سرمدية
والاصطلاح الشائع عند الفلاسفة الملمين للتعبير عن السرمدية هو: القدم، فيقولون عادة : قدم العالم وحدوثه .
فالفارابي يقول : « ومما يظن بأرسطو طاليس أنه يرى أن العالم قديم ، وبأفلاطون أنه يرى أن العالم محدث » ( « كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين » ص ١٠٠، بيروت سنة ١٩٦٨ ، المطبعة لكاثوليكية ) .
والكندي ( راجع مادة : ابدي - ازلي ) يستعمل : «أزلي» بمعنى يتسع ليشمل معفى « القديم» ي الأزلي -الأبدي معا .
واذا رجعنا الى الكلمة اليونانية د^أله التي تترجم بالسرمدية لوجدنا أن معناها الأصلى مخالف تماما للمعنى الذي صار لها اصطلاحياً في الفلسفة فيما بعد ٠ فإنها تدل في أصلها على معنيين : (١ ) الحياة ،(٢) إلعمر . بحيث كانت تطلق على عمر الانسان وهو محدود البداية والنهاية ، إذ هي من حيث الاشتقاق مرتبطة بالكلمة السنسكريتية لالأ٧2 = حياة .
وفي مرحلة تالية نجدها عند بندار مثلا تدل على « القوة المسيطرة على الحياة » .
وابتداء من أفلاطون نراها تتخذ المعنى الذي صار لها فيما بعد : أي مدة لا ب٠ء لها ولا انتهاء . ويقول أفلاطون في « طيماوس a اننا أحياناً نقول عن الماهية السرمدية انهاكانت، أوستكون ، فهذا غيرملاثم ، والصحيح ان نقول : « اغها كائنة فقط ، لأن ما يتغير، لا يمكن أن يصيرأكثر شباباً ولا أوغل في الشيخوخة . ولهذا السبب لا نستطيع أن نقول عن السرمدية انها اسقاط pro ection للزمان في اللاهائي . بل الزمان هو الصورة المتحركة للسرمدية ، أي صورة باقية للسرمدي الذي يتحرك وفقاً للعدد . لكن القول بأن السرمدية ليست مجرد الاستمرار اللامتناهي للزمان لا يعني أنها تضاد لزمان . ان السرمدية لا تنفي الزمان ، بل تتلقاه في حضنها ان صح هذا التعبير. اذ الزمان يتحرك في السرمدية التي هي غموذجه .
اما ارسطو ففهم السرمدية فهماً آخر : اذ فهمها انها الزمان الذي يستمر دائيماً . ونراه في الوقت نفسه ياخذ بالمفهوم القديم للسرمدية على انها قوة عالية تسيطر على الزمان ، وأها غاية الزمان ، وتحيط بالاستمرار الذاي وأنها حاضرة باستمرار ((,فياب»م١ف٩ص٢٧٩أ٠)
وحوالي سنة ٠ ٠ ٢ قبل الميلاد وجدت في الاسكندرية عبادة لإله اسراريدعى « السرمدية » انأه ( راجع .1 ,Sasse 198 ) .
وعند أفلوطين نجد تصور أفلاطون للسرمدية ، وعنده أن للسرمدية خاصيتين: الوحدة ، وعدم قابلية لانقام . ان السرمدية ثبات اجتماع المعقولات في لحظة وحيدة . ولهذا لا يمكن التحدث عن الماضى والمستقبل ، فيما يتعلق بالسرمدية . ان السرمدي حاضر أبداً ٠ ومن ثم يقول: , السرمدية ليست موضوع substratu المقولات ، بل هي-علذحوما -الاشعاع الصادر عنها بفضل هويتها مع نفسها فيما هوكان دائما». والسرمدية - عنده كما عند أفلاطون - أساس الزمانية والزمان صورة للسرمدية .
وعلى نحو مشابه تماما لأفلوطين ، يرى أوغسطين أن السرمدية ليس فيهاشىءيمر : بلكل شى ءفيهاحاضر، وهذا امر لا يحدث للزمان ، اذ الزمان لا يكنه ابداً ان يبقى حاضرا باستمراره . ولهذا فإن السرمدية تنتسب الى الله ، كما كانت عند أفلوطين تنتسب الى « الواحد» .
وفي العصر الحديث نجدلوك ( « بحث في الفهم الانساني » ) يقرر ان فكرة السرمدية مستمدة من نفس الانطباع الأصلي الذي انبثقت عنه فكرة الزمان ( أي فكرة التوالي والاستمرار ) لكن مع الاستمرار الى غيرغهاية . ومن هنا انتهى لوك الى ان السرمدية هي تصور زمان لا بداية لم ولا غهاية .
ونفس هذا المعنى للسرمدية هو الذي نجده بعد ذلك عند كنت ( مغلا راجع مجموع مؤلفاته ، طبعة الأ كاديية ، ج ١ ، ص ٣٠٩ وما يتلو ها ) .
لكن مع هيجل يعود المعنى الأفلاطوفي للسرمدية اذ هو يرى أن « لتصور» Begriff بوصفه المشكل للواقع هو سرمدي ، اذ الزمان خاضع لسيطرة الرمدية (راجع werke .hg.Glockner, 6, 154 f ) والزمان عنده هو تجريد السرمدية .
ثم يتعقد معنى السرمدية عند كيركجور (راجع كتابه « المرض حتى الموت» ترجمة هوش الى الألمانية ص ٨ ، سنة ١٩٥٤ ) ، إذ أراد المزج بين السرمدية والزمان .