ستيفن هايلز
ستيفن هايلز (بالإنجليزية: Stephen Hales) (17 سبتمبر 1677 - 4 يناير 1761) كان أحد رجال الدين الإنجليز الذي قاموا بمساهمات كبيرة في مجموعة من المجالات العلمية، بما في ذلك علم النبات وعلم الكيمياء الهوائية وعلم وظائف الأعضاء، وكان أول شخص يقيس ضغط الدم. وقد اخترع العديد من الأجهزة، بما في ذلك جهاز التنفس الصناعي وحوض الهواء المضغوط والملاقط الجراحية المُخصصة لإزالة الحصوات المثانية. بالإضافة إلى هذه الإنجازات، كان محبًا لفعل الخير وكتب منشورًا شعبيًا عن إفراط الكحول.
حياته
وُلد ستيفن هايلز في بيكسبورن في كنت في إنجلترا. كان الابن السادس لتوماس هايلز، وريث البارونية في بيكسبورن وبرايمور، وزوجته ماري (اسم الولادة وود)، وكان واحدًا من اثني عشر طفلًا أو ربما ثلاثة عشر. توفي توماس هايلز (في عام 1692)، والده المتوفي السير روبرت هايلز؛ ولذلك نجح حفيد السير روبرت، السير توماس هايلز، البارونيت الثاني (شقيق ستيفن هايلز) في خلافة البارونة في ديسمبر عام 1693.
تلقى هايلز تعليمه في كينغستون ثم في أوربينجون قبل التحاقه بكلية كوربوس كريستي في كامبريدج عام 1696 (أو سانت بنديكت كما عُرفت في ذلك الوقت). وحصل على شهادته في الأدب الكلاسيكي والرياضيات والعلوم الطبيعية والفلسفة أثناء وجوده في كامبريدج على الرغم من أنه كان طالب من الدرجة الكهنوتية يدرس اللاهوتية.
قُبل هايلز في منحة في كوربوس كريستي عام 1703، وهو نفس العام الذي حصل فيه على درجة الماجستير في الآداب، وحتّم عليه الكهنوت منصب الشماس في بوكدن (كامبريدجشير). وقد واصل دراسته اللاهوتية وغيرها من الدراسات في كامبريدج، حيث أصبح صديقًا لويليام ستوكلي الذي كان يدرس الطب. حضر محاضرات الكيمياء التي كتبها جيوفاني فرانسيسكو فيجاني أثناء وجوده في كامبريدج. من المُفترض أن تاريخ اهتمامه بعلم الأحياء وعلم النبات وعلم وظائف الأعضاء يعود لذلك الوقت.
عُين في عام 1709 كاهنًا في فولهام، وفي 10 أغسطس من نفس العام كاهنًا دائمًا لأبرشية تدينغتون في ميدلسكس، وغادر كامبريدج، بالرغم من أنه احتفظ بمنحته حتى عام 1718. حصل على بكالوريوس في اللاهوت في عام 1711. أمضى بقية حياته في تدينغتون، باستثناء بعض الزيارات العرضية إلى أبرشياته الأخرى.
أعماله
اشتهر هايلز «بمقالاته الإحصائية». يحتوي المجلد الأول «إحصائيات الخضراوات (1727)» على سرد للتجارب المُجراة في فيزيولوجيا النباتات وكيمياء الهواء؛ وترجم إلى الفرنسية جورج دي بوفون في عام 1735. يصف المجلد الثاني «إحصائيات الدم (1733)» التجارب المُجراة على فيزيولوجيا الحيوانات بما في ذلك قياس «قوة الدم» أي ضغط الدم.
فيزيولوجيا النباتات وكيمياء الهواء
درس هايلز في مجلد إحصائيات الخضراوات، النتح -فقدان الماء من أوراق النباتات-، وقدر مساحة سطح أوراق النباتات وطولها ومساحة سطح الجذور. وهو الأمر الذي سمح لهايلز بمقارنة التدفق المحسوب للمياه في النباتات مع كمية المياه التي تغادر النبتة بواسطة النتح عبر الأوراق. قام أيضًا بقياس «قوة النسغ» أو الضغط الجذري. علّق هايلز قائلًا: «من المحتمل جدًا أن أوراق النباتات تستخلص جزءًا من غذائها من الهواء». كوّن هايلز في نفس المجلد نظرية التماسك لحركة المياه في النباتات. وبما أن أفكاره لم تكن مفهومة في ذلك الوقت، فهو لم يؤثر على الجدال القائم في القرن التاسع عشر حول كيفية انتقال المياه ضمن النباتات. وتكهن أيضًا أن النباتات تستخدم الضوء كمصدر طاقة من أجل النمو (أي التركيب الضوئي)، بنًاء على اقتراح إسحاق نيوتن بأن «الأجسام العيانية والضوء» قد تكون قابلة للتحويل.
وصف في هذا المجلد أيضًا التجارب التي كشفت أن «..الهواء يدخل النباتات بحُرية، ليس فقط عبر الطريق الرئيسي للتغذية من الجذور، ولكن أيضًا من خلال سطح جذوعها وأوراقها».
اعتُرف بأهمية أعمال هايلز في مجال الكيمياء الهوائية من قِبل أنطوان لافوازييه، مُكتشف الأوكسجين، على الرغم من أنها كانت تبدو بدائية وفقًا للمعايير الحديثة. يُعد اختراع هايلز لحوض الهواء المضغوط المُخصص لجمع الغازات الموجودة فوق المياه بمثابة تقدم تقني كبير. استخدم كل من ويليام براونريغ وهنري كافنديش وجوزيف بريستلي أشكالًا معدلة لحوض الهواء المضغوط في بحثهم.
إسهامات ستيفن هيلز في تجميع الغازات
في تأمله للطبيعة، كان الشغل الشاغل للعالم العظيم أرسطو هو دراسة السوائل والمواد الصلبة ، بصورة أساسية الأشياء التي تتمكن من رؤيتها في الطبيعة. وقد قام أتباعه - لألفي سنة - بالشيء نفسه. فالهواء والأبخرة الأخرى من الأشياء غير المرئية التي من السهل تجاهلها. ولقد قام العالم الهولندي يان فان هلمونت (1644) باکتشاف أشكال متعددة للهواء وقد أطلق عليها اسم الغازات، ورغم ذلك كانت هذه الغازات في ذلك الوقت لا تؤخذ في الاعتبار كثيرا. وحينما يتم حرق قطعة من الخشب ثم تصبح رمادا، فإنه لم يلحظ أحد أي انبعاث للأبخرة. وحينما تصدأ قطعة من الحديد، فإن وزنها يصبح أثقل. ولكن ذلك يحدث لأنه طبقا لنظريات اليوم، فإنها قد فقدت مادة اللاهوب (ذات الوزن الخفيف). لكن، لم يعتقد أحد أن قطعة الحديد قد أخذت شيئا من الهواء.
في الواقع، لم يتمكن الباحثون من دراسة الهواء أو الغازات إلى أن تم اكتشاف بعض الطرق التي يمكن من خلالها تجميع هذه الغازات. ولقد حدث ذلك لأول مرة في عام 1727 بواسطة رجل الدين الإنجليزي ستيفن هيلز، الذي تم تكريمه لبراعته في العلوم الفيزيائية الخاصة بالنباتات والحيوانات في عام 1733. وقد قام ستيفن هيلز بتجميع الغازات في برطمان مملوء بالماء ومقلوب؛ وقد ثبت الماء واستقر في مكانه نتيجة لضغط الهواء. وعند تجميع الغازات، فإنها قامت بدفع الماء للخارج تاركة البرطمان في النهاية مملوء بالغاز الذي يمكن للعلماء إجراء بعض الدراسات عليه. هذا، ويطلق على الجهاز المستخدم في تلك التجربة اسم طست تجميع الغاز، كما ساعد في إتاحة الدراسة التفصيلية للغازات - التي أطلق عليها ثورة الاكتشافات التي تعمل بالهواء المضغوط - مما يمثل عنوانا مناسبا للتقدم الهائل في علم الكيمياء.
يعد الجهاز الذي استخدمه ستيفن هيلز في تجربته بمثابة نقطة البداية والانطلاقة بالنسبة للكيمياء الحديثة. فلأول مرة، أصبح من الممكن تجميع الغازات المنبعثة نتيجة العديد من التفاعلات الكيميانية من أجل التوضيح والدراسة
لم ينجز ستيفن هيلز الكثير بالغازات التي قام بتجميعها؛ ففي الواقع الكثير من هذه الغازات لم يتم التعرف على الخصائص المميزة لها. فحتى الهواء نفسه، كان هناك من لا يزال يعتقد أنه مادة واحدة. وقد قام فان هلمونت باكتشاف غاز سيلفيستر الذي قام جوزيف بلاك بدراسته مجدداً في عام 1757. كما لاحظ كل من هيلز ونظيره السابق روبرت بويل (1661) انبعاث غاز قابل للاشتعال وهو عبارة عن فقاعات تصدرحينما توضع قطع من الحديد في حمض. هذا، وقد تمت دراسة هذا الغاز الذي نطلق عليه الآن اسم هيدروجين بشكل جدي لأول مرة بواسطة العالم هنري كافندش في عام 1766. ويختلف هذا الغاز عن الغاز الآخر القابل للانفجار الذي يطلق عليه غاز الميثان الذي بدأ يسبب بعض امشاكل في مناجم الفحم الجديدة. لكن أخذت عملية اكتشاف غازات جديدة في الزيادة. وخلال 50 عاماً، تم التعرف على عشرات من الغازات المختلفة وهنا انطلقت الكيمياء الحديثة.
فيزيولوجيا الحيوان
بدأ هايلز عمله في فيزيولوجيا الحيوان مع ويليام ستوكلي أثناء وجوده في كامبريدج، على الرغم من أن الكثير من هذا العمل لم يُنشر إلا بعد ظهور «إحصائيات الخضراوات». أجرى هايلز وستوكلي مجموعة واسعة من الدراسات، بما في ذلك صنع قوالب من القصبات والشعب الهوائية للكلاب باستخدام الرصاص المنصهر وقياس الماء المفقود بسبب التنفس.
عمله الأكثر شهرة، هو قيام هايلز بإجراء قياسات لضغط الدم في عدة أنواع حيوانية، عن طريق إدخال أنابيب دقيقة في شرايينها وقياس الطول الذي ارتفع إليه عمود الدم. وصف هايلز أيضًا آثار النزيف والصدمة النزفية، عن طريق استنزاف الحيوانات ومصاحبته بقياس ضغط الدم.
وصف هايلز مجموعة متنوعة من الأعمال في مجلد إحصائيات الدم، بما في ذلك محاولاته للعثور على المواد التي يمكن استخدامها لحل الحصوات المثانية والحصيات. علمًا أن هذا الهدف لم يكن ناجحًا، ولكنه كجزء من هذا العمل طور قسطرة المثانة ذات التجويف المزدوج واخترع ملقط خاص لإزالة الحصوات المثانية.
إسهامات ستيفن هيلز في مجال القياس
كان ستيفن هيلز — المولود في كنت — رجل دين شغوفاً بالعلم ككثيرين من أبناء عصره. وليس من المدهش أن يكون رجال الدين على درجة عالية من التعليم والثقافة؛ فالتعاليم الدينية التي يبثونها تمنحهم فرصة كبيرة للملاحظة والتجريب. كما أن دراستهم للطبيعة كما تبدو من الطرق المناسبة لتعظيم خالق هذا الكون. وقد اتخذ هيلز من الفكرة الأخيرة نقطة انطلاقة لمرحلة أخرى. فقد أيقن هيلز أن خالق هذا الكون دقيق للغاية في صنعه حيث أبدع صنعه لكل شيء من خلال ملاحظته للنسب الدقيقة لأعداد وأوزان وقياسات كل شيء في هذ الكون
في عام ١٧٣٣، طبق هيلز فلسفته على دراسة تدفق ادم في جسم الإنسان وغيره من الكائنات الحية الأخرى؛ وهي محاولة لم يقم بها أحد مطلقا من قبل وفي كتابه Haemastaticks، ذكر هيلز بعض التجارب التي أجراها من أجل قياس معدل تدفق الدم في الأوردة والشرايين. كما قام هيلز بقياس ضغط الدم في جسم الحصان عن طريق قيامه مباشرة بتوصيل جهاز قياس بأحد الشرايين. وبذلك، تمكن هيلز من ملاحظة مدى تغير ضغط الدم في حالة الإجهاد، ثم تمكن من حساب كمية الدم التي يرسلها القلب مع كل نبضة.
أما كتابه Vegetable Staticks فقد تناول الطبيعة الفيزيائية للنباتات وفي بعض الحالات صورها كآلات. مرة ثأنية، ظل هذا العمل من الأعمال الرائدة إلى أن استحوذت دراسة النباتات على تفكير واهتمام علماء التصنيف والمتخصصين في تصنيع الأدوية العشبية. كما قام هيلز بقياس معدل نمو السيقان والأوراق وقوة الجذور التي تساعد على غرس النباتات في التربة. بالإضافة إلى ذلك، قام هيلز بدراسة حركة الماء من الأرض من خلال الأنسجة النباتية ومن خلال الفتحات الصغيرة الموجودة في الأوراق - المسام - التي تسمى الآن بعملية النتح. كذلك، قبل هيلز الفكرة القائلة إن تأثير الخاصية الشعرية - التي توصل إليها نظيره فرنسيس هوكسبي في عام ١٧٠٩ - يحافظ على حركة الماء.