شعر عمودي
الشعر العمودي هو مصطلح يُطلق على الشعر العربي القديم الموزون، وهو أساس الشعر العربي وجذوره وأصل كل أنواع الشعر التي أتت بعده. يتميز الشعر العربي بتكونه من مجموعة أبيات يتألف كل منها من مقطعين يدعى أولهما الصدر وثانيهما العجز. الشعر العمودي يخضع في كتابته لقواعد الخليل بن أحمد الفراهيدي وهذه القواعد تدعى علم العروض وهو علم يهتم بوزن يحببه إلى الأذن ويحافظ له على أصالته وهو نوع من الشعر عبارة عن القول الجميل مقفى موزون يعبر عن اللب أوتوماتي الصدر ويؤثر في السامع بالإيقاع والمعاني والصور والأخيلة وهو يقوم بعد النية والقصد على أربعه أسس هي اللفظ والوزن والمعنى والقافية.
القصيدة العمودية هي شعر عمودي مقفى تكتب بالعربية الفصحى وتعتبر من أرقى أنواع الغناء العربي، وتغنى ملحنة أو مرتجلة فإن كانت ملحنة فيجب أن تكون هناك لوازم موسيقية تتخلل أبياتها، وإيقاع محدد يناسب الوزن الشعري وأما إذا كانت مرتجلة فتعتمد على مقدرة المغني أولا وأخيرا وعلى حسن تصرفه في المقام.
الشعر التقليدي (العمودي). هذا المصطلح مأخوذ من مصطلح النقد القديم في وصف هذا النمط من الشعر بأنه يتبع عمود الشعر. وقد أرجع النقاد القدماء مقومات عمود الشعر إلى سمات متعددة منها مايتصل باللفظ من حيث جرسه ومعناه في موضعه من البيت، أو مايخص تصوير المعاني الجزئية وصلة بعضها ببعض في بنية القصيدة، أو مشاكلة اللفظ للمعنى، وما إلى ذلك من قيم استمدها النقد القديم من تلك السمات التي وقف عليها فيما بين يديه من قصائد. وقد ثار بين قدامى النقاد العرب كثيرٌ من مسائل الخصومة حول عمود الشعر وما تفرع عنه من دلالات نقدية. وأهم مايميز هذه القصيدة العمودية التزامها عمود الشعر وأنها تسير على سنن وتقاليد القصيدة العربية منذ الجاهلية؛ فتقف على الأطلال والديار، ثم ترحل على الناقة بعد أن تصفها ثم تتخلص بما يسمّى حسن التخلص وتعمد إلى غرضها الأساسي. وتُعد القصيدة الجاهلية هي الأنموذج الكامل للقصيدة العمودية، وذروة سنامها المعلقات.
هذه القصائد العمودية، والتي يسمّيها النقد الحديث بالقصائد التقليدية، كانت تسير على نمط شعري محدد في بحورها وأوزانها متَّبعة تلك الأوزان التي قننها الخليل بن أحمد، كما تلتزم قافية موحدة وحرف رويّ موحد، ويأتي البيت فيها مكونًا من صدر وعجز ومصرعًا في أول القصيدة.
وقد ظلت القصيدة العمودية سائدة في مملكة الشعر القديم من العصر الجاهلي حتى منتصف القرن الأول الهجري. ومن هنا يقسّم النقاد اتجاهات هذه القصيدة إلى أنماط ثلاثة، هي:
شعر الاتجاه المحافظ البياني. وهو الذي عُني بالموضوعات التقليدية من مدح وفخر وحماسة، وما إليها، كما ظل يسلك منهج الأقدمين في بناء القصيدة وفي رصد صورها الشعرية من عالم البادية، مما جعل أسلوبها، بعد العصر الجاهلي، يستوحي الذاكرة والتراث أكثر مما يستوحي العصر والواقع.
الشعر المحدَث (المولَّد). بدأ هذا الاتجاه في العصر العباسي الأول على يد مسلم بن الوليد وبشار بن بُرد وأبي نواس، حين ثاروا على الاتجاه التقليدي في القصيدة العمودية ورفضوا الوقوف على الأطلال أو الحديث عن الصحراء والبادية، فبدأ اتجاه شعري جديد تحرر قليلاً من سلطان القديم ومال أسلوبه إلى ألفاظ بسيطة، وموسيقاه إلى بحور قصيرة وقواف رقيقة وطبع الأسلوبَ طابعٌ حضري. وكان ذلك من أثر تلك الحياة الجديدة التي وجد الناس أنفسهم يعيشونها خلال النصف الأول من العصر العباسي الأول. وهي حياة لا تخلو من لهو ومجون ومجالس طرب وغناء. فجاء الاتجاه المحدث أثرًا من آثار تلك الحياة الجديدة وكان ردة فعل للحياة البدوية القديمة.
اختلف النقد العربي القديم حول هذا الاتجاه الذي خرج عن عمود الشعر، فتعصب الرواة واللغويون للشعر القديم وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحتج ببيت من الشعر الإسلامي على الرغم من إدراكه تأثير هذا الشعر الجديد وكان يقول:
"لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت أن آمر فتياننا بروايته".
الشعر المحافظ الجديد. ويرمي هذا الاتجاه إلى إعادة الشعر العربي إلى طبيعته العربية وإلى تقاليده الموروثة وأن يخفف من ثورة المحدثين المتمردة. ولكن كل ذلك لابد له من استيعاب التطوّر الذي بلغته العقلية العربية من رقي وحضارة، إذ لا سبيل لإعادة القصيدة العربية إلى سابق عهدها من بداوة وغلظة وعبارات حوشية غريبة؛ فجاء هذا الاتجاه محافظًا في منهج القصيدة ولغتها وموسيقاها وقيمها، ومجددًا في معانيها وصورها وأسلوبها. فهو يتبع شعراء الطريقة القديمة في بدء القصيدة بالأطلال أو النسيب ولكن من حيث معاني الشعر وصوره يقدم كل مبتكر وجديد؛ فعرف شعرهم ألوانًا من البديع وصنوفًا من المحسِّنات، وكان من فحوله أبو تمام والبحتري والمتنبي وأضرابهم من شعراء العصر العباسي.
وتمضي مسيرة القصيدة العربية على شكلها العمودي محافظة على وحدة البيت من صدر وعجز وعلى بحوره التي وضعها الخليل بن أحمد سوى بعض التجديدات من عصر لآخر، ولكن شكل القصيدة يظل دون تغيير حتى نهاية العصر العثماني وبدايات العصر الحديث، بعد ذلك ينتقل شكل القصيدة إلى نمط آخر.