قطران الفحم

قطران الفحم أو الفحم القاري أو قار الفحم هو سائل لزج سميك بني أو أسود عالي الكثافة له رائحة تشبه رائحة النفثالين. وينتج قطران الفحم كناتج ثانوي من عملية التكويك (تصنيع فحم الكوك أو الحصول على فحم الكوك من الفحم الحجري)، وغاز فرن الكوك الناتج من الفحم القاري.

يتم استبقاء قطران الفحم بالتكثيف التجزيئي (أي التحويل إلى سائل) للأبخرة الساخنة من فرن يعمل بفحم الكوك أو من منتج غاز الفحم. ومع استمرار تكثيف الأبخرة، تُنْتج زيوت خفيفة مثل البنزين وسائل التولوين. يستخدم البنزين مذيباً في إنتاج العطور وبعض أنواع البترول، ويستخدم سائل التولوين في تصنيع الأصباغ والدهانات والمتفجرات والمطهرات.

يتكون هذا القطران من مزيج من الفينولات العالية الوزن الجزيئي ومن الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات ومن المركبات الحلقية غير المتجانسة.

ومن المنتجات الأخرى لقطران الفحم حموض القطران مثل حمض الكربوليك، وقواعد القطران مثل الأنيلين. يستخدم حمض الكربوليك والأنيلين في صناعة الأصباغ. ومن المنتجات السائلة الثقيلة لقطران الفحم الكريوزوت والقار. يعمل الكريوزوت على حفظ الخشب، كما يستخدم القار في تصنيع مواد التسقيف والدهان. وتتم صناعة العطور والأصباغ والعقاقير من منتجات قطران الفحم. وكان للسير وليم هـ. بيركن، وهو كيميائي إنجليزي، فَضْلُ ارتياد مجال كيمياء قطران الفحم بتصنيعه اللون البنفسجي الزاهي، وهو أول صبغة مركبة صناعيا. ويزداد دور البتروكيميائيات، وهي مواد كيميائية مصنوعة من النفط، في تكملة مشتقات قطران الفحم لاستخدامها في الصناعة.

الاستخدامات

لقد استخرجه القدماء واستخدم للطلاء أو لدهن الحيوانات التي تعاني من بعض الحشرات أو الحساسية المفرطة أو الجرب. وفي طلي الأواني.

عجائب قطران الفحم

لا يبدو قطران الفحم شيئا سارا؛ فهو عبارة عن كتلة زيتية غليظة سوداء ذات رائحة كريهة، يخلفها الفحم عند تسخينه بشدة (باستخدام أسلوب التقطير السيئ) في وعاء مغلق لتحضير فحم الكوك (لصهر خام الحديد) وتحضير غاز الفحم (للإضاءة والتسخين). سرعان ما ظن علماء الكيمياء بعد ذلك أن قطران الفحم ليس مجرد مادة واحدة، ولكنه مزيج من المكونات، من الممكن أن يكون بعضها ناتجا عن تقطير بسيط جيد. وإذا تم التسخين بدقة وبدرجة حرارة مناسبة، فإنه من الممكن أن تنطلق المركبات المختلفة وقد تم تكثيفها واحداً تلو الآخر.

جدير بالذكر أنه قد تم اكتشاف المركبين الأنيلين وشبيهه الفينول من قبل ذلك. تمكن الألماني فريدليب رونج من اكتشاف هذين المركبين في عام ١٨٣٤ سمي مركب الفينول فيما بعد "بحامض الفينيك" وتم تقييمه وفقا لقدرته على قتل الكائنات الحية المجهرية الدقيقة التي من الممكن أن تتسبب في انتشار الأمراض. لقد كان لمركب الفينول دور رئيسي في نشأة التطهير في الجراحة.

للتعرف على كيفية تكون مركب الأنيلين الزيتي عديم اللون، اعتقد الكيميائيون البريطانيون أنه من الممكن أن يشبه الكينين، وهو المضاد الوحيد المعروف ضد مرض الملاريا، ذلك المرض الذي كان حينئذ يمثل كارثة على الإمبراطورية البريطانية. وفي عام ١٨٤٥ ، تم استدعاء الكيميائي الألماني الرائد ولهلم هوفمان ليدير مدرسة الكيمياء الملكية التي تم تأسيسها حديثا آنذاك بلندن؛ حيث تمثلت مهمته الرئيسية في تحويل مركب الأنيلين إلى الكينين.

في عام ١٨٥٦، قام وليم بيركن، وكان لا يزال يعمل كمساعد داخل أحد المعامل في بداية حياته، بعمل تفاعل لمركب الأنيلين مع ثاني كرومات البوتاسيوم ثم غمر الناتج في الكحول. ولكنه لم يجد الكينين، بل وجد صبغة أرجوانية جميلة، سميت بالموفيين أو بالصبغة البنفسجية الخاصة ببيركن. وكانت هذه هي أول صبغة صناعية ملونة وكانت مصدر ثروة بيركن الشخصية. فقد ترك بيركن الكلية وأنشأ مشروعا لصناعة الصبغة بأموال والده. وأصبح اللون البنفسجي لونا أنيق ورائجا بشكل قوي بين ملابس النساء. وازدهر بيركن اقتصاديا، كما استفاد علم الأحياء أيضا من ذلك. فقد كان اللون البنفسجي مفيداً جداً في تلوين وصبغ العينات النباتية والحيوانية لكي يكشف عن التفاصيل المختفية داخلها.

نشأت صناعة الأصباغ الصناعية أو الأصباغ المصنوعة من قطران الفحم في ذلك الوقت، وتطورت سريعا، خاصة في ألمانيا بمجرد عودة هوفمان إلى وطنه. وتم تطوير أصباغ صناعية بألوان أخرى كثيرة، بالإضافة إلى العقاقير والمنتجات المفيدة الأخرى المصنوعة من قطران الفحم، وكان هذا مصدر قوة ألمانيا الاقتصادية والصناعية في القرن العشرين. ولكن، سرعان ما ظهرت عيوب ذلك، حيث إن كثيراً من المركبات المقطرة من قطران الفحم أثبتت أنها تسبب الإصابة بالسرطان.