روبرت كوخ

روبرت كوخ (بالألمانية: Robert Koch) (11 ديسمبر 1843 ـ 27 مايو 1910) هو طبيب وعالم بكتريا ألماني رائد، حصل على جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب لاكتشافه البكتيريا المسببة للسل الرئوي لعام 1905 ويعد هو المؤسس الحقيقي لعلم الجراثيم كعلم طبي مستقل.

مولده ونشأته

ولد كوخ في 11 ديسمبر سنة 1843 في كلاوستال بالقرب من هانوفر، ونشأ كوخ في عائلة كثيرة الأفراد فقد كان ثالث ابن من عشرة أطفال، درس الطب في غوتينغن على يد الطبيب الألماني فريدريك جوستاف جيكوب وتخرج في عام 1866، وشارك بعد ذلك في الحرب الفرنسية البروسية حيث عمل لاحقا كضابط طبيب، وباستخدام إمكانيات محدودة للغاية أصبح أحد مؤسسي علم البكتيريا، بالإضافة إلى لويس باستور، وعمل طبيباً في العديد من المستشفيات الألمانية وأستاذاً في جامعة برلين.

اكتشاف بكتيريا الجمرة الخبيثة

كرّس كوخ حياته للبحث العلمي، باذلاً جهودا علمية كبيرة في اكتشاف الميكروبات والجراثيم ودراسة الأوبئة. ويعد روبرت كوخ أول من أثبت منذ حوالي مائة عام أن الأمراض المُعدية، التي كانت تفتك بشعوب أوروبا، سببها عضويات حية مجهرية، ففي سنة 1876 كلّف كوخ ببحث وباء الجمرة الخبيثة للكشف عن مسببه، إذ كان حينذاك منتشراً في القارة الأوروبية، وعرف هذا الوباء بإصابة الآلاف من رؤوس الأغنام والماعز والخنازير وكذلك بقدرته على إمراض المزارعين الذين يقومون بتربية هذه الحيوانات.

بدأ «كوخ» أولى تجاربه بتنمية بكتيريا الجمرة الخبيثة في خارج جسم الحيوان، ولاحظ نموها تحت مجهره، ثم حقنها في فئران فماتت وعندما فحص الفئران وجد فيها أعدادًا كبيرة من البكتيريا نفسها التي حقنها بادئ الأمر في هذه الفئران، وازدادَ ثقةً واطمئنانًا بأن هذه البكتيريا هي بذاتها المسببة للداء.

أعاد كوخ التجربة عدة مرات على حيوانات أخرى مثل الأبقار، وتوصل إلى النتيجة نفسها، وهكذا برهن على أن البكتيريا هي التي تسبب مرض الجمرة الخبيثة، وبعد أن نشر كوخ اكتشافاته، قام العلماء بدراسة الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان، وتوصلوا إلى أن البكتيريا تسبب عددًا من الأمراض للإنسان، مثل الدفتيريا، والكوليرا، والحمى التيفوئيدية.

اكتشاف بكتيريا السل

اكتشف كوخ بنفسه البكتيريا المسببة لمرض السل، الذي حيّر العلماء قديما لعجزهم عن معرفة أسبابه، حتى اكتشف كوخ الجرثومة المسببة للسل عام 1882 وأثبت أن هذا الميكروب يمكنه إحداث تغيرات مرضية في مختلف أعضاء الجسم مثل الحنجرة والأمعاء والجلد، كما تمكن من استخلاص مادة التيوبركلين (Tuberculin) من جرثومة السل، وهي المادة التي تستخدم حتى اليوم في تشخيص مرض السل وتحديد ما إذا كان الشخص محصناً ضد المرض أو سبق له الإصابة به. وقد كانت أبحاث كوخ حول مرض السل تحديداً هي التي قادته إلى الحصول على جائزة نوبل. وما زال البعض يطلقون على بكتيريا السل اسم «عصيات كوخ».

دراسته للأوبئة في أفريقيا وآسيا

  • في سنة 1883 قام كوخ بدراسة مرض الكوليرا في مستشفى الإسكندرية بمصر، بعد أن اجتاح ذلك الوباء مصر وأدى إلى حدوث أكثر من أربعين ألف حالة وفاة.
  • وفي منتصف سنة 1890 بدأ يجري أبحاثه حول أمراض الدم المعدية في أفريقيا كالملاريا ومرض النوم، ولقد قضى روبرت فترة طويلة في أفريقيا بين البحث في أسباب المرض وإيجاد العلاج.
  • كما أجرى كوخ أبحاثه عن مرض الطاعون اللمفاوي في الهند واكتشف مرض الكوليرا الآسيوية.

إنشاء معهد الأمراض المعدية

في عام 1891 أقام كوخ معهد الأمراض المعدية (انظر معهد روبرت كوخ) ببرلين، وصار مديراً له.

مدينة كلاوس تال تكرم ابنها

اِعتِرَافاً بفضل كوخ قامت مدينة كلاوس تال - مسقط رأسه - بمنحه لقب مواطن شرفي، والآن تحمل العديد من المؤسسات العلمية والمنشآت في هذه المدينة اسم كوخ، فهناك مدرسة روبرت كوخ، ومستشفى روبرت كوخ، وشارع روبرت كوخ، وجائزة روبرت كوخ ومكتبة روبرت كوخ وغير ذلك. وبحكم شغفه للمغامرة والسفر ربط روبرت بين هوايته وإهتماماته العلمية حيث لم يتخل يوماً في معاينة الأوبئة والأمراض في البلد الذي أنتشرت به مغتنما الفرصة لإكتشاف العالم في وقت لم يكن فيه السفر عبر العالم ممتعا كما هو الشأن اليوم.

وفاته

توفي روبرت كوخ في بادن بادن في 27 مايو 1910 بعد اصابته باحتشاء في عضلة القلب.

إسهامات روبرت كوخ في مجال البحث عن الميكروبات

بمجرد أن ظهر الطبيب الألماني روبرت كوخ في حوالي عام 1870، كان معاصره الفرنسي الشهير لويس باستور (١٨٦٢) قد نجح في أول معاركه في موضوع "نظرية جراثيم" الأمراض. وقد كانت الأدلة تشير إلى أن الكثير من الأمراض، إن لم يكن معظمها، تتسبب في الإصابة بها كائنات حية دقيقة للغاية، والمعروفة الآن بالميكروبات أو البكتريا. الأمر الذي أكد ما صرح به النمساوي ماركوس بلينسيز عام ١٧٦٢ والإيطالي جيرولامو فراكاستورو قبل ذلك بأكثر من ٢٠٠ سنة (١٥٤٦).

على الرغم من أن كوخ كان في ذلك الوقت يعمل مسئولا صحيا في منطقة ريفية، فقد كان لديه وقت لإجراء الأبحاث على مرض الجمرة الخبيثة، الذي عانت منه الحيوانات ومن الممكن أن ينتقل إلى الإنسان. وتأثراً بأفكار باستور، وجد أشخاص آخرون كائنات مجهرية تشبه الأعواد ("البكتريا العصوية") تعيش في دم الحيوان المصاب. وباستخدام المجهر، عرف كوخ أن تلك البكتريا العصوية هي السبب وراء الإصابة بالمرض. فتم وضع عينات من دم الحيوانات التي نفقت من جراء الإصابة بمرض الجمرة الخبيثة في الجروح الموجودة على جلد الفئران. وقد كانت عينات هذا الدم تحتوي على الميكروب المشتبه به. فماتت الفئران سريعا نتيجة للإصابة بالمرض، أما الفئران التي تم حقنها بدم من حيوانات صحيحة (دم خال من البكتريا العصوية مرض الجمرة الخبيثة) فإنها لم تمت.

لكن كوخ لم يقتنع تماما بذلك؛ فمن الممكن أن يكون المرض قد انتشر نتيجة لأي شيء آخر في الدم. لذلك، قام بتطوير "عملية زرع البكتريا" من خلال العديد من الأجيال البعيدة قدر الإمكان عن أي مصدر آخر للتلوث. وعلى الرغم من أن الكائنات الدقيقة لم يسبق وأن احتكت يحيوان مصاب بشكل مباشر، فلا يزال بإمكانها أن تنشر المرض، وذلك كما أوضحت الاختبارات التي أجريت على الفئران. وتم التأكد من الحالة التي ظهرت، ولكن لم يتم قبول نتائج كوخ إلا في عام ١٨٨٦ عندما اكتشف باستور لقاحا ضد مرض الجمرة الخبيثة.

ليس هناك شك في أن كوخ قد استطاع أن يضيف إلى إنجازاته في هذا الصدد بالتعرف على الميكروبات التي تسبب الإصابة بالأمراض الأخرى، بما فيها مرض السل والكوليرا وتسمم الدم. فقد تسبب مرض السل في وفاة شخص واحد من بين كل سبعة أشخاص في أوروبا في ذلك الوقت. وتم تقدير عمل كوخ كعمل بالغ الأهمية بمنحه جائزة نوبل في مجال الطب عام 1905.

قام كوخ بتطوير أساليب إبداعية وفعالة لفصل وزراعة أنواع مختلفة من البكتريا. وقام بصياغة مسلمات كوخ؛ حيث إنه من الضروري وجود دليل لإثبات أن كائنا حيا هو "سبب" الإصابة بأحد الأمراض. فقد كان من اللازم أن يتم العثور على الكائن الحي المسبب للمرض في جميع حالات الإصابة التي يتم فحصها؛ ويجب أن يظل ذلك الكائن الحي المسبب للمرض قادراً على أن يكون سببا للإصابة بالمرض حتى بعد عدة أجيال في الزراعة.

واعتماد على أساليب ومسلمات كوخ قام تلاميذ كوخ بتحديد الجراثيم التي تسبب الإصابة بأمراض مثل الدفتريا والتيفود والطاعون الدملي والتيتانوس والزهري والالتهاب الرئوي. وبذلك، استمر تأثير كوخ بعد وفاته في عام ١٩١٠ .

انظر أيضًا