الثورة الصناعية في بريطانيا
الثورة الصناعية (بالإنجليزية: Industrial Revolution) يستخدم هذا المصطلح للاشارة إلي تلك الفترة التى شهدت تغيراً سريعاً فى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والديموجرافية والتكنولوجية وفي حياة الناس في بريطانيا بشكل خاص والغرب بشكل عام نتيجة انتشار وإحلال المكننة محل العمل اليدوي، اعتباراً من النصف الثانى من القرن الثامن عشر وحتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، كما يدل على الحقبة الزمنية نفسها كذلك.
وثمة حوار واسع النطاق وقدر كبير من الخلاف حول الخصائص الدقيقة للثورة الصناعية، بيد أنها بصفة عامة تشير إلى تحول إنجلترا بصورة متزايدة من مجتمع يغلب عليه الطابع الريفى و الزراعى إلى مجتمع حضرى ينهض على التصنيع والصناعة. وعلى الرغم من أن المصطلح يشير إلى بريطانيا (وبخاصة إنجلترا)، وهى أول أمة صناعية، فإن تعبير "الثورة الصناعية الثانية" يستخدم أحياناً للإشارة إلى عملية تصنيع بلدان أخرى وبخاصة ألمانيا والولايات المتحدة خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
ملامح الثورة الصناعية فى بريطانيا
أولاً: شهد المجتمع ما اصطلح على تسميته بالتحول الديموجرافى "إعتباراً من نهايات القرن الثامن عشر والذى اتسم بانخفاض معدلات الوفيات، وانخفاض سن الزواج، ونمو ملحوظ للسكان وتصاعد معدلات الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. وقد زودت الأعداد المتزايدة من المهاجرين الوافدين إلى المناطق الحضرية المتسارعة النمو، زودت الصناعات الجديدة بجزء كبير من قوة العمل، التى شكلت أصول الطبقة العاملة الصناعية الجديدة.
ثانياً: حدوث ثورة فى وسائل النقل والمواصلات . وقد أنجزت هذه الثورة فى القرن الثامن عشر من خلال بناء القنوات وتحسين شبكات الطرق، فى حين أنه اعتباراً من النصف الأول من القرن التاسع عشر، أسهم اختراع السكك الحديدية فى إحداث تحسن جذرى فى السهولة والسرعة التى يمكن بها نقل المبضائع . وقد عنى هذا إمكانية نقل الطعام بسرعة أكبر من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، ومن ثم يمكن مواجهة الطلب المتزايد عليه من المناطق الحضرية الجديدة النامية . ومع تطور الصناعة أصبحت شبكة الطرق ذات أهمية حاسمة بالنسبة لاستخراج ونقل المواد الخام وتوزيع المنتجات الصناعية.
ثالثاً: حدوث ثورة زراعية عملت على تحسين تقنيات الزراعة مما أفضى إلى زيادة الإتتاج الزراعى وزيادة مستوي رفاهية فئة المزارعين فى الآن معا. وقد أفضى ذلك إلى زيادة طلب سكان الريف على النوعيات الأفضل من الملبوسات، و السلع المنزلية، التى زادت بدورها من عمليات الإنتاج والتجارة فى المناطق المصناعية الحضرية . وقد ساعد على ذلك التطور الذى طرأ على وسائل المواصلات . ومع ازدياد الفلاحين ثراء، أخذوا يتبنون باضطراد أساليب حياة الطبقة الوسطى الحضرية ويتوحدون معها، بحيث أصبحت الحدود الفاصلة بين الجماعتين أقل وضوحا من خلال التزاوج بينهما . وكثيراًماقدم المزارعون رأس المال اللازم للاستثمار الصناعى، كما أن أبناءهم أخذوا يتلقون التعليم الذى يؤهلهم لشغل الوظائف الحضرية، وذلك الوقت الذى بدأت فيه الطبقة الوسطى الحضرية تميل أكثر فأكثر إلى التغنى بمثالية طريقة الحياة الربفية، بل إن بعض أعضائها انتقل لسكنى الريف حيثما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
رابعاً: عملت الاستثمارات الكبيرة المتعاظمة لرؤوس الأموال، وبخاصة فى صناعة النسيج واستخراج الفحم، والصناعات المعدنية، التى تيسرت جزئيامن خلال توسيع ونمو أسواق المستعمرات و الإنتاجية على إتاحة الفرص لنمو صناعة قوية اعتمدت بدور ها على، وتدعمت أيضا من خلال نموكل من الأسواق الداخلية والتصدير لما وراء البحار. فقد اعتمدت صناعة النسيج على سبيل المثال، على المواد الخام الواردة من أمريكا، فى حين أن المنتجات النسجية كانت تباع فى الأسواق المحلية وفى الخارج وبخاصة فى الهند، حيث استطاع الحكم الاستعمارى البريطانى أن يدمر بالفعل صناعة النسيج الهندية التى كانت مزدهرة من خلال حظر تصدير النسيج الهندى.
خامساً: كانت الاختراعات والتطويرات التكنولوجية وبخاصة، قوة البخار، ذات أهمية رئيسية فى تشغيل القطارات والسفن و المصانع الكبيرة، على الرغم من أن البحوث الحديثة تشير إلى أن معظم الإتتاج الصناعى كان يتم على نطاق محدودوظل فى الغالب غير معتمد على الميكنة حتى فترات متأخرة من القرن التاسع عشر.
ولقد اعتبرت هذه التغيرات الجذرية ثورية بسبب سرعة حدوث العديد منها، وارتباطها جميعها ببعضها البعض، على الرغم من أنها قد تطورت بمعدلات مختلفة وبطرق مختلفة من إقليم إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى , ولقد كانت الرغبة فى تحليل وفهم هذه التغيرات الكاسحة وغير المسبوقة بمثابة عامل فى حفز رواد علم الاجتماع لكى يطوروا عدداً من النظريات المرتبطة بتقسيم العمل، والرأسمالية والبيروقراطية. ولعله من الممكن القول بأن كونت، وسبنسر، وماركس، وإنجلز، ومن بعدهم دوركايم، وفيبر كانوا جميعاً يسعون للاستجابة لهذه التغيرات التى صاحبت عملية التصنيع ويحاولون فهمها، والتى غيرت ليس فقط البنية التحتية للمجتمع، بل غيرت من مجمل أسلوب الحياة فى بريطانيا أيضا، فى خلال فترة زمنية بالغة القصر.
وهناك جدل لا ينقطع - بين المؤرخين أساساً - حول أسباب الثورة الصناعية وآثارها (انظر على سبيل المثال ر. م. هارتول (محرراً) : أسباب الثورة الصناعية فى إنجلترا، الصادر عام 1967) ومن بين الأعمال العديدة المتاحة نشير إلى العمل الكلاسيكى لإريك هوبزيوم، الصناعة والإمبراطورية، الصادر عام 1968، ويقدم كتاب ليونورد دافيد وفوكاترين هال المعنون مصائر الأسرة (الصادر عام 1987) وصفاً تاريخياً مفصلاً للعلاقات المتبادلة بين تطور الرأسمالية والمجتمع الصناعى الحضرى، والطبقة والبنى الأسرية.