عبد الحليم سعفان



مولده ونشأته

وُلِدَ عبد الحليم وهبه حسن سعفان بشبين الكوم بمحافظة المنوفية بمصر عام 1914م – 1332هـ

وكان والده الشيخ وهبه يعمل مؤذنا بمسجد سيدي لاشين بشبين الكوم ووالدته فطومة وهيب

وكُف بصره وهو في الخامسة من العمر ولم يعقه ذلك عن إدراك مطلوبه فحفظ القرآن الكريم صغيرا ب كُتاب الشيخ عبد العزيز أبو حوى وراجعه على والده

التحاقه بالأزهر الشريف

ثم التحق بالأزهر الشريف *

وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1352 هـ - 1933 م من المعهد الديني الأزهري بطنطا في عهد شيخ الأزهر الشيخ محمد الأحمدي الظواهري *

وكان ترتيبه الرابع

ثم حصل على الشهادة الثانوية القسم الثاني في عام 1357 هـ - 1938 م من المعهد الديني الأزهري بشبين الكوم في عهد شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي *

وكان ترتيبه الخامس

مع الإمام حسن البنا

وأكمل دراسته بالأزهر الشريف بالقاهرة وبها تعرف على إمام الدعوة ومجدِد القرن العشرين الإمام الشهيد حسن البنا (1906-1949)[١]

مؤسس جماعة الإخوان المسلمون 2

ولم يشعر الشيخ عبد الحليم بأن للدعوة بتكاليفها العظام مغرما ولم يحس بالمشقة بل كان يجد من لذة الطاعة ومحبة الله عز وجل زيتا يضيء مصباح قلبه في ظلمات الدنيا والمحن والابتلاءات

لذا كان الشيخ يحب الإمام الشهيد حسن البنا وكان مواظبا على الذهاب إلى المركز العام ليسمع حديث الثلاثاء من الأستاذ البنا وكان يقول رحمة الله عليه كنت أقف مشدوها لخطاب الإيمان وكأني في الجنة وكأنني لست من أهل الدنيا فلا أحس بأي مشقة حتى إن مرافقه في هذه الرحلة الأسبوعية لحضور الدرس الشيخ سعيد عبد اللطيف الرفاعي- - (1919_1994) كان يقول كنا نذهب للدرس ولم نتناول من الطعام شيئا وبعد انتهاء اللقاء الذي يستمر ساعات أذكر الشيخ بالطعام لنتناوله فيقول : ألم تشبع ؟وأي طعام أهنأوأمرأ من طعام الجنة...والله لقد شبعت.

وكان الإمام حسن البنا يستقبل الشيخ في مرات كثيرة ولا يبدأ الدرس حتى يجلسه في مجلسه ويربت على كتفه ويقدِره، وبعد المحاضرة يأتي له ليصافحه مرة ثانية لأنه كان يحبه ويحترمه.

وقد أٌشرِب قلب الشيخ عليه رحمة الله حب الدعوة والجهاد في سبيل الله فلا تجد مرحلة من مراحل حياته إلا جهاد خالص وحب صاف لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين ومن سبقهم بإحسان.

وقد حصل على شهادة العالية لكلية أصول الدين عام 1361هـ - 1942م 

ثم على 'شهادة العالمية في أصول الدين مع الإجازة في التدريس' من ''''الأزهر الشريف'''' في عام 1363هـ -1944م في عهد شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي

ثم حصل على 'شهادة العالمية في أصول الدين مع الإجازة في الدعوة والإرشاد' من 'الأزهر الشريف' في 27 رمضان من علم 1366هـ -1947مـ

وكان الثاني على دفعته وأقرانه فاحتفى به ملك مصر 'الملك فاروق'[٢]

وحكي ابنه المهندس محمد عبد الحليم بأنه ذكر له بأن الملك أقام حفلا لتكريم الأوائل فقدِم الشيخ هو وأبوه فسارع الجميع بخدمته وإكرام
ضيافته فهذا يؤكله وهذا ينتقي له أطايب الطعام وهذا يسقيه لأن الله عز وجل أدخل حبه في قلب من لقيه من المؤمنين.

وعُين أول ما عين واعظاً بمساجد الصعيد ثم مدرسا بمعهد قنا الأزهري لمدة عامين وبعدها انتقل للعمل بمعهد منوف الأزهري ثم عمل واستقر بالمعهد الأزهري بشبين الكوم لتدريس الحديث الشريف والفقه الشافعي وبالإضافة لذلك كان يدعو إلى الله عز وجل ويعين الدعاة إلى الله والمجاهدين بفلسطين.

جهاده وابتلاؤه وصبره

وفي محنة 1954 عندما أُعتقل الإخوان المسلمون بمصر بقي هو خارج المعتقل فلم يرهبه الخوف ولم يقعده عن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال واللسان ؛وكان الطغاة وقتها قد منعوا أي أحد من أن ينفق أو يساعد أسر المعتقلين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ولا ما يتأودون به فقام الشيخ عبد الحليم بتنظيم جمع التبرعات-وما هي بتبرعات ولكنها حق الله عز وجل فيما استخلف الناس فيه من مال- فقام بجمع الأموال والمساعدات لأسر المعتقلين وكان يقسم راتبه نصفين-اقتداء بسنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه-وكان يحصل على ستة جنيهات شهريا فنصف لأسر الإخوان الذين أُسِرَ عائلهم والآخر له ولأسرته بالإضافة إلى أمه وعمته اللتان كانتا تقيمان عنده حتى وفاتهما وكان أيضا يصل زوجة أبيه بالزيارة والمال حتى وفاتها-فقد كان يصل الرحم التي أمر الله أن توصل بل ويكرم الصلة على ضيق ذات يده وأكرمه بمزيد كرمه-

وظل على هذا حتى قبض عليه الطغاة بعد صلاة العصر وإلقاءه موعظة بمسجد مديرية الزراعة بشبين الكوم في يوم الثلاثاء من صيف عام 1965 وعند عودته إلى منزله برفقة ابنه محمد قابلته إحدى الجارات وتدعى الحاجة ناهد أبوشنب حفظها الله وحذرته من العودة للمنزل لانتظار الظلمة له هناك لاعتفاله-وهذا شأن المؤمنات الكريمات في الدفاع عن المؤمنين رغما عن ضعفهن ولكن ثقة في قوة الله تعالى- حينها وجهه الشيخ للذهاب إلى مسجد عبدالمتعال فدخله وصلى ركعات لله عز وجل فلا تسل عن حسنها ولم يكن يعلم ابنه محمد حينها-كان في السابعة من عمره- هل صلى صلاة الخوف أم الحاجة ولكنه كان اتباع الشيخ عبد الحليم للنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

                             '*كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى*'
                                                                       رواه أحمد وأبو داوود عن حذيفة
                                                                                

وبعدما أنهى الشيخ صلاته أمر ابنه بأن يوصله إلى بيته لملاقاة قدر الله رضىً وتسليماً حينها قبض عليه الظالمون بتهمة مساعدة أسر المعتقلين ورعايتهم وإعادة نشاط الدعوة إلى الله عز وجل، حيث ذكر أحد مقربيه وقتها الحاج عبد الحميد الطنبداوي بأنه من منتصف الخمسينات وحتى القبض عليه كان الشيخ مسئولا عن الإخوان بمحافظة المنوفية، فقام الجلاَدون بتعذيبه -وهو الضرير الضعيف العالم- وعلَقوه ثلاثة أيام في السجن الحربي وهو يقول تحت السياط

                      (لا يستطيع أحد أن يمنعني من الإنفاق في سبيل الله) 

فيشتد عليه التعذيب فلا يغير قوله وقدِم للمحكمة فقال للقاضي: كيف لا أنفق في سبيل الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                    (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه) 
                          رواه أبو يعلى في مسنده وإسناده حسن والبيهقي في سننه وصححه الألباني

فحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة سنتين -فأي ظلم أكثر من ذلك- فرُحِل من السجن الحربي إلى سجن أبو زعبل حتى إن'الشيخ عبد الحميد كشك'والحاج محمد أبو السعودذكرا بأنهما ومَن في السجن رأوا الشيخ عند ترحيله محمولا كمثل الطفل الصغير بين يدي أحد إخوانه لا يستطيع الحركة ولا القيام من هول التعذيب ومن حرمانه من الطعام الأيام الطويلة فكأنه كومة من العظام يكسوها الجلد فحسب، ثم رحل إلى سجن القناطر ومنعت الزيارات عنه إمعانا في إيذائه وأسرته..

وعندما سُمِح بالزيارات زارته زوجه الصابرة مع أبنائها الصغار فنصحها الشيخ بالصبر وقال لها بأنه يعطيها الحق في الطلاق حتى لا تضار من غيبته عن بيته فعليها أن تستشير إخوانها في ذلك أما أولاده فلهم رب يكلؤهم ويرعاهم حينها ردت عليه زوجه الكريمة الأصيلة المؤمنة أفيك أيها الداعية المؤمن أشاور أهلي ؟ لا والله أنا على العهد باقية ولدعوته راعية وللأولاد مربية... وهذا شأن المؤمنين والمؤمنات لا يأتون إلى بأطيب الأعمال

'*والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم*'
                                                                   سورة النور - الآية 26 

ونفذ الحكم الظالم عليه ولكنه لم يفرج عنه بعد انتهاء محكوميته لأنه لم يوقِع خطاب اعتذار للطاغية يتعهد فيه بعدم الدعوة إلى الله مرة ثانية فأبى وكان من نوادر ما حدث له أن أخا معتقلا عرض عليه كتابة هذا الخطاب وأن يوقع الشيخ عليه ويقدمه هذا الأخ للطغاة ولكن الشيخ أبى ونهره اقتداء بعزة الأنبياء والدعاة واتباعا لأمر قادة الدعوة وهو منهم فأخذ هذا الرجل الخطاب ووقعه بخطه هو وأمهره ببصمة إصبعه هو -أي الرجل - وعند ذهابه لتقديمه -دون علم الشيخ- تعثرت قدمه فسقط على رأسه ودخل في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام حالت بينه وبين تقديم الخطاب عندها رجع الرجل للشيخ وأخبره فضحك الشيخ وقال له حتى لا تهادن وتعتذر لطاغية ،وحُوِل إلى معتقل طرة ولم يفرج عنه حتى خرج عام 1971 بعد مضي ست سنوات في السجن الظالم

(وكان يقول- –إنني كنت أخرج نصف راتبي –ثلاثة جنيهات-في سبيل الله فحصلت على السجن ولو استقبلت من أمري ما استدبرت 

وكنت أخرجت راتبي كاملا –الستة الجنيهات-لم أكن لأجلس في السجن هذه الستة الأعوام-عليه رحمة الله تعالى وتقبل الله نفقته وجهاده.

  • وكانت حياته في المعتقل عبادة متصلة بين صلاة فلا يقعد عن الصلاة إلا لتدريس حلقات الفقه لبعض الإخوان معه ومنهم من تعلم الفقه من شيخنا حتى حصل على شهادة العالمية في الأزهر الشريف ثم بعدها الدكتوراة في أصول الدين وهو الشيخ الزاهد العابد القوَام المجتهد الدكتور حافظ أيوب-حفظه الله- * ومنهم من حفظ القرآن الكريم كاملا مشافهة من الشيخ بالمعتقل وهو الشيخ أحمد باشا رحمة الله عليه ومنهم التاجر الكبير الحاج محمد الشال الذي صحبه طوال اعتقاله وكذا بعد خروجه من المعتقل وكان يستشيره في كل صغيرة وكبيرة من أمور تجارته..وغيرهم كثير لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم....

وكان إذا أردت أن تستفتيه أو تتحدث معه لا تجده خاليا سوى وقت تناول الطعام أما سوى ذلك فصلاة وتعليم.

  • وكان يقول وهو ممتن شاكر لنعمة الله تعالى عليه:(اللهم أكرم من تسبب بدخولي المعتقل فلقد رأيت فيه الخير الكثير وما قرأت كتاب المحلى لابن حزم إلا في المعتقل، ومن هنا بدأ اهتمام شيخنا بكتاب (المحلى) لابن حزم وتيسيره للناس لينتفعوا بكنوزه.
  • ولم نذكر أنه عند دخوله المعتقل ترك أولاده صغارا وحدهم مع أمهم الصابرة وله ولدان وابنتان وكان أكبرهم أحمد عبد الحليم * والذي أتم حفظ القرآن الكريم في الحادية عشر من عمره في غياب والده بالمعتقل.

وقبل خروج الشيخ من المعتقل بأسبوع جاءته البشرى بنجاح ابنه أحمد في الثانوية العامة بدرجات تؤهله لدخول كلية الطب -وكان نِعم الابن الحاني على أبويه وإخوانه- وكان من مزيد كرم الله تعالى على الشيخ أن وهبه ذرية طيبة على نفس العهد بالدعوة إلى الله وحب الله ورسوله وحفظ القرآن الكريم والجهاد في سبيل الله تعالى حتى الابتلاء فقد سجن الظالمون أحمد ابن الشيخ عبدا لحليم بعد كبره لمد ثلاثة أعوام بعد محاكمة عسكرية ظالمة بنفس تهمة أبيه فصبر ورضي اقتداء بأبيه

                                  *ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم*  
                                                                             سورة آل عمران – الآية34  
         

وكان من نوادر تواصل الابن مع أبيه في الحياة بالقرآن الكريم أنه ذكر رحمة الله تعالى عليه بأنه لما مات جمال عبدالناصر * وكان الشيخ وقتها لا يزال معتقلا ولا يسمح لهم بأي أخبار من الخارج فأخفى السجانون الخبر عنه كيلا يفرح ولكن ابنه أحمد أرسل رسالة له تطمئنه على حال الأسرة –وبالطبع فإنها تراقب من قبل إدارة السجن قبل وصولها لوالده-ففكر كيف يخبره بالنبأ فكتب أعلى الرسالة جزء من آية فكتب

                       *والحمد لله رب العالمين*

وعندها فهم الشيخ مقصد ابنه وبشر من معه بقرب انفراج الأزمة وهلاك الطغاة مصداقا لقوله سبحانه وتعالى في أول الآية

          *فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين*
                                                         سورة الأنعام –الآية 45

فأي تربية وأي هداية تلك التي تربي ابنا في فترة المراهقة غائب أو مُغَيْبٌ أبوه ومحاصر بدعاية سيئة على أن يُحفظ من الفتن بل ويحفظ أهل بيته بحفظ القرآن الكريم له...إنه الله عز وجل

                                                   *وكان أبوهما صالحا* 
                                                                          سورة الكهف – الآية 82
  • ووهبه الله من أحفاده الذرية الطيبة المؤمنة الحافظة لكتاب الله ومنهم إيمان أحمد عبد الحليم والتي كانت الأولى في جميع مراحل التعليم الأزهري على مصر كلها ولها قصة مشهورة في المنع من التعيين بالجامعة *
  • وعند خروج الشيخ من المعتقل كان قائد المعتقل (عبد العال سلومة) يقف على باب المعتقل ليمعن في إذلال الأسرى المفرج عنهم ويتحقق من هوياتهم ولكن الشيخ بعزة المؤمن رغم شوقه وحبه للقاء أسرته وإخوانه بالخارج ظل يصلي حتى خرج جميع المفرج عنهم ويئس قائد المعتقل من انتظار التقليل من شأنه-حاشاه وشيخنا هو الكريم-فدخل حجرته عندها خرج الشيخ دون مصافحة هذا الجلاد الذي كان له دور كبير في مذبحة طره حيث استشهد أكثر من عشرين معتقلا بلا ذنب أو جريرة سوى إيمانهم ب(لا إله إلا الله محمد رسول الله) وعملهم على تحكيمها في المجتمع
                                     *وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد*
                                                                      سورة البروج – الآية 8

ومن زهده وطلبه الثواب من الله عز وجل فحسب أن دعاه أحد إخوانه لرفع قضية للحصول على تعويض مالي كبير عن سنوات الاعتقال والتعذيب فأبى الشيخ وقال له إذا كان تعويضا ماليا دنيويا فلا حاجة لي به وأما إذا كان التعويض من الله عز وجل فهذا ما أتمناه وكان من زهده وورعه أيضا أنه عندما مات أبوه -وقد كان يعمل مؤذنا بالمسجد- رفض شيخنا أن يحصل على ميراثه في بيت أبيه وذلك لأنه كان يأخذ بمذهب أن وظيفة الأذان للصلاة لا يستحق عليها المسلم أجرة أو معاشا شهريا، فقد كان يأخذ نفسه بالعزائم.

وذكر أبناؤه-من قبيل أن كل محنة تحمل في طياتها المنح- أن الشيخ كان يعاني قبل دخوله المعتقل من آلام شديدة مزمنة في القولون حتى إن طعامه كان محددا في بضعة أصناف فقط وكانت آلام القولون تعاوده كل فترة فيعاني منها ثلاثة أيام متصلة يفترش الأرض من الآلام وعندما دخل المعتقل خشي أبناؤه من معاودة الألم عليه ولكنه بعدما خرج لم يشتك قط من آلام القولون بل كان يأكل كل أنواع الطعام بلا آلام...فسبحان الله الذي جعل مع كل عسر يسرين

                         '*فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا*'
                                                            سورة الانشراح - الآيتين 5، 6

خروجه من المعتقل وجهاده الدعوي

وبعد خروجه من المعتقل صار معروفا في كافة أرجاء مصر عن طريق من عاشرهم فترة الاعتقال وعلموا إخلاصه وعلمه وزهده وورعه واتباعه الدليل في الأحكام فأصبح قبلة الإفتاء في مصر وكان يقتدي بإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام

                           *إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم*
                                                                       سورة النحل- الآيتين 120-121

فكان الشيخ عبد الحليم سعفان أمة في العلم إذا سألت عن الفقه تجده حاضرا بأدلته في شتى المذاهب وعند المواريث واللغة والتجويد ومشاكل الأسرة وكذا القضايا المعاصرة كان له القدح المُعلَى بها وقصب السبق في الإفتاء بعلم وكان لا يهادن في الحق-كشأنه في حياته كلها-فإذا جادله أحدهم بالباطل أو الزيغ والأهواء ردَه الشيخ إلى جادة السبيل وإلا فالطرد من نصيب صاحب البدعة المفتتن. وكان قلبه وبيته ومجلسه بمسجد الأنصاري بشبين الكوم مفتوحا لكافة الناس فمرة تجد في مجلسه صوفيا يسأل وأخرى سلفيا وثالثة من الإخوان المسلمون ورابعة من التبليغ والدعوة وخامسة من ليس له اتجاه معين من عامة الناس، ومرة تجد طبيبا وأستاذا جامعيا يسأل وثانية عاملا باليومية فيعطي كل واحد منهم وجهه وقلبه وكرمه وحظه من العلم والنصح والفتوى إذا كانت حاضرة وإلا وجَهه إلى غيره من العلماء مثل الشيخ/عبد المتعال سيف النصر –العالم الأزهري الفقيه المعمر والذي كان ينادي لشيخنا في كبره يا ولد يا عبد الحليم لقربه من قلبه وكذا يوجه للشيخ/سليمان الشيمي الفقيه الأزهري المالكي ويستهدي بآرائه وفتاويه في المذهب على الرغم من أن الشيخ سليمان كان ينادي شيخنا ب (يا أستاذي ويا شيخي)..وتلك من أخلاق العلماء وإن لم يعلم الإجابة على السؤال فما أيسر أن يقول لا أدري...رحمة الله تعالى علليه

وكان يحج بيته الكثير من الشباب ويفتح لهم قلبه في حنو وتواضع بالغ على الرغم من جهل غالب الشباب وطيشهم واعتدادهم بأنفسهم-وبجهلهم على الحقيقة-لكنه كان يوجههم في حنو بالغ فيقسم من جلس معه-رحمة الله عليه-بأنه كان يدخل على الشيخ مثقلا بالذنوب والهموم والأهواء تكاد تعصف بقلبه وفؤاده فإذا جلس مع الشيخ واستمع له خرج من قلبه كل شك وهم وهوى –بل وامتلأ قلبه إيمانا وعلما ويقينا وتوكلا على الله –فيخرج من بيت الشيخ وكأنه طائر مغرد مسبح يكاد يلامس السماء بجناحيه ويكاد قلبه يسبقه إلى عالم الخلد والملكوت..وهذا علامة –فيما نحسب والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا-علامة الإخلاص والقبول. وكان بعض طلبة الجامعة يقولون(لو كان كل الإخوان مثل الشيخ عبد الحليم سعفان لدخلنا كلنا في الإخوان المسلمون)

وقد ذكر الدكتور عصام العريان بأنه كان يطلب العلم عند الشيخ فينال مع العلم الصبر والحال الطيب والثبات على الحق *

علمه ومؤلفاته

وقد امتلأ قلبه بحب العلم حتى إنه حتى لا يضيع وقت من حياته بدون قراءة أو تحصيل علم عيَن أحد الأزهريين عنده وهو الشيخ توفيق خواجة-عليه رحمة الله تعالى-ليراجع معه الفقه يوميا ويقرأ عليه (المُحلى) لابن حزم لييسره الشيخ للناس ويخرج كنوزه ومَثَلُهُ كمثل النحل

            *وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا 
                       يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون* 
                                                                                              سورة النحل- الآيتين 68-69

فتناول الشيخ كتاب (المحلى) لابن حزم الظاهري علي بن حزم ونقده نقد الصائغ الماهر للجوهر الصافي فكشف طيب معدنه وندرة صنعته وفي مواضع كثيرة أيَده في رأيه باتباع النص وقوة حجته وفي أخرى حجَه الشيخ عبد الحليم بحجته بنصاعتها ورأي الأئمة الأعلام من فقهاء الأمة بل وذَبَ في أوقات كثيرة عنهم قسوة ابن حزم في نقده لهم...كل ذلك في أدب جمٍ وتواضع فريد –قلما تجد نظيره بين طلبة العلم بله العلماء الأفذاذ- ومن يطلع على مقدمته لكتابه (تيسير المحلى) فيجده يسِم نفسه بالمغامر تارة وبالطفل الذي يتطاول في مجالس الرجال تارة أخرى... كيف لا يقول ذلك..؟ وهو الزاهد في الدنيا بمنصبها وجاهها ومالها وقد جاء في الأثر عن النبي صلَى الله عليه وآله وسلم:

                      (إذا رأيتم الرجل قد أوتي زهدا في الدنيا ومنطقا فاقتربوا منه فإنه يُلقَنُ الحكمة)
                               أخرجه أبو نعيم والبيهقي وضعفه السيوطي في الجامع الصغير 1/ص84رقم635   

وكان يتناوب القراءة له مع الشيخ توفيق خواجه الشيخ عبد السلام باشا والأخ دسوقي عزوز وغيرهم ممن كان يقرأ على الشيخ كثير

وكان وقته كله علم ومدارسة فلا يمل من القراءة وكان الإخوة الذين يقرأون عليه يملأون يومه كله وكانت قراءته تبدأ من التاسعة صباحا حتى صلاة الظهر وما إن ينزل لصلاة الظهر إلا ويزوره قاريء آخر فيقرأ حتى قبيل العصر فيتناول الغذاء ثم يأتيه آخر بين العصر والعشاء ويكمل الأخير حتى منتصف الليل.. كل ذلك والشيخ مستمتع متنعم برياض الجنة وأزهار القرآن وثمار العلم الرباني...تقبل الله منه وألحقنا به في الجنة على خير..آمين

  • ولم يكتف الشيخ ب(تيسير المحلى) في خمسة مجلدات –وهو ما شرعنا بطبعه بتوفيق الله تعالى-ولكنه قام ب(تيسير شرح الإمام النووي لصحيح مسلم) –مخطوط- وكذا (مختصر الترغيب والترهيب)-مخطوط-

وكتب كتابا للمرأة المسلمة التي تتناوشها سهام الشيطان من كل مكان لتفتنها عن دينها وعفتها فأجاد في بيان دورها ومكانتها وحظها وخطرها في الإسلام وعليه ونصحها نصيحة الأب العالم الشفيق على ابنته وجوهرته المصون وسماه (المرأة المسلمة بين حزب الله وأحزاب الشيطان وبين صراط الله وحبائل الشيطان) *-نفد-

وكذا استفتاه أحد المسلمين المهاجرين باليابان عن فتوى دينية فأرسل له الشيخ وصية جامعة مانعة ماتعة في فضل الإسلام وأمة الإسلام 

وفضل المسلم والمؤمن وأن الكون كله خُلِق من أجله لطاعة الله تعالى وعبادته وواجب الدعوة إلى الله لإنقاذ الناس من نار الدنيا وشهواتها وجحيم الآخرة إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ثم ختمها بإجابة السائل عن سؤاله وفتياه-اقتداء بسنة رسول الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ومنهجه في دعوة السائليْن عن تأويل رؤياهما بأن دعاهما للإيمان وعبادة الله وحده أولا ثم قص عليهما بعدها تأويل رؤيا كل واحد منهما

                                 * ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما....*
                                             الآيات من سورة يوسف (من الآية36 حتى الآية 41)

وسُميت هذه الرسالة (هذه وصيتي) *-نفد-

وعندما وجدت فتنة غمرت العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه بالخوض في المتشابه وتأويله وإرغام العامة عليه فقسمت الأمة وشقت رايتها وفرقت قلوبها كتب رسالة محكمة عن المحكم والمتشابه وسُميت (في ظلال الإيمان) *-نفد-

أوضح وأبان من خلالها أركان الإسلام والإيمان والإحسان وفقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهما معينا ونبعا الإسلام الصافي الذي استقت منه الأمة كلها إيمانها من بدء الرسالة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

           *هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنَ أم الكتاب وأُخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه
               ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا 
                      وما يتذكر إلا  أولو الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة
                        إنك أنت الوهاب ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد*
                                                                  سورة آل عمران –الآيات 7، 8، 9

علماء ودعاة عاصروه

وكان الشيخ أول من خطب العيد في الخلاءفي المنوفية -اقتداء بسنة المصطفى صلَى الله عليه وسلم- بشبين الكوم وكانت للشيخ دروسه العلمية الفقهية في مساجد المنوفية وكذا سافر في رحلة دعوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1988 لدعوة وإفتاء مسلمي الغرب لقضاياهم الحياتية ومسائلهم المستحدثة. وقد خصص الشيخ يوما بالأسبوع لإلقاء درس للنساء بالمسجد لما يعرفه الشيخ من دور للمرأة في حمل مشعل الإسلام وتربية النشء والحفاظ على الأسرة المسلمة. وكان الشيخ معروفا لدى كثير من دعاة الدول العربية وكانوا يرسلون له من يأخذ الفتوى منه وقد كان كثيرا ما يأتيه المستفتون من لبنان والسعودية والإمارات وكان من حبهم وثقتهم بعلمه أن طلب أحد الإخوة اللبنانيين من مرافق الشيخ الأمين الأخ/عبد الرزاق سنان أن يحمل معه مسجلا دائما ليسجل جميع فتاويه وأحاديثه حتى يستفيد منها الناس لإنه كان قليل الكلام إلا بالعلم النافع.

وكان للشيخ احترامه وتقديره من الشيوخ ومنهم ملك المنابر المتوج وسلطان خطباء العصر بلا منازع الشيخ عبد الحميد كشك [٣] الذي صحبه في معتقله ومدح صبر الشيخ عبد الحليم في إحدى خطبه،

ومنهم الداعية الخطيب الذي إذا خطب فكأنك ترى الآخرة رأي عين وإذا قرأ القرآن ترى وجلا وبكاء وتأثرا الشيخ إبراهيم عزت*

إمام جماعة التبليغ والدعوة*

فقد كان يزور الشيخ ويزوره الشيخ في بيته بجوار مسجد أنس بن مالك بالقاهرة ويبيت عنده يتدارسان العلم والفقه ويفكران في ما يصلح أحوال المسلمين

وكذا الشيخ عبد اللطيف مشتهري * رئيس الجمعية الشرعية * وفقيهها والذي كانا يترافقان معا في بعض الرحلات الدعوية،

وكان محبا للشيخ حسن أيوب * وكان الشيخ يزوره في منوف ويحضر دروسه العلمية القيمة.

ومن شيوخ الشيخ عبد الحليم الذين تتلمذ على أيديهم الشيخ علي شلبي

ومن أحبابه المحدث الأزهري الداعية الفقيه الزاهد الصابر الأستاذ الدكتور سيد نوح* والذي عمل على طباعة كتاب (تيسير المحلى) للشيخ عبد الحليم ولكن أجله سبقه،

وكذلك عالم القراءات الزاهد العابد التقي الورع الشيخ أحمد البربري *

وكانا يسميان معا(القطبان) عندما يلتقيان معا تلتقي علوم الشريعة مع علوم الحقيقة والقرآن حتى إن مرافق الشيخ عبد الحليم الأخ عبد الرزاق سنان يروي قصة زيارة الشيخ عبد الحليم للشيخ البربري بمسجده (سيدي خليل) فوجد الشيخ البربري يقدم يحبو على يديه وركبتيه مقتنصا يد الشيخ عبد الحليم مقَبِلا لها عندها شعر الشيخ به فعانقه بحب وعاطفة وتقدير حتى إن عمامتيهما (غطاء الرأس الأزهري)سقطتا من على رأسيهما من حرارة اللقاء ودفء الحب في الله بين عالمين زاهدين مقبلين على الآخرة.

وكذا كان حب الشيخ للشيخ الدكتور الزاهد القوَام الشيخ حافظ مصطفى أيوب الذي لازمه من شبابه وفي محنته وتعلم منه حتى حصل على الدكتوراه في أصول الدين من جامعة الأزهر وهو الذي لم يكن قبلها إلا حاصلا على الابتدائية المهنية الزراعية وكذا حصل على دكتوراه أخرى في الزراعة ،فدام الود واتصل بينهما حتى مع تباعد المسافات بعد سفر الدكتور حافظ للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة كان يأتيه في إجازته زائرا للشيخ شاكرا له متعلما ويبيت في بيته الليالي ذوات العدد يتدارسان العلم بالنهار ويقومان الليل إلا قليلا.

ومنهم أيضا الشيخ العلاَمة الأزهري الصوفي السني صاحب الأحوال ذو الوجه المنير الشيخ محمد عباس وكان الشيخ عبد الحليم سعفان يجلس منه –على الرغم من وفرة علمه وكبر سنه- مجلس التلميذ من أستاذه لمعرفته بقدره ومنزلته وكان الشيخ محمد يقربه ويحبه ويختصه بمنزلة عظيمة.

ومنهم الداعية المجاهد الصابر الزاهد إمام مسجد العمودي بجدة الشيخ محمد أبو السعود ذو الباع الطويل وزارع بذرة الدعوة في ميت خاقان وما جاورها من بلاد وكذا سيناء وقلَما تجد داعيا إلا وقد تأثر به-حفظه الله-فكان الشيخ عبد الحليم يحبه ويوقره وكانا يصليان معا التراويح بمسجد معاذ بن جبل بشبين الكوم فيؤم الشيخ عبد الحليم الناس في صلاتهم بقراءة جزء من القرآن في ثمان ركعات فكانت قراءته تفسيرا وبيانا وفهما وتأثرا بالقران الكريم حتى كان الناس يقولون عنها (قراءة مفسرة) حتى إذا وصل للوتر يرجع من القبلة للصف الأول ويدع الوتر والدعاء للشيخ محمد أبو السعود وعندما سئل عن ذلك قال أدع الوتر والدعاء لرجل صالح لعل الله عز وجل يتقبل منه فيغفر لنا ويرحمنا. وعندما سئل لماذا لا تصل التراويح بثلاثة وعشرين ركعة اقتداء بسنة أمير المؤمنين سيدناعمر بن الخطاب والخلفاء الراشدين من بعده؟ قال إن الناس لا تستطيع ولكنني عندما أرجع إلى بيتي أكملها ثلاثاً وعشرين ركعة.

وكذا الأستاذ المربي المجاهد الصابر الحاج محمد عمارة(1930-2010) * الذي صبر وامتحن في إيمانه فخرج من الفتنة والابتلاء أصفى وأنقى من الماء الزلال والعسل المصفى والذهب الخالص فكان حب الله يجمعهما والجهاد في سبيل الله سبيلهما وذكره الحاج محمد عمارة في مذكراته عن شخصيات دعوية قدوة للجيل وشهادته على العصر.

ومنهم القائد المجاهد الفار بدينه إلى الله ورسوله الذي أعجز الطغاة في إدراكه الحاج فرج النجار * عليه رحمة الله.

ومن معاصريه الشيخ العلاَمة عبد المجيد يس شيخ المعهد الأزهري بشبين الكوم والذي كان يُنزل الشيخ منزلة كبيرة.

وكذا الشيخ الأزهري الصوفي محمد أبو الحسن المدرس بالمعهد الأزهري

وأيضا الشيخ علي شتلة والذي كان يستمع لدروس الشيخ حسن البنا فيحفظها عن ظهر قلب ويعيدها بتمامها في مسجد سيدي لاشين حيث كان يعمل خطيبا له ولكن الطغاة حبسوه وآذوه أشد الأذى.. وتقبل جهاده وصبره

ومنهم أيضا الشيخ المقرئ البصير بقلبه الشيخ عبد المنعم الزوبري والذي كان قريب الشبه بشيخنا وكان يعتز بهذا الشبه ويدعو له ويزوره ويذكره بالخير دائما.

وكان الشيخ الكاتب النحرير قوي الحجة رفاعي سرور * يدفع للشيخ كتبه ومنها (عندما ترعى الذئاب الغنم) ليقرأها الشيخ ويضيف عليها تعليقاته –إن وجدت- ويناقشها معه ويطلب نصيحته ومشورته.

ومن محبيه الشيخ المالكي الأزهري البصير بقلبه وفؤاده الشيخ سليمان الشيمي.

وكذا الشيخ سيد النحاس العالم الأزهري البصير بقلبه

ومنهم الشيخ محمد محمد سيد علام الشهير بالشيخ شعبان علام وكيل الوزارة بالأزهر والمفتش وعلاَمة الفقه والمواريث وقد كان تلميذا للشيخ عبد الحليم وهو نسيبه أيضا.

ومحب القرآن ومحفظه للكثير من الدعاة الشيخ شفيق الشرقاوي

والشيخ الأزهري الدكتور محمود السبكي

وكان للشيخ عبد الحليم سعفان أختا اسمها الشيخة منيرة وكانت تلقي الدروس الدينية للنساء بمسجد سيدي لاشين بشبين الكوم وكذلك كانت توصله لطلب العلم وهو صغير فجزاها الله خيرا.

ومن محبيه ومعاصريه الشيخ الداعية المجاهد درة الزهد وياقوتة التواضع الشيخ عبد الخالق الشامي وكانا يتناوبان صلاة التراويح في مسجد الزناتي بشبين الكوم فيصلي الشيخ عبد الخالق الركعات الأولى للعامة بثلاثة أرباع الجزء وكانت تسمى (صلاة الشيوخ) لأن غالبية أتباعه من كبار السن ثم يكمل الشيخ عبد الحليم باقي الركعات الثلاث والعشرون بجزء كامل من القرآن الكريم وكانت تسمى (صلاة الشباب) لأن غالبية مأموميه من الشباب

وكذا أيضا الشيخ عبد الخالق العطار الداعية المعروف والمعالج بالقرآن الكريم

وكذلك احترامه وتقدير علمه وجهاده ملأ قلب داعية العصر ومجاهد بلاد الأفغان وشهيد الجمعة المجاهد الشهيد الدكتور عبد الله عزام حيث أهداه الشهيد عبد الله عزام [* http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9%D8%B2%D8%A7%D9%85 ] نسخة من رسالة الدكتوراه الخاصة في أصول الفقه من جامعة الأزهر والتي هي بعنوان (دلالة الكتاب والسنة على الأحكام من حيث البيان) وكان الشيخ عبد الحليم من أكثر الداعمين للجهاد بأفغانستان وفلسطين بالنفس والنصح والنفقة.

جهاده الاجتماعي

وقد كان مع كل هذا لا ينسى العامة من جهده الاجتماعي فكم قام بتزويج النساء والسعي لإيجاد زوج صالح لهن والنفقة عليهن حتى إن جهده الاجتماعي وصل لباقي الدول العربية والخليج فكم من أخ مسلم هناك وجد ضالته لدى الشيخ من زوجة صالحة تملأ جنبات حياته بالإيمان والمودة والرحمة وكان رحمة الله عليه لايهنأ له بال حتى يجد زوجا لأي أخت أو أخ يلجئ له للزواج حتى إنه في كثيرة كان هو من يبادر بعرض خدمته عليهم حتى ولو لم يكن معهما أي مال يبدءان حياتهما به فييسر لهما الأحوال ويمنح وجهه لإخوانه ومحبيه لييسر السكن ونفقات العرس للعروسين وذلك لعلمه بأهمية الأسرة المسلمة لبناء المجتمع المسلم وبأن الزواج من أشد الطاعات على الشيطان وأعوانه.

على الرغم من هذا الجهد الجهيد والعمل المتواصل لم ينس حظه من قيام الليل فكان يقول لأحد مرافقيه عندما ذكر له بأنه فاتته صلاة الفجر في المسجد فقال له الشيخ عبد الحليم سعفان وهل تفوت الأخ المسلم الداعية صلاة القيام حتى تفوته صلاة الفجر!؟ وكان شيخنا يصلي كل ليلة أحد عشر ركعة اقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا تسل عن حسن صلاته وتمتعه بالقرآن الكريم فيها، وكان كثير الصيام.

وكان من توقير قادة الدعوة له وحبه لهم أن طلب من الحاج محمد عمارة أن يزور الأستاذ حسن الهضيبي 4 المرشدالثاني للإخوان المسلمون وعندما علم الأستاذ الهضيبي بذلك قال لا الواجب علي أن أزوره أنا ،ولكن القدر لم يمهله وتوفي الأستاذ الهضيبي قبل الزيارة.فذهب الشيخ عبد الحليم سعفان إلى القاهرة لأداء واجب العزاء وحينها عرض عليه القائمون على الدعوة تولي شئون الدعوة بمحافظة المنوفية ولكنه رفض رفضا شديدا ليقينه بعظم المسئولية وثقل التبعة واختار أن يكون جنديا عن أن يكون قائدا.

وعند زيارة الأستاذ عمر التلمساني 5 المرشد الثالث للإخوان المسلمون لمدينة شبين الكوم وإلقاءه خطابا بجوار مدرسة الثانوية بنات مدحه في خطابه وذكر بأن الشيخ عبد الحليم سعفان أمير الإخوان وإمامهم بالمنوفية.

وكان الشيخ يملأ وقته بالحض على الجهاد والإنفاق والدعاء للمجاهدين بفلسطين وأفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان ويسأل عن أحوال المسلمين في العالم الإسلامي أجمع وكان يفرح لفرح أي مسلم في بقعة من الأرض ويحزن لحزنهم وكان يسمع الأخبار في الإذاعة البريطانية وعند أي خبر خير ونصر للأمة أو اندحار أعداءهم كان يكبر ويسجد سجدة شكر طويلة ويبكي وكأنه هو من انتصر على الرغم من بعد المسافات واختلاف اللغات وإذا سمع خبرا يسوءه عن مسلم اغتمَ لذلك ويدعو الله عز وجل بأن ينقذهم من امتحانهم وابتلاءهم.

وكان يجمع نفقات المجاهدين بفلسطين والشيشان وغيرها من دول الإسلام ويرسلها لهم حتى إنه في مرض وفات استدعى أحد محبيه على وجه السرعة وأنَبه على تأخره عن القدوم له وقال له بأن لديه مبلغا من المال يريد أن يرسله للمجاهدين وتأخر عليه وعندما أحضرت زوجه الصالحة المبلغ قال لها هذا لا يكفي وأخذ من مصروف بيته –والذي يكفيه بالكاد-أخذ منه مبلغا آخر وأعطاه للرجل وأمره بأن يوصله إلى مصارف المجاهدين بفلسطين وأن يرجع في نفس اليوم ليطمئنه على تسليمه وعند عودة الأخ واطمئنانه بتسليم المبلغ فرح الشيخ فرحا كبيرا وحمد الله عز وجل وسجد لله شكرا له سبحانه وتعالى ثم طلب من الأخ أن يجلس معه-وكان هذا بعد العصر- وسأله أن يقرأ عليه من كتب الفقه وتفسير القرطبي –الذي كان الشيخ قد شرع في اختصاره ولكن الأجل لم يمهله-فذكره الرجل بأنك يا شيخ مريض فقال له الشيخ بأنه مرض بسيط لا يشعر به –على الرغم من أن الشيخ كان مريضا بتليف الكبد ولكنه حب الله والدار الآخرة ملأ أركان قلبه فأنساه بدنه وآلامه-فأخذ يقرأ على الشيخ حتى أذن المغرب فأمره الشيخ بأن يصلي بالمسجد ويأتيه بعدها ليكمل فأكمل حتى العشاء فأمره أن يصلي بالمسجد ثم يرجع لإكمال القراءة ففعل وأخذ في القراءة حتى انتصف الليل في الثانية عشرة مساء-أي حوالي ثمانية ساعات من القراءة المتصلة كل ذلك والشيخ مريض وعمره ثلاثة وثمانون عاما-فأشار له الشيخ بأن كفى حتى لا يؤخر القارئ فسأله المرافق بأن متى يستريح الشيخ من القراءة فأجاب الشيخ عبد الحليم سعفان رحمة الله عليه بأنه حياته في العلم والقراءة وأن اليوم الذي لا يقرأ فيه يكون مماته.

فكان يوم الشيخ عامرا بالخير والعلم والعمل الصالح والجهاد فبين صلاة ونفل وصيام وقراءة قرآن حيث كان الشيخ يختم القرآن قراءة كل ستة أيام سوى أيام رمضان حيث كان يشد المئزر ويوقظ أهله ويعتكف وفي العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوما- اقتداء بسنة المصطفى صلي الله عليه وسلم في آخر عام من حياته الشريفة صلى الله عليه وسلم حيث اعتكف عشرين يوما لأنه لم يعتكف العام الفائت- فاعتكف الشيخ بمسجد سيدي خليل.

وفاته

وفي الأيام التي سبقت وفاته كان ملازما للفراش وتجمعت عليه الأمراض بين الرئة والكبد وغيرها وكأنها-فيما نحسب والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا-تخليصا للشيخ من بشرية أعضاءه وطبيعتها الترابية الأرضية وإبقاء لروحه العلوية السماوية استعدادا للعروج إلى رب الأرض والسماوات سبحانه، وتلقى كل ذلك بصبر ورضا لقضاء الله عز وجل وطالما قال

                                               '(نِعِمَا اختيار الله)'

-وكان في مرض موته لا يأكل إلا نادرا وفي آخر ليلة استيقظ وطلب من أهله طعاما فتناوله ثم نام فاستيقظ وأيقظ أهله لصلاة الفجر جماعة ثم قرأ القرآن وصلى الضحى وبعدها أحس بقرب لقاء ربه فدعا ابنه المجاهد الدكتور أحمد-عليه رحمة الله تعالى-وأخذ يستعرض ويقرأ معه آيات الجنة كلها آيةً آية حتى إذا انتهى فاضت روحه الشريفة رضوان الله عليه وهذا ما رواه ابنه الدكتور أحمد سعفان ،وقد ذكر الشيخ الدكتور حافظ أيوب عندما كان جثمان الشيخ مسجى في مسجد الأنصاري انتظارا لصلاة الجنازة عليه بأنه لم يعلم بوفاة الشيخ إلا برؤيا رآها ليلة وفاة الشيخ بأنه يرتدي زى علماء الأزهر جالسا في قبره للسؤال فجاء من القاهرة للاطمئنان عليه فوجده قد مات عليه رحمة الله تعالى. وروى مرافقه الأخ عبد الرزاق سنان بأنه عندما دخل عليه وقت غسله وجد وجهه مدورا مثل البدر وكأنه نور من القمر ليلة اكتماله وكأنه نائم نومة هانئة فقبله على جبينه الشريف.

وكانت جنازته شاهدا على حياته وجهاده وعلمه وحاله فكان كل الناس يعزي بعضهم بعضا وكان الواحد منهم يعزي نفسه بأنه فقد أعز من نفسه بل وأحرص الناس على الخير للناس....

وصلَى عليه الشيخ أحمد باشا بمسجد الأنصاري بشبين الكوم وكانت وفاته سنة 1417هـ - 1996م

وما زال خيره مستمرا حتى بعد وفاته فقد رأت زوجه الكريمة الشيخ عبد الحليم سعفان بعد وفاته في المنام وبأن الفجر قد حان وقت أذانه فسألته بأن تؤذن لصلاة الفجر فقال لها لا بل الأخ فلان وفلان سيؤذنان للصلاة وسماهما فقامت مستبشرة وأبلغهما زوج ابنتها الدكتور عصام الشافعي بالرؤيا فأولت بالحج فحج هذان الأخوان من عامهما وبعده أكثر من مرة. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                                                (أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا)               رواه مسلم

رضي الله عن شيخنا العلاَمة الشيخ عبد الحليم سعفان ورحمه رحمة واسعة وغفر لنا وله ولوالدينا ولجميع المسلمين وألهمنا رشدنا بمنه وكرمه وأسكننا الفردوس الأعلى من الجنة على خير، وسقانا شربة هنيئة بيد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من نهر الكوثر لا نظمأ بعدها أبدا وأن يُشفع فينا سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وآله والملائكة وآتاه الوسيلة والحمد لله رب العالمين

                        '* ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين 
                                         وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما*'
                                                                                      سورة النساء – الآيتين 69-70
                                        '*وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين*'  
                                                                           سورة يوسف - الآية 81

مراجع