بالأمنيات، فصرت أكتب لها كل يوم، كان يجب أن أفوز وإلا كيف كان لي أن أواجه وجهها حيث يرتسم فوق صفحة القمر يسترق النظر إلي من خلال نافذتي المشرعة لوجهها فقط وللقمر. كلما ارتسمت ملامحها الحلوة فوق قسماته، أغضى القمر، وخبأ ضوءه وراء تفاصيل ابتسامتها، تاركا لها فراغا هائلا تنثر نورها الباذخ فوق تفاصيله..من يملك نوراً كهذا؟ تلك التي ما كانت إلا ملاكاً متخفياً في ملامح مضيئة لألم إنسان، كانت كل يوم تجيء...ويغضي القمر. تحدثني كما اعتادت، تضمني إلى صدرها فتفوح رائحة الياسمين، تخبرني كم تحبني فينحني الشوق إجلالاً، وأخبرها كم أحبها فتغرد طيور الجنة في صدري، أقول لها بأنني أشتاق إليها كثيراً حتى لم أعد أحتاج لرؤية أحد غيرها، فتحدجني بنظرة عاتبة وتقول:" وحده الليل لنا، أما النهار فهو لهم فكوني هناك بينهم"، لكنني لم أفِ بذلك العهد أبداً، فقد كانت ترافقني في النهار أيضاً دون أن تدري، ولأن أحداً سواي لا يشعر بوجودها، كان حرياً بي أن أختلق لها فضاءات تحلق بها حيث لا أحد سواها يجرؤ. أتذكر يوم رسمت تلك اللوحة. تلك كانت المرة الوحيدة التي أغضبتها فيها، كانت قد تهاوت تحت وطأة المرض، سمعتهم يهمهمون بصوت منخفض كما فحيح " مرض عضال" و"أيام معدودة"، ولأن الزمان كان لغزاً عصياً على طفولة عقلي، لم أفهم أن أياماً معدودة لديهم تعني ألا تكمل إشعال شمعاتي التسع، وأن تبقى قربي زمناً يسيراً -لا يكفي لأحفر ابتسامتها في صدري جيداً- كليلة الكبد، دامية القلب، تنهش الأوجاع أوصال روحها حتى يغلي دمها فيهاجم بعضه بعضاً، وتقضي ساعات لا تقوى حتى على الكلام تتقاذفها الآلام بين الموت والحياة. لازمتُ فراش المرض قرب جناح دفئها الممزق، كنت أحاول أن أقنعها بالعدول عن الرحيل، كنت أريد أن أقول لها بأنها الشخص الوحيد الذي يهمني فوق الأرض، وما عداها فلتندثر الأرض، فلا طاقة لي على العيش فوقها. اقتلعوني من جانبها فشعرت بجذوري تتمزق، أثكلوني وجودها وهي ما زالت تتنفس فوق سرير المرض، صرخوا بي "لا تزعجيها"، ومن قال أنني أزعجها؟ كنت أراها تشحب كل يوم ولا اُعْطى إلا دقائق لا تكفي لأن أبثها روحي، لأعطيها من أنفاسي، لا تكفي لعناق أحتاج أن أتوحد فيه معها علني ُأعْدِيها بشيءٍ من الحياة..أو ُتعْدِيني بشيءٍ من الموت، كانوا يحملونها إلى المشفى كل بضعة أيام، لتعود أكثر شحوباً من ذي قبل، صارت تدثر رأسها بشالٍ لا تكاد تخلعه، خبأتْ شعرها حتى عني، ولم يتبقَ لي من وجهها إلا ملامح تزداد شحوباً كل يوم، أخفتْ عني خصلات ذلك الشال الحريري التي ما كنت أرضى أن أنام إلا وهي مجدولة بين أصابعي في محاولة مني لاستبقائها إلى جواري...جواري أنا فقط، وفي كل مرة كان عليها أن تنتظر غفوتي لتستعيد شعرها من بين أصابعي. في ذلك اليوم كانت أكثر شحوباً من أي يوم مضى، رسمت شبح ابتسامة ما ،لا تشبه تفاصيل ابتسامتها على شفتيها عندما التقتْ عيوننا، كانت في طريقها إلى المشفى، نظرت إليها وحاولت أن أبادلها شبح ابتسامة، فإذا بي أنفجر باكية، انهار جسمها وتهاوى مع شهيق بكائي، ولدى سقوطها سقط الشال من على شعرها فاضحاً سراً كانت تحاول مواراته خلف شال وابتسامة لا تكتمل، فلم أجده، لم أجد شعرة واحدة فوق رأسها، كان رأسها يلتمع كما رأس جدي في تلك الصورة المصلوبة على الحائط، هالني ذلك المشهد... شطر قلبي، فجريت إلى غرفتي وأنا أعتقد أنني قد فهمت سر دموعها وتداعيها، تبكيه إذا...تبكي شعراً تعلم أنه أرجوحة قلبي، لم أجد سبباً مقنعاً يجعلهم يقصون شعرها الذي أحبه بهذه الطريقة البشعة. يومها تولى أخوالي وأبي حمل أمي إلى هناك، حيث يكون الألم مقننا بدفعات من علاج لم يعد يجدي، لم اعرف كم من الوقت قضيت وأنا أنتحب في غرفتي، ثم أمسكت القلم ورسمت على صفحة بيضاء وجهها- وجه قمر، رسمت لها ابتسامة شاحبة ونظرة مضيئة، كتبت بحروف طفولية دامعة تحت الرسم - موزعة تفاصيل الجمال بيني وبينها في حديث دار بيننا كثيراً قبل أن أفقد فضاء وجودها إلى جواري- تلك الجمل التي أعدت صياغتها بعد أن شاخت بي الطفولة، لتكون على الصفحة الأولى من مجموعتي، وقعتها بدمعة باذخة حبستها دائما في حنايا روح تتنفس الفقد :

لها وجه قمر... ولي شعرها المنسدل... وجمال قامتها... لها ابتسامة قمر... ولي دمعة...

نظرت بعدها إلى اللوحة، ثمة شيء مخيف في تفاصيلها جعلني أرتعد، شيء لا أريد أن أراه، لا أريد أن أعرفه، انتابني شعور سيء وأنا أنظر إلى وجهها القمر دون أن تحيط به هالة من شال حريري يطوق وجهها، ما كان عليهم أن يقصوا خصلات شعرها الناعم، حملت الكرسي، ووضعته بجانب الخزانة، تسلقته وفتحت ذلك الدرج الذي منعت دوما من فتحه، أخرجت المقص، وقربت جديلتي إلى الأمام وقصصتها من أعلى نقطة تصل إليها يدي الصغيرة، وعدت وقصصت بضع خصلات من جديلتي التي لم تعد جزءاً من رأسي، وألصقتها فوق رسم وجهها، واحتفظت ببقية الجديلة لألصقها على رأسها، إلا أنهم عندما أتوا بها ولمحتْ شعري المقصوص غضبت مني، لم تعرف أنني قصصته من أجلها، فازدادت شحوبا دون حتى أن تعاتبني، ولم تكلمني ولم تصعد إلى غرفتها منذ ذلك اليوم. كانت جديلتي المقصوصة آخر ما رأته أمي قبل أن ترحل، ودموعها وهي تنظر إلى جديلتي آخر ما لمحته أنا، ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أقص شعري حتى صارت خصلات جديلتي تنثني تحت عظام ساقي عندما أجلس، وهي تجيء كل يوم ليلاً إلى غرفتي فأشرع نافذتي لوجهها، تجيء لتطمئن على خصلات جديلتي التي طالت كثيرا، ولوحتها المعلقة إلى جوار سريري، وكما كل يوم تجيء....ويغضي القمر.

وأزهـر الياسـمين لبنى ياسين في كلِّ مرةٍ كنتَ ترسمُ لي فيها على حافةِ الصمت قلباً ووردةً حمراء, كنتُ أرسمُ لكَ عصفوراً وزهرةَ ياسمين, وكان عصفوري يخربشُ فوق القلب ويبعثر الوردة, فألمحكَ تتشظى... تنشطرُ إلى نصفين, أحدهما يتلاشى مع أوراق الورد المبعثرة, والآخر يغرق في صمت حزين. لم يكن ما بيننا يشبه ما يكون عادة بين رجل وامرأة, ولا حتى بين امرأة وأخرى, كان شيئاً مختلفاً, شيئاً لا يشبه الاشتياق ولا تفوح منه رائحة العشق فقط، كأن بين روحينا تواطؤ غير معلن للاحتواء, هناك شيء في حضورك يأسرني ويطلقني في آن واحد, يبعثرني ويلملمني, يشظيني ويعيدُ تكويني من جديد, كنتَ قطعةً باذخة من روحي المحترقة لا أرغبُ بحشرها في أفق ٍ ضيق ٍ لجسدٍ فان ٍ...كنتَ فرحاً لا يشبه الفرح.

ذلك الطغيان الذي تملكه بمنتهى اللطف, ذلك الاجتياح الذي لا أملك له رديفاً، ذلك الألق الذي لم أعرف مثله يوماً, شيء يشبه النقاء, يشبه دموع الأطفال, يشبه الشمس والياسمين, ولا يشبه وردة حمراء، كأنك كنت في ثنايا الروح منذ الأزل, كأنك خلقت وترعرت هناك, كأنك لم تغادر أبداً.

لكنك كل مرة كنت تصر على أن تقدم لي وردتك الحمراء, وكنت أصر على أن أهديك ياسمينة لترى ذلك البياض الرقيق الذي لا أريده أن يخدش بأي هفوة. وحدك دون الناس دخلتَ إلى دهاليز الروح وتجولتَ فيها بحرية من يتجول في سكنه في وحدة ليل هادئ, وحدك عرفتَ الغرف المبللة بالفرح, كما مررتَ بأخرى مسربلة بالحزن, وحدك لامستَ الروح، وعانقتَ أدق خلجاتها, فلماذا تصّر على أن تلوثَ شيئاً أسطورياً سرمدياً لا مثيلَ له بشيءٍ يشبه كل الاشياء التي حوله. عندما جلستَ على شغافِ القلبِ ذات حزن ٍ بحتُ لك بأنني لا أريد أن أكون محطةً تترجل منها عند وصولك إلى أخرى, أريد أن أظلَّ ذلك الوجع القصي في الروح, اخبرتك بأنك لا تشبه الأسماء ولا تحمل الملامح ذاتها التي يمتلكها الكل, لذلك كان علي أن احتفظ بمشاعرك, ولذلك كان علي أن احملك على جناحي حلم حتى لا تطأ الأرض فتدفن فيها ذلك الشعور الدافئ, فلا تتكئ على تفصيلٍ صغيرٍ من شأنه أن يجعلكَ تشبهُ كل من حولي, ليس بالضرورة لمن يلامس الجسد ان يقتربَ من الروح, وأظنه حتمياً عليك أن تظل تلك الأسطورة التي تورق في أوردتي, وتزهر على ضفاف وجعي, ستظل زهرة ياسمين رقيقة تنعتق في روحي, لنتحرر معا من الفناء, من أجسادٍ لا ترتقي لأثير أرواح تعانق خيوط الشمس الدافئة, ولا تسمو لتكون شفيفة كروحك ولا متلألئة كذلك الدفق الهائل الذي يخترقني كلما مررت في بالي. دع الاجساد للأرض وانعتق نحو السماء, نحو السمو, حيث لا يوجد للخطيئة مكان ولا معنى. عندما زرعتَ لي الأرض ورداً, زرعتُ لك السماء نجوماً, وخيرتك بين أن ترحل, وبين أن تقتل ورودك كمداً وتنثر الياسمين. كنت أخشى بيني وبين نفسي أن تختار الرحيل, أحتاج اليك, أتوق لوجودك, وأحتاج إلى ذلك الشعاع الذي اشعلته في حنايا نفسي ولا أريد له أن ينطفئ فأنطفئ معه, ولا أريد ان أستفيق صباحاً لأجد نفسي وحيدةً مرة أخرى. أكذب إن قلت أن رحيلك صعب, إنه مستحيل, قاتل, قد يذبحني, أنا التي للمرة الأولى على امتداد العمر أجد رجلاً يفهمني, يبحر في عمقي, يتمايل مع تناقضات جنوني وفزعي وارتيابي, يعزف على أوتار ظمئي, يشعلني ويطفئني في لحظة واحدة, كيف كان لي أن أفقدك وفقدانك قد يمزق شرايين الفرح في قلبي إلى الأبد. كنت تحاول أن تجرني من يدي إلى تلك الزاوية المحرمة, ومرة تلو الأخرى رحت أشدّك برفق ٍ لتحلق معي حيث النجوم. أزهر الياسمين في قلبي أخيراً, وشممتُ رائحةَ الحرائق تنبعثُ من جدران قلبك, لكن رائحة الياسمين ما لبثتْ أن تغلبتْ على ذلك الدخان, ولم أع ِ أنك أسلمتني روحك ورحت تبحث لقلبك عن امرأة أخرى, لم أنتبهِ أنني تربعت أخيراً على عرش الأولياء في قلبك, لكن عرش الحبيبة صار شاغراً بانتظارأخرى, أسكرتني لحظة الانتصار, وساعات اللقاء النقي, والأحاديث الملونة حيناً والبيضاء أحياناً أخرى. وها أنت اليوم تعيدُ ترتيب وردتك الحمراء لتهديها إليها, في داخلي مأتم لموتِ شيءٍ لا أدرك كنهه تماماً, قد يكون قلبي, قد تكون روحي, وفي عينيّ تنصلتْ دمعة أغلقتُ عليها جفوني جيداً لئلا تراك, اقتربتُ منكَ بهدوءٍ لا يشي بالزوابع التي تجتاحُ كياني, ولا بالفقد الذي راح يحفر سراديب ظلام على حافة الروح, رسمتُ لك على صفحة وجهي ابتسامةً هادئة, وأعطيتك حزمة ياسمين, أغلقتَ عينيكَ عن دمعةٍ توشكُ أن تفضحَ عريك, وابتسمتَ بارتباكٍ قائلا ً: ما زالَ ياسمينك الأغلى على قلبي, لكنني لا أستطيع الحياة دون وردة حمراء.

http://uk.youtube.com/watch?v=MEAZt5G12RM

http://fr.youtube.com/watch?v=pVjXK87Vy0E

المراجع

http://daralkashkol.com/fourms/viewforum.php?f=103&sid=aac2ca70d77778b099126d927899554d

[١]

لقالبنى ياسين: واقعنا يشير إلى فوضى شديدة على مختلف الأصعدة، وانقسام حاد بين المثقفين.


 القاصة السورية لبنى ياسين

قاصة سورية وصفتها الأديبة المصرية فتحية العسال بأنها منحازة إلى طبقة البسطاء، وهي لذلك تأخذ من رحيق الإنسان البسيط الطيب وتغزل فنا.

كلماتها سهلة، وألفاظها جزلة، ومعانيها ذات قيمة تستحق أن يقضي القارئ وقته لقراءتها والاستمتاع بها. غزيرة الكتابة، تنتقل من مجموعة قصصة إلى أخرى كعصفور يغرد متنقلا من شجرة إلى شجرة، فدعوناها لكي تغرد لنا فتطربنا ساعات الصباح الأولى حيث شروق الشمس وفنجان القهوة والموسيقى الهادئة.

سألناها مباشرة ودون مقدمات:

هل استطاع المثقفون العرب أن يصلحوا ما أفسده السياسيون؟

هل نجد على أرض الواقع ما يشير إلى ذلك؟ الحقيقة واقعنا يشير إلى فوضى شديدة على مختلف الأصعدة، وانقسام بين المثقفين بين موال لفوضى السياسة أو مثير لها، وبين مناهض، وبين متفرج أسقط في يده فلم يعد يعنيه أن يشارك ولو بكلمة، ولو أن أولئك الذين يرفعون سلاح الكلمة في وجه هذا الفساد هم الفئة الأكبر وجودا.

ولا يمر علي يوم إلا وأجد في بريدي حملات لمناهضة، أو مناصرة أمر ما، يقوم بها المثقفون، هذا عدا المقالات، والشعر والقصة، لكن الكلمة لم تعد تُجدي وسط هذا القتال والتدمير والفتن التي تحوطنا من كل جانب بل وتخترق صفوفنا أيضا، والإصلاح يتطلب الكثير من الأمور ليس أهمها الكلمة بل أهمها النية والوعي، ومن بعدها يأتي التغيير بالكلمة التي تفسر والفعل الذي يغير.

في كل حوار مع كاتبة يتم التطرق لدور المرأة العربية على الصعيد الثقافي، هل فعلا أخذت المرأة دورها الطبيعي، أم أنها ما زالت تعيش فوق جبال من التخلف؟

لنقل أنها في طريقها إلى الوصول، فأن نقول إنها أخذت دورها الطبيعي، ليس بأمر منطقي ونحن نرى على أرض الواقع ما ينافي ذلك، هناك تيارات تسير بالمرأة نحو زمن الرقيق الأبيض دون هوادة، وهذا الشيء المتعمد للمرأة ينحرف بمسارها بسرعة صاروخية نحو الحضيض.

ومن جهة أخرى ترى تياراً آخر ينهض بسرعة ليتخذ مكانا ملائما، وبرؤية لا تعاني من الانحراف. ما زالت المرأة تسعى، وأظنها تقترب من اتخاذ مكان ملائم لوجودها الإنساني يدا بيد إلى جانب الرجل دون إسفاف بإنسانيتها وكرامتها ووجودها، لكن على الصعيد الآخر، هناك نساء تربعن عرش الحضيض بامتياز، إن جاز التعبير في تجاوبهن المدهش مع إعلام الرق الأبيض.

عندما نرى هؤلاء تحديدا ينتشرن على طول القنوات الفضائية وعرضها، في زمن باتت فيه الثقافة البصرية من أهم أطباق الثقافة المقدمة للمواطن العربي الذي لم يعد يقرأ، تدرك أن تيار الانحدار بات مرئيا أكثر بكثير من ذلك التيار الذي يعمل بإخلاص للوصول إلى مكانته الإنسانية الراقية.

والمضحك أن رائدات الرقيق الأبيض ذهبن إلى هناك طوعا وبشعور مخادع بالفخر، وكأن عيونهن توقفت عن الرؤية إلا من زاوية واحدة، زاوية منحرفة تماما.

يقول بعض المثقفين أن المسؤولين عن دور النشر الورقية، والإلكترونية يتساهلون كثيرا مع الكاتبات لأنهن نساء، ربما لأن المشرفين الرجال يتطلعون لعلاقات ثنائية مع إحداهن، ما ردك على ذلك حسب خبرتك؟

لا أعتقد أن أصحاب دور النشر الورقية قادرون على تشويه سمعة دورهم من أجل أمر كهذا، قد يتنازل أحدهم مرة، ولكن أن يتخذ ذلك سياسة عامة للنشر فإنه يودي بمشروعه نحو الانهيار، ولا أظن أن أحدا يريد مجازفة كهذه.

لكن من جهة أخرى منذ خلق الإنسان كانت المرأة محط أنظار الرجل، وهناك من تسول له نفسه المحاولة علها تصيب، ولا نستطيع أن ننكر أن ذلك حدث ويحدث كل يوم، إلا أن رسم حدود واضحة للتعامل مع شخصيات كهذه هو أمر منوط بالمرأة عندما تحتاج إلى ذلك، ولا أحد يستطيع أن يجبر إنسانا مهما كان جنسه على التنازل عن مبدأ يؤمن به مهما كان السبب.

يكثر على الشبكة العنكبوتية من يدعون أنهم شعراء وكتاب، وأدباء الخ، وأكثرهم لا يجيدون اللغة العربية، وأسلوبهم في الكتابة جد ضعيف، رغم ذلك تراهم محسوبين على اتحادات ثقافية هنا وهناك، هل الثقافة في خطر؟

نعم. كثيرا ما أشعر أن رقابة ما يجب أن تضع معايير محددة للنشر، لئلا تفسد ذائقة القارئ، وتنتهك اللغة العربية.

أنا الآن أقتصر في القراءة والنشر على مواقع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لأنني أحترم من فيها وما فيها، أما تلك المفتوحة على الفوضى الرقمية، حتى أن مجرد كلمات لا معنى لها أو خواطر مراهق تسمى بالشعر أو بالقصة فهي تشعرني بالخطر لأن إطلاق المسميات دون معرفة صار شيئا مألوفا خاصة مع الثقافة الرقمية المفتوحة على جميع الاحتمالات.

لو كنت وزيرة ثقافة، ما هو أول قرار تتخذينه؟

صدقني لن أصبح يوما وزيرة للثقافة أو لغيرها.

ولكن جوابا على سؤالك سأعمل على افتتاح مكتبات للقراءة في كل شارع إن أمكنني، تشرع أبوابها طوال النهار والليل لأي مواطن دون أي استثناء، وتحتوي جميع أنواع الكتب العلمية والأدبية والسياسية والدينية والثقافية، وسيكون هناك حوافز تشجيعية لكل مواطن يثبت أنه قرأ عشر ساعات في الشهر.

وأيضا سوف أعمل على إغلاق الفضائيات الغنائية الفاضحة واستبدالها بقنوات علمية وأدبية هادفة ترتقي بالذائقة بعد كم الانحدار الذي حوصرنا به.

وعلى إصدار قرار يمنع فيه الظهور بمظهر غير محترم على القنوات الفضائية وفي الإعلانات التجارية. لكن هذا كله للأسف لن يحدث.

تكثر الشكاوي حول قصور الجهات الثقافية الرسمية عن القيام بواجبها، فهل هي فعلا كذلك حسب وجهة نظرك، أم أن كتابنا يريدون الارتفاع أكثر من قاماتهم؟

اسمح لي، أنت كاتب وتعلم تماما أن القصور أصبح سمة واضحة بفجاجة، ليست هناك حتى الآن جهة رسمية تبحث عن الكتاب والشعراء، وتقدم لهم أقل ما يمكن من الاحترام، عليك كشاعر أو ككاتب أن تقدم نفسك بنفسك، إذ أنه ليس هناك من يمثلك بشكل فعلي، وبالطبع لا حقوق لك لكن عليك واجبات، فأنت منوط بالكلمة، والكلمة سلاح ماضٍ، لكنه لا يجلب لك حقا. لو كنت مطربا حتى ولو منشزا لوجدت ألف باب ومهرجان غنائي لتقديمك وتكريمك وتعريف الجمهور بك.

أما وأنت كاتب أو شاعر أو فنان تشكيلي، فالخدمة ذاتية في "فنادقنا".

معروف أن والدك كاتب وشاعر سوري، فكيف كانت علاقتك معه في الطفولة، وأين هي الآن؟ هل تناقشينه فيما يكتب، أو يناقشك فيما تكتبين؟

لي علاقة خاصة بأبي، كنت فيما مضى سكرتيرته الخاصة كما كان يقول، أطبع له المواد وأفرغ له الأشرطة أثناء عمله الصحفي في مجلة إلى "الأمام" وغيرها، وقد اعتاد على إعطائي ما يكتب وسؤالي عن رأيي فيه آنذاك. وبالطبع غالبا هو ما يكون القارئ الأول لقصصي.

يحضرني الآن موقف حدث منذ سنتين عندما كتبت قصة "أصابع جدي"، وهي قصة عن تحرش جد بحفيدته، عندما كتبتها في البداية كانت بعنوان "أصابع أبي"، وبعد قليل وقبل أن أنهيها أعدت كتابتها بصيغة مختلفة، لأن القارئ غالبا ما يخلط بين بطلة القصة وكاتبتها، خاصة عندما تكون الكاتبة أنثى، ذلك أن هناك معتقدا لدى أغلب القراء أن المرأة تكتب سيرتها الذاتية، لذا خفت على والدي من اتهام القراء له.

وعندما جاء والدي بعد انتهائي من كتابة القصة أخبرته أنني كتبت قصة سميتها "أصابع جدي" وأنها كانت قبل ذلك "أصابع أبي" لكنني غيرتها خوفا عليه من الاتهام الذي قد يطاله، فقال لي "لا تقيدي قلمك بي اكتبي ما يحلو لك."، لكنه بعد أن أكمل قراءتها، لم يعد تلك الجملة ثانية، فقد كان ذلك الاتهام الذي قد يوجه إليه بسبب قصتي أكبر من قدرته على الاحتمال كأب.

هل هناك كتاب أثروا في حياة لبنى ياسين؟

لم يمر كاتب قرأت له، منذ أول قصة أطفال طالعتها حتى اللحظة، دون أن يترك بي شيئا، ذلك الإثراء اللغوي، وتلك اللمسات الساحرة، والوصف الممتع لأمكنة لا أعرفها فإذا بي أصبح داخلها، فجأة أتمشى على أرصفة تلك المدينة، أو أغسل قدمي بماء ذلك البحر، الشخوص الذين قابلتهم على الورق بتعقيدهم أو بساطتهم على صفحات الكتب، ذلك الخيال الذي انطلق بي فجأة دون قيد، كلها أدين بها لكتاب أثروا خيالي اللفظي والصوري بالكلمات.

قصصك التي تكتبينها للقراء، هل تستمدين شخوصها من الواقع، أم من الخيال؟

تستطيع أن تقول إنها مزيج بين الاثنين، ففي كل شخص هناك جزء واقعي من شخصيته، وآخر خيالي، أنا من الأشخاص الذين يراقبون كل شيء حولهم باهتمام، أتأمل الشخصيات التي أقابلها، مفرداتها، تكوينها، وأحاول أن أقرأ دواخلها، ومن ثم أجند ما لاحظته في شخصيات أخرى قد تكون خيالية في جزء كبير منها, لكن هناك بالتأكيد جانب حقيقي منها. أو على الأقل يمكن أن يكون حقيقيا.

هل تعيش شخصيات قصصك معك دائما أم تموت مجرد الانتهاء من كتابة القصة؟

لا.. باستطاعتي تماما أن أفصل بين عالمي الورقي وعالمي الواقعي, فأنا من الأشخاص الذين يستخدمون نصفي دماغهم اليميني واليساري بطريقة متوزانة، أعني أن هناك وقتا للخيال، وآخر للواقع.

لكنها – أقصد شخصيات القصص وأحداثها - تبقى في عقلي عدة أيام بعد كتابة القصة، لذلك بعد انتهائي من كتابة أي نص، أتركه وأعود إليه بعد ساعة مثلا، ثم في اليوم التالي، عدة مرات حتى أشعر بالارتياح الكامل لما كتبت.

هل تحبين السفر، أم تفضلين قضاء وقتك في سوريا؟

أنا من أكثر الناس حبا للسفر والتنقل والتغيير في كل شيء، حاليا لست مقيمة في سوريا، ولم تمر سنة علي دون أن أسافر إلى مكان ما، أؤمن أن السفر يفتح أفقا آخر في عقل الإنسان وخياله، فأنت في كل ترحال تقابل أشخاصا مختلفين، لهم منهجية مختلفة في حياتهم وعاداتهم ومفرداتهم وتصرفاتهم، وترى أماكن مختلفة توظفها فيما بعد في الخلفيات المكانية للقصص، هذا عدا التجديد الذي يطرأ على الروح بعد كل سفر.

يقال دائما إن الكتاب يتنافرون مثل قطبي المغناطيس المتشابهين، هل هذا صحيح؟ وكيف علاقتك مع الكاتبات السوريات؟

بالنسبة لي لا أجد هذا القول صحيحا، فعلاقتي بالكاتبات السوريات وغيرهن من مختلف أرجاء الوطن العربي - الذي كان كذلك - رائعة ولا تشوبها أية شائبة، كلهن على مستوى ثقافي وأخلاقي رائع، ولم يسبق أن شعرت بشيء من الانزعاج أو الاضطراب في صداقاتي تلك.

ولم يحدث يوما أن شعرت تجاه إحداهن بشيء من اللوم أو العتب، كل من قابلت وراسلت وصادقت دون استثناء كن شخصيات إيجابية تضج بالحياة والاحترام والمودة، اختلفت آراؤنا حينا، واتفقت أحيانا أخرى، لكن كان دائما شعارنا "الخلاف لا يفسد للود قضية"، وكانت كفة الود أرجح.

هل من رسالة إلى المسؤولين في سوريا بخصوص الوضع الثقافي؟

بالتأكيد أتمنى أن تفعّل الساحة الثقافية في سوريا، وتصبح أكثر نشاطا بعيدا عن الشللية والمحسوبيات، وأن يُعمل بسياسة تشجيع وإظهار الأسماء الجديدة، مع احترام الأسماء الراسخة، فهناك مواهب مختبئة لأنها لا تجد من يبحث عنها، ومن المؤسف أن تندثر.

لبنى ياسين ماذا تتمنى في هذه اللحظة؟

بصدق أتمنى أن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي والأميركي لأوطاننا، وأن تنتهي الفتنة بين عربي وآخر سواء كانت فتنة مذهبية أو إقليمية، وأن يعم السلام والرخاء ربوعنا العربية وتعود شخصية المواطن العربي شخصية إيجابية تثق بنفسها وتؤمن بقدراتها.

أتمنى أن أفتح شاشة التلفزة وأسمع أخبارا مبهجة عن الوطن العربي والعالم الإسلامي، تجعلني أبكي فرحا بعد أن بكيت ألما لوقت طويل، وألا أجد ما يقززني صوتا وصورة على الفضائيات الغنائية التي انتشرت كما الخبز والملح.

أما على الصعيد الشخصي، فأتمنى أن أنال يوما ما شهرة عالمية في مجال القصة، وأن أقود طائرة ولو لمرة واحدة.


عادل سالم


ء مع لبنى ياسين