علم البيان
علم البيان أحد علوم البلاغة. والبيان في اللغة الكشف والظهور، وفي اصطلاح البلاغيين: أصول وقواعد يُعْرف بها إيراد المعنى الواحد بطرق متعددة وتراكيب متفاوتة، من الحقيقة والمجاز، والتشبيه والكناية، مختلفة من حيث وضوح الدلالة على المعنى المراد وعدم وضوح دلالتها عليه، والبيان بهذا المعنى يعد أحد أقسام البلاغة الثلاثة: البيان والمعاني، والبديع. فالتعبير عن جود حاتم مثلاً يمكن أن يكون بهذه الألفاظ: جواد، كثير الرماد، مهزول الفصيل، جبان الكلب، بحر لا ينضب، سحاب ممطر، وغيرها من التراكيب المختلفة في وضوح أو خفاء دلالتها على معنى الجود.
أركان علم البيان
ثم انه لما اشتمل التعريف على ذكر الدلالة ولم تكن الدلالات الثلاث: المطابقية والتضمنية والالتزامية كلها قابلة للوضوح والخفاء، لزم التنبيه على ما هو المقصود، فإن المقصود منها هاهنا: هي الدلالة العقلية للألفاظ، يعني: التضمنية والالتزامية، لجواز اختلاف مراتب الوضوح والخفاء فيهما، دون الدلالة الوضعية للألفاظ يعني: المطابقية، لعدم جواز اختلاف مراتب الوضوح في بعضها دون بعض مع علم السامع بوضوح تلك اللفاظ، وإلا لم يكن عالما بوضعها، فتأمل.
ثم ان اللفظ إذا لم يرد منه ما وضع له من دلالته المطابقية، وانما اريد به دلالته العقلية من تضمن أو التزام، فإن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فمجاز، وإن لم تقم قرينة على عدم إرادة ما وضع له فكناية، ومن المجاز ما يبتني على التشبيه، فيلزم التعرض للتشبيه قبل التعرض للمجاز والكناية، إذن: فعلم البيان يعتمد على أركان ثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية.
فأساليبه التي يحتوي عليها و اُعدت قُسمت إلى أربع:
التشبيه
تعريف التشبيه
التشبيه لغة هو التمثيل، يقال: هذا مثل هذا وشبهه.
واصطلاحًا هو الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى من المعاني بإحدى أدوات التشبيه الملفوظة أو المقدّرة. مثل: خالد كمحمد في الشجاعة.
وفائدته: أن الصفة المراد اثباتها للموصوف، إذا كانت في شيء آخر أظهر، جعل التشبيه بينهما وسيلة لتوضيح الصفة، كما تقول: زيد كالأسد حيث تريد اثبات الشجاعة له، إذ هي في الاسد أظهر.
أركان التشبيه
والتشبيه له أربعة أركان هي: المشبَّه، والمشبَّه به، ووجه الشبه، وأداة التشبيه. فإذا قلنا أن الجملة: زيد كالأسد في الشجاعة فأن أركان جملة التشبيه تكون كالتالي:
1 المشبه، زيد.
2 المشبه به، الأسد.
3 وجه الشبه، الشجاعة
4 أداة التشبيه، الكاف.
ثم ان الركنين الأولين: المشبه والمشبه به يسميان بطرفي التشبيه أو ركني التشبيه ولابد في كل تشبيه من وجود طرفين.
وينقسم التشبيه بحسب هذه الأركان إلى أقسام كثيرة، فمن ذلك أن التشبيه الذي يُصرَّح فيه بالأداة يسمى تشبيهًا مرسلاً مثل زيد كالأسد الأداة الكاف. والتشبيه الذي تحذف منه الأداة يسمى تشبيهًا مؤكداً مثل زيد أسد. والتشبيه الذي يُصرَّح فيه بوجه الشَّبَه يسمى تشبيهًا مفصّلاً مثل زيد في شجاعته كالأسد، والتشبيه الذي يُحذف منه وجه الشبه يسمى تشبيهًا مُجْمَلاً. والتشبيه الذي تحذف منه الأداة ووجه الشبه يسمى تشبيهًا بليغًا.
الحقيقة والمجاز
الحقيقة هي استعمال اللفظ في المعنى الذي وضع له عند العرب كاستعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس. و المجاز لغة التجاوز والتعدي. واصطلاحًا نقل عن معناه الأصلي، واستعمل في معنى مناسب له، كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع. والمجاز من الوسائل البيانية الذي يكثر في كلام الناس، البليغ منهم وغيرهم، وليس من الكذب في شيء كما توهم.
والمجاز قسمان: لغوي وعقلي
1- المجاز اللغوي وهو استعمال اللفظ في غير المعنى الذي وضع له عند العرب على وجه يصح به لعلاقة بمعنى مناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي لقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي قد تكون لفظية، وقد تكون حالية، وكلما أطلق المجاز، انصرف إلى هذا المجاز وهو المجاز اللغوي.
2- المجاز العقلي وهو يجري في الإسناد، بمعنى أن يكون الإسناد إلى غير من هو له، ويتم ذلك بوجود علاقة مع قرينة مانعة من جريان الإسناد إلى من هو له. وكما. نحو: شفى الطبيب المريض فإن الشفاء من الله، فإسناده إلى الطبيب مجاز، أو إذا قال المؤمن لمن يعلم إيمانه: أنضج الحَرُّ الرُّطَب. فالمتكلم والسامع يعرفان أن المسبِّب الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
المجاز المرسل
الكلمةُ المستعملة في غير المعنى الذي وضعت له لعلاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوعة له. وللمجاز المرسل علاقات كثيرة من بينها:
- المسبَّبية كقوله تعالى: ﴿وينزِّل لكم من السماء رزقًا﴾ غافر: 13.
- والسبَّبية مثل: "رعت الإبل الغيث"،
- والجزئية كقوله تعالى: ﴿فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا﴾ المجادلة: 3.
- والكليَّة كقوله تعالى: ﴿يجعلون أصابعهم في آذانهم﴾ نوح: 7.
- واعتبار ماكان كقوله تعالى: ﴿وآتوا اليتامى أموالهم﴾ النساء: 2.
- والآليَّة كقوله تعالى: ﴿واجعل لي لسان صدق في الآخرين﴾ الشعراء: 84.
- والحالِّية كقول الشاعر: قل للجبان إذا تأخر سَرْجُه -- هل أنت من شَرَك المنية ناجي
- والمحلِّية كقوله تعالى: ﴿فليدع ناديه﴾ اقرأ: 17.
الاستعارة
الكلمة المستعملة في غير المعنى الذي وُضعت له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوعة له كقولك: رأيت أسدًا يحمل سيفًا.
وتنقسم الاستعارة إلى قسمين رئيسيين:
أ- الاستعارة التصريحية وهي ماصُرِّح فيها بلفظ المشبَّه به (المستعار منه)، ففي قولك رأيت أسدًا يحمل سيفًا صرَّحت بلفظ المشبه به وهو الأسد.
ب- الاستعارة المَكْنيَّة، وهي ماحذف فيها المشبه به (المستعار منه)، ورُمز له بشيء من لوازمه كقول الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونُها | نَمْ فالمخــاوف كلهـــن أَمـــانُ |
فقد شبه الشاعر العناية بإنسان ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو العيون.
الكناية
تعريف الكناية
الكناية من كنيت أو كنوت بكذا عن كذا، إذا تركت التصريح به.
وهي في اللغة التكلم بما يريد به خلاف الظاهر.
وفي الاصطلاح لفظ أريد به غير معناه الموضوع له، مع جواز إرادة المعنى الحقيقي، لعدم نصب قرينة على خلافه.
وهذا هو الفرق بين المجاز والكناية، ففي الأول لا يمكن ارادة المعنى الحقيقي لنصب القرينة المضادة له، بخلاف الثاني.
ومثال الكناية: فلان كثير الرماد تريد أنه كريم، للتلازم في الغالب بين الكرم وبين كثرة الضيوف الملازمة لكثيرة الرماد من الطبخ.
أقسام الكناية
تنقسم الكناية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- الكناية عن الصفة، والمراد بالصفة هنا الصفة المعنوية مثل: الكرم، والشجاعة، والجود، وليس النعت النحوي. وضابطها أن يصرَّح بالموصوف وبالنسبة إليه، ولا يصرَّح بالصفة المطلوب نسبتها، ولكن يذكر مكانها صفة تستلزمها، نحو طويل النجاد كناية عن طول القامة. وكقولك: خالد كثير الرماد.
2- الكناية عن الموصوف، وضابطها أن يصرَّح بالصفة وبالنسبة، ولا يصرَّح بالموصوف المطلوب النسبة إليه، ولكن يذكر مكانه صفة تختص به، نحو قوله:
فلما شربناها ودب دبيبها إلى موطن الأسرار قلت لها قفي -- أراد بموطن الأسرار: القلب.
3- الكناية عن النسبة، وضابطها أن يصرَّح بالموصوف والصفة، ولا يصرَّح بالنسبة بينهما، ولكن يذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها كقول الشاعر يصف امرأة بالعفة:
يبيت بمنجاة من اللوم بيتها -- إذا مابيوت بالملامة حلَّـتِ
وكقوله:
إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج
فإن تخصيص هذه الثلاثة بمكان ابن الحشرج يتلازم نسبتها إليه.
الكناية القريبة والبعيدة