كارل جانسكي
كارل جوث جانسكي (بالإنجليزية: Karl Guthe Jansky) (22 أكتوبر 1905 -14 فبراير 1950) فيزيائي ومهندس راديو أمريكي، اكتشف في أغسطس عام 1931 لأول مرة موجات الراديو الصادرة عن درب التبانة. يعتبر أحد الشخصيات المؤسسة لعلم الفلك الراديوي.
علم الفلك الراديوي
في مختبرات بيل للاتصالات، بنى جانسكي هوائيًا مصممًا لاستقبال موجات الراديو بتردد 20.5 ميغاهرتز (الطول الموجي نحو 14.6 متر). ثُبِت على قرص دوار يسمح له بالدوران في أي اتجاه، ما أكسبه اسم «دوارة جانسكي». بلغ قطره نحو 100 قدم وطوله 20 قدمًا. من خلال تدوير الهوائي على مجموعة من أربعة إطارات من فورد موديل تي، يمكن تحديد اتجاه الإشارة الواردة بدقة. إلى جانب الهوائي سقيفة صغيرة تحتوي على نظام تسجيل تناظري غير رقمي.
بعد تسجيل الإشارات من جميع الاتجاهات لعدة أشهر، صنفها جانسكي في النهاية إلى ثلاثة أنواع من الكهرباء الساكنة: العواصف الرعدية القريبة، والعواصف الرعدية البعيدة، وهسهسة منتظمة خافتة من أصل غير معروف. أمضى أكثر من عام في البحث عن مصدر النوع الثالث من الكهرباء الساكنة. ارتفع موقع الكثافة القصوى وانخفض مرة واحدة في اليوم، ما دفع جانسكي في البداية إلى الظن بأنه كان يكتشف إشعاعًا من الشمس.
بعد بضعة أشهر من متابعة الإشارة، انتقلت النقطة الأكثر سطوعًا بعيدًا عن موضع الشمس. حدد جانسكي أيضًا أن الإشارة تتكرر على مدار 23 ساعة و 56 دقيقة، وهي فترة دوران الأرض بالنسبة إلى النجوم (اليوم الفلكي)، بدلًا من النسبة إلى الشمس (اليوم الشمسي). من خلال مقارنة ملاحظاته بالخرائط الفلكية البصرية، خلص جانسكي إلى أن الإشعاع أتى من درب التبانة وكان أقوى في اتجاه مركز المجرة، في كوكبة القوس.
نُشِر اكتشافه على نطاق واسع، وظهر في نيويورك تايمز في 5 مايو عام 1933. في عام 1933 نشر ورقة بعنوان «يبدو أن أصل الاضطرابات الكهربائية من خارج الأرض». أراد جانسكي إجراء مزيد من البحث في موجات راديو درب التبانة بعد عام 1935 (أطلق على الإشعاع «ضوضاء النجوم»)، لكنه لم يجد سوى القليل من الدعم إما من علماء الفلك، الذين كانوا أجانب تمامًا، أو من مختبرات بيل، والتي لم تستطع تبرير تكلفة البحث عن ظاهرة لم تؤثر بشكل كبير على أنظمة الاتصالات عبر الأطلسي.
إسهامات كارل جانسكاي في مجال الاتصالات اللاسلكية
ساهمت الصدفة مساهمة كبرى في مظاهر التقدم الأساسية التي حدثت في العلوم الخاصة بالقرن العشرين، وخاصة في مجال الفلك. ففي عام ١٩٣٢، كان كارل جانسكاي يعمل كمهندس في شركة تليفون في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان جهاز اللاسلكي الخاص بهذه الشركة يربط بين بلاد كثيرة عبر المحيطين الأطلنطي والهادىء حاملاً رسائل التلغراف والمكالمات التليفونية. ولكن كلتا الوسيلتين كانتا مصابتين بالتشويش الذي أحاط بقدر كبير من أجزاء الشركة، لتصبح الرسائل نتيجة لذلك غير مفهومة، كما كانت هناك صعوبة كبيرة في فهم المكالمات التليفونية بسبب ذلك التشويش. ولذلك، تم تكليف العالم جانسكاي بمهمة تحسين الإشارات اللاسلكية الخاصة بالشركة.
قام العالم جانسكاي ببناء هوائي ضخم لاستقبال الإشارات اللاسلكية، فوق رصيف دائري في إحدى محطات ولاية نيو جيرسي. وصمم ذلك الجهاز بطريقة تسمح بدورانه في جميع الاتجاهات حتى يتسنى له تجميع مصدر تلك التدخلات المسببة للتشويش. فمن المصادر الواضحة لهذا التشويش، العواصف الرعدية وأجهزة الإرسال الأخرى والأجهزة الكهربائية المزعجة في المصانع وكذلك الطائرات. وبالرغم من ذلك، كانت هناك إشارات ضعيفة باقية، بدت وكأنها تأتي من العدم.
خلال فترات معينة من اليوم، كانت هذه الإشارات مجهولة المصدر تزداد قوتها بين الحين والآخر. فاعتقد جانسكاي أن هذه الإشارات مصدرها الشمس. ولكن لم يؤثر كسوف الشمس على تلك الإشارات. وعلى أية حال، فقد بدا أن مصدر هذه الإشارات يظهر في الأفق كل يوم مبكرا عن اليوم السابق بمعدل أربع دقائق. ولذلك، تسبق هذه الإشارات الشمس بمقدار ساعتين في الشهر. لقد دل ذلك على أن هناك شيئا ما بين النجوم يتسبب في حدوث هذه المشكلة. وبعد ذلك بقليل، وجد العالم جانسكاي أن التشويش يزداد قوة، ييييخينييررحي عندم تكون مجرة درب التبانة بنجومها العديدة عند أعلى نقطة لها، خاصة عند موضع الجزء السميك والعريض في مجموعة نجوم برج القوس. لقد كان ذلك دليلا آخر على أن الأجرام السماوية لا ينبعث منها ضوء فقط، وإنما ينبعث منها أيضا موجات لاسلكية.
اتضح بعدها أن ذلك الأمر لم يمثل أية أهمية تذكر بالنسبة للشركة التي كان يعمل بها جانسكاي. ويرجع ذلك إلى صعوبة اتخاذ أي إجراءات ضد هذا التشويش القادم من الفضاء. كما أغلقت الشركة باب مناقشة ذلك الموضوع، وتم تكليف جانسكاي بمهام أخرى. وبعد قيام العالم جانسكاي بنشر نتائجه التي توصل إليها في الصحف العلمية، تصدرت أفكاره الصفحات الأولى لصحيفة نيويورك تايمز في عام ١٩٣٣، فاضطر ذلك العالم إلى التخلي عن الاقتراحات التي مفادها أن الأجرام السماوية الواقعة خارج نطاق الأرض هي التي كات تبعث بتلك الرسائل.
أبدى علماء الفلك القليل من الاهتمام بذلك الأمر، كما أنهم رفضو ذلك الاقتراح الذي مفاده أن الموجات اللاسلكية قد تكون قادمة من مجرة درب التبانة. ولكن ما سبب حدوث هذه الموجات؟ لم تتم متابعة هذا الموضوع بعد ذلك إلا على يد خبير الأشعة اللاسلكية جروت ريبر الذي أنشأ أول تليسكوب خاص به في حديقة منزله لرصد الموجات اللاسلكية ورسم الخرائط الأولى عن قوة الضجيج الذي تحدثه هذه الموجات عبر السماء في حوالي عام ١٩٣٧ . ولكن، تجاهل مجتمع العلوم الفلكية ذلك الأمر للمرة الثانية. إلا أن الاكتشافات التي تم التوصل إليها في أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية تسببت في تغيير ذلك الموقف إلى نقيضه تماما (نظرية الانفجار الكوني العظيم ٠ ١٩٥). قام شخصان آخران في الشركة نفسها التي كان يعمل فيها جانسكاي في عام ١٩٦٥ بتتبع مساره بصدد هذا الاكتشاف، وتوصلا إلى أن الموجات اللاسلكية تأتي من منطقة أبعد بكثير من مجرة درب التبانة.
المتابعة
اهتم العديد من العلماء باكتشاف جانسكي، ولكن علم الفلك الراديوي ظل مجالًا خاملًا لعدة سنوات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى افتقار جانسكي إلى التدريب الرسمي كعالم فلكي. جاء اكتشافه في خضم الكساد الكبير، وحذرت المراصد من اتخاذ أي مشاريع جديدة ومحفوفة بالمخاطر.قالب:Or
كان للرجلين اللذين تعلما من اكتشاف جانسكي عام 1933 تأثير كبير على التطور اللاحق للدراسة الجديدة لعلم الفلك الراديوي: أحدهما كان غروت ريبر، وهو مهندس راديو بنى مقرابًا راديويًا بمفرده في فنائه الخلفي في إلينوي عام 1937 ووضع أول مسح منهجي للموجات الراديوية الفلكية. والثاني جون دي. كراوس، الذي بدأ بمقراب راديوي في جامعة ولاية أوهايو، بعد الحرب العالمية الثانية، وكتب كتابًا دراسيًا عن علم الفلك الراديوي، والذي اعتبره علماء الفلك الراديوي معيارًا لفترة طويلة.
الإرث والتكريم
تستعمل وحدة الدفق أو جانسكي (رمزها Jy) لقياس كثافة الدفق الطيفية