السياسة (أرسطو)
السياسة هو كتاب في فلسفة السياسة، من تصنيف أرسطو.
يقع الكتاب في ثمانية مقالات. نقله أحمد لطفي السيد إلى العربية، عبر ترجمة فرنسية للمستشرق بارتملى سانتهلير.
السياسة عند أرسطو
لن نستطيع أن نتناول السياسة هنا بالتفصيل ، لأن فيها من التفصيلات والجزئيات ما لا يكاد يعنينا في شىء . هذا إلى ان نظرية أرسطو في الدولة لا تتصل بالفلفة اتمالأ كبيراً ، وإنما هى أقرب ما تكون إلى القانون . وهنا يلاحظ اولاً ان هناك اختلافاً كبيراً بين مذهب ارسطوفي الدولة ، ومذهب أفلاطون . فنقطة البدء ، والمنهج الذي أقام عليه كل منهما مذهبه ، ختلفان كل الاختلاف . إذ بينما كان المنهج الافلاطوني يبدأ بالنظر إلى الدولة كما يجب ان تكون ، وبصرف النظر عن الأوضاع التي توجد فيها ، لأن افلاطون لم يكن يثير إلى شيء من هذا إلا باعتباره ذكرى تاريخية فحب ، وكان يبداً مباشر: بنظرية مركزية تتفرع منهاجميع التفصيلات الخاصة بتحديد ماهية الدولة والأوضاع التي يجب ان تكون عليها في كل مظاهرها وأحوالها - ؛ كان المنهج الارستطالي منهجاً تكوينياً ، لأن ارسطوكان يهتم في بحثه بأن يبين نشأة الدساتير المختلفة ، ويدرسها اعتبارها نظما عكنة للحكم . فهو هنا كالعالم الطبيعي سواء بسواء : يصنف الدساتير لقائمة من اجل ان يصفها ويبين أنواعها ، مستخرجاً بعد هذا نظريته في الدولة على اساس هذه النظم التي رآها . وقد يكون السبب في هذه النظرة ان أرسطو لم يكن في الواقع فبلسوف دولة بمعى الكلمة ، وإنما كانت الفلسفة السياسية شيئاً مضافاً لمذهبه كتكملة للمذهب ، بعكس ما كانت الحال عليه تماماً عند افلاطون . وإذا كان ارسطو قد جعل الدولة تقوم ايضاً على الاخلاق ، وجعل الغاية منها ان تحقق الخيركما فعل أفلاطون ، فإنه لم يفعل ذلك بالطريقة عينها ، وإنما طالب الدولة فقط بأن تميز بين العدل والظلم ، بين الحق والباطل ؛ وأن يكون من شأها ان تحافظ على القيم العليا ، وأن تمنع القيم الدنيا من أن تظهر أوتتغلب .
ويبدا ارسطو نظريته في السياسة بأن يبين ان الوحدة الرثيسية هي الأسرة وليست الفرد ، كما غعل افلاطون ، فيقول إن الانسان بطبعه حيوان سياسي أي أنه مدفي أو اجتماعى بالطع وذلك لان الانسان لايكن ان يتصور وحده منعزلاً مطلقا ؛ ولهذا فلا بد أن يوجد في جماعة .
وإذن فالوحدة الأولى هي الأسرة . ويلاحظ أن في الأسرة روابط ثلاثاً رئيسية : الأولى بين الزوج والزوجة، والثانية بين الآباء والأبناء ، والثالثة بين العبيد والسادة : وهذه الأسرة تكفي نفسها موقتاً ، فيما يتصل بالحاجات اليومية ، اما إذا ارتفعت إلى ما بعد الحاجات اليومية ، فإنها في هذه الحالة تكون مع غيرها من الأسر « القرية » . وإذا تعددت حاجات القرية ، فاحتاجت إلى غيرها من القرى، تكونت عن ذلك ٠ دولة » . فالدولة كائن عضوي يجمع في نفسه خلايا عديدة هي الأسر : ولكن الصلة بين هذه الأسروالدولة ، ليست صلة فردية ، بمعنى أن الفرد ليس - في نظرارسطو،كماهوفي نظر أفلاطون - الوحدة الرئيسية ، بل إن الأسرة دائيماًهي الوحدة ، والدولة تكفي نفسها بنفسها ، اما الفرد فصلته بالدولة في هذه الحالة صلة فيها الشىء الكثيرمن الاستقلال ، لأن أرسطوهنا في الياسة - كما كان في لاخلاق - يجعل للاسرة دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية، إن من الناحية الأخلاقية، أومن الناحية السياسية.
فبعد ان كان افلاطون ينظر إلى الفرد كخلية حقيقية في كائن عضوي هو الدولة، ولا حياة له تبعاً لهذا إلا في الدولة، والدولة ستصبح إذن الثيء الرئيسي الذي من اجله يضحى بكل فرد كائناً من كان - نجد ارسطو على العكس من ذلك ، يجعل للفرد استقلالاً وشيثاً من الحرية؛ من اجل تحقيق أغراضه الخاصة بإزاء الدولة . ولهذا نجد أرسطوقد أخذ عل افلاطون إنكاره للحياة الزوجية وللملكية الفردية ، لأن أرسطو يرى أن في الحرمان من هذين الأمرين، عدم تحقيق لقيمتين رئيسيتين من الناحية الأخلاقية هما التهذيب الجنسي ، ثم التفوق الاجتماعي . ولهذا يقول بأن الملكية الفردية يجب ان تكون موجودة ويجب أن يكون هناك زواج ، باعتباره صلة بين فردين من جنسين مختلفين . وهكذا نجد أن أرسطوفي نظريته في الدولة كان يجاول دائماً ان يكون واقعياً ناظراً إلى الحياة الياسية كما كانت في عصره ؛ وكما أظهرته عليها النظم الدستورية التي عني بد:استها .