الطبقة العاملة الجديدة

الطبقة العاملة الجديدة (بالإنجليزي New Working Class) يرتبط هذا المصطلح بالأطروحة القائلة بأن عمال الإنتاج فى الصناعات الألية (انظر مادة: أوتوميشن) وذوى النياقات البيضاء فى المؤسسات الصناعية الكبرى يمكن أن يكونوا بمثابة البديل المحتمل للعب الدور التاريخى الثورى للبروليتاريا الذى توقعته الماركسية. فلقد أصبح أعضاء كل من هاتين الجماعتين عمالا منتجين بالمعنى الموظيفى، حيث أصبحت خبراتهم ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها من جانب القطاعات الأكثر تقدما لعملية العمل الرأسمالية. ومع ذلك فإنها تزودهم فى ذات الوقت بالأدوات العقلية التى تمكنهم من فهم وتحدى بناء القوة الرأسمالى، فضلا عن نظام السوق المصاحب له، الذى يتسم من وجهة نظرهم بعدم الرشد. وعلى الرغم من اقتران الممصطلح حديثا بسرج ماليه والأعضاء الآخرين لحركة سوسيولوجيا العمل فى فرنسا، فإن القضية القائلة بأن المهندسين يمثلون بمعنى من المعانى طليعة ثورية جديدة يمكن أن نجدها فى كتابات تورشتاين فييلن وحركة الفنيين (Technical Movement).

وقد ذهب ماليه فى كتابه المنشور عام 1965 بعنوان "الطبقة العاملة الجديدة" إلى القول بان الطبقة العاملة القديمة فى الصناعات التقليدية (استخراج الفحم وما إليها) لم يعد بمكنتها أن تتصور مجتمعاً بديلاً للمستقبل. والأصح "أن تلك الشريحة فقط من السكان المنخرطين فى أكثر عمليات الحضارة التكنولوجية تقدما هم المؤهلون لتكوين تصورات مغتربة وتخيل أشكال أرقى من التطور". وتتسم الصناعات الحديثة (مثل صناعات تكرير البترول والصناعات الكيماوية) بالآلية، التى يفترض فيها أن تؤدى إلى زيادة مسنوليات العمال وانخراطهم فى شنون شركاتهم، وأن توضح العلاقة بين قوة الشركة وأجور العمال وخبراتهم، ومن ثم فإنها تشجع العاملين على الدعوة لمزيد من السيطرة على إدارة العملية الإنتاجية. ومن شأن تكوين اننقابة على مستوى المصنع أن تشجع العمال على مزيد من التضامن بينهم. ومن هنا فكلما تعاظمت استعادة العامل المعاصر، على المستوى الجمعى، للاستقلالية المهنية التى كان قد فقدها خلال مرحلة ميكنة العمل، كلما تطورت الانجاهات التى تدعو للحاجة إلى الضبط". وبعودة قضايا الاستقلاليه الذاتية والضبط إلى قلب قضايا الصراع بين العمل ورأس المال؛ تستطيع الطبقة العاملة الجديدة أن نتجاوز النزعة الاقتصادية الضيقة (الاهتمام بالأجور) للحركات السابقة علينا، لتصبح طليعة لحركة قاعدية (جماهيرية) ثورية لتحقيق الاشتراكية.

لقد كانت أطروحة ماليه ذات تاثير بالغ الأهمية فى علم الاجتماع الحسناعى الغربى أواخر الستينيات، خاصة اذا أخذنا فى الاعتبار أن فكرة المطبقة العاملة الجديدة لم تلق سوى تدعيما محدودامن خلال بيانات بحثية مشكوك فيها (ولن نذكر الضجة الصناعية والسياسية التى تسببت فيها). علسى أن البحوث الدؤوبة اللاحقة سرعان ما أوضحت بجلاء عوارها الإمبيريقى (انظر على سييل المثال مؤلف جاليه المعنون: بحثا عن الطبقة العاملة الجديدة، الصادر عام 1978. وإذا ما نحينا عدم دقة الموقائع جانبا، فإن أطروحة ماليه تعانى بالإضافة الى ذلك من نز عة حتمية تكنولوجية، مماثلة لتلك الكامنة وراء الأطروحة البديلة التى يقول بها أصحاب نظرية البرجزة (اكتساب الطبقة العاملة بعض سمات البورجوازية)، فضلاً عن فشلها فى أن تأخذ بعين الاعتبار قوة الدولة بشكل جدى، والغموض الذى يكتنف تحديد الشرائح المنخرطة فى العمل الثورى من بين شراتح العاملين (فقد حدد ماليه شريحتين من الطبقة العاملة الجديدة هما عمال الإنتاج والفنيين (وأن كلا الجماعتين تضم عددا غير قليل من الشرانح المننية غير المحددة تحديدا واضحا دقيقا). كما تعانى الأطروحة من عدم دقة شديد فى تعريف المفاهيم الأساسية (مثل مفهوم الآلية ) وفى تحديد الآليات العلية المدقيقة التى تربط ما بين المناخ التقنى والأجور العالية، وانخراط العاملين فى النقابات العمالية.

وتظهر البحوث الإمبيريقية الحديثة التى ظهرت كرد فعل لأطروحة الطبقة العاملة الجديدة أنها قد أغرقت فى تبسيط الأمور الى حد كبير، بل وأنها قد بالغت فى تقديرها للدرجة التى تسهم بها التكنولوجيا المتقدمة للإنتاج الصنساعى الواسع النطاق فى تجاوز التفرقة التقليدية بين العمل الميدوى والعمل العقلى (انظر: التمييز بين اليدوى وغير اليدوى). ومن ناحية أخرى، أسفرت هذه البحوث عن قرائن تشير إلى أن الموقف الموضوعى للطبقة (وليس بالضرورة الوعى الطبقى) للعديد من ذوى الياقات البيضاء هو الذى يتاثر بتكنولوجيا المعلومات. وان كان هناك من الكتاب من ذهب الى أن الأسواق العالمية الأكثر تقلبا فى نهاية القرن العشرين قد أعلنت عن بدء عصر ما بعد الفوردية، والتشغيل المرن، الذى يعنى وجود شركات أصغر حجماً وأشكال أكثر تقليدية من الإنتاج المستند على مهارة الصنعة. كنتيجة لذلك فان التكنولوجيا الآلية والإنتاج الكبير ومعهما أطروحة الطبقة العاملة الجديدة تبدو جميعاً و كأنها أشياء عفا عليها الزمن وباتت تتتمى إلى الماضى.