علم اجتماع وسائل الاتصال الجماهيري
علم اجتماع وسائل الاتصال الجماهيرى (بالإنجليزية: Sociology of Mass Media): الوسيط هو أحد وسائل الاتصال مثل: المطبوعات أو المذياع أو التليفزيون. وتعرف وسائل الاتصال الجماهيرى على أنها منظمات كبيرة الحجم تستخدم واحدا أو أكثر من هذه الوسائط التكنولوجية للاتصال بأعداد كبيرة من الناس (الاتصال الجماهيرى). ونظرا لاعتمادها على التجديدات فى صناعتى الإلكترونيات والكيماويات، فقد مثلت الفترة ما بين عامى 1860 و1930 المرحلة التى تشكلت فيها وسائل الاتصال الجماهيرى. فقد شهدت تلك الفترة تطور وانتشار التصوير المفوتوغرافى، والتصوير السينمائى، والاتصالات السلكية والملاسلكية، والمفونوغراف، والتليفون، والراديو، والتليفزيون. وقد شكلت هذه التكنولوجيات الجديدة جزءا من التحولات الأوسع نطاقاً فى الثقافة الشعبية خلال هذه الفترة، وعكست الاستثمار المتزايد فى مجال صناعات قضاء وقت الفراغ الناشئة وما يرتبط بها من اهتمامات تتعلق بالتعامل مع جماهير المتابعين.
ووفقا لتعريف رايت ميلز فى مؤلفه "صفوة القوة" المنشور عام 1956 تتمتع وسائل الإعلام بسمتين اجتماعيتين: الأولى، أن عددا محدودا من الناس يمكنهم أن يتصلوا بعدد هائل من الناس الآخرين، والثانية، أن المتلقين لا يملكون وسيلة فعالة للرد عليهم. وعلى ذلك فإن الاتصال الجماهيرى -فى حقيقتسه-عملية أحادية الاتجاه. وتتسم منظمات الاتصال الجماهيرى بأنها منظمات بيروقراطية. وباستثناء الحالات التى تكون فيها كافة وسائل الإعلام خاضعة لهيمنة الدولة، فهى تتصف بأنها ذات مسئولية مؤسسسية فى طبيعتها. ويخضع الإنتاج الإعلامى فى كل مكان لتوجيه الدولة، بيد أن المحاذير المفروضة تتباين بين حد التوجيه الاستشارى المحدود (مثل منع الإعلان عن السجائر أو منع العرى فى التليفزيون) إلى حد أكثر أشكال الرقابة عمومية وشمولا، كما هى الحال فى المجتمعات الشمولية.
وتهيمن وسانل الاتصال الجماهيرى على الحياة الفكرية للمجتمعات الحديثة، ولذلك فإنها تحتل مكانة هامة بين اهتمامات علماء الاجتماع. ولقد تركزت بؤرة الاهتمام - منذ الدراسات المبكرة فى الثلاثينات - فى تأمل القوة الكامنة فى تكنولوجيات الاتصال الجديدة، وبخاصة الراديو والتليفزيون. ولقد كان استخدام أدولف هتلر الناجح للراديو فى الدعاية بمثابة درس موضوعى للأخطار التى يمكن أن تترتب عليها. كما أضاف مفهوم المجتمع الجماهيرى مزيداً من القوة على فكرة جورج أوريل في روايته 1984 ( القائلة بأن وسائل الاتصال الإلكترونية قد تفضى إلى السيطرة على العقل، حيث تهيمن صفوة ضئيلة العدد من الإعلاميين (القائمين بالاتصال) على الجماهير السلبية.
ولقد مالت الدراسات المبكرة التى أجراها كل من هارولد لاسويل وبول لازارسفلد وغيرهما إلى توضيح أن وسائل الاتصال تمارس تأثيرا مباشرا وقويا بالفعل، وهو ما أطلق عليه تعبير نموذج التأثير "بالحقن تحت الجلد". غير ان المزيد من البحوث المكثفة كشفت عن أن عملية الاتصال الجماهيرى تتم من خلال عدد من الطرق المعقدة وأن تأثيراتها على جمهور المتلقين تعتمد على عوامل مثل : الطبقة، والإطار الاجتماعى، والقيم، والمعتقدات، والحالة الوجدانية، بل وعلى توقيت التعرض لها خلال اليوم أيضاً.
وقد نمت البحوث فى مجال الاتصال نموا كبيرا منذ الستينيات، وركز معظمها على التليفزيون باعتباره الوسيط الأكثر شيوعا (يقدم كتاب د.ماكويل، نظرية الاتصال الجماهيرى، الممشور عام 1983 مدخلاً ممتازاً للميدان وعرضا لقضاياه واتجاهاته). ويمكن التمييز بين أربعة مجالات رئيسية للبحث: الأول دراسات المضمون الاتصالى، والتى تهتم بالنوعية الثقافية للمنتج الإعلامى، او بتحيزات وتأثيرات بعينها، مثل الصور النمطية، أو تدعيم المعنف والسلوك المعادى اجتماعيا وبخاصة فى البرامج التى يبثهسا التليفزيون للأطفال. والثانى أنماط الملكية والسيطرة واضطراد اندماج أعداد أكبر وأكبر من وسائل الاتصال فى هينة مؤسسات أضخم حجما و أقل عددا، وملكية وسائل إعلام متنوعة والنمو الممضطرد فى الطابع التجارى للبرامج. والثالث التأثيرات الإيديولوجية للإعلام فى نشر نمط كلى عام للحياة والتفكير. وأخيرا، تأثير وسائل الإعلام الإلكترونية على السياسسات الديموقراطية من خلال تحديد قائمة أولويات العمل السياسى، وتشويه الأنباء واختزالها، وصرف اهتمام عموم الناس عن المشكلات الاجتماعية واستخدام الإعلان التليفزيونى كسلاح فى الحملات السياسية.
وقد ذهب بعض النقاد إلى القول بأن هناك تأثير أكثر جذرية للتليفزيون. فمنذ أن ظهرت أوائل الصحف فى بدايات القرن السابع عشر، تم الربط بين وسانل الاتصال وتراجع الأمية وانتشار التعليم. ولقد ذهب نيل بوستمان فى كتابه "تسلية حتى الموت" الصادر عام 1985 - هو وآخرين -إلى القول بأن الإعلام الإلكترونى والمرتى قد أفضى إلى انتكاس الاتجاه نحو تراجع الأمية وانتشار التعليم، وأنه بات يعمل على تدمير أسس التعليم التقليدى.
ولقد مثل التنظيم القومى للصحافة والإعلام (الراديو والتليفزيون) أحد الملامح المميزة لوسائل الإعلام على مدار هذا القرن. ومع ذلك، فقد ذهب بعض المكتاب إلى القول بأن هذا التنظيم لوسائل الاتصال الجماهيرى قد تم تحديه بصفة مثزايدة منذ الستينيات خاصة. ويتبدى ذلك بأجلى صوره فى حالة المتليفزيون - أكثر وسانط الاتصال الجماهيرى أهمية خلال سنوات مسا بعد الحرب العالمية الثانية فى آوروبا وأمريكا وأجزاء كبيرة من آسيا -حيث يذهبون إلى أننا نحيا الآن فى مرحلة انتقالية. ويوصف هذا فى بريطانيا بأنه يمثل انتقالا من عصر هيمن عليه مفهوم الخدمة الإذاعية العامة (الحكومية) التى اتسمت بندرة محطات الإرسال، وكانت تقدم بمثابة خدمة قومية، وتمتلك مجموعة خاصة من تكنولوجيات الاتصال (بما فى ذلكمحطات الإرسال الأرضية) إلى عصر جديد لشركات الاتصالات الكونية، والتكنولوجيات الجديدة، وجموع المتلقين الأكثر تشتتا وتنوعسا، على خلاف الطابع الجماهيرى الذى كان يسم المرحلة السابقة. ولقد كانت السياسة الحكومية فى بريطانيا ذات أهمية مركزية (بالنسبة لهذه العملية). فلقد أدى اهتمام الليبراليين الجدد بفتح أسواق الإعلام لقدر أكبر من المنافسة إلى تحدى فكرة الإذاعة كخدمة عامة، تقدم للناس سلعة اجتماعية. ولقد صاحب ذلك تحول عن النظر إلى جمهسور الراديو والتليفزيون باعتبارهم مواطنين إلى النظر إليهم كمستهلكين تقدم أمامهم مجموعة من البدائل للاختيار بينها. ولقد أتاح فتح الأسواق الإعلامية بصفة أساسية فرصا جديدة لظهور مدظمات إعلامية كونية (عالمية) مثل : تايم وارنر، وسونى، ونيوزكوربوريشن (شركة الأنباء). ولقد حرصت هذه الشركات على فصل أسواق الإرسال المرئى والمسموع عن مجال الثقافة المقومية. وهكذا تخلقت قنوات جديدة (متخصصة فى الرياضة أو الأخبار أو الأفلام) لتقديم الخدمة الجديدة، وتم نقلها عبر نظم توصيل جديدة (الأقمار الصناعيسة، وخطوط الكابلات، وخطوط التليفون) وممولة بواسطة أشكال جديدة للسداد (الاشتراك عن فترة معينة، أو الدفع مقابل المشاهدة).
ولا يكمن وراء هذه التطورات التكامل المتزايد لقطاع الإعلام فقط، وإنما يكمن وراءها أيضا التقارب ما بين الترفيه وصناعة المعلومات وصناعة الاتصال عن بعد. والدافع وراء عملية التقارب هذه هو الاهتمام بجنى ثمار التفاعل مع وسائل الإعلام. ويذهب بول دى جاى إلى أن هناك أربعة أبعاد لهذه العملية (انظر: بول دى جاى (محرراً)، ثقافات الإنتاج / إنتاج الثقافة الصادر عام 1997) - ويهتم أول هذه التفاعلات وهو "تفاعلات البرامج"، بالعرض المتزامن وتدعيم المؤدى أو الكاتب عبر عدد من وسائل الإعلام والمنتجات الترفيهية ووسائل قضاء وقت الفراغ. ويعنى هذا فى الواقع الربط بطريقة بالغة التنظيم بين أشكال مستقلة ومتباينة مثل: التسجيل الصوتى، والصور المساكنة المطبوعة فى الكتب والمجلات، والتى شيرت، وا لإعلانات، والفيلم، والبرامج
التليفزيونية، وأجهزة الفيديو المنزلية، وألعاب الكومبيوتر. أما الشكل الثانى من أشكال التفاعل فيشير إلى التكامل بين البرامج والمكونات المادية للحاسب. ويمثل قرار مجموعة شركاتسونى للصناعات الكهربائية شراء شركة سى بى إس CBS للتسجيلات و أعمال فنانيها الحاليين والسابقين (البرامج) مثالا على هذه الظاهرة. أما الشكل الثالث للتفاعل فيتعلق بالتقارب بين الأشكال التى كانت متمايزة فيما سبق من المكونات المادية للحاسبات و الذى نتج عن النظم الجديدة للمشغلات الدقيقة والتكنولوجيا الرقمية. ويتيح هذا النظام - المعروف لدى العامة باسم "الوسائط المتعددة" — أن تتخذ الصور الساكنة والمتحركة والصوت والنصوص المكتوبة، تتخذ شكلا رقميا موحدا. وأخيرا، فإن الأشكال التفاعلية الجديدة للاتصال لم تصبح ممكنة إلا من خلال تكنولوجيات التوزيع الجديدة. ويتمثل التطوير الرئيسى — الحاسم — فى هذا المجال فى خطوط الألياف الضوئية التى يمكنها أن تنقل المنتجات والخدمات الإعلامية كالأفلام أو العمليات البنكية بأنواعها. وهى بذلك تضع الأساس لما يطلق عليه طريق المعلومات فائق السرعة.
ولقد تركزت المناقشات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والثقافية لإعادة تشكل الخريطة الإعلامية حول قضايا الديموقراطية، والحصول على المعلومات، وخلق مجالات عامة جديدة. ومن المؤكد أن تطورات مثل الدفع مقابل المشاهدة والاشتراك تعد بمثابة وسيلة جديدة لتحقيق مساهمة المستهلكين فى صياغة البرامج، فى حين أن الأشكال الأكثر تطورا للتفاعل المرتبطة بالفيديو، والتحويل المرقمى، وشبكة الإنترنت تسمح للمستهلكين أن يظموا مشاركتهم بطرقهم الخاصة، من خلال خبرات إعلامية خاصة. كما يمكن النظر إلى شبكة الإنترنت باعتيارها تتيح إمكانيات إيجابية لجماعات كانت تعد فيما سبق هامشية يالنسبة لوسائل الاتصال الجماهيرى لكى تنظم نفسها وتصوغ مجالا للاتصال وبلورة الهوية.
أما على المسار السلبى، فإن النقاد قد أشاروا إلى زيادة الهوة بين ما يطلق علبه "الغنى المعلوماتى" و "الفقر المعلوماتى" فى عالم الاتصال الجديد. ولعل الوصول إلى هذه التكنولوجيات الجديدة يلعب الدور الحاسم فى التأثير على هذه القضية إلى حد بعيد، ويرثبط بامتلاك تلك التكنولوجيات قضايا التهميش الاجتماعى، حيث يحال بين جماعات بعينها وبين فرصها فى التعبير عن نفسها من خلال هذه الوسائل الجديدة للتعبير. والأمر المثير هنا حقا هو التركز الهائل للملكية عبر إنتاج وإعادة إنتاج وتوزيع وسائل الاتصال. وبهذا المعنى، فإنه على الرغم من أن وسائل الاتصال الجديدة قد تعكس قدرا أكبر من التنوع الاجتماعى والثقافى فيما يتعلق بمجالات إنتاجها، إلا أن ذلك لا ينعكس فى التكوين الاجتماعى لشركات الاتصالات والإعلام ذاتها.