كزينوفانيس

أولا يلزم التنويه ان اكزينوفان الايلى مؤسس المدرسة الايلية يختلف عن اكسينوفان الاثينى السقراطى تلميذ سقراط المولود 430 ق.م والذي له كتابات وصلتنا.

زينوفانيس من كولوفون (570 قبل الميلاد إلى 480 قبل الميلاد) فيلسوف يوناني، شاعر، وناقد اجتماعي وديني. معرفتنا بوجهاتِ نظره تقتصر على شعرِه الباقي والذي يتضمن هجاء ونقدا لمجموعة واسعة من الأفكار الإغريقية مثل الاعتقاد بالبانثيون. بالنسبة للقليل الذي وصلنا عن فلاسفة اليونان في عصر ما قبل سقراط يعتبر أول من صرح بعقيدته في الألوهية دون غموض أو ترميز حيث يعتبره الكثير من أساتذة الفلسفة أنه ممهد لعلم اللاهوت فضلا عن أنه أول من نادى بالتوحيد الصريح من فلاسفة اليونان رغم ان سبقه فلاسفة بالإشارة إلى ذلك مثل فيثاغورس.. كذلك يذهب أغلب مؤرخى الفلسفة إلى انه ممهد التفكير الميتافيزيقى والنظر إلى ما وراء المادة المحسوسة وترك القول بالعناصر الطبيعة كمبدأ أول للكون على عكس سابقيه طاليس وانيكسماندر وانيكسيمانس وهيراقليطوس وتلامذتهم. وإن كان المشاهد ان كلتا المدرستين الايونية الطبيعية والايولية الميتافيزقية لم يخلو أحد فيهم من التداخل في موضوعات المدرسة الأخرى. بالنسبة لارائه الفيزيائية : ينقل عنه أنه بحث في الحفريات ووجد قواقع في قشرة الأرض وحفريات لأسماك في الصخور وأستخلص من ذلك ان الماء سابق وجوده على اليابسة وان الأرض ظهرت من البحر وتوقع ان تعود مغمورة بالمياه ثانية وتنتهى الحياة على اليابسة ثم تتكرر الدورة وتبرز اليابسة من البحر ثانية وتعود الحياة فيها كما سبق... ولو تأملنا هذا القول نجده مقاربا لقول انكسيماندر في ظهور الحياة من المياه وأول من قال بالتطور. كذلك ارتأى ان الشمس والنجوم عبارة عن بخار ماء مشتعل والشمس تسير في خط مستقيم وتختفى بنهاية اليوم والشمس القادمة في اليوم التالى هي شمس أخرى من بخارماء حديث التكوين.

بالنسبة لفلسفته الإلهية : فبداية أعلن ثورته على المعتقدات اللاهوتية عند اليونان وآلهة الاولمب ورفض تعدد الالهة وتجسيمها وتأنيسها وانتقد اشعار هوميروس وكتابات هزيود التي ساهمت بشدة في ترسيخ تلك المعتقدات ورفض ما كان ينسب للالهة من صفات وأفعال مثل الغيرة والتصارع مع بعضهم وومع البشر والكره والشهوة والتحايل والتآمر والتزاوج والتناسل ورأى ان هذا يتنافى مع الكمال الإلهى وما هو إلا نتاج الخيال البشرى وأن الإله الحقيقى هو إله واحد غير متعدد ولا يجوز تطبيق صفات المخلوقات عليه وأضاف بجانب التنزيه الكمال في الفكر والسمع والبصر. و ها هي عباراته الشهيرة التي تلخص اعتقاده اللاهوتى حيث قال : (( ان الناس هم من استحدثوا الآلهة وأضافوا إليهم عواطفهم وأصواتهم وهيئتهم، فالأحباش يصورون آلهتهم سود فطس الأنوف واهل تراقية يصورون آلهتهم حمر الشعور زرق العيون ولو استطاعت الثيرة والخيل لصورت آلهة على هيئتهم، وقد وصف هوميروس وهزيود الآلهة بما هو موضع تحقير وملامة، إلا إنه لا يوجد إلا إله واحد أرفع الموجودات السماوية والأرضية ليس مركبا على هيئتنا ولا مفكرا مثل تفكيرنا ولا متغيرا بل هو ثابت كله بصر وكله فكر وكله سمع يحكم ويحرك الكل بقوة فكره ودون عناء )) نقل عنه أيضا استنكاره لفكرة التناسخ عند فيثاغورس وانه سخر منها وقال (( انه مر يوما برجل يضرب كلبا فصرخ فيه توقف أنه صديقى عرفته من صوته )) كذلك استنكر ما عليه المجتمع اليونانى من المبالغة في تقدير المصارعين والملاكمين حتى وصل الأمر إلى تأليه بعضهم مثل ثياجينس الذي أطلقوا عليه بن ابوللون والملاكم دياجوراس Diagoras وكان الشعراء ينهالون عليهم بالابيات ونسج الأساطير حولهم لذلك قال اكزينوفانيس في ذلك (( حكمتنا خير وأبقى من قوة الرجال والخيل )).

فلسفته

اعتاد المؤرخون أن يبدأوا المدرسة الإيلية بفيلسوف لا يمكر أن يعد فيلسوفاًإيلياًخالصاً ، وكل ما يمكن أن نعده هوأنه فيلسوف انتقال بين المدرسة الأيونية والمدرسة الإيلية ؛ هذا الفيلوف هواكسينوفان.

والمصادر التي نحدثنا عن فلسفة اكسينوفان مصدران ، وكلا المصدرين مختلف عن الآخر , فالمصدر الأول يصور لنا كسينوفان فيلسوفاً دينياً فحسب ، بينما يصوره المصدر الثافي فيلسوفاً طبيعياً إلى جانب كونه فيلسوف دين . فمن الناحية الأولى عد اكسينوفان - والكتاب الأقدمون متفقون أجمعين في هذا الصدد - نقول إنه عد أول من حارب الشرك والتصورات اليونانية السابقة للألهة أو للإله ، فقام يؤكد قدم الله يدلاً من حدوثه، وثباته بدلامن تغيره ، وتنزهه بدلا من تشبيهه ، ويمنع أن تكون صفاته صفات محدودة سواء من الناحية الطبيعية ومن الناحية الاخلاقية . فهويقول أولاً إن الته قديم ، لأن كل ما هو حادث فهوفان ، بينما صفة الفناء لا تناسب الته ، ولذا فالله قديم . ويقول ثانياً إن الس لا يتغير، بل هوثابت ، لان كل تغيرهوتغيرإلى اسوأ ؛ وهذا يتنافى مع مقام الألوهية . ويقول ثالثاً إن الناس قد اساءوا إلى الله ، فصوره كل بحسب حاله ، فالزنج يجعلون الألهة سود الشعور فط الأنوف ، بينما التراقيون يجعلون الآلهة زرق العيون ذهبي الشعور . ولو استطاعت الخيل أو البقر ان تصور الته لصورته في صورة الخيل والبقر . وعلى هذا ، فإن الناس قد صورت الآلهة بصورة لإنسان . ولمتكتفبهذل ، ل أضافت أيضاً إلى الآلهة الأفعال الانسانية الدنيئة ، خصوصا عند هوميروس وهزيود . والواقع أن هذا كله يتنافى أشد التنافي مع التنزيه الواجب لله لأن الله منزه كل التنزيه عن أن يتصف بصفات البشر، فلكي نحتفظ للألوهية بقداستها لا بد أن ننزهها عن صفات الإنسان ، ولما كان الله هوالكمال فإن الله أيضاً واحد ٠ وإكسينوفان يشرح هذا الرأي فيقول : إن الآلهة لا يمكن أن يتفق مع مقامها ان تكون خاضعة لشىء . كما أن الآلهة من ناحية أخرى ليست في حاجة إلى ان تتخذ خدماً وأتباعاً ، ولهذا فليس هناك إله اكبر تحته الهة أو بجواره آلهة بل لا بد من وجود إله واحد .

حقاً إن لكسينوفان في الشذرات التى بقيت لنا من قصيدته المشهورة « في الطبيعة » يتحدث عن اللم احياناً في صيغة الجمع ، لكن الواقع أنه حين يتحدث عن الآلهة في صيغة الجمع إنا يفعل ذلك حين يعبر في صورة شعرية ، وحين يعرض اراء الآخرين من أجل تفنيدها ، اي ان الاستعمال الغوي وحده هو الذي جعله يتحدث عن الآلهة في صيغة الجمع . ومن هنا فمن الراجح نماماً ان إكسينوفان كان موحدا .

لكن على أي نحويجب أن نفهم هذا التوحيد ؟ أنفهمه على طريقة المؤلهين ، ام على طريقة القائلين بوحدة الوجود ؟ هنا يختلف المؤرخون أشد الاختلاف ، ولكن خلاصة الرأي أن إكسينوفان كان يقول بوحدة الوجود ولم يكن يقول بالتأليه بالمعفى المفهوم لأنه جمع بين الطبيعة وبين الله ، وتحدث عن الله بوصفه الطبيعة ، وعن الطبيعة بوصفها الله .

تأقي بعد هذا مسألة الوجود ، وهل تصوره إكسينوفان واحداً اوكثيراً . فنجد أولاً ان أفلاطون يقول عن إكسينوفان إنه قال إن الكل واحد ونرى أرسطويقول إن إكسينوفان كان أول من قال بثبات الوجود ووحدته ، وردد هذه الأقوال - بما ا يدع مجالا لكشك - ثاوفرسطس ثم نيمون والعبارة الفي تنسب إلى إكسينوفان في هذا الصدد هي أنه قال إن الإله يظل دائما كما هو، ولما كان الله والطبيعة شيئاً واحداً ، فالوجودايضاًعلى هذا لاساس يظل شيئاً واحداً . فعلى أي نحونستطيع ان نفهم هذه العبارة ؟ يجب أن يقال أولا إن إكسينوفان كان يفرق بين الوجود بوصفه كلا وبين الأجزاء لمختلفة في الوجود . أما من ناحية الوجود بوصفه كلا ، فقد قال إكسينوفان عنه إنه واحد ، بمعنى أن صفاته لا تتغير. وهذا طبيعى إذا ما تذكرنا الصفات التي نسبها إلى الت ، حينما جعل التم ثابتاً قدياً لا يطرأ عليه التغيرولا الحدوث . وعلى هذا فالوجود ، بحسبانه كلا ، ثابت في نظر إكينوفان . لكن هذا لا يمنع من أن إكسينوفان لم ينكر التغير ولم ينكر الظواهر , فإن حديث إكسينوفان عن التغيرات وعن نشأة الكون من الطين ثم تحوله إلى الأرض وتحول الأرض في المستقبل إلى طين من جديد ، كل هذا يجعلنا نؤكد أن إكسينوفان لم ينكر التغيركما سيفعل رجال المدرسة الإيلية ، فهو إذا يقول بالتغير فيما يتصل بالحوادث الجزئية ، وهنا موضع التفرقة بين إكسينوفان وبين المدرسة الإيلية بوجه عام .

فإذا ما انتقلنا من نظريتم في العالم والله إلى نظرياته الطبيعية ، وجدنا الروايات تتضارب حول هذه المسألة تضاربا شديداً ، فبعضهم يقول إن إكينوفان قد نظر إلى التراب على أنه العنصر الأول ، وبعضهم أضاف إلى الز|بالماء. والواقعأن إكينوفان في الشذرات التي بقيت لنا من سيرته يتحدث عن التراب فحسب ، ولكن البعض ينسب إلى إكينوفان أنه قال بنظرية العناصر الأربعة ، وهي رواية تعد من أكثر الروايات تهافتاً وأقريها إلى عدم الصحة . ويلاحظ بوجه عام ، أن إكسينوفان قد اكتثف عن طريق مشاهداته الطبيعية حينما رأى بعض الحيوانات المائية تتجمد وتصير صخراً بأن تصبح حفريات ، أن الماء يتحول إلى تراب ، وأن مصدر التحول الأول هو الماء ثم التراب معا .

اما تصوره للكون فالرأي مختلف أيضاً فيما إذا كان هذا الكون محدوداً أو لا محدوداً ، فبعضهم يذكر عنه أنه تصور الكون على أنه كرة ، وتبعاً لهذا كان يقول بأن الكون محدود والبعض الآخر من هذه الروايات تجعله يقول إن الكون لا محدود ، وبذا يعده أصحاب هذه الروايات تلميذا لأنكسمندريس خاصة . وقد ذكر ثاوفرسطس صراحة ان إكسينوفان كان تلميذا لأنكسمندريس.- فإذا نظرنا الآن نظرة إجمالية إلى مذهب إكينوفان وجدنا أنه بدأ أولاً تلميذاً لانكسمندريس بأن كان فيلسوفاً طيعياً ثم أصبح من بعد فيلسوف دين أو صاحب مذهب ميتافيزيقي لاهوقي، فلم تكن الطبيعيات بالنسبة إليه غيرمقدمة للالهيات . ولكن بعضا من المؤرخين المحدثين مثل ربنهرت يصف إكسينوفان بأنه كان شاعراً فحسب ، وينسب إليه البعض أيضاً أنه بحث بحوثاً ميتافيزيقية جدلية وأنه كان المصدر الأول للجدل الذي ظهر فيما بعد في المدرسة الإيلية . وأصحاب هذا الرأي هم هؤلاء الذين يريدون ان يربطو ربطاً قوياً بين إكسينوفان والمدرسة الإيلية على حين يريد أولئك الذين يعدونه شاعراً فحسب أن يفصلوا فصلا تاماً بينه وبين المدرسة الإيلية . وقد نسب إلى إكسينوفان أنه كان شاباً ساخراً ، ولكن هذا ليس يثابت تماماً . وهي فكرة صادرة عن هؤلاء الذين نظروا إليه على أنه شاعرفحسب، وليس فيلوف دين .

وإذا نظرنا إلى إكينوفان من ناحية الوجود الفيناه أولاً ينسب إلى الته الصفات التي سينسبها الإيليون من بعد إلى الوجود . لكنه لا ينظر إلى الوجود تلك النظرة التى نظر بها هؤلاء إلى الوجود، وإنما مجعل في الوجود تغيراً ولم يكن بعد قد ادرك المشكلة الكبيرة التي تكمن في كون الوجود ككل هوغير متغير ، بينما الوجود كأجزاء متغير . أما الذي أدرك هذه المشكلة لأول مرة فهوزعيم المدرسة الايلية الحقيقي ، ونعني به برمنيدس . ويلاحظ فيما يتصل بتكوي فلسفة إكسينوفان أنه كان متأثراً فيما يتعلق بالمسائل الطبيعية بأنكسمندريس لأن أنكسمندري قد قال اولاً بفكرة اللامتناهى وهذه الفكرة هى ايضاً تلك التى قال بها إكسينوفان ، لكن أنكسمندريس كان فيلسوفاً طبيعياً ولم برتفع إلى مرتبة فيلسوف ادين، بينما إكسينوفان قد اضاف شيئاً جديداً إلى فلسفة إنكمندريس ، هو الناحية الدينية.