رودولف كارناب

رودولف كارناب Rudolf Carnap، فيلسوف ومنطقي ألماني، وأحد أبرز زعماء الفلسفة التجريبية المنطقية logical empiricism أو الوضعية المنطقية logical positivism. ولد في رونسدورف Ronsdorf بالقرب من بارمن Barmen في ألمانيا، وتوفي في كاليفورنيا. درس في جامعتي فرايبورغ ويينا Jenaء(1910ـ1914)، حيث تخصص في الفيزياء والرياضيات والفلسفة. وتأثر كثيراً في يينا بأستاذه الرياضي المنطقي غوتلوب فريغه[ر] Gottlob Frege. وحصل في عام 1929 على الدكتوراه من الجامعة نفسها برسالة عنوانها «المكان: إسهام في نظرية العلم». وكان لرسل[ر] Russell وفتغنشتاين[ر] Wittgenstein أعظم الأثر في تكوينه الروحي، وكذلك لجماعة ڤيينا[ر] Vienna Circle التي أسسها موريتس شليك[ر] Moritz Schlik عام 1924، وكانت تبشر بفلسفة علمية تهدف إلى توحيد العلوم وتصطنع منهج التحليل المنطقي، فصار من شخصياتها البارزة وعضواً نشطاً فيها، وأصدر بالتعاون مع هانس رايشنباخ Reichenbach ء(1891ـ1953) مجلة دولية عنوانها «المعرفة» Erkenntnis ء(1930ـ1940) لهذا الغرض، فكانت لسان حال الوضعية المنطقية خاصة. درس منطق العلوم في جامعة ڤيينا (1926ـ1931)، ثم الفلسفة الطبيعية في جامعة براغ الألمانية (1931ـ1935). هاجر على أثر تحول ألمانيا إلى النازية، إلى الولايات المتحدة في نهاية عام 1935، حيث عيّن أستاذاً للفلسفة في جامعتي شيكاغو (حتى عام 1952) وكاليفورنيا (1954ـ1961)، وعمل مع أوتو نويرات Otto Neurath وشارلز موريس Charles Morris على إصدار «الموسوعة الدولية للعلم الموحد».

وكان أول كتبه وأهمها «البناء المنطقي للعالم» The Logical Construction of the Worldء (1928)، و«التركيب المنطقي للغة» Logical Syntax of Languageء (1934)، و«الفلسفة والتركيب المنطقي» Philosophy and Logical Syntaxء(1935)، و«المدخل إلى السيمانطيقا: نظرية المدلولات اللفظية» Introduction to Semanticsء(1942)، و«المعنى والضرورة» Meaning and Necessityء(1947)، و«الأسس المنطقية للاحتمال» Logical Foundation of Probabilityء(1950)، و«المتصل في المناهج الاستقرائية» Continuum of Inductive Methodsء(1952)، و«مقدمة في المنطق الرمزي» Introduction to Symbolic Logicء(1954).

وتقوم أصالة كارناب في اتجاهه المنهجي الذي يصوغ به نسقاً تقنياً يطبقه على بعض مسائل الفلسفة بهدف حلها، فقد سعى في مؤلفه الرئيسي «البناء المنطقي للعالم» إلى تطبيق ـ على مجمل الموضوعات ـ المنهج المنطقي الذي طبقه رسل على الموضوعات الرياضية، كي ينحّي جانباً الميتافيزيقا[ر]Metaphysics، وينفي دور الفلسفة كعلم كلي، انطلاقاً من رفض كل عنصر تركيبي قبلي في المعرفة، واعتقاداً بأن القضايا العلمية دائماً بعدية، تستمد معناها من النسق المنطقي الذي تندرج فيه، فيرد الفلسفة إلى تحليل منطقي للغة العلم يقوم على المنطق الرياضي. ويذهب إلى أن المعرفة النظرية التي يقوم عليها هذا التحليل تمثل مزيجاً من التجريبية المثالية في تفسير المنطق والرياضيات، فالمفهوم الفلسفي للوضعية الجديدة في مذهبه متداخل مع دراسات نظرية المنطق والتحليل القائم على المنطق ومنهج البحث العلمي.

ويمكن تمييز مرحلتين أساسيتين في تطور فكر كارناب بصدد طبيعة المنهج المنطقي: الأولى هي مرحلة الاهتمام بالبناء اللفظي، حينما يهتم منطق العلم بالبناء اللفظي المنطقي للغة العلم؛ والثانية هي مرحلة الاهتمام بالمدلول اللفظي، حينما يهتم منطق لغة العلم بالمعنى والمدلول.

ويقوم منهجه، في المرحلة الأولى، على نظريته في البناء أو التركيب constitution or construction theory ويستعين فيه بالمناهج التي سبقه إليها إرنست ماخ[ر] Ernest Mach ورسل وفتغنشتاين، وتدور النظرية حول مبدأ قابلية القضايا للرد principle of reducibility بتعريف الحدود التي يشمل بناؤها أي تعريفها البنائيconstitutional definition، وترتيب التعريفات في نسق بنائي constitutional system.

وبتأثير أبحاث كارل بوبر[ر] Karl Popper، سعى كارناب إلى تصحيح فهم تركيب المعرفة التجريبية، بوضع تصور جديد لمعيار المعنى التجريبي، وقواعد خاصة به. وتمكن بهذا أن يفرق بين القضايا التجريبية التي يمكن التحقق من صدقها وتخضع لمبدأ التحقق principle of verifiability، أي بالإمكان اختبارها testability أو التثبت منها confirmability، وهي قضايا علمية، وبين القضايا الميتافيزيقية وما شابهها التي لايمكن التحقق من معناها تجريبياً ولا تقوم على معطيات حسية، ويصفها بأنها قضايا فارغة أو أشباه قضايا pseudo statements لامعنى لها. ويقصر لغة الواقع والعلم على القضايا العلمية، ويسميها لغة ظاهراتية phenomenalistic لأنها تقتصر على وصف الظواهر، ثم يؤثر أن يسميها لغة فيزيائية physicalistic لتكون لغة العلوم كلها، كونها لغة وصفية كمية، وعباراتها تقريريةreport sentences، أو لأنها لغة محددة المعاني والعبارات، بها تصاغ الحقائق العلمية التجريبية.

ويفرق كارناب بين ما يسميه لغة الموضوع object language التي تعبر عن موضوعات العالم ووقائعه (مثال: إن الوردة حمراء)، وبين اللغة الشارحة أو لغة ماوراء اللغة Metalanguage، التي هي صورية وتعبر عن اللغة التي يعبر بها عن لغة الموضوع أو تشرحه، كالقول: إن عبارة إن الكرة حمراء تتكون من ثلاث كلمات، فالعبارة «إن الوردة حمراء» موضوعية حقيقية، أما العبارة «إن الوردة شيء» فهي شبه موضوعية، وغامضة وتخلط بين العبارة المادية والعبارة الصورية. ويبين أن الخلافات في الفلسفة ترجع إلى سوء فهم أو سوء تحليل التصورات الفلسفية، وعنه ينجم الخلط بين الأحكام المصوغة بلغة الموضوع والأحكام المصوغة بعبارات اللغة الشارحة أو لغة ما وراء اللغة، فيؤدي ذلك إلى خلافات بين الآراء أو المذاهب الفلسفية حول بعض المسائل. لذلك يقترح كارناب ترجمة وتأويل العبارات الفلسفية شبه الموضوعية من شكلها المادي إلى الشكل الصوري بإعادة صياغتها في عبارات تركيبية.

ويحاول كارناب في المرحلة الثانية من تطوره الفكري في مؤلفه «المدخل إلى السيمانطيقا» ثم في «المدخل إلى المنطق الرمزي» أن يبني، على أساس من المفاهيم المبدئية المدلولات اللفظية المنطقية، نسقاً واحداً من المنطق الشكلي، فيقدم مبدأ يطلق عليه مبدأ التسامح principle of tolerance، يكفل به حرية التعبير، ويؤكد أن عمل فلاسفة اللغة ليس بوضع قيود على الاستعمالات اللغوية، بل الاهتمام بتحديد الشروط التي بها تصدق العبارات منطقياً وتتحدد بها مدلولاتها، ومن ثم ينتقل كارناب من التركيب المنطقي syntax للعبارة إلى معناها وصدقها، فيقوم بتحليل الدلالات ووضع نظرية في اللغة تربط الرموز بالموضوعات التي تدل عليها، فالعبارة صادقة عندما يكون محمولها predicate متوافقاً مع نسقها، بمعنى أن صدقها لا يقاس باعتبارات عملية، ولا يرتبط بأي معتقدات قابلة للتحقق، ولا يبحث عن أسبابه خارج نسق العبارة نفسها، والنسق السيمانطيقي هو تلك القواعد التي بها تتحدد شروط صدق العبارة، والعلم المعني به هو علم السيمانطيقا أو علم دلالات الألفاظ وتطورها semantics، ومهمة الفلسفة هي تحليل اللغة تحليلاً سيميوطيقياً semiotic، أي تحليلها من حيث هي رموز لبناء الكلام المعرفي، وعلى هذا النحو تستعيد الميتافيزيقا دورها الدلالي في التعبير عن أحوال وجدانية.

كارنب

من ابرز مثلي الوضعية المنطقية.

ولد في١٨ مايو سنة ١٨٩١ في Rosdorf (بالقرب من Barmen في المانيا، وتوفى فيسنة ١٩٧٠ في كاليفورنيا.

تعلم في جامعتي فرايبورج وفيتا منسنة١٩١٠لىسنة ١٩١٤، حيث تخصص في الفزياء والرياضيات والفلسفة. وكان من بين اساتذته في يينا الرياضي المنطقي جوتلوب فريجه فأثر فيه تأثيراً عميقاً. وبعد الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولىحصل في سنة ١٩٢١ على الدكتوراه في لفلسفة من جامعة يينا برسالة عنوانها: «المكان: اسهام في نظرية العلم» (نشر فيسنة ١٩٢٢ في مجلة «دراسات كنتية» Kantstudien). وفي هذه الرسالة حلل الفروق في الطابع المنطقي بين تصورات المكان لدى الرياضيين، والفزيائيين والنفسايين. وأرجع هذه الفروق في تصور المكان بين هؤلا، إلى كون اللفظ «مكان» له معان ختلفة عند كل فريق منهم: فله معفى عند الرياضي، ومعفى آخر عند الفزياثي، ومعفى آخر عند النفساني. وهكذا يتجلى في هذه الرسالة، على نحو اجمالي، مبادىء الوضعية المنطقية التي سينميها فيما بعد هو ومورتس اشلك، وأساسها القول بأن الخلافات الفلسفية مردها في الغالب إلى العجز عن التحليل المنطقي للتصورات التخدمة.

ودعاه مورتس اشلك Moritz Schlik في سنة ١٩٢٦ ليكون مدرساً مساعداً- Privatdozent في جامعة فينا، فلبى

الدعوة، واشترك بنشاط في مناقشات دائرة فيينا التي أنشأها اشلك، وصار من أبرز رجالها.

وفي سنة ١٩٢٨ نشر أرل كتاب رئيسي من كتبه وهو: البناء المنطقي للعالم».

وإبان السنوات الأولى من مقامه في فيينا درس هو وأعضاء «دائرة فيبنا» «الرسالة الفلسفية المنطقية» تأليف لودفج فتجنشتين، دراسة عميقة كان لها تأثير قوي في تطور فكر كارنب، مع بقاء بعض الخلافات بين رجال هذه الدائرة وبين ئيجنثس .

وفي سنة ١٩٣٠ أنثاً بالتعاون مع هانز ريثنباخ مجلة دولية عنوانها: ,المعرفة، استمرت عشر سنوات (سنة ١٩٣٠-١٩٤٠) وكانت لسان حال الوضعية المنطقية بخاصة.

وفي سنة ١٩٣١ عين أستاذاً لكرسي الفلسفة الطبيعية في قسم العلوم الطبيعية بجامعة براغ الألمانية. واستمر مع ذلك على صلة وثيقة بدائرة فيينا؛ بيد أنه ازداد اهتمامه بمشاكل المنطق واللغة وأساس الرياضيات. وكانت ثمرة ذلك ثاني كتبه الرئيسية بعنوان: «النظم المنطقي للغة» (سنة ١٩٣٤.

ولما استفحل أمر النازية في المانيا وما جاورها، استحال على كارنبد وهو اليهودي- أن يبقى في الجامعة الألمانية في براغ، فارتحل في ديسمبر سنة ١٩٣٥ إلى الولايات المتحدة الامريكية، وبعد اشهر قليلة عين استاذاً للفلسفة في جامعة شيكاغو. واستمر في شغل هذا المنصب حتى سنة ١٩٥٢، وتخللذلكدعوته استاذاً زائراً في جامعتي هارفرد وإلبنوي.

كارنب

وفي أثناء وجوده في شيكاغو قام، بالتعاون مع اوتو نويرات 0110 Neurath وشارلز مورس Morris .١٧ Chares بإصدار «دائرة معارف دولية في العلم الموحد».

وازدادت عنايته بعلم المعافي Semantics فأصدر فيه: ,مدخل إلى علم امعاني» (سنة ١٩٤٢) و«ادخال الصورة في المنطق» (سنة ١٩١٣)، و«المعنى والضرورة» (سنة ١٩٤٧).

ومنذ سنة ١٩٤١ انصرف إلى مشاكل الاحتمال والاستقراء ، فتمخض ذلك عن واحد من اهم مؤلفاته وعنوانه: «الأسس المنطقية للاحتمال» (سنة ١٩٥٠).

وفي سنة ١٩٥٤ عين أستاذاً للفلسفة في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلس في الكرسي الذي خلا بوفاة هانز ريشنباخ. واستمر في هذا المنصب إلى ان ترك التدريس في سنة ٠١٩٦١

آراؤه: ١-رفضالميتافيزيقا

يعد كارنب من أكبر من أسهموا في الوضعية المنطقية، وهى نزعة يصعب جداً إدراجها بين النزعات او المذاهب الفلسفية بالمعنى الصحيح، لانا تقوم اساساً على رفض الميتافيزيقا، مع ان الميتافيزيقا هي جوهر الفلسفة بالمع^ى الحيح.

وأساس الوضعية المنطقية هو تحليل اللغة : «سواء اللغة الطبيعية العادية، واللغة العلمية واللغة الفلسفية، لأن أصحابها يزعمون أن الخلافات بين الآراء أو المذاهب الفلسفية، إنما ترجع إلى سوء فهم أو سوء تحليل للتصورات الفلسفية، وكأن المشاكل الفلسفية ما هي إلا خلافات ناجمة عن اشتراك في معاني الاصطلاحات الفلسفية!

يقول كارنب في كتابه الصغير بعنوان: «مثاكل وهمية في الفلسفة: عقول الآخرين والنزاع حول الواقعية» (سنة ١٩٢٨) إن المشاكل الميتافيزيقية بعامة، ومشكلة الواقعية والمثالية بخاصة، ينبغي أن تعد مشاكل وهمية زائفة. ويعتمد كارنب في دعواه هذه على مبدأ قالية التحقيق لذي قال به فتجنثتين، وهو المبدأ الذي يقول إن معنى عبارة ما إنما يعطى بواسطة أحوال (أو شروط) تحقيقها، والعبارة (أو التقرير) تكون ذات معنى إذا- وفقط إذا- كانت قابلة للتحقيق من حيث المبدأ. وقد غدل كارنب فيما بعد عن طلب إمكان التحقيق إلى مجرد التأييد Confirmability. وقابلية التحقيق

يقصد بها إمكان العثور على معنى العبارة متحققافي التجربة المباشرة او غير المباشرة. فإن لم تكشف العبارة (أو التقرير) عن إمكان تحقق معناها في التجربة، فيجب أن تنبذ على أيا عبارة وهمية زائفة خالية من المعنى. وكارنب، ومن لف لفه، يعتبرون من العبارات الواجب نبذها جل، إن م يكن كل، التقريرات الواردة في ال ميتافيزيقا، وكثير من تلك الواردة في الأخلاق وعمم الجال.

ويقرر كارنب أن المشاكل التي تدرس في هذه الميادين (الميتافيزيقا والأخلاق وعلم الجمال) ليس لها من اجوة إلا عبارات خاوية هي الأخرى من المعنى. ولهذا لا يعدونها مشاكل حقيقية ابداً إنها في زعمهم مجرد صيغ لفظية لها مظهر الصياغة للمشاكل، بينماهي في الواقع- زعموا-تنتهك المعايير التجريبية لكون العبارة ذات معنى.

وفي مقال كتبه كارنب بعنوان: «التغلب على اليتافيزيقا بواسطة التحليل المنطقي للغة» (سنة ١٩٣٢) يؤكد هذا الاتجاه ويدافع عنه. وفيه يميز بين نوعين من التقريرات الوهمية أو الزائفة- على حد زعمه- هما : التقريرات التى تحتوي على لفظ يظن خطا ان له معفى تجريبياً، والتقريرات التي تكون عناصرها ذات معى ولكنها مجتمعة لا تعطي معى. ويزعم كارنب ان كلا النوعين متوافر جداً في الميتافيزيقا، وساق شواهد على ذلك عبارات قالها مارتن هيدجر في محاضرته: «ما الميتافيزيقا؟»، ومن بينها عبارة مشهورة وردت في هذه المحاضرة نصها: «إن العدم نفسه يعدم» Das Nichts seblst nichtet ويعلق عليها كارنب قائلا: هذه العبارة تحتوي على خطاً مزدوج: إذ تحتوي على لفظ ا معنى له وهو يعدم، nichtet ، وعلى خطاً في نظم العبارة مجتمعة هو استخدام اللفظ Nichts (= العدم) على انه اسم، بدلاً من ان يكون تعبيراً عن نفي مكمم وجودي existential quantifier مثل الا شيء هوع».

ومن سوء النية قطعاً ان يستمد كارنب شواهده من عبارات هيدجر، ومن المعروف أن لهيدجر لغة خاصة تختلف كل الاختلاف عن لغة سائر الميتافيزيقيين وينبغي ان تفهم في سياق وإطار فلسفة هيدجر وحدها؛ وما هيدجر إلا واحد من مئات الفلاسفة الميتافيزيقيين منذ أفلاطون وأرسطو حتى اليوم، فكيف يصدرحكمه العام هذا على اكل« أواجل« الميتافيزيقا من مجرد شواهد من عبارات فيلسوف واحد تميزت لغته بطابع خاص جداً؟!

كارنب

ومن الأمثلة التي يسوقها على الكلمات الخاوية من المعنى الألفاظ الآتية: «المطلق»، «اللامشروط»، *الموجود الحق»، ا التة»، «العدم»، «سبب لعالم».

ولتوضيح رأيه في العبارات العديمة المعفى يسوق المثل التالي: إذا افترضنا أن انسانا استعمل الصفة 00012 (وهى لا وجود لها في الألمانية، تقرياً مثل كلمة: خنفشار) وادعى ان على المرء أن يقم كل الأشياء إلى 2أاهط (خنفشارة) ولا خنفشارة 01012^0 ٠ فإن سأل سائل: بأي شروط يسمى الشيء الفلافي خنفشارياً 12ة3ة ، فالجواب أنه لا يمكن الإجابة بشيء، لأن الخنفشارية صفة ميتافيزيقية لا توجد اية علاقة تجريبية تدل عليها. وجهذا المعنى سيقول المرء إن العبارات المتعلقة بالخنفشارية هي كلام فارغ لا معنى له؛ وسيقر كل إنسان بأن الكلمة «خنفشاري» لا يحق لنا استعمالها في لأقوال العلمية.

ويصرح كارنب بأن هذا ايضاً ينطبق على اللفظ : «اله»، وبصورة أظهر، لأن الميتافيزيقيين لا يستطيعون أن يحددوا ولا الوضع النظمي للفظ: «الله»، فلا يحددون هل هو اسم او صفة. فإذا فرضنا ان هذا اللفظ صفة (محمول) ، فإن من الممكن القول: هس هو الله»، وسيكون معنى هذا القول هو ببيان العلامات التجريبية التي لا بد أن يملكها «الته». في نطاق نظرة اسطورية،. فيها ينظر إلى الآلهة على أنهم يسكنون مواضع محددة وتصدر عنهم أفعال تدل عليهم (مثل اطلاق البرق، أو اطلاق عاصفة على البحر، إلخ)، فإن كلمة *الله» تكون ذات معنى. اما في الميتافيزيقا، حيث يدل هذا اللفظ على موضوع عال على الكون وغيرتجريبي، فإنه يصبح عديم المعى. لكنه ينبغي، هكذا يزعم كارنب، أن لا يؤدي هذا البيان إلى تأسيس الإلحاد، لأن الإلحاد يقوم في انكار صحة هذه القضية : «الله موجود» . لكنه بحسب المعيار الذي وضعه كارنب فإن هذه ليست قضية إطلاقاً، لأغها خلو من المعنى، بسبب كون اللفظ «الله» خلومن المعنى. ولهذا يقول كارنب إن الإلحاد، من الوجهة النظرية هوموقف لامعى له تماما مثل الأب.

ويحاول كارنب بعد ذلك أن يبين أن العديد من المسائل الفلسفية يمكن بيان أنه مسائل زاثفة، وإن كان ينظرإليها عادة على انها مسائل داخلة في نظرية المعرفة. مثال ذلك «مشكلة حقيقة العالم الخارجي». فلو افترضنا جغرافيين أحدهما

واقعي، والآخر من اتباع مذهب الهووحدية : فإنه بالنسبة إلى الأول اأشياء الفزيائية ليست فقط مضمونات للإدراك الحسي، بل وأيضاً توجد في ذاتها خارج عقل الإنسان؛ وبالنسبة إلى الثافي لا يوجد إلا الإدراكات الحسية، بينما ينكر وجود العالم الخارجي. وعلى كليها الآن ان يبحث هل توجد بحيرة معينة في وسط البرازيل مثلا فيعى كل واحد منهما إلى تقرير ذلك مستعيناً اولاً بما لديه من معايير، مثلا بالقيام برحلة استكشافية لتلك المنطقة. وسيصلان بذلك إلى نتيجة متفق عليها، وكذلك في المسائل الجزئية التجريبية لن يجدث بينهماخلاف(مثلا فيما يتعلق بالموقع الجغرافي، وسعة البحيرة، وارتفاعها فوق مستوى سطح البحر، إلخ) لكن بعد استنفادكل المعاييرالتجريبية إذا ادعى أحدهما أن البحيرة ليست فقط موجودة ولها الصفات التجريبية المحددة التى ادركوها، بل وأيضاً فوق ذلك لها حقيقة خارج الشعور ومستقلة عن الشعور، بينما مناصر الهووحدية Solipsist ينكر هذه الحقيقة، فإن كليهما لا يعود يتكلم لغة العالم التجريبي، بل لغة الميتافيزيقي. ولما كانت كل المعايير التجريبية قد استنفدت، فإنه لا يبقى بعد ذلك أي محل للفصل في هذا الخلاف في الرأي بينهما. ولا يستطيع الانسانحينثذ أن يقربأن راي الواقعي أورأي الهووحدي ذومعنى.

فإذا تساءل المرء: إذا كانت القضايا الميتافيزيقية عديمة المعنى، فمن أدن حاء اذن قام مذاهب متافن بقية لاستمرر وإثارة مسائل جدلية وهمية هكذا؟ وجواب كارنب هو: إن العلم ليس هو النشاط الروحي الوحيد الذي يقوم به الإنسان؛ فهناك نشاطات اخرى، مثل الفن والدين. وهكذا فإن المذاهب الميتافيزيقية ماهي إلا صور مختلطة غامضة مستمدة من هذه الميادين الثلاثة: الميتافيزيقا، الفن، الدين. إن لدى الميتافيزيقين حاجة شديدة إلى التعبير عن شعورهم بالحياة؛ لكن ليست لديهم القدرة على القيام بذلك على نحو مناسب : بخلق اعمال فنية. كذلك لديهم ولع بتناول التصورات المجردة، وينشدون احياناً نوعاً من التقوى الدينية. ومن ثم يتناولون لغة العلم ويعبرون يها عن تجربتهم للعالم ولكن على نحوغيرسليم أبدا. إنهم لا يؤدون للعلم شيئاً، وأما بالنسبة إلى الشعور بالحياة فيقدمون شيئاً غير واف لو قورن بما يقدمه كبار أهل الفن. وبالجملة، يزعم كارنب أن الميتافيزيقا تعبيرغيرواف عن الشعور بالحياة؛ إن الميتافيزيقيين موسيقيون بغيرموهبة موسيقية، أو شعراء يفتقرون إلى الملكة الشعرية.

اما المشاكل الكبرى التي شغلت الميتافيزيقا نفسها بها منذ القدم فهي-في زعم كارنبد ليست مشاكل علمية على الإطلاق لأن المشكلة تقوم حين تصاغ قضية وينظر هل هي صحيحة أو باطلة. أما إذا كانت القضية بغير معنى، فإن المشكلة التي تعبر عنها هي مشكلة وهمية زائفة.

٢- وحدة العلم

اهتمت دائرة فيينا بفكرة وحدة العلم، وفي سبيل ذلك طالبت بلغة موحدة بها يمكن التعبير عن كل قضية علمية. ولغة كهذه لا بد لها ان تحقق شرطين : إذ ينبغي اولاً ان تكون لغة بين «الأفراد» أي لغة ميسورة لكل إنسان، وعلاماتها تدل على نفس المعفى عند الجميع. وينبغي ثانياً ان تكون لغة عالمية، يمكن بها التعبير عن أي موضوع شاؤه .

وقد رأى نويرات Neurath وكارنب أن لغة الفزياء هي وحدها التي يتوافر فيها هذان الشرطان. ومن هنا سمي مذهبهما هنا بالفزيائية Physikalismus . ولما كانت اللغة الفزيائية لغة كمية محضة، لا يستعمل فيها إلا التصورات القياسية، فإن كارنب خفف النظرية الفزيائية فييا بعد بحيث جعل المسألة مسألة «لغة أشياء» Dingsprache أو لغة عالم الأجسام» ، تحتوي على تصورات كيفية إلى جانب التصورات الكمية، بشرط أن تتعلق بخواص للأشياء مشاهدة أو علاقات قابلة للمشاهدة قائمة بين الأشياء. ولذلك حين يشار إلى نظرية «الفزيائية» فإنه يقصد بها هذا المعى المخفف الأخير. وعلى كل حال فإن «الفزيائية» بشكليها هذين تطالب فقط بأن تكون الصفات (المحمولات) الفزيائية هي الصفات الأساسية للغة العلم الموحدة. لكن لا يقصد من هذا ايضاً القول بأن كل قانونية ينبغي ان تكون قابلة لا محالة للرد إلى قوانين فزيائية.

أما أن «لغة الأشياء» هي الشرط الأول للتفاهم بين الناس، فهذاامر لا يحتاج الى فضل بيان. ويشيرها هنا كارنب إلى أننا ها هنا لسنا بإزاء ضرورة منطقية، بل بالأحرى بإزاء حالة تجريبية سعيدة: فإن اختلافات الرأي بين الأشخاص المختلفين فيما يتعلق بدرجات الحرارة، والأطوال، وترددات السرعة، إلخ-يمكنمنحبث المبدأ تلافيها في داخل نطاق حدود الدقة الممكن بلوغها. والأمرنفسه يصدق على الأقوالغيرالكمية التي تنطق بهالغة الأشياء. إذيمكن دائما-من حيث المبدل الوصول إلى اتفاق بين مختلف الأشخاص في

الأقوال المتعلقة بأحوال وأحداث العالم الفزيائي. اماالقضية المتعلقة بتجارب حية ذاتية فلا تملك غير معنى ذاي (مونولوجي)، أي أن لها معى بالنسبة إلى صاحبها فقط، وليس بالنسبة إلى شخص آخر غيره, ولهذا فإن أمثال هذه القضايا لا محل لها في العلم.

ويطالب كارنب باستعمال «لغة الأشياء» أو «اللغة الفزيائية» حتى في العلوم الروحية، وذلك بأن يكون من ل ممكن ترجمة ا لأقوال في هذه العلوم إلى أقوال يمكن الفحص عنصح اتجريبيا.

٣-امكان تحقيق القضايا التجرييية

وبتأثير أبحاث كارل بوبر، سعى كارنب إلى تصحيح فهم تركيب المعرفة التجريبية. وفي هذا السبيل حاول وضع تصور جديد لمعيار المعنى التجريبى، أكثر تساهلا من النظرية لأصلية في اقتضاء إمكان تحقيق معى القضايا تجريبياً.

ووضع قواعد لهذا التصور الجديد تتلخص فيما يلي:

١-كل الأقوال التركيبية يجب أن تكون قابلة للتحقيق تحقيقاً تاماً- وهذا مبدأ التحقيق التام.

٢-كل الأقوال التركيبية يجب أن تكون قابلة للتأييد تأييداً تاماً- وهذا مبدأ التأيد Bestätigung التام.

٣-كل القاخال التركيبية يجب أن تكون قابلة للتحقيق-وهذا هو مبدأ التحقيق.

٤-كل القضايا التركيبية يجب أن تكون قابلة للتأييد وهذاهوم بد تأييد.

وفي كل هذه الأحوال يجب أن تكون الصفات متعلقة بماهو قابل للملاحظة

٤-علم المعاني والظم Syntax المطقي.

إن علم المعافي والنظم يمكن ان يعالجا ليس فقط بوصفهما علمين تجريبيين، بل وأيضاً بوصفهما علمين محضين reine Wissenschaften. بيد أن علم المعافي التجريبي والنظم التجريبي ينتبان كلاهما إلى علم اللغة، أما علم المعاني المحض والنظم المحض فهما علمان منطقيان. وهذان العلمان الأخيران يمكن التمييز بينهما بواسطة طريقة القواعد الق وفقاً لها تبنى اللغات الصناعية العلمية . وهما غالباً ما يجمعان تحت

عنوان واحد هو: «دراسة اللغة المشكلة» -Studium forma,i sierter Sprachen .

٥-البناء المنطقي للغة

وبالنسبة إلى المعافي المحضة والنظم المحض من المهم جدا التفرقة بين لغة الموضوع Objektsprache وبين ما بعد اللغة Metasprache. اما لغة الموضوع فهي اللغة الرمزية الصناعية. أما ما بعد اللغة فهي تلك اللغة التي توضع فيها التواعد الصادقة على لغة الموضوع؛ كذلك تصاغ بما بعد اللغة كل النتائج النظرية المتعلقة بلغة الموضوع. وعادة تستعمل لغة التخاطب بوصفها ما بعد لغة. والسبب في تسميتهاامابعداللغة» هوأن هذه اللغة تستعمل للكلام عن لغة الموضوع، فهي «بعد» لغة الموضوع، ومن الأمثلة البارزة على الأقوال المابعد لغوية القول بأن قضيتين من قضايا لغة الموضوع لا تصدقان منطقياً معاً. بيد انه في علم اللغة العادي عادة ما تستعمل لغة الموضوع وما بعد اللغة بمعفى واحد. أما في المنطق - فيما يزعم كارنب - فإنه ينبغي التمييز الحاد الدقيق بين هاتين اللغتين، وإلا فقد يحدث من الخلط بينهما مناقضات معنوية.

اهم مؤلفاته

,المكان,

- Der Raum . Ein Beitrag zur Wissenschaftslehre

Berlin, 1922.

«تكوين التصورات الفزياثية»

- Physikalische Begriffsbildung. Karlsruhe, 1926

البناء المنطقي للعالم»

- Der Logische AufbauderWelt. 82111, 1923.

امثاكل وهمية في الفلسفة: عقول الآخرين والنزاع حول القعية»

- Scheinprobleme 10 der Philosophie: 1025 Fremd-psychische und der Realismusstreit. Berlin, 1928.

«موجز في المنطق الرمزي»

- Abriss der logistik. Wien, 1929.

النظم المنطقي للغة»

- Logische Syntax der Sprache. Wien, 1934.

- PhilosophyandLogical Syntax. 1010000, 1935

- Vol. 1, No. 3, 0: International Encyclopedia 0٤

Unified Science. Chicago, 1939.

- Introdution ٠ 10 semantics. Cambridge, Mass., 1942.

- Formalizaron 0٤ Logic. Cambridge, Mass., 1943.

- Meaning and Necessity: ٨ Study 11 semantics and Modal Logic. Chicago, 1947.

- Logical Foundations 0٤ Probability. Chicago, 1950. -The Continuum 0٤ Inductive Methods. Chicago, 1952.