تربية سكانية
التربية السكانية (بالإنكليزية: Population Education) تهدف إلى تعليم قضايا السكان.
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء1) صدق الله العظيم
يعرّف مصطلح السكان بأنه : " مجموعة الافراد الذين يعيشون في زمان ومكان معيّنين تربطهم علاقـــــــات اجتماعية". (وزارة التربية,1996:ص1). ويشمل هذا المصطلح الإنسان بمحيطه الاجتماعي والثقافي والبيئي ودوره في التنمية والتطور ،. والمهم ان سكان أي قطر أو منطقة ليسو مجرد عدد, ولا العيش المجرد فقط في بقعة جغرافية واحدة، بل هم مجموعة الذكور والإناث, ومختلف افراده في فئات السن المتباينة، والمهن والحرف والثقافة, أو المستويات التعليمية والزوجية والريفية والحضرية..., سواء عند لحظة معينة أو خلال فترة ممتدة على مدار الزمن.
وبالمقابل فإن مصطلح التربية كما يعرفه الخطيب " يعني التنشئة والنهوض والاصلاح وإظهار القوى، وتتوجه نحو الانسان والمجتمع والثقافة والتراث والايديولوجية". (الخطيب،1992:ص15) وهي بمعنى اعم نشاط كلي يؤثر في تكوين الفرد, وأداة ديمومة الحياة, ووظيفتها نقل تراث المجتمع، وتوجيه طاقاته وتكيفه الاجتماعي. واذا كانت التربية تعبر عن نشاط يتم في مجتمع ما، فان اهدافها واساليبها تتوقف على طبيعة المجتمع الذي تحتل مكانتها فيه. وبهذا تعد التربية عملية قيادة الافراد إلى نوع من الفهم الأكثر للعالم وللموقف الإنساني، وفي اطار هذا الفهم تنمو وتتطور قدراتهم في الوفاء بأدوارهم المختلفة والمتكاملة في المجتمع.
إن ارتباط مفاهيم السكان مع مفاهيم التربية يعكس العلاقة القوية بين المتغيرات السكانية والمتغيرات التربوية، ويفسر ان هذه العلاقة المنطقية ولدت مع خلق الإنسان وزوجه، ومابثّ منهما بعد ذلك رجالا كثير ونساءا، حيث تحكم هذه العلاقة اطر فلسفية لعوامل تأريخية واقتصادية واجتماعية ذات تفاعلات معقدة، انعكست تماما على حياة الشعوب وثقافاتها افقيا وعموديا زمانيا ومكانيا.
فعلى سبيل المثال عرف المصريون القدامى في حضارة وادي النيل قضية تنظيم النسل وهي واضحة في آثارهم لحد الآن.(عقلة،1983:ص83)
وتناولت معطيات الحضارات القديمة :اليونان، الرومان، الصينيون، العرب، الحجم المناسب للسكان في الحرب والسلم، وإدارة الدولة، والموارد.... (.(UN,1973:pp. 33,34)
دعت البلدان الاوربية في أواخر القرن السابع عشر الميلادي إلى تحديد النسل، وكان ابرز الديموغرافين المتشائمين آنذاك مالثوس.وقد رد عليه الديموغرافيون المتفآئلون بالعديد من وجهات النظر المتنوعة في جدال دائم ومتصاعد.
وقد اعتنى المسلمون القدامى في صدر الإسلام بالقضايا السكانية التي أولاها الإسلام اهتماما خاصا، ومنها تنظيم السلوك الإنجابي للبشر على وفق نصوص القران الكريم، والسنة النبوية المطهرة ،التي تحث على الكثرة النوعية للمسلمين.
ويؤكد علماء المسلمين في العصر الحالي: " إن القوة العددية من النعم التي يمن بها الله على الناس، ومما يفخر بها المفاخرون، ويخوف بها المتربصون. ولكن مما ينازع فيه أن الإسلام لا يريد كثرة كغثاء السيل، بل يريد الكم والكيف معاً، فإذا ما تعارضا فالكيف مقدم على الكم، ولكن لا ينبغي لتنظيم النسل أن يكون فلسفة للدولة تجبر عليها الناس جميعاً (القرضاوي، 1987م، ص26). والمهم جدا ان يكون كل ذلك في الحدود التي رسمها القران العظيم والسنة النبوية المطهرة.
وعلى اية حال فأن مصطلح التربية السكانية بمعناه العلمي ولد قبل اربعة عقود من الزمن: وهويشهد تطوراً مفاهيمياً ملحوظا في المجال الآكاديمي زمانيا ومكانيا، وعلى الصعيدين الوطني والعالمي.
وتعني التربية السكانية ببساطة تعليم السكان قضايا السكان ،ويمكن التعبير عنها بأنها جهد مقصود يهدف إلى صنع الفرد المتنور سكانيا، والمتمكّن علميا وتربويا، والمتفاعل اجتماعيا. فهي مفهوم يصف الجهود والانشطة المبذولة من قبل النظام التربوي لجعل السكان- من جميع الاعمار- على يقظة وحذر من التغيرات السكانية وعواقبها على الحياة والمجتمع، بوصفها جزءا من العمليات الاجتماعية على النطاقين المدرسي واللامدرسي.وتتضمن التربية السكانية نقل الوعي بالمشكلات السكانية على الصعيد العالمي والإقليمي إلى مستوى يمكّن الفرد والمجتمع في آن واحد من مواجهة التحديات الديموغرافية بكل انماطها.
يعرف Sikes,1993 التربية السكانية تعريفا متطورا بأنها :"عملية مساعدة الناس، لفهم طبيعة اسباب العملية السكانية، وتداعياتها، وتأثيرها وتأثرها بوساطة الافراد والاسروالمجتمعات المحلية والوطن، وتركزعلى قرارات الفرد والاسرة فيما يخص التبدل السكاني عند المستوى المصغر، فضلا عن المستوى الديموغرافي الواسع ". (p. 12: Sikes,1993)
وتعرف التربية السكانية وطنيا : بأنها جهد تربوي، يهدف إلى توعية المتعلّمين بالظاهرات السكانية وعلاقتها بالموارد المتاحة، لاتخاذ مواقف رشيدة ومسؤولة حيال تلك الظاهرات، بما يخدم التنمية الشاملة في القطر, ويساعد على تحسين نوعية الحياة للفرد والاسرة والمجتمع ،وهذا هو التعريف المعمول به حاليا في أكثر من قطر عربي.
ويرى خضور،2007 انه بوسعنا وصف التربية السكانية بأنها عملية تربوية, تستهدف التأثير على الإدراك والقرارات والسلوك في القضايا المرتبطة بالسكان. كما انها تتعدى أن تكون إشارة عرضية للظاهرة السكانية في قاعة الدرس من خلال عملية التكيف الاجتماعي, بل انها تتطلب تحليلا نقديا لظواهر السكان، مع إعطاء انتباه خاص لآسبابها ونتائجها.(خضور،2007 :ص310)
ووضع الكبيسي ،2009 تعريفا للتربية السكانية التي تتم داخل المدرسة –وهو تعريف يجمع بين كم السكان ونوع الإنسان- على وفق الصيغة الآتية:
" التربية السكانية المدرسية عملية تربوية شاملة, تهدف إلى توعية المدرسين - وبالتالي طلبتهم ثم جمهور السكان- بالوضع السكاني السائد, وتطوير معارفهم ومهاراتهم, وتكوين اتجاهات ايجابية لديهم نحو التنمية الشاملة وعلاقتها بالسكان والموارد والبيئة، والصحة الانجابية، والنوع الاجتماعي. واتخاذ قرارات قيميّة مستنيرة وفق السياسة السكانية للبلد والسياسة التربوية له, وذلك من اجل تحسين حاضر نوعية الحياة البشرية ومستقبلها على مستوى الفرد، والاسرة، والمجتمع ".(الكبيسي، ب2009:ص20)
ونستطيع ايجاز اهمية التربية السكانية بما يأتي :
- تساعد الافراد على تحديد طبيعة المشكلات التي لها علاقة بالسكان.
- تساعدهم على اتخاذ قرارات واعية ورشيدة ازاء القضايا السكانية، وفهم نتائج قراراتهم واعمالهم على نحو أفضل.
- تساعدهم على إدراك العلاقة المتبادلة بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي ودينامية السكان واثر القرارات التي يتخذونها على التنمية وبالعكس.
- إسهامها في التجديد التربوي في اختيار مضامين تربوية لها أهميتها في حياة الافراد وتطوير طرائق التدريس.
وفي هذا المعترك فأن خلاصة معظم الدراسات في الادب التربوي السكاني التي شملت العالم برمته، تتفق على أهمية التربية السكانية اعلاه, وضرورة تطويرها وفقا لسياقات علمية أو نظم محدّدة, وعلى وجود ضعف معرفي في الوعي بقضاياها الحيوية. (الكبيسي، أ2009:ص195-223)
كما ان الإطار ألمفاهيمي للتربية السكانية قد تطوّر عبر العقود الأربعة الماضية (1970- 2009), وهو بحاجة مستمرة إلى أغنائه بالبحث والدراسة والعمل وما يتعلّق به من تقويم وتعديل.
فضلا عن ان تحليل المحتوى اوضح عدم كفاية الكتب المدرسية - وخصوصا كتب الجغرافية ومناهجها- لمضامين التربية السكانية.
وفي هذا السياق فان الهدف المركزي للتربية السكانية هو تحسين حاضر نوعية الحياة ومستقبلها. ولأجل تحقيق هذا الهدف ينبغي تمكين المتعلّمين من الحصول على المعارف، والمهارات، والاتجاهات، الضرورية اللازمة لفهم وتقييم الوضع القائم في المجال السكاني والعوامل المؤثرة فيه ,وذلك على صعيد الفرد، والأسرة، والمجتمع، والبلد، والعالم، ثم اتخاذ القرارات العقلانية والقيام بالسلوك المناسب.
وأخيرا تعد التربية السكانية ضرورة بالغة الاهمية، سواء للبلد الذي يرغب في زيادة سكانه أو ثباتهم اوعكس ذلك، فهي مفهوم يستقي فحواه من مباديء وقيم المجتمع وفلسفته التربوية والاقتصادية والاجتماعية زمانيا ومكانيا.
وعلى ضوء ذلك يتضح ان طبيعة التربية السكانية بوصفها استجابة تربوية متعدّدة الاختصاصات ومندمجة في بنية محتويات المواد والوحدات الحاملة، تتطلب استخدام ادوات تقويمية تعنى بوجه خاص - إضافة إلى جانب المعارف والمهارات- بالجانب الوجداني الاجتماعي لارتباطه القوي بمنهجية القضايا السكانية واهدافها, أي ادوات تقيس تغير الاتجاهات والمواقف ودرجة التطبّع ،والمنحى السلوكي المتوقّع مستقبلا ان يسلكه المتعلّم في الحياة تجاه القضايا السكانية والصحية والإنمائية....وان يتم كل ذلك وفق النظم القيمية والاخلاقية للمجتمع.
بسم الله الرحمن الرحيم [وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً ۚ وَإذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ] (الاعراف86) صدق الله العظيم
]ثبت بالمراجع [
القران الكريم
1. التويجري, عبد العزيز بن عثمان, 2003, دليل الايسيسكو لإدماج الصحة الإنجابية والنوع الاجتماعي في منهاج التربية الإسلامية, منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, الرباط، المغرب.
2. (القرضاوي، 1987م:ص26)، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي www.dr-aalahmadi.com/.
3. خضور, يوسف, 2007, دراسات في التربية البيئية والسكانية, جامعة البعث، كلية التربية، مديرية الكتب والمطبوعات, دمشق, سوريا.
4. الخطيب, محمد بن شحات, 1992, دور التربية البيئية في تحقيق التكامل بين البيئة والتنمية في أقطار مجلس التعاون بالخليج العربي ,ندوة البيئة والتنمية, الرياض المملكة العربية السعودية.
5. 5. السعيد, رضا مسعد, 2004, آليات البحث التربوي الخطة والمنظومية, في المؤتمر الرابع للمدخل المنظومي في التدريس والتعليم, دار الضيافة, جامعة عين شمس 3-4 أبريل, القاهرة, مصر.
6. (عقلة،1983:ص83)، بواسطة موقع د. عائشة الأحمدي. www.dr-aalahmadi.com.
7. الكبيسي، عبد المجيد حميد ثامر، 2009 أ ،محتوى التربية السكانية في كتب الجغرافيا المدرسية في العراق بحث ديموغرافي تربوي منشور في مجلة جامعة الانبار للعلوم الإنسانية تصدرها جامعة الانبار، المجلد الرابع - العدد الرابع - كانون الأول 2009، الانبار، العراق.
8.الكبيسي، عبد المجيد حميد ثامر،2009ب، مفاهيم التربية السكانية ومهارات تدريسها والأتجاهات نحوها لدى مدرسي التعليم الثانوي، اطروحة دكتوراه غير منشورة، الأكآديمية العليا للدراسات العلمية والأنسانية، قسم العلوم التربوية والنفسية، بغداد، العراق.
9.وزارة التربية ,1996, التربية البيئية والسكانية في طرائق تدريس العلوم لدور المعلمين السنة الأولى والثانية, وزارة التربية, سوريا.
10.Sikes.O.J., 1993, Reconeptualization of Population Education,. 9United Nation Population Information Network "POPIN", UN Population Division, Department of Economic and Social Affairs, with UNFPA, New York, USA.
11. UN, 1973, The Determinants and Consequences of Population. 10. Trends,2. New Summary of Findings on Interaction of Demographic, Economic and Social Factors, Vol. 1, UNITED Nation, New York.