النظرية الثقافية
النظرية الثقافية (بالإنجليزية: Cultural Theory) يطلق هذا المصطلح على محاولات عديدة لتصوير وفهم ديناميات الثقافة. ومن الناحية التاريخية فإن هذا يتضمن أيضًا الجدل حول العلاقة بين الثقافة والطبيعة، وبين الثقافة والمجتمع (بما فى ذلك العمليات الاجتماعية المادية)، وكذلك الفارق بين الثقافة العليا والثقافة الدنيا، والتداخل بين التراث الثقافي من ناحية والاختلاف والتنوع الثقافى من ناحية أخرى وقد عرفت النظرية الثقافية أيضًا بارتباطها بمفاهيم وتصورات غالبًا ما تغطى جوانب ذات صلة بفكرة الثقافة نفسها. ومن هذه المفاهيم مفهوم الإيديولوجيا ومفهوم الوعى (خاصة الصورة الجمعية لكل منهما).
وقد كانت أعمال كل من ريموند ويليامز (خاصة كتابه بعنوان الثورة الطويلة، الصادر عام 1961) وتومسون (وخاصة كتابه: تكوين الطبقة العاملة الإنجليزية، الصادر عام 1963) ذات تأثير خاص فى تطور النظرية التقافية البريطانية فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد تركز جهد وليامز على النظر إلى الثقافة باعتبارها المطريقة الكلية للحياة، وركز تومسون على الثقافة باعتبارها الطريقة التى من خلالها تتعامل الجماعات مع المادة الخام للوجود المادى والاجتماعى. وأقضت تلك الجهود إلى فتح الباب أمام طرق جديدة فى التفكير فى الثقافة، وخاصة انتزاع المفهوم نفسه من الإطار الأدبى والجمالى الضيق الذى كان محصورا فيه من قبل. وقد درس كل من وليامز وتومسون البعد الحى الممعاش فى الثقافة، وكذلك العملية الجمعية و النشطة لصياغة طريقة ذات معنى فى الحياة.
ولكن هذا الجانب المثقافى فى النظر إلى مفهوم "تقافة"، والذى طوره وليامز وتومسون واجه فيما بعد تحدياً من جانب بعض التفسيرات الينيوية الأكثر وضوحاً.
وقد ركزت التفسيرات البنائية على الأبنية الرمزية الخارجية للثقافة، كماتتجسد فى اللغات والرموز الثقافية، وليس على أشكالها الحية أو المعاشة. وفى هذه الصياغة يمكن أن ينظر إلى الثقافة كنظام دلالى Signifying System يتممنخلاله تصور العالم الاجتماعى. وقد تأثر هذا الجانب البنيوى للنظرية الثقافية تأثراً قوياً بالرؤية الماركسية الجديدة التى قدمها لوى ألتوسير.
إذ قدم ألتوسير رؤية جديدة للنظريات الماركسية عن الإيديولويجا وسعت كثيراً من مجالات تأثير النطاق الإيديولوجى. وقد ركز ألتوسير -بشكل خاص - على الاستقلال النسبى للمجال الإيديولوجى أو الثفافي، فى الوقت الذى ظل فيه متمسكا بمبدأ التأثير المطلق للعمليات والعلاقات الاقتصادية.
ثم زاد الاهتمام بالكشف عن فاعلية الممارسات الثقافية - كما وردت فى كتابات ألتوسير - داخل إطار المنظرية الثقاقية من خلال تبنى أفكار أنطونيو جرامشى. ققد فتحت أعمال جرامشى سبلا جديدة لفهم صياغة دور الثقافة والممارسات الثقافية فى مختلف أشكال المتكوينات الطبقية والتحالفات الطبقية، كما أعطى جرامشى وزناًخاصاًلدور التقافة فى تحقيق وتأمين بعض أشكال السلطة والقيادة فى المجالات السياسية والأخلاقية. (انظر مادة : هيمنة). وقد كان تأثير أفكار جرامشى هاما بصفة خاصة فى مساعدة النظرية الثقافية على تجاوز الطريق المسدود الذى خلقسه التوتر بين المنظور المثقافى والمنظور البنيوى كمنظورين متنافسين للثقافة خلال حقبة السبعينيات (انظر على سبيل المثال مؤلف: ستيورات هول و آخرين: التحكم فى الأزمة، الصادر عام 1978).
ومع تدنى أهمية جرامشى داخل إطار النظرية المثقافية ازدادت أهمية ميشيل فوكوه. وتمثل التأثير الرئيسى لميشيل فوكوه فى صياغة فهم منطقى لملغات المثقافية، ولعلاقات التداخل بين القوة والتصورات الفكرية (انظر مؤلف سين نيكسون بعنوان: النظرات القاسية، الصادر عام 1996). كما كان تأثير فوكوه واضحا كذلك فيما يتعلق بالجدل حول الخصوصية التاربخية للتقافة وما يطرأ عليها من تطورات باعتبارها موضوعا للحكم ووسيلة فى نفس الوقت (انظر مؤلف جروسبرج وآخرين بعنوان: الدراسات الثقافية، الصادر عام 1992).
كما برز موضوع التفاعل والتأثير المتبادل بين السلالة، والإبتية، والثقافة باعتباره موضوعا محوريا من موضوعات النظرية الثقافية المعاصرة. وكان هذا فى الغالب يتم من خلال نقد الصور أو الأشكال الإلنية المفترضة داخل تراث النظرية الثقافية البريطانية المرتبطة بكل من وليامز وتومسون، أو ما أطلق عليه بول جيلروى "الانبهار المرضى بالهوية الإنجليزية" (انظر مؤلف جيلروى المعنون: لا يوجد أى زنجى فى اتحاد جاك، الصادر عام 1987). وقد ركز هذا الاتجاه أيضا على تحدى الطابع القومى المبدئى للتصورات الثقافية التى تربط بين الثقافة وبين حدود قومية أو وطنية معينة. وبدلا من ذلك نجد دارسا مثل جيلروى يؤكد على حركة الثقافات العابرة للقوميات والرامية إلى اختلاط الثقافات وامتزاجها وتمثل فكرة جيلروى عن "الأطلنطى الأسود" محاولة لتوسيع العمليات الثقافية خارج الحدود المفروضة عليها بواسطة التصورات الوطنية أو القومية عن المثقافة. وبهذا المعنى قإن رؤية جيلروىتتطابقفىكثير منجوانبها مع ما طرحه إدوارد سعيد عن "الاستشراق"، والذى لا يقتصر فيه على طرح المديناميات المداخلية، وإنما يولى اهتمامه - إلى جانب ذلك - للمحددات الخارجية لملثقافات. ويصف إدوارد سعيد فى كتابه الاستشراق (الصادر 1987) التصورات الغربية لكل من الثقافة والحضارة كما لو أنها صيغت ضد ما هو شرقى، و لإخضاع ذلك الشرقى رمزيا ووضعه فى الموضع الأدنى.
وقد تركت مناقشات أصحاب الحركة النسوية تأثيرا هاما على النظرية الثقافية المعاصرة. ويبدو هنا التداخل واضحاً بين الحركة النسوية واتجاه التحليل النفسى الأمر الذى أثار كثيرا من المناقشات حول الطرق التى تصاغ بها الهويات النوعية (لكل من الذكور والإناث) فى إطار اللغات الثقافية ومن خلال الممارسات الثقافية. وهناك بعض الأعمال الحديثة التى جاءت ثرية بالعديد من الأفكار والآراء عن موضوعات الذاكرة، والخيال، والأداء النوعى للرجال والإناث، نذكر منها على سبيل المثال مؤلف آدمز وكوى بعنوان: النساء محل تساؤل، (الصادر عام 1993)، وكتاب بادلر بعنوان: أجساد ذات شأن، (المنشور عام 1993)