جوزيف بلاك

كان جوزيف بلاك (بالإنجليزية: Joseph Black)‏ (16 أبريل 1728 – 6 ديسمبر 1799) فيزيائيًا وكيميائيًا اسكتلنديًا اشتُهر باكتشافه المغنيسيوم والحرارة الكامنة والحرارة النوعية وثنائي أكسيد الكربون. عمل أستاذ تشريح وكيمياء في جامعة غلاسكو مدة 10 سنوات بدءًا من عام 1756، ثم أستاذ طب وكيمياء في جامعة إدنبرة بدءًا من عام 1766، حيث بقي يدرّس ويحاضر لأكثر من 30 عامًا.

سُميت أبنية قسم الكيمياء في كلتا جامعتي إندبرة وغلاسكو باسم بلاك.

نشأته وتعليمه

وُلد بلاك في بوردو، فرنسا، وكان سادس اثني عشر طفلًا لمارغريت غوردون (توفيَت عام 1747) وجون بلاك. كانت أمه من إحدى عائلات أبردينشاير التي كانت على صلة بتجارة النبيذ وكان والده من بلفاست، أيرلندا وكان وسيطًا في تجارة النبيذ. تلقى تعليمه في المنزل حتى عمر 12، وبعدها التحق بمدرسة القواعد في بلفاست. التحق بجامعة غلاسكو في عام 1746 حينما كان في عمر 18 عامًا، ودرس فيها أربع سنوات قبل أن يمضي أربعًا أخرى في جامعة إدنبرة ليواصل دراساته الطبية. كتب خلال دراسته أطروحة دكتوراه حول علاج حصى الكلية باستخدام ملح كربونات المغنيسيوم.

أعماله

المبادئ الكيميائية

مثل معظم تجريبيّي القرن الثامن عشر، كانت تصوّرات بلاك عن الكيمياء قائمة على «مبادئ» المادة الخمسة: الماء والملح والأرض والنار والمعدن. أضاف مبدأ «الهواء» عندما أكدت تجاربه بشكل حاسم وجود ثنائي أكسيد الكربون، والذي سماه «الهواء الحبيس». كان بحث بلاك مسترشدًا بالأسئلة المتعلقة بكيفية اندماج «المبادئ» بعضها مع بعض في عديد من الأشكال والخلائط المختلفة. استخدم مصطلح «أُلفة» ليصف القوة التي تدمجها معًا. استخدم على امتداد حياته المهنية مجموعة متنوعة من الرسوم البيانية والمعادلات ليدرّس طلابه في جامعة إدنبرة كيفية التلاعب «بالأُلفة» باستخدام مختلِف أنواع التجارب.

التوازن التحليلي

نحو عام 1750، حينما كان لا يزال طالبًا، طوَّر بلاك التوازن التحليلي بناءً على دعامة خفيفة الوزن جرَت موازنتها على رافعة إسفينية الشكل. حملت كل ذراع كفة وُضعت عليها العينة أو الأوزان المعيارية. تجاوزت دقته دقة أي ميزان آخر في عصره بكثير وصار أداة علمية هامة في معظم المختبرات الكيميائية.

الحرارة الكامنة

في عام 1757، عُين بلاك أستاذ ريجيوس لممارسة الطب في جامعة غلاسكو.

استنتج في عام 1761 أن تطبيق الحرارة على الجليد عند نقطة انصهاره لا يسبب ارتفاعًا في حرارة مزيج الجليد والماء، بل يسبب بدلًا عن ذلك زيادة في كمية الماء في المزيج. إضافة إلى ملاحظة بلاك أن تطبيق الحرارة على الماء المغلي لا يسبب ارتفاعًا في حرارة مزيج الماء والبخار، بل يؤدي إلى زيادة في كمية البخار. خلص من هذه الملاحظات إلى أن الحرارة المطبقة لا بد اندمجت بجزيئات الجليد والماء المغلي وصارت كامنة.

تمثل نظرية الحرارة الكامنة بداية الديناميكا الحرارية. كانت نظرية بلاك عن الحرارة الكامنة واحدة من أهم إسهاماته العلمية، والتي ترتكز شهرته العلمية عليها خصوصًا. أظهر أيضًا أن المواد المختلفة لها درجات حرارة نوعية مختلفة.

تبين في النهاية أن النظرية لم تكن مهمة في تطوير العلم المجرد فحسب، بل في تطوير المحرك البخاري. صار بلاك وجيمس واط صديقان بعد لقائهما نحو عام 1757 حينما كان كلاهما في غلاسكو. منح بلاك واط تمويلًا معتبرًا ودعمًا آخر لبداية أبحاثه في الطاقة البخارية. كان اكتشاف بلاك لحرارة الماء الكامنة مثيرًا للاهتمام بالنسبة لوات، وأبلغ عن محاولاته لتحسين كفاءة المحرك البخاري الذي اخترعه توماس نيوكومن وتطوير علم الميكانيكا الحرارية.

إسهامات جوزيف بلاك في اكتشاف ثاني أكسيد الكربون

كان جوزيف بلاك أحد الأطباء المشهورين ويعمل مدرسا في كلية الطب بجامعة جلاسجو. ومن بين المرضى الذين عالجهم جوزيف بلاك الفيلسوف دافيد هيوم ومربية الروائي وولتر سكوت في الصغر. كان لديه الوقت للقيام بالأبحاث العلمية حتى أن عالم الكيمياء الحديثة الفرنسي البارز أنطوان لافوازييه يعتبره أحد مؤسسي علم الكيمياء الحديثة.

هذا، وقد كانت رسالة الدكتوراه التي قدمها جوزيف بلاك في عام ١٧٥٤ تدور حول فكرة واحدة وهي أنه عند التسخين الشديد لمعدن الماغنسيوم الأبيض — الذي يعرف بأنه مادة مطهرة ومضادة للحموضة - والمعادن الأخرى المشابهة مثل الحجر الجيري، يلاحظ أن تلك المعادن تفقد جزءا كبيراً من وزنها. وبذلك، استنتج جوزيف بلاك أن بعضاً من الغاز غير المرئي في الهواء ينطلق عند التسخين. وقد كان من المعروف أنه عند وضع تلك المواد في وسط حمضي. فإنها تكون بعض الفقاعات ثم تفور، ويبدو أنها تعمل على تصاعد هذا الغاز نفسه.

قام جوزيف بلاك بجمع جزء من هذا الغاز وأطلق عليه اسم الهواء الحبيس. ويعزى هذا الاسم ربما إلى أن ذلك الهواء يحبس داخل تلك المعادن ولا ينطلق سوى بتسخينها أو وضعها في الأحماض. ويختلف الهواء الحبيس تماما عن الهواء العادي؛ حيث إن الشمعة لا يمكن أن تشتعل في وجوده. كما أنه يؤدي إلى وفاة الفأر على الفور إذا وضع في مصيدة مغلقة يوجد بها هذا الهواء. ويبدو أن هذا الغاز يتشابه إلى حد كبير مع الغاز الذي اكتشفه العالم الهولندي يان فان هلمونت قبل ذلك الوقت بمائة عام (١٦٤٤)، والذي يمكن الحصول عليه من احتراق الأخشاب. وتعد تلك النقطة غاية في الأهمية إذ تعني إمكانية الحصول على ذلك الغاز من بعض المعادن وبعض الكائنات الحية بعد موتها؛ مما يعني وجود صلة قوية تربط بين بعض الكائنات الحية وغير الحية في الطبيعة.

عند تسخين الحجر الجيري يمكن الحصول على الجير الحي. لاحظ جوزيف بلاك أنه عندما يترك الجير الحي في الهواء الطلق لفترة من الزمن، فإنه يتحول ببط إلى حجر جيري مرة أخرى. ويؤكد ذلك أن الهواء الطبيعي يحتوي على جزء من الهواء الحبيس طوال الوقت. وبالتالى، فإن الهواء الطبيعى لا يتكون من مادة واحدة أو عنصر واحد وإنما هو عبارة عن مزيج من العناصر. وقد أدى ذلك الاكتشاف إلى ابتكار طريقة مبسطة لاختبار الغاز وهي أنه في حالة تكون الفقاعات في الماء المذاب فيه الجير الحي، يتحول الماء إلى اللون لأبيض حيث تتكون جزيئات الحجر الجيري مما يدل على وجود الغاز وفي الوقت حالي، يطلق على هذا الغاز اسم ثاني أكسيد الكربون.

صياغة جوزيف بلاك لمفهومي الحرارة النوعية والحرارة الكامنة

عندما أصبح الترمومتر من الأدوات الأساسية الموثوق فيها لقياس درجة الحرارة بشكل جيد عام ١٧٤٢، أخذ العلماء في اكتشاف الخواص الأساسية عن طبيعية الحرارة. وكان جوزيف بلاك الذي اكتشف الهواء الحبيس - المعروف باسم غاز ثاني أكسيد الكربون (١٧٥٤) - في مقدمة هؤلاء العلماء. وقد أيد صحة النظريتين القويتين اللتين اقترحهما كل من العالم الألماني جوهان وايلك والعالم السويسري جان ديلوك في الوقت نفسه من خلال الملاحظات التي قاما بها كل منها بشكل مستقل عن الآخر.

كان جوزيف بلاك قد لاحظ كبعض ممن سبقوه أنه عند ذوبان الثلج أو غليان الماء، يبدو أن درجة جرارتهما لا تتغير على الرغم من كمية الحرارة التي يتم امتصاصها. وأطلق على هذه الظاهرة اسم الحرارة الكامنة. ومن خلال الملاحظات والتجارب الدقيقة، استطاع جوزيف بلاك اكتشاف أن كمية الحرارة اللازمة لغليان كمية معينة من الماء وتحولها إلى بخار تساوي كمية الحرارة نفسها التي تنطلق عند تكثيف البخار وتحويله إلى ماء مرة ثانية. وقد أدت تلك الملاحظات المهمة إلى تفسير العديد من الظواهر التي توجد في الطبيعة : مثل تحديد السبب في أن العرق الجاف يؤدي إلى تلطيف البشرة. كما تم تفسير السبب الذي يجعل تكثيف بخار الماء داخل السحب يؤدي إلى انطلاق بعض الطاقة التي من شأنها أن تحول تلك السحب إلى رعد.

لاحظ جوزيف بلاك أيضا أنه عند تسخين بعض المواد المختلفة مثل مجموعة مختلفة من المعادن، فإن درجة حرارتها لا ترتفع بالمقدار نفسه. ويعزى ذلك إلى أن كل مادة تتطلب كمية معينة من الحرارة (الحرارة النوعية) لرفع درجة حرارتها - لنقل بمقدار درجة واحدة مثلاً. وقد ساعد ذلك جيمس وات الذي كان صديقاً للعالم جوزيف بلاك إلى تقليل كمية الحرارة التي يفقدها المحرك البخاري الذي اخترعه حديثا في أثناء تشغيله. وذلك عن طريق تخصيص مكثف منفصل للبخار يحافظ على ثبات درجة حرارة كل من الأسطوانة والمكبس. كما أدت تلك الاكتشافات الجديدة إلى تحديد الفرق بين مفهوم الحرارة ودرجة الحرارة أو ما كان يطلق عليه جوزيف بلاك الفرق بين كمية الحرارة وشدة الحرارة. وعلى الرغم من ذلك، استمر الجدل حول تعريف الحرارة.