سقاية العباس بن عبد المطلب





تاريخ بئر زمزم وسقاية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه

السقاية ومآثر قريش

إن أول ما نبعت بئر زمزم من تحت قدم أبينا إسماعيل بن خليل الرحمن نبي الله إبراهيم وقد حافظ إسماعيل عليها هو وأبنائه إلى أن دفنت وما دفن فيه، إلى أن أتى زمن عبدالمطلب بن هاشم وقد شح الماء في مكة وكذلك الرؤيا التي رآها وقد حدد فيها موقع بئر زمزم وحفرها رغم منازعة قريش له فيها وانتصر عليهم برغم أنه في ذلك الوقت لم يكن له سوى ابن واحد يعمل معه وهو الحارث بن عبدالمطلب

تلك الحادثة التي جعلته يقول لان رزقني الله بعشرة من الولد لأذبح أحدهم وقد رزقه الله بهم وقصة إبراره بقسمه ذكرت في كتب التاريخ والسير إلى أن أنجا الله والد نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله وسلم من الذبح وفدي بمائه من الإبل.

وأستمر بئر زمزم يفيض بسقياه للحجاج وغيرهممن لجدنا عبدالمطلب بن هاشم إلى أن انتقلت ووصلت إلى ابنه العباس في الجاهلية واستمرت معه في الإسلام وهي من مكارم قريش الأساسية في الجاهلية.

و يذكر مكارم قريش في الجاهلية وتوزيعها على بطون قريش ومن القائمين عليها وهي:-

  1. عمارة المسجد الحرام :- فكانت للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
  2. بئر زمزم والسقاية :- فكانت للعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه.
  3. راية الحرب وتدعى العُقاب :- وكانت عند أبي سفيان راية الرئيس.
  4. الرفادة:- وكانت الرِّفادة إلى الحارث بن عامر من نوفل.
  5. المشورة:- وكانت المشورة إلى يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد.
  6. والسدانة:- الخزانة مع الحجابة واللواء، وكانت سِدانة البيت واللواء إلى عثمان بن طلحة بن عبد العزى.
  7. والأشناق:- الديات. وكانت الأشناق إلى أبي بكر الصديق.
  8. السفارة:- وكانت السفارة في الجاهلية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
  9. القبة والأعنة:- وكانت إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه.
  10. الأيسار وهي الأزلام:- وكانت إلى صفوان بن أمية.
  11. الحكومة والأموال:- وكانت إلى الحارث بن قيس.

ولم تزل هذه المناصب في قريش إلى أن جاء الله بالإسلام، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح عام ثمان من الهجرة، وقد صارت الحجابة إلى عثمان بن أبي طلحة من بني عبد الدار، وصارت السقاية إلى العباس بن عبد المطلب، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم على السقاية والحجابة، فقام العباس فبسط يده، وقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، اجمع لي الحجابة إلى السقاية، فقال صلى الله عليه وسلم: أعطيكم ما ترزءون فيه ولا ترزءون به، فقام بين عضادتي باب الكعبة فقال: ألا إن كل دم أو مال أو مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين، إلاسقاية الحاج وسدانة الكعبة، فإني قد أمضيتها لأهلهما على ما كانتا عليه في الجاهلية.

وانه بعد الفتح أبطلت جميع وظائف قريش إلا السقاية والحجابة وذلك لقيام الدولة الإسلامية وتوليها تلك الوظائف. قال سعيد بن المسيب: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ففتحها، أخذ المفتاح بيده ثم قام للناس، فقال: هل من متكلم؟ هل من أحد يتكلم؟ قال: فتطاول العباس ورجال من بني هاشم رجاء أن يدفعها إليهم مع السقاية، قال: فقال لعثمان بن طلحة:تعال. قال: فجاء فوضعها في يده. وقال الزهري: إن النبي صلى الله عليه وسلم دفع المفتاح إلى عثمان، وقال له: يا عثمان، غيبوه. قال جبير بن مطعم في روايته: فلذلك تغيب المفتاح. (سنن أبي داود)وصححه الألباني

2021 حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد عن حميد عن بكر بن عبد الله قال قال رجل لابن عباس ما بال أهل هذا البيت يسقون الماء وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل والسويق أبخل بهم أم حاجة فقال ابن عباس ما بنا من بخل ولا بنا من حاجة ولكن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة بن زيد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب فأتي الماء فشرب منه ودفع فضله إلى أسامة بن زيد فشرب منه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنتم وأجملتم كذلك فافعلوا فنحن هكذا لا نريد أن نغير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حديث جابر بن عبد الله في صحيح مسلم في ذكر صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه: (فأتى بنى عبد المطلب وهم يسقون علىزمزم فقال : انزعوا بنى عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه)

وكذلك ما جاء في صحيح البخاري حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَأيَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ.

واستمر العباس رضي الله وبنيه في خدمة زمزم وكان يتحمل تكاليفها (وكان للعباس مالٌ بالطائف، كرمٌ كان يحمل زبيبه إليها فينبذ في الجاهلية والإسلام)، وذلك صدقًا لقول رسول الله له يوم الفتح عندما سأله جمع الحجابة والسقاية له فقال: يا نبي الله، بأبي أنت، اجمع لنا الحجابة والسقاية.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيكم ما ترزؤون فيه، ولا أعطيكم ما ترزؤون منه. إلى أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع فتأكد أحقية العباس وبنيه ببئر زمزم والسقاية وهو ما ذكر في أحاديثة صلوات الله وسلامه عليه.

سقاية العباس

رضي الله تعالى عنه موضع بالمسجد الحرام، زاده الله تعالى شرفا، يستقى فيها الماء ليشربه الناس. حكى الأزرقي في كتابه تاريخ مكة وغيره من العلماء: أن السقاية حياض من آدم، كانت على عهد قصي بن كلاب توضع بفناء الكعبة، ويستقى فيها الماء العذب من الآبار على الإبل، ويسقاه الحاج، فجعل قصي عند موته أمر السقاية لابنه عبد مناف، ولم تزل مع عبد مناف يقوم بها، فكان يسقي الماء من بئر كرادم وغيره إلى أن مات.

ونبدأ من بعد أن أعطى وأقر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بئر زمزم والسقاية لعمه العباس بن عبدالمطلب ومن بعده أبناءه في فتح مكة المكرمة وكذلك في حجة الوداع كما مر بنا فيما ذكر أعلاه فهي لأل العباس أبدًا.

فيكون من تولوا أمر زمزم والسقاية في الإسلام على النحو التالي:-

  1. العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو الفضل وساقي الحرمين.
  2. عبد الله بن العباس رضي الله عنهما أبو العباس حبر الأمة وترجمان القرآن.
  3. الإمام علي السجاد بن عبد الله بن العباس. (وهو غير الإمام علي السجاد زين العابدين بن الحسين بن علي)
  4. داود بن الإمام علي السجاد.
  5. سليمان بن الإمام علي السجاد.
  6. عيسى بن الإمام علي السجاد.
  7. أمير المؤمنين الخليفة أبو جعفر المنصور عبد الله بن الإمام محمد الكامل ابن الإمام علي السجاد.

واستمر أمر زمزم والسقاية يتولاها الخليفة العباسي ويعين الخليفة من ينوب عنه ويباشر السقاية لانشغالهم بأمر الخلافة والبعد المكاني بين بغداد ومكة المكرمة والأوضاع السياسية في مختلف العصور إلى أن أتى زمن الخليفة العباسي المستعصم بالله.

42- أمير المؤمنين الخليفة المستعصم بالله بن الخليفة المستنصر بالله فيكون من تولى زمزم والسقاية من لدن العباس بن عبدالمطلب إلى زمن انتهاء دولة بنيه 42 متولي منهم 6 أباء وأجداد للخلفاء و36 خليفة في بغداد.

فكان أول من أناب عنه في مباشرة زمزم والسقاية هو الخليفة أبو جعفر المنصور فقد أناب عنه مولاه أبا رزين.

وكذلك زيد البربري: مولى أمير المؤمنين الرشيد.

واستمرت إنابة الخليفة أحد مواليه للقيام بأمور زمزم والسقاية حتى عندما انتهت الخلافة العباسية في بغداد فكان القائم بها هو سالم بن ياقوت, وقد كان هنالك مملوك لأمير المؤمنين الخليفة المستعصم بالله ياقوت المستعصمي توفي عام 685هـ.

وكان بعده أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين ولد سنة ست أو سبع وتسعين، وكان إليه أمر زمزم وسقاية العباس، مات عن ثمانين سنة وأشهر.

وفي خلال هذه الفترة بدأت تتحول الإنابة من مماليك الخلفاء إلى بعض الأسر, ولكن كان ارتباط زمزم والسقاية بالخلفاء العباسيين في الخلافة الثانية في القاهرة وهذه بعض النصوص المختارة لكيفية انتقال الإنابة من موالي الخلفاء إلى غيرهم وذلك من القرن الثامن الهجري.

1- علي بن محمد بن داود البيضاوي الشيرازي الأصل قدم مكة في سنة ثلاثين وسبعمائة عام قدمها الفيل من العراق في قصة ذكرها المؤرخون فباشر عن الشيخ سالم بن ياقوت المؤذن في خدمة بئر زمزم فلما ظهر له خيره نزل له عنها وزوجه بابنته فولد منها ولده أحمد المذكور وغيره من إخوته وصار لهم أمر البئر وكان معه أيضا سقاية العباس رضي الله تعالى عنه.

2- عبد السلام بن موسى بن أبي بكر بن أكبر الشيرازي الأصل قدم أبوه فتزوج عائشة ابنة علي فاستولدها عبد السلام؛ ولعبد السلام من سلامة ابنة خاله أحمد المذكور أم الأمان وأم هانئ وأم الحسين وعائشة ومحمد وعبد العزيز وموسى ثم لعبد العزيز الجمال محمد أحد الآخذين عني والمتوفى بالقاهرة بالطاعون وكذا أبو بكر مات بعده بالقاهرة أيضًا وكلاهما في حياة أبويهما وتأخر بعد والدهما عمر المتوفى بمكة سنة ست وتسعين وسبعمائة وعلي وعثمان وكان ثانيهما بالقاهرة ثم رجع في أثناء سنة سبع وتسعين وسبعمائة ومعه مرسوم الخليفة وغيره بالاشتراك مع أقربائهم من جهة أمهم في القبة والبئر ثم بطل ثم رجع.

3- سلامة ابنة عبد العزيز بن عبد السلام الزمزمي المكي ودخلت القاهرة مع بعض إخوتها لاستخلاص حق ولدها من تركة أبيه ورجعت ولم تلبث أن عادت إلى القاهرة ساعية لأخويها في مباشرة السقاية العباسية فكتب باشتراكهم مع بني إسمعيل الزمزمي وكانت قالات قبل ذلك وبعده.

4- إسماعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم المجد أبو الطاهر البيضاوي ثم المكي الزمزمي الشافعي المؤذن أخو إبراهيم وحسين ووالد نابت أبي إسماعيل المذكورين. ولد سنة ست وستين وسبعمائة بمكة وكان أبوه على سقاية العباس فاستمر هو وأخوته بها. مات في عصر يوم الأحد ثالث عشرمن شوال سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بمكة.

5- إبراهيم بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن رستم بن عبد الله البرهان أبو اسحق الشمباري ثم المكي الشافعي ويعرف بالزمزمي نسبة لبئر زمزم لكونه كأبيه كان يلي أمرها مع سقاية العباس نيابة عن أمير المؤمنين العباسي. ولد في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة بمكة ونشأ بها، وقد ذكره شيخنا في ترجمة أخيه إسماعيل، ومات في ظهر يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة بمكة ودفن بالمعلاة وتأسف المكيون على فقده وإيانا.

وقد استمر ارتباط زمزم والسقاية بالخلفاء العباسيين في مصر إلى نهاية القرن التاسع الهجري كما تشير إلى ذلك النصوص المختارة السابقة ولم يتنازلوا عنها لأي أحد وانما كان هنالك نواب عنهم بخدمة زمزم والسقاية فهي حق لبني العباس بن عبدالمطلب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وبعد انتهاء الخلافة العباسية في مصر عام 922هـ على يد العثمانيين استمر أحفاد نواب الخلفاء بما وكلوا به وأدخل غيرهم معهم لخدمة زمزم والسقاية وأصبح يطلق عليهم طائفة الزمازمة واحدهم الزمزمي.