اندماج بارد

الاندماج البارد اسم يطلق على تفاعلات اندماج نووي مفترضة يزعم أنه يمكن إحداثها بدرجات حرارة وضغط الغرفة العاديان، وهذه ظروف أقل بكثير من درجات الحرارة المطلوبة في التفاعلات النووية الاندماجية المعتادة (حيث تتطلب تلك التفاعلات ملايين من الدرجات الحرارية على مقياس المئوي وضغط كبير كما هو الحال في بطن الشمس والنجوم).

من المفترض أن إحداث هذه التفاعل الاندماجي البارد يحتاج فقط إلى جهاز بسيط نسبياً يستخدم تغذية بطاقة منخفضة.وقد زعم بعض الباحثين نجاحهم في إحداث هذا التفاعل في حين شكك أو كذّب معظم العلماء والباحثين الآخرين المختصين ذلك.

تسمى هذه الظاهرة التكنولوجية في اليابان بالطاقة الهيدروجينية الجديدة . تعمل هذه الطريقة الجديدة على انصهار النواة الذرية دون استخدام أي من الوسائل التقليدية المعروفة ( الحرارة المرتفعة أو الضغط العالي ) .

إسهامات ستانلي بونز ومارتين فلايشمان في اكتشاف حقيقة الاندماج البارد

في عام 1989، أذهل عالما الكيمياء الكهربائية الشهيران ستانلي بونز ومارتين فلايشمان أحد الحشود العلمية بادعاء أنهما قد قمانا بعما اندماج نووي في قطعة من جهاز صغير الحجم في ظل درجات الحرارة اليومية.

كان من المتوقع ألا يصدق الحاضرون هذا الأمر. فالاندماج النووي يتضمن دمج ذرات أحد العناصر معا (أو، لكي نكون أكثر تحديدا؛ دمج نوى هذه الذرات) للحصول على عنصر أكثر ثقلا. ومنذ ذلك الحين، كان من المقبول أن اندماج ذرات الهيدروجين لتكوين الهليوم هو مصدر الطاقة للشمس والنجوم الأخرى (أدينجتون ١٩٢٠). لكن نوى ذرات الهيدروجين جميعها موجبة الشحنة؛ ولذا، فإنها تتنافر وتدفع بعضها البعض. ونتيجة لهذا، لا بد أن تتحرك النواة بسرعة كبيرة جدا للتغلب على هذه العملية من التنافر، مما يعني ارتفاع درجات الحرارة بصورة كبيرة جدا والتي قد تصل إلى ملايين الدرجات، مثلما يحدث في باطن النجوم. وجدير بالذكر أنه لم يكن أحد ليصدق أن يحدث هذا التفاعل في درجة حرارة باردة.

صرح كل من بونز وفلايشمان أنهما قاما بملء وعاء زجاجي بالماء الثقيل (الماء الذي يحتوي على نظير ثقيل للهيدروجين المعروف باسم الديوتريوم، بدلاً من استخدام الهيدروجين العادي) ثم قاما بغمر أحد الأقطاب الكهربائية لفلز البلاديوم غير الشائع. وعندما قاما بتمرير التيار الكهربائي خلال الماء الثقيل، انطلقت كمية كبيرة من الطاقة أكثر بكثير من تلك التي كانا يقومان بإمدادها وكان من الواضح أن ذرات الديوتريوم قد اندمجت مع بعضها البعض محولة المادة إلى طاقة.

إن مثل هذا الاكتشاف، إذا كان صحيحا، لن يهز علم الفيزياء فحسب، بل سيكون أيضاً حلاً للتحدي القائم بالحصول على مصدر نظيف للطاقة دون إحداث تلوث. لكن الشكوك كانت لا تزال تحيط بهذا الاكتشاف. فلو صح حدوث الاندماج بالفعل، فإن الإشعاع سينبعث في شكل نيوترونات على سبيل المثال. لكن لم يحدث شيء من هذا القبيل. كذلك، لم يستطع الباحثون الآخرون تكرار المحاولة التي ادعى بونز وفلايشمان أنهما قد قاما بها. فقد قيل إن كل ما قاما به قد حدث بطريق الخطأ أو أنهما غير مؤهلين لذلك أو أنهما قد بالغا في الأمر، مثل رؤية برسيفال لوويل لقنوات مياه على كوكب امريخ (١٨٧٧) أو مثل تلك الحملة العنيفة التي قام بها لينيوس بولينج حول الجرعات الزائدة من فيتامين (ج) (١٩٢٨). ثمة شبهة خداع في هذا الأمر، مثل ذلك الخداع الذي حدث بصدد اكتشاف تشارلز دوسون لإحدى الحفريات (١٩١٢ ).

ظهرت العديد من الاكتشافات المماثلة التي لم تكن متوافقة مع الأدلة التي تم العثور عليها. ففي عام ١٩٦٦، ادعى علماء من روسيا أن باستطاعتهم تحضير ماء أكثر لزوجة من الماء العادي بحوالي ١٥ مرة وبدرجة كثافة وغليان أعلى من الماء العادي. إلا أنه بعد ١٥ سنة من إجراء التجارب في هذا الشأن، لم تتوافق الأدلة مع ذلك الاقتراح. وبالتالي، لم يكتب الوجود لهذ النوع من الماء. ومقارنة بذلك الأمر، فقد كان الاندماج البارد يعبر عن أحد المستحيلات. وتم تكذيبه في خلال عدة أشهر وأطلقت عليه الصحافة بأنه نوع من أنواع الدجل. بعد ذلك، تم إبعاد بونز وفلايشمان عن وظيفتهما بجامعة يوتا بسبب تلك السمعة السيئة التي اكتسباها آنذاك. جدير بالذكر أن هذ الاكتشاف لم يذهب هباء فقد لاقت المحاولات الحديثة التي قامت بإنتاج هذه الطاقة الكثير من النجاحات. ويجب أن نتذكر كيف أن وليم طومسون قد أنكر وجود أشعة إكس وصرح بأنها خدعة (١٩٠٠)، في حين أنها لم تكن كذلك. كما حكم على نظرية لويس باستور الخاصة بالتخمر (١٨٦٢) بأنها غير منطقية في حين أنها لم تكن كذلك. وتمت السخرية من نظرية ألفرد فاجنر الخاصة بزحزحة القارات (١٩١٢) التي تعد الآن من المسلمات. وربما يجد بونز وفلايشمان من يدافع عنهما، وكل ما نستطيع عمله هو الانتظار ورؤية الأدلة.