فليستيه دي لامنيه
فليستيه دي لامنيه، (بالفرنسية: Félicité Robert de Lamennais)، (عاش 19 يونيو، 1782-27 فبراير، 1854)، هو أديب وباحث ومفكر وقسيس وفيلسوف فرنسي. أحدث ثورة في الفكر الأدبي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وترك أثراً كبيراً لدى معاصريه من كبار الأدباء أمثال؛ الفيكونت دوشاتوبريان، وفيكتور هوغو الذي قال فيه: «أول مرة تُعزّز النفحة الربانية في فرنسا، فقد أسهم لامنيه بقوة في تحريك المشاعر الدينية ووجّه ذوق العصر نحو فكرة الأبدية».
سيرته
ولد لامنيه في سان مالو شمال غربي فرنسا عام 1782، وبدأ طريقه بعيداً عن مهنة والده التاجر، فقد درس الرياضيات في معهد سان مالو 1804- 1805، ثم تفرغ لعلم اللاهوت وحصل على أولى درجات الكهنوتية عام 1809، ثم أصبح قساً عام 1816 وصُنِّف في البداية بين المدافعين عن الكاثوليكية وأنصار التيار الديني الاجتماعي. إلا أنه كان يطمح إلى ديانة قريبة من الإنجيل لا تعرف تواطؤ السلطتين الروحانية والدنيوية وبعيداً عن الشعور الديني الآلي الذي يؤدي إلى الفتور.[١]
أحدث كتـاب لامنيه «بحث حول اللامبالاة في شؤون الدين» (1817- 1823) هزة في الأوساط الأدبية؛ إذ دعا إلى صحوة الفكر من خمول بعد أن غفا، نتيجة الإلحاد الذي أوصلته إليه فلسفة القرن الثامن عشر. وكان دافعه في ذلك السعي إلى الحرية الحقيقية فقد أراد كنيسة حرة في دولة حرة، لذا انضم بعد ثورة يوليو 1830 بحماس كبير إلى الفكر الحر وألصق بصحيفة «لافنير» التي كان يديرها كلمتي «الإله والحرية»، وبدأ يدافع عن الحرية بكل أنواعها السياسية والدينية والتعليمية والإعلامية وحرية الشعوب المقهورة وسيادتها مستقطباً اهتمام الأدباء من معاصريه.[١]
وقد طرح في كتابه «كلمات مؤمن»،(1834)عقيدة متحررة لم يجرؤ على طرحها أحد قبله. فقد حمل رسالة محبة وعدالة تنبئ بمستقبل أفضل وقدّم صورة رمزية عن بؤس الإنسان الذي يعيش حياة المنفى على الأرض وفي أعماقه حنين إلى وطنه السماوي قائلاً: «عندما يسود الكذب على الأرض يزداد العنف وتكثر الجرائم وتنتشر الأمراض. والناس سواسية خُلقوا لعبادة إله واح ومن يقول بخلاف ذلك يجدّف على الله». لم يبحث لامنيه عن انشقاق، إلا أن ابتعاده عن الأرثوذكسية فرض قطيعته مع الكنيسة وإدانته، فذاق مرارة العزلة والنفي من دون أن يتراجع عن موقفه، وانضم إلى حزب الجمهوريين ونشر عام 1837 «كتاب الشعب» كما نشر «الاستعباد الحديث» (1839)، ودخل السجن عام 1841 وبقي فيه عاماً بسبب مقالة حول الوطن والحكومة؛ مما أكسبته شعبية الجمعية الوطنية وعضويتها عام 1848. لم يتأثر لامنيه بالأحكام المسبقة والرأي السائد في عصره إزاء الشرق والإسلام، إذ أثار هذان الموضوعان اهتمام الأدباء المعاصرين على الصعيدين الأدبي (سحر الشرق وتحليق المخيلة في عالم ألف ليلة وليلة)، والديني (إحياء التعصب وذكرى الحروب الصليبية). فقد أدلى لامنيه برأي مغاير في كتابه «بحث حول اللامبالاة» إذ قال: «أنا لا أقول إن هذه الأرض القديمة بتاريخها والتي سَمع الإنسان فيها صوت الإله أول مرة وتلقّى شرائعه خالية من الأخطاء ولكن وسط الخرافات التي ولّدتها الأهواء البشرية وأسهم في تنميتها تعجرف العقل، تمّ الحفاظ على الحقائق الأولية بصورة أفضل مما عليه خارج هذه الأرض، فإلى الشرق ذهب كبار عباقرة اليونان مثل فيثاغورس وأفلاطون لتأمل هذه الحقائق والإقرار بها». ودفاعاً عن هذه الحقيقة الأولية أضاف: «إن التحول من المحمدية إلى المسيحية أو من المسيحية إلى المحمدية ليس سوى التخلي عن المظهر الخارجي للدين واتخاذ مظهر آخر». ولم يخف إعجابه عندما قال: «هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها عن فضائل محمد الكبرى». ولكن لم تثر شخصية الرسول محمد ﷺ فضوله إلا بقدر ما قاله عن الله فقد أراد فهم «كلام الله الذي أورده نبي العرب في القرآن الكريم».[١]
وعندما اعتزل لامنيه العالم بدأ تعلم اللغة العربية وقرأ ترجمة القرآن الكريم لجورج سيل الصادرة في لندن عام 1764. وتوقف عند سورة البقرة مستشهداً بالآية 87 في كتابه: قالب:قرآن مصور. استاء لامنيه من النزاعات حول مسائل ما وراء الطبيعة التي تشوش الفكر وتجعل من الدين قضية فردية، وأراد الأخذ بدعوة جان جاك روسو إلى التسامح الديني وحرية الإيمان واحترام العبادات الأخرى، وبقوله إن الديانات كلها جيدة وليبق كل واحدٍ على دينه. لكن لامنيه رأى أن التعصب المتشدد يستبعد ويلغي بالضرورة كل الديانات الأخرى. آمن لامنيه بحقيقتين: وجود الإله وقوة الطبيعة، وطالب عصره بتحكيم العقل والإمعان في التفكير، فكل علاقة مع الإله الأبدي برأيه إيجابية. كان يأمل أن يفتح آفاقاً جديدة تقرّب بين المؤمنين بعد تباعدهم في عصور طويلة، وقد عبّر أسلوبه عن نقاء خلقه وصفاء طبيعته.
لامنيه
مفكر كاثوليكي فرنسي، وكاتب ديفي حارالأسلوب.
ولد في سان مالو ( في اقليم بريتاني شمالي فرنسا ) في ١٩ يونيو سنة ١٧٨٢، وتوفي بباريس في ٧ فبراير سنة ٠١٨٥٤
وكان لاضطراب الحياة العامة في شبابه- فترة الثورة الفرنسية وعصر نابليون - ما زاد من حدة مزاجه المشبوب
٣٥٥ لامنيه
بطبعه . وكان أخوه الأكبر، جان Jean ، ذا نزعة دينية حادة . فأفكر كلاهما في إحياء الكاثوليكية كوسيلة لتجديد المجتمع . فبعد أن اعاد نابليون الكنيسة الكاثوليكية - وكانت الثورة الفرنسية قد دمرتها - قام الاخوان بوضع برنامج ضخم للاصلاح الديني والاجتماعي ، عرضاه في كتاب بعنوان : < تأملات في حال الكنيسة في فرنسا خلال القرن الثامن عشر، وفي وضعها الحالي» . وفي اوج الصراع بين نابليون والبابوية حول سلطة البابا في تعيين كبار رجال ادين في فرنسا ، أصدرا كتاباً بعنوان : « تقاليد الكنيسة فيما يتعلق بتعيين الأساقفة (سنة ١٨١٤)، وفيه هاجما النزعة الجاليكانية ,Gallicanisme أي الدعوة إلى إعطاء الحكام في فرنسا سلطة تعيين الأساقفة ، ودعوا إلى النزعة الأولترامونتانية ultramontanisme الداعية إلى جعل هذه السلطة في يد البابا وحده . وفي هذا الكتاب دعوا إلى ثلاثة أمور : سيادة كنيسة روما في تعيين الأساقفة في فرنسا ، عصمة البابا في أمور العقيدة الكاثوليكية ، سلطة المنقول في نؤون الدين . وفي الوقت نفه لم يعطيا البابا أي حق في الأمور الدنيوية ( السياسية ، وغيرها ) .
ثم اصدرلامنيه وحده كتاباً عنوانه وبحث في عدم الاكتراث في أمور الدين ٠ (في ٤ مجلدات ، باريس ١٨١٧ -١٨٢٣ ) لقي نجاحاً كبيراً في الأوساط الكاثوليكية ، واعلن رضاه عنه البابا ليو الثاني عشر. في هذا الكتاب يقرر أن للعقائد تأثيراً قوياً في سعادة المجتمع ، وللعفائد الدينية بخاصة أهمية كبرى في هذا المجال . ولهذا لا يحق لأحد أن يكون غيرمكترث أو محاداً في النزاعات الدينية ، لأن الحياد إنما ينشأ إما عن فكرة زائفة عن مكانة الدين في الحياة ، أو عن عجزعن التمييزبين الدين الصحيح والبدع في الدين ، أوعن مجرد جهل وافتقار إلى الجذ في الأهداف، أوعن كسل وتوان. ولما كان الانسان لا يستطيع أن يعتقد في فكرتين متعارضتين، فلا توجد غيرحقيقة دينية واحدة، ولسان حال واحد يعبر عنها، ومنقول واحد يحفظها على مدى التاريخ.
ودعا لامنيه إلى سلطة المنقول الديني ولعقل الانسانية العام ، وهاجم العقل الفردي وأحكام الفرد . والمنقول الديني يمتد عنده ليشمل المنقول الديني قبل الكتاب المقدس بعهديه : القديم والجديد، والعناصر الموجودة في الأديان الوثنية، وعنده أن الفكر الاخلاقي للإنسانية كلها فبل المسيحية قد مهد لقيام المسيحية التي هي في نظره تتويج
لمجموع المنقول الديني : فالوحي ليس قطعا، بل إتمام وإكمال . إن الحقيقة أو اليقين ، تكتسب بالعقل المشترك للجنس البشري . ولهذا يجب على المرء ان يمزج آراءه بآراء اخوانه من بفي الانسان وأن يجد حلآ لثاكله في الامان ، والسلطة الدينية ، والادراك العام . اما الثقة بعقل الفرد فهو جنون . وإذا تساءل المرء : من اين تجيء سلطة العقل العام ؟ فالجواب أنها تأقي من الله ، والته أودعها في الكنيسة ، والكنيسة تعبر عن نفسها بلسان البابا ! لكن هذا الغلوفي تمجيد سلطة البابا أتى بنتيجة عكسية . فقد أثارحفيظة الملكية في فرنسا وكبار رجال الدين المشايعين للملكية والداعين إلى الجاليكانية . ورأى البابا ما تؤدي إليه هذه الحماسة المفرطة من متاعب مع الملكية في فرنسا , فاصدر البابا نفه - وبه كان يستظهرلامنيه رسالة بابوية بعنوان ٢21٧05ن4أدانت الغلوفي الاولترامونتانية ،وبالتالي أدانت لامنيه ، وإن لم تذكره بالاسم ، بدعوى ن هذا الغلويؤدي إلى احداث شقاق بين البابا والدولة الفرنسية . وفي الوقت نفه أدانت هذه الرسالة البابوية حرية الضميروالرأي لأنها تؤدي إلى حرية الخطأ . ودهش لامنيه لهذه الإدانة ، لكنه اذعن لها وهويكتم غيظه .
وكان قد هاجم الجاليكانية في كتاب آخر اصدره سنة ١٨٢٩ بعنوان : » في تقدم الثورة والحرب ضد الكنيسة »، وفيه دعا إلى التوفيق بين الكاثوليكية واللبرالية السياسية .
وبعد قيام ثورة يوليوفي فرنسا سنة ١٨٣٠ التي جاءت بلوي فيليب إلى الحكم،أسس لامنيه مجلة تدعىاالمستقبل» ٢ن0ع2٧ ، وعاونه في اصدارها هنري لاكورديرم0ءماً وشارل دي مونتالمبير ٣1ع401121200م اللذان سيصبحان من كبار الخطباء الدينيين في فرنسا ، كما عاونه بعض الكتاب الكاثوليك الأحرار المتحمسين. وقد دعا في هذه المجلة هو ومعاونوه هؤلاء إلى المبادى الديمقراطية في السياسة ٤ وإلى الفصل بين الكنيسة والدولة . فأثار ذلك قلق الملك لوي فيليب . كما أثار حفيظة رجال الكنيسة الفرنسية ، ولم يحظ برضا البابوية رغم دعوتهم إلى إبقاء السلطة للبابا في تعيين الأساقفة في فرنسا ! وشعر البابا جريجوريوس السادس عشر بحرج موقف البابوية من هذا الاتجاه . فتوقفت مجلة « المستقبل » عن الظهور في نوفمبر سنة ١٨٣١ ؛ وأصدر البابا رسالته السابقة الذكر ٧05 ¡٢ه٢¡^! . فأعلن الكاثوليك الأحرار من معاوني لامنيه خضوعهم وولاءهم ، بينما بلغت الحفيظة أشدها في نفس لامنيه الملتهبة ، لأن حلمه في الجمع
لانيو
بين الكثلكة والحرية السياسية قد تبدد .
وانفجرت حفيظته في سنة ١٨٣٤ في كتاب صغير بعنوان : I اقوال مؤمن» Paroles d’un croyant ، أحدث دوياً هائلا بسبب هجومه العنيف جداً على البابوية وعلى ملوك أوربا . فأدى ذلك بالبابا جريجوريوس السادس عشر إلى اصدار رسالة بابوية أخرى بعنوان 005 ¡Singular ( وعنوان الرسائل البابوية ماخوذ دائماً من الكلمتين الأوليين في الرسالة ) . فأدت هذه الرسالة إلى اعلان لامنيه انفصاله عن الكنيسة الكاثوليكية .
وفي كتابه : < أقوال مؤمن ا دعا إلى حرية الاجتماع وإلى الثقة بالله ، وإلى الأخوة بين الناس .
وأمضى لامنيه بقية عمره في الدفاع عن قضية الشعب تجاه السلطة ( السياسية والدينية على السواء )، والدفاع بقلمه الحار المتدفق وبأسلوبه الرائع المشبوب ، عن النظام الجمهوري كنظام سياسي ، وعن الاشتراكية كنظام اجتماعي اقتصادي . وفي هذا المجال اصدر كتابين : ٠ كتاب الشعب» ( ١٨٣٨ ) ، و « في العبودية الحديثة» ( ١٨٣٩ ) .
وبعد قيام ثورة سنة ١٨٤٨ في فرنسا صار عضواً بارزاً في الجمعية التأسيسية . ولكن الانقلاب الذي قام به لويس نابليون في ٢ ديسمبر سنة ١٨٥١ بدد آماله.
وتوفي في باريس في ٢٧ فبراير سنة ١٨٥٤ وقد رفض التصالح مع الكنيسة ، وبوصية منه دفن في مقابر الصدقة . .
اما اسهامه في الفلفة بخاصة فكتابه « خطط لفلسفة» في ٤مجلدات (سنة ١٨٤١- سنة ١٨٤٦ ). وقد بدأه باللاهوت ، وتلاه بعلم الانسان الفلسفي ، ثم بعلم الجمال ، وفلسفة العلوم . وكان ينوي إتمامه ببحث في الفلسفة الاجتماعية . لكن ليس في هذه المجلدات الأربعة فلسفة خاصة أو أصالة .