سارية الجبل

حادثة "ياسارية الجبل": هي حادثة تاريخية عن القدرة على التخاطر.

وقعت الحادثة حوالي عام 645 ميلادية (23 هـ) أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه). وتعتبر هذه الحادثة المشهورة في يومنا هذا مثالاً تاريخياً عن القدرة على التخاطر. وهي مشهورة باسم "سارية الجبل".

تفاصيل الحادثة

كان سارية بن زُنَيم بن عبد الله الدؤلي أحد قادة جيوش المسلمين في فتوحات بلاد الفرس سنة 645 م/23هـ,[١] وبينما كان يقاتل المشركين على أبواب نهاوند في بلاد الفرس تكاثر عليه الأعداء.. وفي نفس اليوم كان الخليفة عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة، فإذا بعمر رضي الله عنه ينادي بأعلى صوته أثناء خطبته: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم".

وبعد انتهاء الخطبة تقدم الناس نحو عمر وسألوه عن هذا الكلام فقال: "والله ماألقيت له بالاً، شيءٌ أتى على لساني."[٢]

ثم قالوا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان حاضراً: "ماهذا الذي يقوله أمير المؤمنين ؟ وأين سارية منّا الآن ؟!"

فقال: "ويحكم! دعوا عمر فإنه مادخل في أمر إلا خرج منه".

ثم مالبث أن تبينت القصة فيما بعد، فقد قدم سارية على عمر رضي الله عنه في المدينة فقال: "ياأمير المؤمنين, تكاثر العدو على جنود المسلمين وأصبحنا في خطر عظيم، فسمعت صوتاً ينادي: "يا سارية الجبل، الجبل، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم", عندئذ التجأت بأصحابي إلى سفح جبل واتخذت ذروته درءاً لنا يحمي مؤخرة الجيش، وواجهنا الفرس من جهة واحدة، فما كانت إلا ساعة حتى فتح الله علينا وانتصرنا عليهم".

آراء المخالفين

اما المعارضون فيقولون أن الالباني قد خرج الحديث في السلسلة من عدة طرق : لم يخل منها طريق من كذاب أو متروك ، ما خلا طريق واحدة ، وهي طريق عبد الله بن وهب ـ يحيى بن أيوب ـ محمد بن عجلان ـ إياس بن قرة ونافع ـ ابن عمر .

أما الطرق الأخرى فكما قال الشيخ الألباني : إحداها فيها : أيوب بن خواط ، متروك.

والأخرى فيها : سيف بن عمر ، كذاب , وغيرها فيها: الواقدي ، كذاب , وأخرى فيها : فرات بن السائب ، وضاع .

يزاد على التخريج الذي قدمه الالباني ، كتاب كرامات الأولياء لللالكائي /1ـ120/ ، و تاريخ الطبري /2ـ 553 ، 554/.

ومما تقدم لدينا يظهر أن طرق القصة لم يسلم منها إلا طريق واحد فقط هو طريق ابن عجلان ، وأن بقية الطرق لا ينظر لها ولا يعتبر بها ، كما هو مقرر في شرح النخبة وغيرها أن السند الذي فيه متروك أو كذاب لا يتقوى ولا يقوي .

أما الإسناد الوحيد الذي بقي لدينا فإن فيه يحيى بن أيوب الغافقي ، قال عنه الحافظ : صدوق ربما أخطأ . وكان الإمام أحمد وغيره يجرحونه كما في التهذيب .

وفيه محمد بن عجلان ، قال عنه الحافظ : صدوق ، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة .

وقال العقيلي كما التهذيب : يضطرب في حديث نافع.

ولو نظرنا إلى متن الحديث لوجدنا أن فيه أمراً خارقاً للعادة ، يحصل على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضور جمع غفير من الصحابة والتابعين ، ولخليفة راشد تتهمه الشيعه وتشكك في دينه فضلاً عن ولايته وصلاحه ، ومع هذا كله لا يُنقل هذا الأمر إلا من طريق واحدة : يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان !

علماً أن ابن عمر رضي الله عنهما ونافع رحمه الله قد كانا من المكثرين ولهما الكثير ممن يروي عنهم ، فهل يعقل هذا التفرد ؟!

وما هو حكم الإسناد الذي يكون فيه صدوق ربما أخطأ ، وصدوق اختلطت عليه بعض أحاديث ، مع وجود تفرد لا يحتمل مثله : 1. أمرٌ خارق للعادة ، 2. توفر أسباب التواتر ، 3. ضرورة نقل مثل هذه القصة لنصرة أمير للمؤمنين يفترى عليه ، 4. قرب الحادثة من عصر التدوين.

وهنا ألقي الضوء فيه على نقطة واحدة وهي : التفرد : فمن المعروف لدى طلبة علم الحديث أن التفرد مكمن العلة ، لأن وهم الرجل الثقة أمر حادث معروف ، والتفرد أقوى ما يدل على وهم الثقة ، ومن باب أولى أيضاً على كذب الكاذب .

ومن هنا كان عمل المحدثين في التصنيف في مسألة التفرد لأهميتها ، كمسند البزار ، ومعجم الطبراني الأوسط ، والحلية لأبي نعيم ، وكتب الغرائب والفوائد ..

ومن المعروف أن خلو الحديث من العلة شرط في صحته ، والعلة لا تكون دائماً بينة الظهور ، بل أكثرها غلبة ظن بوجود خلل في الحديث متناً أو سنداً ، وكان عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول : خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن : الحكم والحديث .

وهنا يرجع للفصل في متن الرواية ، فنقول لمن يخالف هذا القول :

ـ القصة وقع فيها أمر خارق للعادة ، جيش يشارف على الهزيمة فيأتيه صوت .. فينتصر ، إن حصل معك مثل هذا الأمر فكم من الناس ستخبر به على مدى حياتك ؟

ـ كم كان عدد أهل المدينة في زمن خلافة عمر

ـ هل كانت صلاة الجمعة لا تقام إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.؟

ـ كم كان عدد الجيش الذي سمع الصوت ؟

ـ هل تشهد القصة لخليفة يفترى عليه في دينه فضلاً عن صلاحه وولايته ، في جدال قديم طويل بين أهل السنة والشيعه ؟

ـ ما مدى قرب عصر التدوين فضلاً عن عصر الرواية ، من التابعين الذين عاصروا عمر

ـ على فرض أن كل فرد من الجيش أو ممن حضر الخطبة مع عمر ، حدث بهذه القصة زوجته وولده فقط ، فكم سيصبح العدد لدينا ؟

ـ هل اشتهر ابن عمر ونافع بالرواية أم كانوا من المقلين ؟

ـ على فرض أن يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان ، كشعبة عن سفيان ، ألا يهم الثقة الثبت.؟

وهنا رغم كل ما تقدم لنا لم تنقل الرواية إلا من طريق واحد وهو : يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان !

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ الإصابة في تمييز الصحابة (الجزء 3 - الصفحة 5)
  2. ^ تاريخ دمشق (الجزء 20 , الصفحة 25)