ظاهرة كهروضوئية
المفعول الكهروضوئي أو الظاهرة الكهروضوئية أو الكَضَاءَةُ (بالإنجليزية:Photoelectric Effect) هي انبعاث الإلكترونات من الأجسام الصلبة والسائلة والغازية عند امتصاص الطاقة من الضوء، حيث تسمى الإلكترونات المنبعثة من هذه الظاهرة بالإلكترونات الضوئية (Photoelectrons).
في عام 1887، لاحظ العالم هيرتز أنه عند تعريض سطح من مادة موصلة لشعاع فوق بنفسجي فإنه الشرر الكهربائي يتولد بسهولة أكبر. وفي عام 1905 قدم أينشتاين ورقة أبحاث فسرت النتائج العملية للظاهرة الكهروضوئية على أن طاقة الضوء توجد على شكل كميات من الطاقة سميت فوتونات. وقد أدى اكتشافه هذا إلى ثورة عظيمة في علم فيزياء الكم. وقد منح آينشتاين جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 على تفسيره التأثير الكهروضوئي.
يتطلب التأثير الكهروضوئي وجود فوتونات ذات طاقة تعادل ما يقارب 1 ميجا إلكترون فولت في العناصر ذات العدد الذري الكبير. وأدت دراسة التأثير الكهروضوئي إلى التقدم في فهم الطبيعة الكمية للضوء والإلكترونات، كما كان لها الأهمية في تشكيل مفهوم ازدواجية الموجة-والجسيم. وفسرت كذلك ظاهرة أخرى وهي تغيير الضوء لمسار الشحنات. كما أنها ألقت الضوء على اكتشاف ماكس بلانك السابق للعلاقة التي تربط الطاقة والتردد الناشئة عن تكميم الطاقة.
إسهامات ألبرت آينشتاين في جزئيات الضوء
في عام ١٩٠٥، قام موظف ألماني مغمور يبلغ من العمر ستة وعشرين عاما ويعمل في سويسرا بنشر ثلاثة أبحاث علمية في مجلة فيزيائية علمية رائدة في مجال العلوم. تناول البحث الأول بالشرح الظاهرة العجيبة التي تسمى الحركة البراونية في عام ١٨٢٧. بينما تناول البحث الثاني النظرية النسبية الخاصة (١٩٠٤). أما عن البحث الثالث، فقد كانت آراؤه مهمة وثورية في الوقت نفسه - كما هو الحال مع البحثين السابقين. لكن هذا البحث قد تميز عن غيره في أنه كان السبب في حصول آينشتاين على جائزة نوبل في عام ١٩٢٠. لقد تناول هذا البحث الثالث الفكرة الأكثر أهمية وغموضا في علوم القرن العشرين، ألا وهي فيزياء الكم.
لقد كان موضوع البحث عن التأثير الكهروضوئي الذي اكتشفه العالم هاينريتش هيرتز، وهو الذي قام باكتشاف الموجات اللاسلكية (١٨٨٨). فعندما يسقط الضوء على سطح معدني، فإنه ينبعث من هذا السطح كهرباء سالبة والتي يمكن تجميعها بواسطة لوح معدني قريب. ولم يهتم هيرتز بهذا الأمر كثيرا، ولكن بعد ذلك بحوالي عشر سنوات انتبه العالم فيليب لينارد إلى هذه الحقيقة. فقد قام بإجراء تجربة لقياس كمية الطاقة التي تحملها الإليكترونات عند انطلاقها من هذا السطح المعدني تحت تأثير الضوء الساقط عليه.
توقع لينارد أنه كلما زادت شدة الضوء، زادت كمية الطاقة التي تحملها الإليكترونات، إلا أن الأمر لم يكن كذلك. فالمزيد من الضوء يؤدي إلى انطلاق المزيد من الإليكترونات، الأمر الذي ينتج عنه تولد تيار أكبر ولا ينتج عنه تغير في كمية الطاقة التي يحتوي عليها كل إليكترون. وأدت هذه النتيجة إلى إصابة الكثير من الناس بالدهشة؛ نظراً لأن ما يهم في هذا الصدد هو لون الضوء. فاللون الأزرق للضوء ينتج عنه المزيد من طاقة الإليكترونات بما يفوق اللون الأحمر للضوء. حتى إنه إذا كان لون الضوء شديد الاحمرار، فلن تنطلق أي إليكترونات على الإطلاق.
كانت مادة الفيزياء القديمة التي نجحت كثيرا في القرن التاسع عشر، تعجز في بعض الأحيان عن تقديم تفسير لبعض من الجوانب في القرن العشرين. فقام العالم آينشتاين في مستهل القرن الجديد بكشف العديد من هذه الأسرار الغامضة. فقد علم أن زميله ماكس بلانك (١٩٠٠) قد شرح العديد من النقاط الغامضة في مجال الإشعاع الذي ينبع من الأجسام الساخنة، حيث افترض أن الطاقة يمكن نقلها فقط بكم معين لحجم معين وأن كمية الطاقة التي يحتوي عليها كل كم تعتمد على تكرار اللون المتعلق بالضوء الساقط على مثل هذه الأجسام أو أنها تعتمد على الأشعة تحت الحمراء.
في إحدى الخطوات المتطورة لذلك الأمر، قام آينشتاين بتأكيد الوجود المستقل لهذه الحزم من الطاقة. فقد قال إن الضوء يمكن أن يسلك مسارا مثل التيار الثابت لهذه الحزم الخاصة بالطاقة - أو كم الضوء، والذي عرف فيما بعد بوحدة الفوتون. فوفقاً لما جاء به العالم بلانك، كلما زاد الضوء الأزرق (أي كلما زاد تردد الضوء)، زادت كمية الطاقة التي يحملها كل كم من الضوء. وستكون هناك حاجة إلى كمية معينة من الطاقة لاستخراج هذه الإليكترونات، ولذلك ستفلح جميع ألوان الضوء في هذا الأمر فيما عدا اللون الأحمر القاتم. فإذا كان كم الضوء يحمل قدرا أكبر من الطاقة يزيد عن الحد الأدنى، فسينتهي هذا الكم من الضوء بالحصول على الإليكترون، ولذلك فإن طاقة كم الضوء المعروفة بالفوتون ستعتمد فقط على لون الضوء. وتعني زيادة كم الضوء (زيادة شدته) زيادة عدد الإليكترونات امنطلقة من الذرة. يبدو أن كل الأدلة يمكن تطبيقها هنا.
كان علماء الفيزياء التقليدية الذين أنارت أعمالهم ونظرياتهم العالم أجمع لمدة مائة عام (يونج ١٨٠١) في أشد حالات الغضب والثورة. وكان من أكثر العلماء الذين عبروا عن ذلك الغضب صراحة هو العالم التجريبي الأمريكي الشهير روبرت ميليكان. فلمدة عشر سنوات، حاول جاهدا دون نجاح إثبات خطأ آينشتاين فيما توصل إليه. ولكن تجاربه كلها أثبتت صحة آراء آينشتاين فيما يتعلق بأن الضوء يتكون من جسيمات. وبالرغم من ذلك، وقف القليلون إلى جانب العالم آينشتاين.
ظهرت أدلة جديدة وحاسمة في عام ١٩٢٢، في الوقت نفسه تقريبا الذي فيه ظهرت فيزياء الكم التي تدين بكثير من الفضل إلى أفكار آينشتاين (إلا أنه في نهاية المطاف، اعترض عليها). قام العالم الأمريكي آرثر كومبتون بإجراء تجربة أدت إلى انبعاث أشعة جاما أو أشعة إكس (اللتين يتم اعتبارهما الآن وثيقتي الصلة بالضوء) من الإليكترونات بطيئة الحركة المنطلقة من الذرات. وقد قلت نسبة تكرار انبعاث الأشعة بالمقارنة. ويدل هذا بقوة على مسار أشعة جاما وأشعة إكس الذي يشبه مسار الجسيمات؛ حيث تفقد كلتاهما بعضا من الطاقة لكي يتم إعطاؤها للإليكترونات. الأمر الذي يقلل من ترددها في الثانية الواحدة. ولذلك، يمكننا أن نقول مرة أخرى إن ما توصل إليه آينشتاين يعد الأفضل من بين كل النظريات التي عرضت.
لم يكن لينتهي هذا الجدل في ذلك اوقت. فالضوء لا يزال يسلك مساره كموجات في الكثير من الأحيان مثل التداخلات والانحرافات (يونج ١٨٠١), ولا تزال أشعة إكس تقوم بالشيء نفسه (الأخوان براج ١٩١٥). لذلك، فإن معظم ما توصل إليه آينشتاين عن الموجات يصلح أن ينطبق على الجسيمات. من ناحية أخرى، ادعى الفرنسي لويس دي بروجلي أن عكس نظرية آينشتاين يعد صحيحا أيضا (١٩٢٤). 1907
آلية الانبعاث
تملك الفوتونات طاقة معينة تتناسب مع تردد الضوء. في عملية الانبعاث الضوئي، إذا امتص إلكترون في مادة ما طاقة فوتون واحد وكانت طاقته أكبر من اقتران الشغل (طاقة ربط الإلكترون) للمادة فسينبعث الإلكترون. أما إذا كانت طاقة الفوتون قليلة جداً، لن يصبح الإلكترون قادراً على التحرر من المادة. وعند زيادة شدة الضوء فإن عدد الفوتونات المنبعثة يصبح في تزايد، ويؤدي هذا إلى زيادة عدد الإلكترونات المنبعثة، ولكنه لا يؤدي إلى زيادة طاقة الممتصة للإلكترون الواحد. ومن هذا نستنتج أن الطاقة التي يحملها الإلكترون المنبعث لا تعتمد على شدة الضوء الساقط عليه، بل تعتمد فقط على تردد (طاقة) هذا الضوء. وهذا يربط طاقة الفوتون الساقط وطاقة الإلكترون المنبعث.
تستطيع الإلكترونات امتصاص طاقة الفوتونات عند تعريضها لشعاع، ولكنها في العادة تتبع مبدأ "كل شيء أو لا شيء". كل طاقة الفوتون يتم امتصاصها واستخدامها لتحرير إلكترون واحد من الرابطة الذرية، وإلا فإن طاقة الفوتون ستنبعث مرة أخرى. فإذا تم امتصاص طاقة فوتون، جزء من الطاقة سيحرر الإلكترون من الذرة، والباقي سيعمل على زيادة الطاقة الحركية للإلكترون الحر.
الملاحظات التجريبية من الانبعاثات الكهروضوئية
يجب على نظرية التأثير الكهروضوئي أن تشرح الملاحظات التجريبية لانبعاث الإلكترونات من سطح مادة معرض للضوء.
لمعدن معين، يوجد حد أدنى للتردد حيث عند تعريض سطح المعدن لتردد أقل منه فلن يوجد إلكترونات ضوئية منبعثة. ويسمى هذا التردد تردد العتبة. وعند زيادة تردد الشعاع الساقط، وإبقاء عدد الفوتونات الساقطة ثابتاً، سيؤدي هذا إلى زيادة طاقة الفوتون وبالتالي زيادة الطاقة الحركية للإلكترونات الضوئية المنبعثة، وبالتالي زيادة جهد الإيقاف. ويتغير أيضاً عدد الإلكترونات لأن احتمالية أن يتسبب كل فوتون بانبعاث إلكترون مقترنة بطاقة الفوتون.
فوق تردد العتبة، تعتمد طاقة الحركة العظمى للإلكترون على تردد الضوء الساقط، ولكنها لا تعتمد نهائياً على شدة الضوء الساقط.
يتناسب عدد الإلكترونات المنبعثة تناسباً طردياً مع شدة الضوء الساقط، لمعدن معين وبتردد معين للشعاع الساقط. وتؤدي زيادة شدة الضوء (مع إبقاء التردد ثابتاً) إلى زيادة قيمة التيار الكهروضوئي، ويبقى جهد الإيقاف ثابتاً.
الفترة الزمنية الفاصلة بين سقوط الشعاع وانبعاث الإلكترون هي فترة زمنية قليلة جداً، ما يعادل تقريباً أقل من ثانية.
يصل اتجاه توزيع الإلكترونات المنبعثة قيمته العظمى عند اتجاه الاستقطاب (اتجاه المجال الكهربائي) للضوء الساقط، إذا كان مستقطباً بشكل خطي.
الوصف الرياضي
الطاقة الحركية العظمى <math>K_{\mathrm{max}}</math> لإلكترون منبعث تعطى بالعلاقة التالية:
حيث ثابت بلانك و تردد الفوتون الساقط. الرمز = هو رمز اقتران الشغل (في بعض الأحيان يشار إليه ب أو )، وهو الذي يعطي الحد الأدنى من الطاقة اللازمة لتحرير إلكترون من سطح معدن ما. ويعبر عن اقتران الشغل ب:
حيث هو تردد العتبة للمعدن. وبالتالي تكون الطاقة الحركية العظمى لإلكترون منبعث هي:
وبما أن الطاقة الحركية موجبة، إذن يجب أن نحصل على حتى يظهر التأثير الكهروضوئي.
جهد الإيقاف
العلاقة بين التيار والجهد المطبق توضح طبيعة التأثير الكهروضوئي. للتوضيح، إذا كان هناك مصدر ضوء يضيء صفيحة "ب"، ويوجد صفيحة أخرى "ق" تجمع الإلكترونات المنبعثة. ونحن نقوم بتغيير الجهد بين "ب" و"ق" ونقيس التيار المتدفق في الدائرة الخارجية بين الصفيحتين.
إذا كان تردد وشدة الضوء الساقط ثابتين، سيزداد التيار الكهروضوئي تدريجياً مع زيادة الجهد الموجب عند الصفيحة المجمعة حتى يتم تجميع كل الإلكترونات الضوئية المنبعثة. عند نقطة معينة سيبلغ التيار الكهروضوئي حد الإشباع وبعدها لن يزداد حتى لو ازداد الجهد الموجب. ويعتمد التيار المشبع على شدة الإضاءة، ولا يعتمد على طول الموجة.
إذا طبقنا جهداً سالباً على الصفيحة "ق" وقمنا برفعه تدريجياً، سيقل التيار الكهروضوئي حتى يصل الصفر، عند جهد سالب معين على الصفيحة "ق". أصغر جهد سالب مطبق على الصفيحة "ق" بحيث يجعل التيار الكهروضوئي يصبح صفراً يسمى جهد الإيقاف أو جهد القطع.
1- لتردد معين من الإشعاع الساقط، يعتمد جهد القطع على شدة الضوء.
2- لتردد معين من الإشعاع الساقط، يتعلق جهد القطع بالطاقة الحركية العظمى للإلكترون الكهروضوئي الذي توقف من الوصول إلى الصفيحة "ق". إذا اعتبرنا m هي الكتلة و v هي السرعة القصوى للإلكترون الضوئي المنبعث، إذاً
إذا كانت هي شحنة الإلكترون وكانت هي جهد الإيقاف، إذاً يكون الشغل المنجز من جهد القطع لإيقاف الإلكترون ، فنحصل على
العلاقة أعلاه تعطي أن السرعة القصوى للإلكترون الضوئي المنبعث مستقلة عن شدة الضوء الساقط، إذاً
يتغير جهد الإيقاف خطياً مع تردد الضوء، ولكنه يعتمد أيضاً على نوع المادة. فلأي مادة معينة، يوجد تردد عتبة يجب أن يتم تجاوزه، وهو مستقل عن شدة الضوء، ليتم رصد الإلكترون المنبعث.
تاريخ
عند تعريض سطح ما إلى إشعاع كهرومغناطيسي فوق تردد معين (عادة هو تردد الضوء المرئي للفلزات القلوية، وقريب من الأشعة فوق البنفسجية لباقي الفلزات، وهو أقصى قيمة للأشعة فوق البنفسجية للا فلزات)، يتم امتصاص الإشعاع وتنبعث الإلكترونات من السطح. الضوء، وبالأخص فوق البنفسجي، يفرغ الأجسام المشحونة بشحنة سالبة ويولد إشعاع تشبه طبيعته طبيعة أشعة الكاثود. وتحت ظروف خاصة يمكن أن تأين الغازات. أول من اكتشف هذه الظاهرة هما العالمان هرتز وهالفاخس عام 1887. وأعلن عن هذه الظاهرة من قبل العالم لينارد عام 1900.
الضوء فوق البنفسجي الذي يؤدي إلى هذا التأثير يمكن الحصول عليه من مصباح قوسي، أو من خلال حرق المغنيسيوم، أو من خلال حث ملف بين طرفين من الزنك والكادميوم، وهو ضوء غني جداً بالأشعة فوق البنفسجية. ويعتبر شعاع الشمس غير غني بالأشعة فوق البنفسجية، حيث أن هذه الأشعة يتم امتصاصها من طبقة الغلاف الجوي، وهي بشكل عام لا تنتج تأثيراً قوياً مثل المصباح القوسي. العديد من المواد ومن ضمنها المعادن تفرغ الشحنات السالبة تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية: ويمكن الحصول على قوائم بهذه المواد من أوراق أبحاث G. C. Schmidt و O. Knoblauch.