الغناء الجريجوري

الغناء أو الترنيم الجريجوري هو التقليد الأساسي في الغناء البسيط الغربي، وهو شكل من أشكال الأغاني المقدسة أحادية الصوت (منوفونية) غير المصحوبة بآلات موسيقية في اللغة اللاتينية (وأحيانًا اليونانية) للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. تطور الغناء الجريجوري بشكل رئيسي في غرب ووسط أوروبا خلال القرنين التاسع والعاشر، مع إضافات وتنقيحات لاحقة. على الرغم من أن الأسطورة الشعبية تنسب اختراع الغناء الجريجوري إلى البابا جريجوري الأول، يعتقد العلماء أنه نشأ من تأليف لاحق لسلالة كارولنجيون للغناء الروماني الغاليكاني.

نُظم الغناء الجريجوري في البداية في أربع أوضاع موسيقية ثم ثماني أوضاع وأخيرًا 12 وضعًا. تشمل الميزات اللحنية النموذجية أمبيتوس مميزًا، وكذلك أنماطًا فاصلة مميزة نسبةً للنمط المرجعي النهائي والافتتاح والقفلة، واستخدام النغمات السردية على مسافة معينة من النهاية، التي تدور حولها النغمات اللحنية الأخرى، ومفردات الزخارف الموسيقية المنسوجة معًا من خلال عملية تسمى القنطنة لتأليف عائلات من الأغاني ذات الصلة. تُنظم أنماط المقياس على نمط خلفي مُكون من تآلفات رباعية اقترانية أو انفصالية، ما ينتج عنه نظام أكبر من الحدة يسمى التدرج الموسيقي اللوني. يمكن غناء الترانيم باستخدام أنماط من ست نغمات تسمى تآلفات سداسية. تُكتب الألحان الجريجورية بشكل تقليدي باستخدام نيومات، الذي هو شكل قديم من التدوين الموسيقي تطور منه المدرج الحديث المكون من أربعة وخمسة أسطر. كانت الإضافات متعددة الأصوات للغناء الجريجوري، المعروفة باسم أورجانوم، مرحلةً مبكرة في تطور البوليفونية.

كان الغناء الجريجوري يُغنى تقليديًا من قبل جوقات من الرجال والفتيان في الكنائس، أو من قبل الرهبان الرجال والنساء في المعابد. إنها موسيقى الطقوس الرومانية التي تؤدى في القداس الإلهي والمقرات الرهبانية. على الرغم من أن الغناء الجريجوري حلّ محل أو همش التقاليد الأصلية الأخرى في الغرب المسيحي ليصبح الموسيقى الرسمية للشعائر الدينية المسيحية، لا يزال الغناء الأمبروزي قيد الاستخدام في ميلان، وهناك علماء موسيقى يستكشفون كل من الغناء الموزاربي في إسبانيا المسيحية. على الرغم من أن الغناء الجريجوري لم يعد إلزاميًا، لا تزال الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تعتبره رسميًا الموسيقى الأكثر ملاءمةً للعبادة. خلال القرن العشرين، خضع الغناء الجريجوري لتجدد موسيقي وشعبي.

نظرة تاريخية

تطور الغناء العادي المبكر

كان الغناء جزءًا من الليتورجيا المسيحية منذ الأيام الأولى للكنيسة. حتى منتصف تسعينات القرن العشرين، كان من المقبول على نطاق واسع أن سفر مزامير اليهودية القديمة أثر بشكل كبير وساهم في الطقوس والغناء المسيحي المبكر. لم يعد هذا الرأي مقبولًا بشكل عام من قبل العلماء، بسبب التحليلات التي تظهر أن معظم التراتيل المسيحية المبكرة لم تكن تستخدم سفر المزامير، ولم تُنشد في الكنيس لعدة قرون بعد تدمير الهيكل الثاني في عام 70 بعد الميلاد. مع ذلك، تضمنت الطقوس المسيحية المبكرة عناصر من العبادة اليهودية التي استمرت في تقاليد الغناء اللاحقة. تعود جذور الساعات الكنسية إلى ساعات الصلاة اليهودية. يعود لفظ «آمين» و«هللويا» إلى اللغة العبرية، ويُشتق لفظ «نشيد التقديس» الثلاثي من لفظ «كادوش» الثلاثي من صلاة كدوشة العبرية.

يذكر العهد الجديد ترانيم أثناء العشاء الأخير: «عندما غنوا التراتيل، خرجوا إلى جبل الزيتون» (متى 26.30). أكد شهود آخرون مثل البابا كليمنت الأول وترتليان وسانت أثناسيوس وإيغريا هذه الأمر، مع ذلك عن طريق أساليب شعرية أو غامضة تلقي القليل من الضوء على طريقة غناء الموسيقى خلال تلك الفترة. نجت «ترتيلة أوكسيرينخوس» اليونانية من القرن الثالث مع تدوينها الموسيقي، لكن العلاقة بين هذه الترتيلة وتقليد الغناء البسيط غير مؤكد.

اللحن الجريجوري

ألحان الترتيل الجريجوري تعتمد على الأنماط الخاصة بالعصور الوسطى. كل من هذه السلالم التي تعتمد على “المفاتيح البيضاء” مكونة من خمس خطوات كاملة وخطوتين من نصف بعد، لكنها تحدث بترتيبات مختلفة. إنها نمط إيقاعي خاص يقدم لكل نمط، والموسيقى المعتمدة عليه سمتها المميزة.

الإنشاد الجريجورياني قائم على أسلوب الغناء البسيط الذي يقوم على نفس الاساس المقامية المميزة والمستمدة من الألحان الشرقية والحان منطقة البحر المتوسط وكل لحن يخضع لصيغة خاصة محددة داخل الاوكتاف وهذه الصيغة خاصة هي ما يسمى بالمقام الكنسي الديني وتختلف عن المقامات الاخرى .

وتلك المقامات يمكن عزفها بسهولة على الاصابع البيضاء لآلة البيانو بداية من اي درجة الى اوكتافها .ففي المقام الاول من (ري الى ري ا) يقع نصف البعد بين درجتين (مي-فا) اي الدرجتين الثانية والثالثة .اما المقام الثالث من (مي-مي ا) فيقع نصف البعد في المسافة الاولى بين الدرجة الاولى والثانية وهكذا في بقية المقامات حسب الشكل الثاني:-

1 * *    دوريان     re-me-fa-sol-la-si-do-re

هيبودوريان  * * 2     la-si-do-re-mi-fa-sol-la

فريجيان  * * 3      me-fa-sol –la-se-do-re-me

  هيبو فريجيان * *4    Si-do-re-mi-fa-sol-si

5  * *   ليديان    fa-sol-la-se-do-re-me-fa

هيبو ليديان * *6           do-re-mi-fa-sol-la-si-do

7 * *مكسو ليديان   sol-la-si-do-re-me-fa-sol

8 * *  هيبو ميكسوليديان Re-me-fa-sol-la-si-do-re

نلاحظ ان المقامات (1،3،5،7) هي مقامات اصلية ترتكز على الدرجة السفلى فيها وهي الدرجة الختامية (فينالس finaals) وقد انتقى (امبروز) اسقف ميلانو في القرن الرابع هذه المقامات الاربع الاصلية واقر استعمالها في الموسيقى الدينية . وقد اتم جريجور الاكبر(تولي الباباوية من 510-6004) النظام المقامي باضافة اربع مقامات اخرى فرعية وهي رقم (2،4،6،8) وهكذا اكتمل النظام الذي سمي بالمقامات الكنسية ، او لاجريجوريه وهي على التوالي دوريان – فريجيان –هيبوفريجيان – هيبوليديان – هيبومكسوليديان .

ومن الملاحظ في المقامات الاصلية انه تاتي في الاهمية لكل مقام بعد درجه الركوز (الفينالس) درجة اخرى هي الدرجة الوسيطة ، والتي تشكل احدى المعالم الهامه التي تشكل كل مقام وتعطية طابعه وهي الدرجة الكونفنالس وهذه الدرجة هي الدرجة الخامسة في كل مقام اصلي ما عدا المقام الثالث حيث تكون هذه الدرجة السادسة وذالك لتجنب درجة ( سي ) غير الواضحة والتي تنارجح بين الرفع المنخفض.

اما المقامات الفرعيه فهي اخفض من المقامات الأصلية المناظره لها بمسافه رابعه هابطه ولكنها ترتكز على نفس الدرجة الختامية القريبة المقام الأصلي ، لكل مقام فرعي مع ذلك درجة أخرى وسيطة او قريبة بالدرجة الختامية خاصة به كما هو واضح بالشكل السابق.

ولتقرب التفكير في المقامات الكنيسة فهي تقوم على اساس تركيب سلمي يعزف على المفاتيح البيضاء او الدرجات المطلقة على البيانو دون استخدام علامات تحويل او العلامات الملونة (دييز او بيمول) .

على ان هناك عدة ملاحظات هامة جداً يجب وضعها في  الاعتبار على أنها الأسس التي يقوم عليها اسلوب البناء الموسيقي الكنيسي والتي يقوم عليها ايضاً الطابع المميز لكل مقام         (MODE   ) على حده وهي :

الدرجة الختامية FINALLS لكل مقام اصلي وقريبه الفرعي واحد في كلتا الحالتين لانه في الحقيقة كلاهما سلم واحد ولكن الفريق يأتي من النطاق الصوتي فالمقام الأول يقع كله فوق درجة الركوز الختامية اما في المقام الثاني فأن نطاقة الصوتي يقع على جانبي الدرجة الختامية وهذا هو ما ساعد على ايجاد نوعين من القفلات التامة والبلاجاليه ( الدينية ) . احدهما على الدرجة الأولى للسلم او المقام والثانية على رابعة كما في المقام الاول ( RE – LA ) وفي الثاني الفرعي ( LA – RE ) وهذا الأسلوب موجود حتى أيامنا هذه .

هناك بعض اوجه الشبه بين تلك المقامات الكنيسية والمقامات الإغريقية القديمة ولكن وجه الاختلاف الهامة هي في التركيب وإلغاء واتجاه الحركة اللحنية ففي المقامات الاغريقية القديمة كان بعد الرابعة او التتراكورد هو الأساس في التركيب على اعتبار انها البعد المسيطر ، اما في المقامات الكنيسية فان بعد الخامسة هو المسيطر ، والدرجة الخامسة غالباً هو الدرجة التالية الأهمية بعد درجة الركوز وهذا ما يبدو واضحاً في المقامات الاصلية.

خصائص أخرى للغناء البسيط

الغناء الجريجوري يؤديه في المعتاد جماعة من الرجال والغلمان أو النساء في المؤسسات الدينية للإناث مثل الأديرة دون مصاحبة آلية. الأيقاع حر ومرن. نص الترتيل قد يعامل بشكل مقطعي، مع نغمة واحدة من الموسيقى تقابل كل مقطع في النص. في الغناء المقطعي، كل من الأربعة مقاطع من كلمة «هالولويا» مثلا لها نغمة واحدة من الموسيقى والإيقاع الذي يماثل النص المنطوق. يوجد نوع أكثر زخرفة من الترتيل يعرف باسم «الغناء المزخرف» حيث يلحن مقطع واحد من النص لعدة نغمات.

جماله يكمن في قوته وبساطته والجو الديني غير المحدد الذي يضفيه.

هالولويا

أحد التراتيل الواضحة الجريجورية هي هالولويا من القداس وكلمة هالولويا تعني «مدح الرب». النسيج المنوفوني للترتيل يتنوع بالتراوح بين المغني الصولو والجوقة التي تغني معا. الترتيل يكون في شكل أ ب أ، ولحن هالولويا الافتتاحي يتكرر بعد القسم الأوسط يلحن على آيات من الإنجيل.