عواقب غير مقصودة

العواقب غير المقصودة (أو العواقب غير المتوقعة) (بالإنجليزية: Unintended or Unanticipated Consequences)، في العلوم الاجتماعية، هي النتائج غير المتوقع حدوثها وغير مقصودة من عملية أو فِعْل معين. شاع هذا المصطلح في القرن العشرين على يد عالم الاجتماع الأمريكي روبرت ميرتون.

يمكن تجميع العواقب غير المقصودة في ثلاث مجموعات:

  • «فائدة غير متوقعة»: وهي فائدة إيجابية غير متوقع (ويشار إليها أيضاً بالحظ أو السرنديبية أو المفاجأة).
  • «عيب غير متوقع»: وهو محدِّد غير متوقع يحدث مع التأثير المطلوب لمخطط سياسة ما (على سبيل المثال الري يوفر الناس بالمياه للزراعة لكنه قد يزيد من الأمراض المنقولة عن طريق المياه التي لها أثار صحية مدمّرة كداء البلهارسيات).).
  • «نتيجة منحرفة»: النتيجة المنحرفة هو حدوث عكس ما كان مرجوّاً (عندما يزيد الحلّ المرجو المشكلة سوءاً). ويسمى ذلك أحياناً بـ«نتائج عكسية».

لمحة عامة

من الأقوال القديمة القول بأن الأشياء لا تحدث كما نتوقعها على الدوام. ومن هنا فإن عبارة النتائج غير المقصودة للأفعال لها أصولها المفهومة فى العلوم الاجتماعية. ولقد حاول العديد من الدارسين فى علم الاجتماع التمييز بين الأغراض المذكورة أو المقصودة للأفعال الاجتماعية وبين النتائج غير المقصودة من الأفعال بشكل عام، ولكنها تؤدى وظائف موضوعية. وقد لاحظ وليام اسحق توماس كيف أن المنظمات التعاونية للفلاحين البولنديين لم تحقق ققط أغراضها المحددة، ولكنها عملت كذلك على تحقيق التماسك. ثم ذهب لويس كوزر - مؤخراً - إلى أن الصراعات ليست دائما ذات نتائج مدمرة للتتظيم، بل إنها قد تمارس، بطبيعتها التكيفية أو التوافقية أو وظيفتها كصمام أمان، قد تمارس دوراً فى حفظ الاستقرار داخل التنظيم (انظر مؤلفه: وظائف الصراع الإجتماعى، الصادر عام 1965).

والمثال الكلاسيكى فى علم الاجتماع لما يطلق عليه النتائج غير المتوقعة أو غير المقصودة نجده فى دراسة ماكس فيبر عن الارتباط بين الأخلاق البروتستاتتية وروح الرأسمالية الحديثة. فنظريات الخلاص عند الكالفينية، وثقشف أتباعها فى هذا العالم ترتب عليه بعض النتائج غير المقصودة والتى أدت إلى خلق البيئة الملائمة لنمو الرأسمالية، حيث شجعت على تراكم رأس المال باعتباره واجباً دينياً أو غاية فى حد ذاته. وقد عرض جون إلستر فى كتابه المعنون: البندق والبارود فى العلوم الاجتماعية (الصادر عام 1989) مؤخراً المزيد من الشواهد على ذلك. و أحد هذه الأمثلة يعالج الطريقة التى يمكن أن تؤثر بها استطلاعات الرأى على نتائج الانتخابات، ذلك أن نشر استطلاعات الرأى العام السابقة على الانتخابات قد تغير بالفعل فى نتائج الانتخابات، سواء لأنها ستتسبب فى تغيير الناس لرأيهم والاتجاه لدعم المرشح المتقدم، أو لأن الناس يكفون عن التعاطف بالتصويت لصالح المرشح غير المحتمل فوز ه وطبيعى أنه لو تعاطف كل فرد مع المرشح الخاسر، فإن ذلك سيؤدى إلى النتيجة الغريبة، وهى تحقيق الفوز للشخص الأقل شعبية. و المثال القريب إلى حد ما لحالة النتائج غير المقصودة، هو ما ظهر فى دراسات مصانع هوثورن، حيث أدىوجود الباحثين بطريقة غير مقصودة إلى تغيير سلوكيات العمال الذين كانوا يدرسونهم، وهى الظاهرة التى أطلق عليها "تأثير هوثورن".

وطبقاً لما يراه روبرت ميرتون قى كتابه: النظرية الاجتماعية والبناء الاجتماعى (الصادر عام 1949) فإن النتائج غير المقصودة للأفعال تمثل أنماطاً ثلاثة: نتائج ذات وظيفة للنظام، ولذلك فهى ذات وظائف كامنة. وأخرى تمثل خلل وظيفي للنظام، ولذلك فهى ذات خلل وظيفى كامن، وثالثة غير ذات صلة بالنظام ولذلك تسمى نتائج غير وظيفية. وعندما نطبق هذه الأنماط التى حددها ميرتون على مواقف معينة تواجهنا عدة مشكلات. إذ أن من الأدلة الواضحة التى تثار هنا: نتائج ذات خلل وظيفى لمن؟ ونتائج تؤدى وظيفة كامنة لماذا؟ وعلاوة على ذلك، فإنه لا معنى لأن نستخدم النتانج غير المتوقعة لشرح "الوظيفة"، لأن هذه النتائج لم تكن معروفة من قبل. و على أية حال، فإن النتائج غير المتوقعة قد تؤثر على أفعال أخرى مستقبلاً. فإذا ما فكرنا فى طفل يطلق صيحة غضب كى يحصل على آيس كريم. فإذا كانت النتيجة غير المتوقعة لهذا الفعل هى لفت نظر الكبار، عندئذ سيكون محاولة لفت نظر الكبار، و ليس بالضرورة الرغبة فى الحصول على أيس كريم هو المشجع للطفل على الصراخ فى المستقبل.

والنتائج غير المتوقعة هامة على المستوى الصغير أو المحدود المحيط، حيث أن الفاعلين الاجتماعيين غالباً ما يخطئون فى تفسيرهم للموقف، ويمكن أن يترتب على أفعالهم نتائج غير مقصودة أو غير متوقعة. ومن الشواهد الخاصة على ذلك، ما يطلق عليه النبوءة ذاتية التحقيق، والتى يكون الإعلان فيها عن أى اعتقاد فى حدوث شئ مدعاة لممارسة سلوكيات من شأنها أن تجسد هذا الاعتقاد، ومن ثم تجعل النبوءة شيئا واقعا متحققا ونظرية الوصم فى تفسير الانحراف تترجم هذا الميكانيزم بصورة دقيقة. وهكذا فإنه واستتاداً إلى ما كتبه فرانك تاننباوم مبكراً فى كتابه: الجريمة والمجتمع (الصادر عام 1938) نجد أن "عملية صنع المجرم هى عملية اتهام له، ثم تحديد، ثم تشخيص، ثم عزل، ثم وصف فتأكيد، يخلق وعيا يتحول إلى وعى ذاتى، يتحول بعدها إلى طريقة للإيعاز ثم التثبيت للصفات أو الخصائص التى تتم الشكوى منها"، باعتبارها خصائص أنحرافية أو إجرامية. والنتائج غير المتوقعة أو غير المقصودة هامة أيضا على المستوى أو النطاق الواسع لأن هناك العديد من الأحداث التى تقع دون قصد. وكما لاحظ آدم فيرجسون فإن "التاريخ هو نتاج أفعال إنسانية وليس نتيجة تصميمات إنسانية مقصودة".

الأسباب

من الأسباب المحتملة للعواقب غير المقصودة التعقّد المتأصل في العالم (أجزاء من نظام يستجيب للتغييرات في البيئة)، الحوافز الضارة خداع النفس البشرية، الغباء، الفشل في أخذ الطبيعة البشرية في الحسبان أو الانحياز المعرفي أو الانحياز العاطفي. من المكونات الفرعية للتعقيد بالمعنى العلمي طبيعة الفوضى في الكون وخاصة نوعية التغيّرات الصغيرة التافهة بوجود تأثيرات بعيدة المدى (على سبيل المثال تأثير الفراشة).

أدرج روبرت ميرتون عام 1936 خمسة أسباب محتملة للعواقب غير المتوقعة:

  1. الجهل، يجعل من المستحيل توقع كل شيء، ما سبب تحليلاً غير مكتملاً
  2. أخطاء في تحليل المشكلة أو اتباع عادات استخدمت في السابق لكن قد لا تنطبق هذه العادات على الوضع الحالي
  3. مصالح مباشرة تتجاوز المصالح طويلة الأمد
  4. القيم الأساسية التي قد تتطلب أو تمنع إجراءات معينة حتى لو كانت النتيجة على المدى الطويل غير محبّذة (قد تسبب هذه العواقب طويلة المدى في نهاية المطاف تغييرات في القيم الأساسية)
  5. نبوءة ذاتية الفشل، أو الخوف من بعض العواقب التي تدفع الناس لإيجاد حلول قبل حدوث المشكلة، وبالتالي لا يتم توقّع أن المشكلة قد لا تحدث.

انظر أيضاً