صوتيات (فيزياء)
الصوتيات أو عِلم الصوت أو السمعيات (بالإنجليزية: Acoustics) هو فرع من فروع علم الفيزياء يختص بدراسة الصوت وبثه واستقباله واستخدامه، والموجات ما فوق الصوتية، وما تحت الصوتية، أو بشكل عام جميع الأمواج الصوتية ميكانيكيًا في الغازات والسوائل والجوامد بما فيها الاهتزازات، وأثرها على الناس. ويبحث هذا العلم في خصائص الصوت سواء داخل القاعات المغلقة أو المكشوفة، كما يستخدم في قياس ومعايرة النغمات الموسيقية المكونة لموسيقات الشعوب، وكذلك في تطوير وضبط صناعة الآلات الموسيقية. كذلك تشير كلمة الصوتيات إلى نوعية الصوت المسموع أو المنقول داخل غرفة أو مبنى.
والشخص الذي يعمل في هذا المجال يدعى عالم صوت أو مهندس صوت، ويمكننا أن نرى تطبيق هذا العِلم في أغلب حياة المجتمعات الحديثة، حيث إن حاسة السمع من أكثر الحواس الهامة لخاصية البقاء عند الأحياء، والنطق من أهم مميزات الإنسان. كما يتضمن علم الصوتيات: 1- تصميم المعدات والهواتف وغيرها من أجهزة الاتصالات السمعية البالغة الدقة. 2- استعمال الصوت في صناعة القياسات ومعالجة تصنيع المواد.
ويلاحظ أن كثيرًا من البحوث التي تناولت علم الصوتيات، تتضمن تطوير استعمالات الترددات تحت الصوتية وفوق الصوتية. فالتردد تحت الصوتي هو الصوت المنخفض الترددات بدرجة لا تسمح للبشر بسماعه. أما التردد فوق الصوتي فهو مرتفع جدًا في وقعه على الأذن.
ويعود هذا العلم إلى عهد الإغريق القدامى والحضارات المبكرة. والمصطلح مشتق من الكلمة اليونانية akoustikos ومعناها ما يتصل بالاستماع. ويكشف التصميم المعماري للمدرجات المسرحية amphitheaters اليونانية والرومانية عن الحس الرهيف بالاستماع السليم عند المعماريين والعلماء القدامى. وخلال العصور الوسطى ظل علم السمعيات شأنه شان غيره من العلوم في زوايا النسيان إلى أن استعاد مكانته مع حركة ازدهار العلوم في أعقاب عصر النهضة.
التاريخ
القديم
في القرن السادس قبل الميلاد أراد العالم اليوناني فيثاغورث (570 - 495 قبل الميلاد) أن يعرف عن سبب الاختلاف بمقدار جمالية فواصل الأصوات اللحنية عن الأخرى (الفواصل اللحنية هي فرق النغمة بين طبقتين موسيقيتين أو لحنين) ووجد أجوبته تبعا لنسب رياضية تمثل سلسلة النغمات الموسيقية على الوتر. ولقد علم أنه عندما تكون أطوال الوتر المهتز تعبر عن نسب أعداد صحيحة مثل 2 إلى 3, أو 3 إلى 4, تكون قد ولدت لحنا متناغما. على سبيل المثال: عند النقر على وتر نوتة (سي) سوف يصدر نفس النوتة من وتر من اوكتاف أدنى . عندها الألحان التي ما بينهما سوف تعطى بواسطة 16:9 لل(دي)، 8:5 لل(أي)، 3:2 لل (أف)، 4:3 لل(جي)، 6:5 لل (أاي)، و 16:15 لل(بي) تصاعديا. لقد فهم أرسطو (384-322 قبل الميلاد) الأصوات التي تحتوي تمدد أو تقلص في الهواء. وقبل حوالي 20 سنة ما قبل الميلاد كتب المهندس المعماري الروماني ماركو فيتروفيو (70 ق.م – 23م) دراسة عن خصائص عِلم الصوت في المسرح وذلك تضمن نقاشات الممثلين والصدى واللإنعكاسات الصوتية. وذلك كان بداية عِلم الصوت المسرحي.
الوسيط
درس إخوان الصفا (القرن الرابع الهجري، أي العاشر الميلادي) عِلم الأصوات وعِلم الموسيقى، وضمنوا خلاصة لآراء سابقيهم. عرَّفوا الصوت بأنه
![]() |
قرع يحدث في الهواء من تصادم الأجرام وذلك لأن الهواء لشدة لطافته وسرعة حركة أجزائه يتخلل الأجسام كلها فإذا صدم جسم جسمًا آخر انسل ذلك الهواء من بينهما وتدافع وتموَّج إلى جميع الجهات وحدث من حركته شكل كروي واتسع كما تتسع القارورة من نفخ الزجاج (صانع الزجاج) فيها. وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه إلى أن يسكن ويضحمل | ![]() |
وقسموا الأصوات إلى الجهير والخفيف، والحاد والغليظ، وتتفق تقسيماتهم مع العِلم الحديث (الجهر والهمس والشدة والرخاوة). وعزوا ذلك إلى طبيعة الأجسام التي تصدر عنها هذه الأصوات، وإلى قوة تموج الأصوات بسببها. وفي اهتزاز الأوتار الصوتية ربطوا بين طول الوتر وغلظه وقوة شده أو توتره. كما عللوا الصدى، وشرحه الجلدكي كيفياً لا قياسياً فيقول في أسرار الميزان
وقسّم إخوان الصفا أصوات الحيوان إلى
- الصادرة عن ذوات الرئة (وتختلف نغماتها بأطوال أعناقها وسعة حلاقيمها وتركيب حناجرها وقوة دفع الهواء من أفواهها ومناخرها)
- الصادرة عن ذوات الأجنحة عديمة الرئة؛ كالزنابير والجراد والصراصير، (وتنتج أصواتها عن تحرك الهواء بأجنحتها، كحال تحريك أوتار العيدان، ويعزى اختلاف أصواتها إلى لطافة أجنحتها وغلظها وطولها وسرعة حركتها)
- الصادرة عن عديمة الرئة والأجنحة؛ كالأسماك والسلاحف والسرطانات، وتسمى الحيوانات الخرساء (وتختلف أصواتها باختلاف يبسها وصلابتها، وباختلاف أحجامها من حيث الكبر والصغر، والطول والقصر والسعة والضيق.)
الحديث
إن الفهم الفيزيائي لعمليات عِلم الصوت قهمت بشكل متطور بعد الثورة العلمية, وقد كان جاليليو (1564-1642م) والآخر مارين ميرسين (1588-1648م), ولكن بشكل منفصل, تم اكتشاف القوانين الكاملة للأوتار المهتزة – ليكملوا ما بدأه فيثاغورث وأتباعه قبل أكثر من 2000 سنة – فقد كتب جاليليو «اصدر الأمواج الصوتية من اهتزازات جسم رنان والذي ينتشر في الهواء مارا بطبلة الأذن حتى يبدأ الدماغ بترجمة هذا الصوت». وتعد هذه الجملة أنها كانت بدأ علمين: عِلم الصوت الفيزيولوجي وعِلم الصوت السايكولوجي.
و أما عن تجارب قياس سرعة الصوت في الهواء فقد تمت بنجاح ما بين 1630 و1680 عن طريق عدد من الدارسين وقد كان أبرزهم ميرسين. وأما نيوتن (1642-1727) فقد اكتشف علاقة سرعة الصوت في الجمادات وكان حجر الأساس في عِلم الصوت المادي.
أقسام عِلم الصوت
١- عِلم الصوت الفسيولوجي (الوظائفي أو النطقي)
٢- عِلم الصوت الفيزيائي أو (الاكوستيكي)
٣- عِلم الصوت السمعي والإدراكي.
حقول علم الصوتيات
هناك حقلان رئيسيان لدراسة علم الصوتيات، وهما علم الصوتيات المعماري وعلم الصوتيات البيئي.
علم الصوتيات المعماري
يختص بتوفير الهدوء داخل الغرف والمباني، وتهيئة الأحوال الجيدة للاستماع للحديث والموسيقى. وهو يؤدي دورًا هامًا في وضع تصاميم قاعات الاستماع وتشييدها.
وتتأثر نوعية الصوتيات الخاصة بغرفة ما بعدة عوامل: أولها حجم وشكل الغرفة، وثانيها مقدرة السقف والجدران والأرضية على إبعاد الصوت غير المرغوب فيه، وثالثها استعمال الأثاث المصنّع من مواد ممتصة للصوت. وهناك عامل آخر يؤثر في نوعية الصوتيات ذات العلاقة بالغرف، وهو الطريقة التي تعكس بها الغرفة الصوت المنبعث، فالأصوات المرسلة من مكبر صوت أو آلة موسيقية ترتد إلى الخلف وإلى الأمام على السقف والجدران والأرضيات وغير ذلك من الأسطح، فيتكون بذلك ارتداد الصوت الذي تحدثه تلك الانعكاسات الصادرة من الصوت. أما فترة الصدى فهي الزمن الذي يستغرقه الصوت في التلاشي إلى 1/1,000,000 من طاقته الأصلية. ويجب أن يستمر صدى الصوت لفترة تقارب الثانية في قاعة الاستماع المعدة للحديث، ولمدة ثانيتين في قاعة الموسيقى. وفوق ذلك يجب ألا يصل انعكاس قوي واحد لأذن المستمع بعد مرور 1/20 من الثانية من وصول الصوت المباشر المنبعث من مكبر صوت أو آلة، وإلا فإن المستمع سيسمع الانعكاس القوي وكأنه صدى مشوش للصوت الأصلي.
يتحكم الأثاث المصنَّع من المواد الممتصة للصوت في الانعكاس داخل الغرفة. ويشمل هذا النوع من الأثاث الرقائق الصوتية ـ سواء أكانت من الفلين أو المطاط ـ والسّجاد والستائر والأثاث المنجد.
علم الصوتيات البيئي
يشمل التحكم في التلوث الضجيجي، وهي مشكلة واسعة الانتشار في كثير من المناطق السكنية. وتتضمن المصادر الرئيسية للضجيج البيئي؛ السيارات والطائرات والمنشآت الصناعية ومعدات البناء الثقيلة.
ويمكن التحكم في التلوث الضجيجي بثلاث طرق وهي:
- 1- تهدئة مصدر الضجيج.
- قفل مبعث الضجيج من مكان إلى آخر.
- امتصاص الطاقة الضجيجية. فمثلاً تخفض كاتمات الصوت الضجيج الصادر من محركات السيارات، كما تعمل الجدران الضخمة الخالية من الشقوق أو المسامات على حجب الضجيج. كذلك يمتص الأثاث المصنع من المواد الممتصة للصوت الضجيج.
ويمكن أن يؤدي تعرض المرء للتلوث الضجيجي المكثف بصورة متكررة إلى تلف مؤقت أو مستديم في سمعه. وتقاس شدة الضجيج عن طريق وحدة قياسية تسمىالديسيبل. وتطالب القوانين في كثير من الأقطار الصناعات بتخفيض ضجيج المصنع إلى درجة تقل عن المستويات القصوى المحددة، أو تصدر أوامرها للعمال بارتداء سدادات الأذن وأغطيتها الوقائية.