الفن عند أفلاطون

على الرغم من أن أفلاطون كان فنانا، وفنانا كبيراً، فإنه حمل مع هذا على الفن ونظر إليه نظرة لا تكاد تتفق في شيء مع النظرة الحقيقية الي يجب أن ينظر بها الفنان إلى فنه. فنلاحظ أولا أن فكرة أفلاطون عن ماهية الفن أو ماهية الجميل، تختلف عن النظرة العامة، وعن النظرة اليرنانية بوجه خاص، فهو يؤكد أهمية الفن، ويضيف قيمة كبيرة إلى الجمال، لكنه يفهم هذا الجمال فهما أخلاقياً بمعفى انه الخير: فليس الجمال هو الصورة الحسية التي تحدث في النف لذة حسية جمالية، وإنما الجمال الحقيقي هو جمال الحت أو جمال الخير. ومصدر هذا نظرية افلاطون في الوجرد. فقد راينا ان الوجود الحقيقي عند أفلاطون هو وجود الصورة، أما لوجرد الحسي فلا يخلق مطلقاً تسميته باسم وجود حقيقي . فإذا كان الفن يمثل الوجود الحسي، ويمثله في مرتبة أقل بكثير من الفلسفة ومن الرياضيات، لأن الفنان إنما يقلد الأشياء الحسية والأشياء الحسية بدورها تقليد للصور، فالفن إذن تقليد التقليد. أما الفلفة فأرقى من الفن بكثير، لأنها تتأمل الصور مباشرة، لا تقليدات الصور. و لهذا يجب ان يقترب الفن قدر المتطاع من ماهية الفلفة، بأن يكون متجها إلى احق وإلى الخير. ويؤكد افلاطون هذه الناحية الثانية، ويقوم الفنون على هذا الأساس : فالفن الذي يقرب من العلم ويكون ابعد عن التمويه يكون أعلى من ذلك الفن الذي يميل إلى التمويه ولا يؤكد جانب الاخلاق. وتبعاً لهذا فإن الأخلاق هي المقياس الأكبر للفن. فليس الفن إذن للفن - كما يقولون - وإنما الفن للأخلاق. وافلاطون ابعد الناس عن أن يقول بنظرية الفن للفن.

فلنبحث في الفنون تبعاً لهذه القاعدة. فنجد اولا ان التصوير هو أبعد الفنون عن أن يمثل الحقيقة. لأن الأثر الأكبر للتصوير ياي دائما عن طريق الايهام بالألوان والأضواء، فينتج عن هذا أوهام تؤثر في النفس ذلك التأثير الذي ينشده الفنان. فذلك الفن قائم كله إذن على التمويه .

ويليه فن النحت. وهذا الفن لو روعي فيه ان تكون الأوضاع والخطوط متلائمة مع الواقع ومثلة له أكبر تمثيل، فإنه يكون حينئذ فناً ذا فائدة. اما إذا لم تراع فيه هذه القواعد، فحظه من الضعة حظ التصوير.

اما الموسيقى فقد رأينا منقبل أنها من الأدوات الضرورية في التثقيف ، لأن الأثر الأول للموسيقى هو إحداث الانسجام في النف الانسانية، وإحداث الانسجام إذا تكرر اصبح عادة، فيميل الانسان تبعأ فذا الى أن يراعي دائما تحقبق الانسجام. وقد راينا من قبل أن الانسجام هو الفضيلة، فمن شان الموسيقى إذن أن تكون مساعدة للنفس على تحقيق الفضيلة. والخلاصة هي ان الموسيقى فن له قيمته في التثيقف , لكن هذا ليس متعلقاً

بكل نوع من أنواع الموسيقى، فإن من الموسيقى ما يحق هذا الغرض. وإن منها لما يعمل على هدمه. فإذا كانت من نوع الموسيقى الحربية او الموسيقى الهادئة، ادت إلى هذا الغرض المطلوب، وهو إحداث الانسجام في النف؛ اما إذا كانت من تلك الأنواع القي : اما أن تكون موسيقى مخنثة، او موسيقى عواطف صاخبة، فإنها تكون مضرة أشد الاضرار . فيجب إذن أن تكون الموسيقى متجهة إلى تحقيق واحد من اثنين : إما إحداث الانسجام بان تكون مرسيقى هادئة يراعى فيها دائما أن تحدث في النف الطمانينة والتناسب بين اجزائها المختلفة؛ وإما أن تكون متجهة إلى إثارة الحماسة من اجل إتيان الفعال الجميلة. أما الشعر فيجب أيضاً ان يكون متجهاً هذا الاتجاه، فيحث الانسان على فعل الخير، ويصور الناس نصويراً ملانما من شأنه أن يؤخذ على سبيل الاحتذاء. أما الشعر الذي لا يمثل هذه الناحية والذي يصور الألهة نصوبراً لا يتفق مع مقامهم، فيجب ان يستبعد اسنبعادأ -اما.

كذلك الحال في الفن المسرحي: فيجب ان تكون الملهاة (الكرميديا) متجهة إلى السخرية من الأخلاق الذميمة، ولا يجب أن تظهر فيها إلا الطبقة الدنيا، اما الطبقة الارسنقراطية فيجب ألا تمثل مطلفاً في الملهاة. اما المأساة (التراجبديا) فيجب أن تمثل العواطف النبيلة، وان بكون كل أشخاصها عمن ينتسبرن إلى الطبقة الأرستقراطبة لكي تمثل ما فيها من عواطف نبيله.

فاذا انتقلنا من ماهية الجمال و ماهية الفنون المختلفة إلى القوة الفنية الخالقة أو القوة الابداعية، فإننا نشاهد أفلاطون يقول إن هذه القوة واحدة في كل من الفلفة والفن، فهي الحماسة أو الحب بالمعنى الذي حددناه من قبل. ولكن ببنما هذه الحماسة تؤدي في حالة الفن إلى تصوير أو تقليد للمحسوسات، نجدها تزدي في الفلسفة إلى تصوير المعقولات، ومن هنا فان الحماسة في الفلسفة أسمى بكثير منها في الفن. ولما كان أفلاطون قد جعل الغاية الأولى والأخيرة هي الفلسفة، فإنه قد حط من مقام الخيال الشعري وعده تمويها وشيئا مفسدا. وعلى كل حال فكلام أفلاطون في هذه المسألة، اي في مسألة قرة الابداع الفني، كلام لا يمكن أن تستخلص منه نظرية منظمة عن ماهية هذه القوة الابداعية.

ويتصل بالفن بوجه عام، فن الخطابة. وقد مل افلاطون على هذا الفن، لكنه لم يحمل عليه ملة تامة بمعنى انه فن مرفوض ابتداء ، ولكنه حمل على إساءة استعماله عند السوفسطائيين، وقال بوجوب تنقيته من ذلك التمويه السوفسطائي. ومع ان الخطابة في مستوى اقل كثيراً من الديالكتيك، فإنها لازمة لكي يمكن نقل الأفكار الفلفية إلى ذهن العامة، ولكي يستطيع الإنسان ان يقنع الجمهور بالحقائق التي لا مكنه ان يقتنع بها عن طريق المنطق،. لعسر نهمه. ولهذا جعل افلاطون الخطابة جزءاً من مراد التعلبم في الأكاديمية، لكنه حذر دائما من استعمال البراهين الخطابية ومن إساءة استعمال الخطابة، ومن استعمالها في التفكير الفلسفي بوجه خاص.