تقليدوية

التقليدوية هي نزعة و نهج محافظين في النظرة إلى الحياة و المجتمع. و جوهر التقليدوية هو تجنب القطيعة مع التقليد، و الحفاظ على الأشكال القديمة للقيم السياسية و الدينية و الأخلاقية، لأنها بنظر المنادين بها، التعبير العفوي عن الحاجات الحقيقية للمجتمع. و لكن التقليد، على هذا النحو، ليس سوى العادة، التي كانت تملي، في القرون الوسطى، على الإنسان أعماله و أحكامه، و هي تفترض أن "الجيد" نكتسبه من السلف و أن أفضل ما يكون هو الذي كان دائما. و قد أدى استلهام الحق الروماني، في القرن الثامن عشر ، إلى استبدال الحق المدون "بالحق المعتاد" و إلى استبدال العقل "بالتجربة"، و المجرد "بالملموس". و يتوقف الطابع المحافظ، أو بمعنى آخر، الطابع الرجعي للمنهج التقليدي على اختيار الماضي. فيختلف الفرق التقليدوي، من بلد إلى آخر، باختلاف "التاريخ" الذي يستند إليه. إلا أنه رغم التباين، ثمة خلفية فكرية مشتركة، أذواق و مشاعر مشتركة، تعطي هذا المذهب قدرا من التماسك الأكيد.

هناك في كل العصور، و خاصة في مراحل الاضطراب و البلبلة، من يصرح بإخلاصه للتقاليد و حرصه عليها و يشكك بفعالية و شرعية التحديث الطاريء. إلا أن التقليدوية لم يشتد عودها، و تثبت قدمها كمذهب، إلا بعد التساؤلات العميقة التي أحدثتها فلسفة "عصر التنوير"، و القطيعة الإرادية مع معاصري عام 1789. يبدأ تاريخ التقليدوية، بوصفها نظاما، مع الثورة الفرنسية و كان أول تأسيس لها كتاب "تأملات حول الثورة الفرنسية" لأدموند بورك (بالإنجليزية: Edmund Burke).

يواجه دعاة التقليد، عقائد المدارس الأخرى، الليبرالية الاشتراكية، بالإيمان العميق بوجود إرادة إلهية، هي القيمة على سير الأمور الطبيعة، فيخطئ من يعمل على خلخلة نظام الأشياء. و ليس نظام الأشياء الطبيعي هذا سوى التجربة نفسها. و قد ظل "المجتمع المسيحي" مثال التقليديين الأعلى، و غالبا ما كانوا يجدون في الكنيسة سندا لهم. و ظل مثالهم، مثال المجتمع الريفي الذي يطغى عليه احترام القيم التقليدية، إلى جانب احترام الصفات "الرجولية".

لقد اغتنى المذهب التقليدي، عبر التاريخ، بعناصر جديدة: دو بونالد (بالفرنسية: De Bonald‏)، إلى الحزب الموالي للأسرة المالكة، زمن الملكية في فرنسا ، إلى الأبعاد التي أضافتها أوضاع البؤس الشعبي إلى تقليدية الكاثوليكيين الاجتماعيين لاتور دوبين (بالفرنسية: A. De Melun‏)، ألبيير دو مون و كذلك اتجاه أوغوست كونت التقليدوي الذي أصبح عنصرا من عناصر استنتاج شامل، و تقليدوية تين (بالفرنسية: Taine‏)أو رينان (بالفرنسية: Renan‏) التي اختلفت عما كانت عليه في بداية القرن. و قد تجدد هذا الاتجاه في القرن العشرين ، بفضل المفاهيم الوطنية الجديدة التي أدخلها باريس (بالفرنسية: Barres‏) و مور، و جماعة "العمل الفرنسي" (بالفرنسية: Action francaise‏) و ألهم هذا التيار، نظام فيشي (بالفرنسية: Vichy‏) فهمه للثورة الوطنية، و هو اسم جديد للمذهب القديم المضاد للثورة و شعار: العمل، العائلة الوطن.

هذا و ما زالت القليدية هي التيار الغالب في بعض المؤسسات الروحية و السياسية الغربية كالكنيسة و الجيش.

مصادر

  • موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، 1990، ص777-778.

أنظر أيضا

مراجع للاستزادة

  • المجتمع القروي بين التقليدية والتحديث، مهى سهيل المقدم،

المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،1995

  • الشرائح الاجتماعية التقليدية في المجتمع اليمني، قائد نعمان الشرجبي،

دار الحداثة للطباعة والنشر، 1986