الخط العثماني
== تعريف الرسم العثماني ==
الرسم في اللغة: الأثر وحسن المشي، ورسم الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأرض، ورسم له كذا فارتسمه أي امتثله، ورسم على كذا وكذا أي كتب( )، فيطلق تصوير الألفاظ برموز مكتوبة في اللغة على عدة دلالات ومعان منها: الكتاب، والهجاء، والخط، والرسم، والإملاء. وقد اشتهر استخدام الرسم على خط المصحف الذي كتب به في عهد النبي ، واستقر على صورة نهائية في عهد عثمان ، ولعل ذلك لما في كلمة الرسم من تتبع الأثر. الرسم القرآني في الاصطلاح: هو الرسم المخصوص الذي كتبت به حروف القرآن وكلماته أثناء كتابة القرآن الكريم بين يدي النبي ، ومن خلال الجمع الذي تم له في عهد أبي بكر في صحائف، والنسخ الذي تمَّ في عهد عثمان في المصاحف. وقد عَرَّف بعض العلماء الرسم العثماني في الاصطلاح بأنَّه: «الوضع الذي ارتضاه الصحابة في عهد عثمان في كتابة كلمات القرآن الكريم وحروفه»( )، ولكن ينبغي أن يعرف أن نسبة هذا الرسم إلى عثمان ليس لابتكاره إيَّاه، أو لمخالفته الرسم الذي تم بين يدي النبي ، وإنَّما يرجع سبب هذه النسبة إلى ما يلي: أ: إنَّ عثمان هو الذي نقل هذا الرسم ونسخه في المصاحف التي أمر بنسخها من الصحف التي كتبت في عهد أبي بكر وهي عين ما كتب بين يدي النبي ، وَعَمَّمها على الناس في الأمصار وألزمهم بها، وأمرهم أن يحرقوا ما سواها، فعثمان هو الذي عمم هذا الرسم النبوي وألزم الناس به، وأزال كل رسم يخالفه. ب: إنَّ الطريقة التي كُتبت بها المصاحف العثمانية لكي تكون شاملة لكل ما ثبت رسمه بين يدي النبي وتحمل جميع القراءات الثابتة عن النبي جاءت مبتكرة؛ إذ كتبت عدة مصاحف، ووُزِّع رسم بعض الكلمات القرآنية التي تحتمل أكثر من قراءة عليها، فالمراد بالرسم العثماني بصورة دقيقة: طريقة توزيع عثمان للرسم النبوي على المصاحف بحيث تتحمل كل القراءات القرآنية المتواترة، فهذه الطريقة التي تخالفت بها المصاحف العثمانية في بعض رسومها لكي تشمل الرسم النبوي بأوجه قراءاته المتواترة هي التي من وَضْع عثمان وابتكاره( ). ج: إن عثمان -كما هو مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف- جمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن، وهو قراءة العامة من أصحاب النبي ، وقد نزل عليه عامة القرآن، ودُوِّن به، فألزمهم عثمان بالرسم الذي كتب به عامة القرآن في عهد النبي وترك لهم رخصة القراءة بغيره بما يوافق الرسم، ومن هنا تعدَّدت أوجه القراءات وأصبح من الصعب نسبة قراءة واحدة إلى لغة من لغات العرب، قال ابن تيمية: «فلما رأى الصحابة أنَّ الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعاً سائغاً، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل محظور» ( )، وقد أبقى لهم القراءة ببقية الأحرف السبعة بما يتوافق مع الرسم، قال مكي بن أبي طالب: «فالمصحف كتب على حرف واحد وخطه محتمل لأكثر من حرف؛ إذ لم يكن منقوطاً ولا مضبوطاً، فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية»( ). وقال البغوي: «المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العَرَضات على رسول الله ، فأمر عثمان بنسخه في المصاحف، وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك قطعاً لمادة الخلاف، وصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ ما هو خارج عن الرسم » ( )، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ليس لأحد أن يقرأ قراءة بمجرد رأيه بل القراءة سنة متبعة »، ثم قال: «وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم؛ إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والابتداع » ( ). وقد قسم الزركشي الخط في عمومه ثلاثة أقسام: 1- «خط يتبع به الاقتداء السلفي وهو رسم المصحف. 2- وخط جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه؛وهو خط العروض، فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل. 3- وخط جرى على العادة المعروفة؛ وهو الذي يتكلم عليه النحوي » ( )، وهو ما يعرف اليوم بالكتابة الإملائية: «وهو الرسم الذي وضع علماء البصرة والكوفة قواعده؛ مستمدين ذلك من المصحف العثماني، ومن علمَي النحو والصرف » ( )، وتميزه قواعده الخمس التي ملخصها ما يلي: أولاها: تعيين نفس حروف الهجاء دون أعراضها. ثانيتها: عدم النقصان منها. ثالثتها: عدم الزيادة عليها. رابعتها: فصل اللفظ عما قبله مع مراعاة الملفوظ في الابتداء. خامستها: فصله عما بعده مع مراعاة الملفوظ في الوقف( ). فالرسم العثماني الأصل فيه الاقتداء وتتبع أثر الكتابة الأولى التي تمت بين يدي النبي. وهذا هو الذي سار عليه خيار هذه الأمة
[[تصنيف:]]