سياسة اجتماعية

السياسة الاجتماعية (بالإنجليزية: Social Policy) تشير في أساسها إلى التوجيهات والمباديء والتشريعات والأنشطة التي تؤثر على الظروف المعيشية التي تساعد في رفاهية الإنسان. اذن فالسياسة الاجتماعية هي ذلك الجزء من السياسة العامة الذي يعنى بالقضايا الاجتماعية. وقد وصفها مركز مالكوم وينر للسياسة الاجتماعية في جامعة هارفرد بأنها " سياسة عامة تطبق في مجالات عده كالرعاية الصحية والخدمات الإنسانية والعدالة الجنائية والظلم والتعليم وأخيرا العمالة. وتتعامل السياسة الاجتماعية في الغالب مع قضايا الفساد. كما تعرف السياسة الاجتماعية على أنها الأحداث التي تؤثر على رفاهية أفراد المجتمع من خلال تنظيم التسويق للسلع والموارد في هذا المجتمع وكيفية الوصول لها .

مفهوم السياسة الاجتماعية

إن تحديد الممقصود بالسياسة الاجتماعية أمر ما زال محل جدل. فكلا الكلمتان المكونتان لهذا المصطلح تمثل إشكالية. فكلمة "سياسة" تشير بصفة عامة إلى مجموعة محددة “ بقدر من الوضوح - من الأفكار الخاصة بما يجب عمله فى نطاق أو ميدان معين، وهذه الأفكار غالبا ما تكون مدونة كتابة، ويتم تبنيها رسميا بواسطة الجهاز المعنى بصنع القرار فى هذا النطاق أو الميدان. وهى تختلف عن الخطة حيث أن الأخيرة تحدد بالتفصيل طريقة إتجاز الآهداف، فى حين تصاغ السياسة على مستوى أكثر عمومية، مشيرة فقط إلى الآهداف والاتجاه الذى ير ان توجيه التغير نحوه. و على أى حال فان مفوم السياسة، كما يستخدم فى السياق الأكاذيمى، لا يكون قاصرا على السياسات المعلن تبنيها رسميا، حيث أن غياب الفعل، واستمرار الحفاظ على الوضع القانم (حتى وان لم يتفق عليه رسميا) يعد فى ذاته سياسة.

أما مصطلح اجتماعى فيمثل إشكالية أكبر، وأكثر التفسيرات شيوعا أن السياسات الاجتماعية هى سياسات حكومية (قومية ومحلية) موجهة نحو إشباع الحاجات الاجتماعية للسكان (الحاجات الاجتماعية والتى عادة ما تفسرعلى أنها حاجات الرعاية أو الرفاهية) متضمنة قائمة من السياسات تشمل مجالات الضمان الاجتماعى، والصحة، والإسكان، والتعليم و (أحيانا) القانون والنظام. وإن كان هناك من يعترض بالقول أن هذه النظرة للسياسة الاجتماعية نظرة ضيقة، حيث أنها توجه الاهتمام نحو السياسات التى تولدت تحديدا داخل القائمة العادية لميدان الرعاية. وهى بذلك تتجاهل ميادين أساسية فى السياسة يكون لها تآثير عميق أيضا على الرعاية أو الرفاهية، خاصة الميادين التى تنسب إلى السياسة الاقتصادية، مثل المسياسات النقدية أو المالية وسياسات مواجهة التضخم، والنمو الاقتصادى. ومع أن هذه السياسات تسمى بحق سياسات اقتصادية"، الا أنها أيضا "سياسات اجتماعية" أو هى - على الأقل - ذات تأثيرات وتطبيقات رنيسية فى ميدان المرعاية، وبالتالى لا يمكن استبعادها من دائرة السياسة الاجتماعية. وعلى نفس القدر أيضا فإن التركيز الكلى على قصر السياسة على الحكومة يعد مضللا، فلا بد أيضا من أن تتضمن السياسة الاجتماعية سياسات الممنظمات الدينية للإحسان الخيرى، وكذلك الشركات الخاصة (كما هو الحال - مثلا - بالنسبة لسياساتها إزاء من يحالون لديها إلى التقاعد) وذلك وضع تتزايد ضرورته بصفة خاصة نتيجة خصخصة إجراءات الرعاية.

تحليل السياسة الاجتماعية

هناك العديد من الاتجاهات فى تحليل السياسة الاجتماعية، على الرغم من أن معظم هذه التحليلات قد تطورت داخل أقسام الإدارة الاجتماعية والبعيدة عن الالتزام بالإطار السوسيولوجى. ويعتبر الاتجاه الذى يطلق عليه اتجاه الإدارة الاجتماعية هو الاتجاه الذى كان سائدا فى تحليل السياسة الاجتماعية خلال عقدى الخمسينيات والستينيات، وطالما واجه هذا الاتجاه نقدا على أنه لا يستند إلى إطار نظرى وكانت الاتجاهات الماركسية هى الأكثر تأثيرا، وبصفة خاصة بين علماء الاجتماع خلال عقد السبعينيات (انظر على سبيل المثال: جاو: الاقتصاد السياسى لدولة الرفاهية، الصادر عام 1979. وقد عادت تحليلات مارشال عن المواطنة (انظر مؤلفه: علم الاجتماع فى مفترق الطرق الصادر عام 1963) مرة أخرى حديثا لتوجيه النقاش الدائر حول الرعاية والسياسة الاجتماعية. وهناك أيضا تركيز متزايد على السياسات الاجتماعية المقارنة (مع ما تثيره عزلة الكتاب البريطانيين عن السياسة الاجتماعية من تراجع قدرتهم على التأثير فى هذا المجال). وقد لعبت البحوث والدراسات النسوية دورا مهما، مع زيادة تحليلاتها لدور المرأة فى توفير المرعاية، ومنها على سبيل الممثال ما تقوم به النساء بصورة غير رسمية فى رعاية المرضى والمعوقين. كما أولت تلك البحوث عناية خاصة للمرأة باعتبارها متلقية للرعاية الاجتماعية.

تاريخ السياسة الاجتماعية

يعود أقدم مثال على تدخل الحكومة المباشر في رفاهية الإنسان إلى القرن السادس في عهد الخليفة الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب. فقد استخدم جمع الزكاة وموارد حكومية أخرى أيضا لوضع رواتب للمتقاعدين ودعم الدخل ومستحقات للطفل ورواتب متنوعة للناس من المجتمعات غير المسلمة.

أما في الغرب ساهم أنصار التخطيط الاجتماعي العلمي مثل عالم الاجتماع أوغست كونت، والباحثين الاجتماعيين مثل تشارلز بوث، في ظهور السياسة الاجتماعية في البلدان الصناعية الأولى. وبسبب ضغوط الاستطلاعات التي أجريت لمعرفة مستوى الفقر والتي كشفت عن الظروف القاسية التي تعيشها التجمعات السكينة الفقيرة في المناطق المدنية في العصر الفكتوري، قام الحزب البريطاني الليبرالي بتغييرات إصلاحية على قانون الفقر والرعاية الاجتماعية ولدينا أمثلة أخرى بارزة في عملية تطوير السياسة الاجتماعية مثل مستوى الرفاهية الاجتماعية في بيسمارك في ألمانيا في في القرن التاسع عشر وقانون الضمان الاجتماعي الذي أدخله الاتفاق الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية بين العامين 1933و1935 ووالإصلاحات الصحية في تقرير بيفيريدج عام 1942.

تتميز السياسة الاجتماعية في القرن الواحد والعشرين بأنها معقدة وكل ولاية تخضع للسلطة السياسية المحلية والوطنية وفوق الوطنية . على سبيل المثال، عضوية الاتحاد الأوروبي مشروطة بالتزام الدول الأعضاء بالفصل الاجتماعي من قانون الاتحاد الأوروبي.

أنواع السياسة الاجتماعية

تهدف السياسة الاجتماعية لتطوير رفاهية الإنسان وتلبية احتياجاته في مجالات التعليم والصحة والسكن والضمان الاجتماعي . أما المجالات المهمة في السياسة الاجتماعية هي: مستوى الرفاهية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمين ضد البطالة، والسياسة البيئية، والمعاشات التقاعدية والرعاية الصحية والسكن الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، وحماية الطفل، والاقصاء الاجتماعي، والسياسة التعليمية، والجريمة والعدالة الجنائية .

وقد يشير مصطلح السياسة الاجتماعية أيضا إلى السياسات التي تحكم تصرفات الإنسان . ويشير مصطلح السياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإجهاض وتنظيم ممارساته والقتل الرحيم والمثلية الجنسية والقوانين المتعلقة بمشاكل الزواج والطلاق والوضع القانوني لترويج المخدرات والدعارة .

السياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة

كانت الولايات المتحدة في طليعة الدول التي المنفقة على الشؤون الاجتماعية (نسبةً للبلدان المماثلة لها) إذ وفرت إنفاقًا اجتماعيًا ثابتًا للمحاربين القدامى في الحرب الأهلية وعائلاتهم. تعثرت الولايات المتحدة لاحقًا متخلفةً عن ركب الديمقراطيات الصناعية المتقدمة الأخرى في إنفاقها الاجتماعي.

أثرت الحركات الدينية والعرقية والأيديولوجية والعلمية والفلسفية والأفكار تاريخيًا على السياسة الاجتماعية الأمريكية، ومثال ذلك أفكار جان كالفن حول القدر والقيم البروتستانتية حول العمل الجاد والفردانية. ساعدت الداروينية الاجتماعية على خلق الأفكار الأمريكية المتعلقة بالرأسمالية وعقلية «البقاء للأصلح». ساهمت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية في المجال الاجتماعي إلى حد كبير أيضًا في تطوير السياسة الاجتماعية.

لا يضع السياسيون الأمريكيون الذين فضلوا زيادة المراعاة الحكومية للسياسة الاجتماعية في أغلب الحالات أُطرًا لمقترحاتهم حول الأفكار النموذجية للرفاه والمزايا الاجتماعية. في حالات مثل برنامجي ميديكير وميديسيد الصحيين، قدم الرئيس ليندون جونسون حزمة سميت «المجتمع العظيم» أطرت نظرةً واسعة تعالج قضايا الفقر ونوعية الحياة. أصبح التأمين الصحي موضوعًا سياسيًا طاغيًا، ومن الأمثلة الحديثة على قانون الرعاية الصحية من وجهة نظر السياسة الاجتماعية قانون حماية المريض وتقديم الرعاية الصحية معقولة التكلفة الذي صيغ في اجتماع الكونغرس الأمريكي 111 وأُدرج ضمن الدستور على يدي الرئيس الديمقراطي باراك أوباما في 23 مارس من عام 2010.

وضع الرئيس السابق فرانكلين روزفلت حجر الأساس لبرامج «الصفقة الجديدة-نيو ديل» ليشكل مثالًا نموذجيًا للسياسة الاجتماعية التي تركز بالدرجة الأولى على برنامج توفير فرص العمل وتعزيز الاقتصاد عبر الإنفاق العام على المشاريع بدلًا من الدفع النقدي. كان هذا البرنامج مسؤولًا عن الكساد الكبير الذي أثر على الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي.

كانت السياسة التعليمية التي اقترحها الرئيس الجمهوري تتمثل في قانون «عدم التخلي عن أي طفل» الذي وُضع حيز التنفيذ في الثامن من يناير عام 2002، وبدأ العمل به لرفع معايير التعليم وتوفير نتائج تعليميةً أفضل للأفراد المختلفين. يحتاج هذا القانون إلى أن تقيّم كل دولة طلابها بناءً على مهاراتهم الأساسية لتلقي التمويل الفيدرالي، لكنه لم يضع معاييرًا اجتماعيةً لأن كل دولة وضعت مجموعتها الخاصة من المعايير والتقييمات. يصف أغلب ناقدي السياسات الاجتماعية دول الرفاه الاجتماعي استنادًا إلى كتاب اللفياثان لتوماس هوبز.

السياسة الاجتماعية في الأوساط الأكاديمية

تعد السياسة الاجتماعية من العلوم الأكاديمية أيضا فهي تركز على التقييم المنهجي لاستجابة المجتمعات إلى الحاجة الاجتماعية. وقد تم تطويره كمكمل لدراسات العمل الاجتماعي في أوائل إلى منتصف القرن العشرين . ويعتبر الأستاذ ريتشارد تيتموس في مدرسة لندن للاقتصاد مؤسس السياسة الاجتماعية أو الإدارة الاجتماعة كمادة أكادمية، كما أن العديد من الجامعات تقدم هذه المادة للدراسة الجامعية والدراسات العليا.

انظر أيضًا