البديع لابن المعتز


 'ابن المعتز في سطور :-' هو  أبو العباس عبد الله بن المعتز المتوكل بن المعتصــم بن الرشيـــد  العباســي 

ولد عـام (247هـ) وتوفي في عــام (/296هـ)، كان شاعراً وأديبـاً متعدد الجوانب أظهرت اصتاله بالمؤلفات التي أنتجها بأسلوبين جديدين من الإنشـــاء، بويـع له بالخلافـة ولكن لم يبقى في الخلافـة غير يوم وليلـة. * أسبقيته في التأليف عن علـم البديع :

يعد كتاب "البديع"

أول مؤلف  في البديع وصَنعة الشعر، كما أجمع على ذلك جميع الباحثين(3)، فهو على رأس قائمة كتب "ابن المعتز" بالنظر إلى اختصاصه لهذا الفن، ويعد فاتحاً جديد ويعترف بذلك "ابن المعتز""و ما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد". 

وأضاف الدكتور ((إحسان عباس)) بقولـه : ((مع أن الكتـاب قد سمي باسم البديع وهو موضوعه الرئيسي، فإن ابن المعتز أضــاف إليه بعض محاسـن الكلام والشعر، لتكثر فائدة كتابـه، فتحدث في الالتفات والاعتراض والرجوع وحسن الخروج......))

ويبدو هـذا لأن ابن المعتز مصراً على أن لفظة (البديع) لا يتناول إلا الخمسـة الأولى من الكتــاب.

الأسباب الداعية لتأليفه كما ذكرها النقـاد والباحثيـن :-

ذكر الدكتور (إحسـان عبـاس) ((أن الروح التي أملت الكتـاب كانت تمثل جانباً من الحركة النقدية في القرن الثالث الهجري، على نحو معكوس، فبدلاً من

إنصـاف الشعر المحدث، ذهب ابن المعتز  ينصف القديم، وعن هذا الطريق 
أكـد بأن الحديث لم يكن  بدعاً  مستحدثاً، وإنما كان الفضـل  فيه للقدمـاء، فالبديع إذن جزء من المورث ،وهو بهذا ذو أصول راسخــة، وليس العيب فيه وإنما العيب في الإفراط في استخدامه، والإفراط  مذموم في كل الأمور، وقد عرف ابن المعتز بين أبناء عصره باللهج بالبديع والإحسـاس الدقيق في استكشافه ونماذج بحثـه  عنها في الأدب العربي القديم)).

وذكر الناقد الشاعر ((عزالدين المناصرة))
((أن  البديع ولد في الشعر القديم قبل ولادته في شعر المحدثين، وولد البديع قبل أن  يولد على يد ابن المعتـز. ويبدو أن نقـاد وشعراء زمانـه، زعموا أنهم مخترعو علم البديع. لهذا كان هدفه الأساسي ,هو إثبات وجود البديع في الشعر القديم بشكل عفوي، ويرى ابن المعتـز، أن  بعض المحدثين تعمـد استخدام البديع وأكثر منـه  ليستوي على إدعاء الســبق)).

بينمـا يخالف بعض الدارسين للأدب هذه المقولـة وأبزر من قال بها الدكتور: ابتسام مرهون الصفار، حينمـا قالت { من خلال دراستنـا للكتاب ابن المعتز هذا، وآرائه النقديـة الأخرى، وجدنـاه، قد عمـد إلى تأليف كتاب البديع دفاعاً عن الشعر المحدث، بوعي علمي، ودافع أدبي خطط لـه، فوجد أن دوره لا يتـم إلا عن طريق ترسيخ هذا الفن الذي عيب على المحدثين استعماله بوضع أصوله، وإرجاع إلى القدمـاء والأوائل الذين ملكوا الساحة الأدبيـة، وحكموا آراء النقاد المتعصبين ضد الشعر المحدث }

وفي تمحيص ما قاله النقاد أعلاه نجد أن كل ما ذكر أعلاه، فيه جانب من الصواب، غير أن  النظر من محتوى الكتاب والآراء المدرجـة فيه يؤكـد لنا بأن كان غرضـه تبيان للفن البديع، مع إثبات أنه راسخ في الشعر العربي القديم، وليـس كما ذكر بعضهم أن مبتدع في القرن الثالث الهجري،  كما لا يخفى على الدارس للنقـد القديمـة أو البلاغـة  أن هذه الكتاب فيه روح عصره، ويظهر الحركة النقدية والجدل القائم  في تلك الحقبـة الزمنيـة – القرن الثالث الهجري -  ما بين التعصـب للقديم وتقديسـه،  والمجددين في الشعر وأنصارهم، حيث  وكأنه يصرح في كتـابه 

أن الشعر المحدث في تلك الفترة الزمنية لا يعيبه استخدام البديع حيث أن القدمـاء عرفوه وورد في القرآن الكريم والحديث النبوي الشـريف غير أنه لم ينضج كعلم بحد ذاتـه وأن المصطلحات العلميـة لم تعرف قبل ذلك الوقت ولهذا قام بتأليـف الكتــاب. ولا يهمنا إثبات رأى عن أخر وإنمـا المهم في الأمر هو ما قدمه الكتاب للنقد العربي والبلاغة العربيـة.

حيث وضع وقسـم الكتـاب ليحتذي بـه الشعراء المحدثون حذو القدماء في الجيد من البديع، وهو في كثرة شواهده التي اختارها يدلنا على ذوقه الأدبي الرفيع من جهة، وعلى النزعـة العربيـة الخالصـة في التأليف من جهة أخرى.

• تأثر الكتاب بالثقافات الأجنبية

ذكر د. طه حسين أن كتاب البديع أن به أثراً بيننا للفصل الثالث من كتاب الخطابة لأرسطوا، أو بعبارة أدق أن للقسـم الأول من الفصل الثالث وهو الذي يبحث في العبارة، والكتاب لا يؤيد هذا الظن، إذ كل ما فيه عربي خالص، وقد ألفه ابن المعتز مقاومـة لمن يلتمسون قواعد البلاعة في المصنفات القديمـة اليونانيـة.

ونرى في هذا القول مبالغة مفرطـة، فابن المعتز لم يؤلفـه مقاومـة للتيار الثقافة اليونانية، ولو كان القصـد قصـده هذا لما أحجم عن ذكر ذلك والإشارة إليه، ولكنه صرح بما لا يقبل الشـك بأنه ألفه، ليثبت أن القدماء عرفوا فنون البديع، ولو كان ابن المعتز مطلعاً على قواعد البلاغة اليونانية، لأفاد منها متمثلاً، أو ناقـش لآراء فلاسفتها، ولكن كتابه – كمـا يبدو من مصادره – عربي في أصوله الثقافـية، عربي في طريقة عرضـه ومعالجتـه لأنواع البديع، ويكفي أن نقارن بينه، وبين نقـد الشعر لقدامة بن جعفر لنجد الفرق بين المنهجين.

وقد رفض د. على الجندي : أن يكون الكتـاب متأثراً بالبيان اليوناني (ولو أن الجناس كان منقولاً عن اليونان، لعثرنا على أثر هذا النقل، ولو في مثال واحد على الأقل).

وأكـد ذلك قول د. حمادي حمود : أن الكتاب كان على أسس عربية صريحة وصحيحة في محاولة للإرساء علم البلاغة والنقد، وبهذا كان أول كتاب يتناول الأدب تناولاً فنياً

 ومن هذا لا يعيب حتى الكتاب أن  يكون على أسس عربية أو يونانيـة 
بالمعرفة الإنسانيـة متناقلة عبر الأجيال فإن كان ذا أساس  عربي أو يوناني فالمهم  فيه هو ما يحتوي من نقاط هامة في الدراسات النقدية 

والبلاغية

أهمية الكتاب

كتاب البديع نقطـة تحول هامة في الدراسات البلاغية والنقدية وعلامة بارزة في مجال النظرية الأدبيـة عند العرب. ومكانتـه في تاريخ البلاغـة تشبه مكانة ((كتاب)) سيبويـه في تاريخ البحوث اللغوية والنحويـة. فهو بإجمـاع الباحثين عربا ومستشرقين أول كتاب جعل من البلاغة غاية في تأليفه، وأول كتاب يتناول الأدب تناولاً فنيـاً.

فمــــا الذي بوأ الكتاب هذه المنزلة ؟

باستطاعة المتتبع لأطوار البلاغـة من البداية إلى نهاية القرن الثالث الهجري أن يجزم بأن قيمة الكتاب لا تكمن في مضمونـه، ولا من حيث عدد الوجوه التي أشتمل عليها، ولا من حيث الصياغة النظرية للبعض تلك الوجوه، وما يتعلق بها من تقسيم وتحديد.

إن قيمـة الكتـاب  الرئيسية تكمن، من وجهة نظري، في صدوره عن درجات عاليـة  من الوعي بمداه وحدوده وتحرك صاحبة من رؤية واضحـة منطلقات وغايات جعلت مادتـه خاضعة لتلك الرؤية لا تتجاوزها فجاء الكتاب مختصراً 

خاليا من كل مظاهر الاستطراد والحـشو.

ومن أبزر مظاهر الوعي  والوضوح اشتمال ((البديع)) على نصوص  نظريـة 

فيها، وعلى قصرها، عون للدارس على إدراك بواعث التأليف وغايتـه والوسائل التي وظفت لبلوغها، مما يسمح بتنزيل الكتاب في سياقه التاريخي على أصح وجه ممكن. وسنحاول الإلمام بوجوه الجدة في هذا المؤلف بالاعتماد على هذه النصوص أولاً ثم على ما يمكن استخلاصه من طريقة عرضة للمسائل وتبويبها.

• فمــاذا نجد في هذه النصوص ؟

يقول ابن المعتز مشيراً إلى فضله على غيره  ((وما جمع الفنون البديع وما سبقني إليه أحد)) هو فضل اعترف له به النقاد والبلاغيون فهذا ابن رشيق يؤكـد أن ((البديع ضروب كثيرة وأنواع مختلفة (....) على أن ابن المعتز، هو أول من جمع البديع وألف فيه كتـــاباً........))4

ومن هنا يطرح سؤال عن المقصود بالسبق إلى الجمع، إذ من السهل أن يثبت بأن المادة الواردة في الكتاب ليست استقصاء لما اهتدى إليه سلفه من الأساليب البلاغية، فهو لم يأت إلا على جانب منها، وأشرنا إلى أن ذلك لم يكن غايته.

ومن هنا يتحتم البحث عن معاني أخرى تثبت صحة ما نسبه لنفســـه وتصدق شهادة القدماء له، وفي ذلك تأويلان : أولهما ما ذهب إليه ابن رشيق في الاستشهاد السابق. وثانيهما يؤدي إليه عنوان الكتاب وبعض الإشارات المحددة لغايته.

كمـا أشاهد جابر عصفور بقوله عن كتاب البديع ومؤلفـه تتمثل كل كتابات ابن المعتز التي وصلت إلينا، والتي تنطوي على نظراتـه السياسية وأفكاره الاجتماعية وتصوراته الدينية وممارسته البلاغية وذلك يكشف من خلال هذا النص المتكامل – أي الكتاب - وعن الدلالات الأساسية التي تتسرب في كل مستوياته، والتي لا يمكن فهم أهمية الكتاب إلا من خلال قراءة التراث السابق لابن المعتز، وذلك جلياً لنا بأن يظهر مدى نضج المادة المقدمة في كتابه، ومدى قوة طرحه بنسبة لعصره.

ويضيف على هذا يقول ويظهر لنا المثاقفة التي تكون معها ابن المعتز فكرياً، مما جعل الكتاب أكثر منهجيتاً، وتحديداً في أصوله البلاغة والنقدية.

وذكر إحسان عباس بقوله : ((وقد كان ابن المعتز على وعي بأن هذا الفن لم يعرفه العلماء باللغة والشعر القديم ولا يدرون ما هو وما هي الأنواع التي تقع تحتـه، وأنه مبتدع في استقصائه لصورة غير مسبوق إلى ذلك.... ولكن فضله - أي الكتاب - أنه يتمثل في حشد الشواهد على المصطلحات البلاغية من النثر والشعر في القديم والحديث))

ومن خلال أقوال النقاد القدماء والمحدثين يظهر لنا جلياً مدى أهمية الكتاب في الدراسات البلاغية والنقدية، وأنه فريد من نوع في هذا الجمال حيث كتب هذا الكتاب ولم يكن هناك من أرسى لهذا الفن قواعده وخصائصه، حيث أن الكتاب يعد النواة لعلم البلاغة العربية؛ ويمس النقد الأدبي بطريقة عارضة، بعد ما شغلوا النقاد أنفسهم ببعض هذه المصطلحات البلاغية في تقويم الشعر.

كما أن ابن المعتز في تأليفه لهذا الكتاب خطوة جديدة في قضية القديم والحديث من الشعر، فبعد أن وصل الشعر المحدث إلى مرحلة المطالبة بالمساواة مع القديم والدعوة إلى النظر بعين العدل والإنصاف عند الجاحظ وابن قتيبة ؛ خطا ابن المعتز خطوة جديدة ظهرت في التأليف بأهم قضية تخص الشعر المحدث، وهي ما لازم شعر الشعراء من اتجاه فني في استخدام الفنون البديعية، والتوسع في استعمال المفردات اللغوية على خلاف ما كان القدماء يستعملونه، فتصدى ابن المعتز للتأليف في البديع، ليقول إن هذه الظاهرة ليست من ابتكار المحدثين، وإنما سبقهم إليها القدماء، فلا داعي لتوجيه سهام النقد، والعيب عليهم.

وعلى الرغم من أن الكتاب يعتبر من الكتب البلاغية إلا أنـه مبني على قضية نقدية هامة أثيرت في القرن الثالث الهجري عندما قام جماعة من الشعراء، أغلبهم من أصل غير عربي، وجهوا عنايتهم إلى الصياغة الشعرية وأشكال التعبير والتصوير الفني، ولم تخل نزعتهم هذه من روح العدائيـة تجاه ((عمود الشعر)) وأملتها خلفيات ((إيديولوجية)) عرقية حضارية عرفت في التاريخ العربي الإسلامي بالنزعة الشعوبية، إلا أنـه كان يخفي صراعا حضارياً هائلا أفرزته تركيبة المجتمع المعقدة والمتوترة بسبب إقبالها على فترة تحول هامة، واحتوائها خليطاً من الأجناس والحضارات والآداب، لم تكن راضيـة كل الرضي بسيادة العرق العربي وتسلطه عليها.

فالروح في التي أملت الكتاب روح نقدية لا بلاغية، بل هي تروح تعكس تمازج النشاطين وبكيفية فريدة، لذلك تعقب ابن المعتز مسالك هذا الصراع ومجاهله، واختار المصطلح الذي استعمله أسلافه من الأدباء والنقاد، كالجاحظ، وابن قتيبة وغيرهم.

ومن هنا فالكتاب ليس فقط كتاب علمي بحت وإنما هو يعكس روح عصره، وما كان يحدث فيها من صراع الأعراق، والثقافات، والأجناس البشريـة، وعلى الرغم بأن ذلك ليس ظاهراً، إلا أنه يظهر للباحث المتزن في هذا الجانب هذا الأمر الخفي الدخيل على المجتمع العربي خاصة والإسلامي عامـة.

وبعد أن تعرفنا يمكننا الجزم والقطع بأن هذه الكتاب من أهم الكتب في المجال البلاغي والثقافي بوجه عام، حيث أمتزج فيه، بين الروح العلمية المنهجية، والروح الحضارية الثقافية في ذلك العصر.

6 منهج الكتـاب

قسم ابن البديع أنواع البديع إلى خمسـة فصول وأبواب :الاستعارة والتجنيس والمطابقـة، ورد الكلام على ما تقدمها والباب الخامـس هو المذهب الكلامي.

وبعد أن أنهى الحديث عن الشواهد عن هذه الأبيـات الخمـسة أكمل كتابة بعبارة (انتهت أبواب البديع) وأشار إلى أنه ألفه سنة أربع وسبعين ومائتين وأول من نسخـة منه هو هارون بن يحيى بن أبي منصور المنجم. وأشار أيضًا إلى أنه أقتصر بالبديع على الفنون الخمسة اختياراً من غير جهل بمحاسن الكلام، ولا بضيق في المعرفة (فمن أحب أن يقتدي بها، ويقتصر بالبديع على تلك المحاسن فليفعل، ومن أضاف هذه المحاسن أو غيرها شيئاً إلى البديع، ولم يأت غير رأينا فله اختياره).

وتوحي هذه العبارة بما لا يقبل الشـك، أن ابن المعتز قد اقتصر في تأليفه على أبواب خمسـة من البديع، وأن كتابه قد انتهى ،ولكنك تفاجأ بعد هذه الخاتمـة بسرد لأبواب جديدة في البديع عددها ثلاثة عشر باباً وهي : الالتفات، الاعتراض، الرجوع، حسن الخروج، تأكيد المدح بما يشبه الذم وتجاهل العارف، الهزل يراد به الجد، حسن التضمين، والتعريض والكناية، والإعراض في الصفة، وحسن التشبيـه، لزوم مالا يلزم، وأخيراً حسن الابتداء.

تبدو هذه الأبواب وكأنها جزء ثان للكتاب، إلا أنها إذا قورنت بالأبواب الخمسـة الأولى وجدت قصيرة عند حسـن التشبيـه، مما يدل على أن ابن المعتز قد أنهى كتابه فعلا بالأبواب الخمسة التي تمثل أوسع أبواب البديع وروداً في الشعر والنثر.

ويبدو في الكتاب منهج تبعه ابن المعتز، وإن ندت عنه بعض الأبواب، يبدأ به بتعريف لضرب الفن البديعي الذي يعرض له، ثم يورد شواهده ابتداء من القرآن الكريم، فالأحاديث النبوية الشريفة، وكلام الصحابة، فالشعراء الجاهليين والإسلاميين، ثم يختم كل باب بالمعيب من الشواهد التي أساء أصحابها استخدامها لمحاسن الكلام، وهذه أيضـاً يبدؤها بأقوال نثرية وشعرية.

ثم يقدم ابن المعتز أنواع الكلام في البديع :

أولاً : الاستعارة : يعطي ابن المعتز الاستعارة المقام الأول، فالاستعارة هي ((استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها ؛من شيء قد عرف بها))

مثل: جناح الذل 
– فحمة العشاء – زبد المشركين عقـد  الخوف... الخ. وكان هدف ابن المعتز، كما يقول ((تعريف الناس المحدثين))، لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع. ثم يقدم أمثله من الاستعارة في القرآن والحديث والشعر المتقدم والمحدث. ثم يقدم أمثلـة من الاستعارة مما عيب من الشعر والكلام، ليعرف فيتجنب 

مثل أقعد على أست الأرض – انقطع شريان الغمام – فضربت الشتاء أخدعيه – ولما رأيت الدهر يقلب ظهره... على بطنه.... الخ

ويرى محمد مندور أن تعريف ابن المعتز للاستعارة، منقول عن تعريف أرسطو لها ويورد أرسطو للاستعارة ؛ ((نقل اسم شيء إلى غيره)) ويرى أرسطو أن التشبيـه هو استعارة وذلك أنه قليل الاختلاف عنها.

ثانيـاً : التجنيس : ويعرف ابن المعتز للتجنيس : هو أن تجيء الكلمـة، تجانس أخرى في بيت شعر وكلام، ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها، وعلى السبيل الذي ألف الأصمعي كتاب الأجناب عليها. وقال الخليل : الجنس لكل ضرب من الناس والطير والعروض والنحو، فمنه ما تكون الكلمة تجانس وأخرى تأليف حروفها ومعناها ويشتق، مثل خجلت على الخليج نفوسهم – أن لوم العاشق اللؤم- عصية عصت الله – ظلمان الظالم – سميته يحيى ليحيى.. الخ

ومن التجنيس المعيب في الكلام والشعر - يقول ابن المعتز- قول بعض المحدثين (هي الجآذر كلا إنها صور، لكنـها صور) – تشكي العقوق، وقد عق العقيق لها - ذهب بمذهبه السماحة فالتوت.. الخ

ثالثاً : المطابقة : ويقول ابن المعتز((قال الخليل)) : يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهـا على حذو واحد. وقال سعيد القائل لصاحبـه (أتيناك لتسلك بنا سبيل التوسع، فأدخلتنا في ضيق الضمان) قد طابق بين السعة والضيق في هذا الخطاب. ومثل : ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب. ومن المعيب من المطابقة، قول الشاعر : (قلت المقام وناعب قال النوى.. فعصيت أمري والمطاع غراب). ويعلق ابن المعتز : وهذا من غث الكلام وبارده.

رابعا: رد إعجاز الكلام على ما تقدمها : ويقول ابن المعتز ينقسـم هذا الباب على ثلاثة أقسـام : فمن هذا الباب ما يوافق آخر كلمة في نصفه الأول، مثل قول الشاعر : (تلقي إذا ما الأمر كان عرمرما...... في جيش رأي لا يُفل عرمرم). ومنه ما يوافق آخر كلمـة أول كلمـة في نصفه الأول، مثل (سريع إلى ابن العم يشتم عرضـه... وليس إلى داعي الندى بسريع). ومنه ما يواف آخر كلمـة فيه بعض ما فيه مثل (عميد بني سليم أقصدته.. سهام الموت وهي له سهام).

خامـساً : المذهب الكلامي : ويقول ابن المعتز وهو مذهب سماه أبو عمرو الجاحظ - مذهب الكلامي. وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئاً، وهو ينسب التكلف تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، مثل (لكل آمر نفسان، نفس كريمة... وأخرى يعاصيها الفتى ويطيعها) -(ونفسـك من نفسيك تشفع للندى... إذا قل من أحرارهن شفيعها). ثم يختتم ابن المعتز كلامـه قدمنا أبواب البديع الخمسـة وكمـل عندنا... فالبديع يقول ابن المعتز ((اسم موضوع لفنون من الشعر يذكرها الشعراء ونقاد المتأدبين منهم، فأما العلماء باللغة والشعر القديم، فلا يعرفون هذا الاسم.

في حين استدراك ابن المعتز، فيقدم نوعاً أخرى فرعية سماها محاسن الكلام  ويرى أن فنون البديع الأساسية هي الخمسة السابقة، أما (محاسن الكلام) فهي : 

1- الالتفات : وهو الانصراف المتكلم عن المخاطبة وعن الإخبار عن المخاطبة، وما يشبه ذلك، ومن الالتفات : الانصراف عن معنى يكون به إلى معنى آخر. 2- التتميم : من محاسن الكلام، والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتمم معناه، ثم يعود إليه فيتممه في بيت واحد. 3- الرجوع:وهو أن يقول شيئاً يرجع عنه. 4- حسن الخروج : وهو الخروج من معنى إلى معنى. 5- تأكيد مدح بما يشبه الذم. 6- تجاهل التعارف. 7- هزل يراد به الجد. 8- حسن التضمين 9- التعريض والكناية. 10- الإفراط في الصفة. 11- حسن التشبيه. 12 حسن الابتدآت. (1)

• التبويب الخارجي' يحتوي الكتاب على قسمين كبيرين، فصل المؤلف بينهما بوضوح، بنص نظري، وفيه إشارة صريحـة إلى انتهاء الحديث عن أوجه البديع والشروع في باب ((محاسن الكلام والشعر))، وأسس هذا التقسيم وأسبابه غير واضحـة ويصعب أن نجد مقياساً نعلل به سبب اختياره مصطلح (البديع) عنوانا لكل الكتاب، في حين أعطى القسـم الثاني عنوانا آخر عبر عنه بمجموعة كلمات، وسبب قٍصْرِه على الوجوه الخمسة المذكورة، بينما كان بالإمكان إلحاق أساليب أخرى من القسم الثاني بها لتقارب أنواعها لفت هذا الجانب نظر الدارسين. ولم يجدوا له تفسيرا مرضياً إلا أن يكون الكتاب في الأصل رسالتين منفصلتين جمع بينهما رواة الكتاب. فالاتكال على مقياس الشهرة وكثرة الاستعمال لا يستقيم لأن المذهب الكلامي ورد إعجاز الكلام على ما تقدمه، وقد أدرجا في قسم البديع، ليسا أكثر أهمية ورواجا من باب ((التشبيه)) و((الكناية والتعريض)) الذين ألحقا بالمحسنات.

كما أن الاعتماد على متعلــٌق هذه الأساليب، لا يرفع الإشكال، إذ تراه يفصل بين الاستعارة والتشبيه وكلاهما معنوي. والناظر في الكتاب يلاحظ أن المؤلف نفسه لم يكن متشبثا بهذا القسم لأنه لم ينبه على سبب معقول.وقد انعكست هذه الاعتباطية في التقسيم على ترتيب الوجوه داخل كل قسم. فليس لهذا الترتيب تعليل صريح أو ضمني فوجوه البديع هي على التوالي الاستعارة، والتجنيس والمطابقة، ورد إعجاز الكلام على ما تقدمها، والمذهب الكلامي. وإذا كنا بشيء من الاجتهاد نستطيع تفسير المطلع والخاتمـة، باعتبار الاستعارة أهم أنواع المجازات، والمذهب الكلامي أقلها استعمالا، فإننا لا نفهم سبب مجيء التجنيس بعد الاستعارة مباشرة، إلا فكرة الجمع بدون أي تخطيط مسبق، ويدل على ذلك عبارة ابن المعتز نفسها يقول ((من كلام البديع قوله الله تعالى (.......) وإنما الاستعارة (ـــــ) ومن البديع أيضا التجنيس والمطابقة (...) وكذلك الباب الرابع والخامس. فهذه العبارات الرابطة تدل على معنى الزيادة والتشابه في الانتساب إلى الباب لا غير. متعلقة بجملة من خصائص الخطاب، شكله ومعناه، إلا أنها جاءت على غير النظام، منها ما يرتبط بمظهره النحوي، كتداخل الضمائر وأنماط الخطاب، كالالتفات،

أو قطع السير الطبيعي للجملة النحوية، بإقحام سياقات أخرى أجنبيه عن التركيب. لكنها غير أجنبيه عن المعنى، كاعتراض كلام في كلام ومنها ما يتعلق بكيفيات أداء المعنى، وبنائه المنطقي كالكناية، والتعريض، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، وحسن الخروج من معنى إلى معنى....

وبعد التمعن والنظر في أسلوب أو طريقة ابن المعتز في التأليف يجب إلا يخفى علينا ما قد مر به الكتاب من دمج للرسالتين مختلفين جمع بينهما رواة الكتاب على مر العصور.

كما لابد أن نلفت النظر إلا أن علم البلاغة في ذلك الوقت لم يصل إلى حد النضوج حيث غلبت على التأليفات الانطباعية، وعدم دقة المصطلحات أو تقسيماتها بحيث يقدم المهم على الأهم وهذا ما رأيناه في كتاب البديع لابن المعتز، حيث لم يصل علم التأليف البلاغي في العربية إلا في القرن الخامس الهجري وكان ذلك بعد ابن المعتز وكتابه بقرنين، ومن هنا نلتمس العذر لابن المعتز على تقصيره وعدم انضباطية المصطلحات وتقسيمات الكتاب وخاصة في الجانب الخارجي منه.

ولهذا نهج المتأخرىن في التأليف البلاغي على مخالفته في التقسيـم. حتى انتهى بهم الأمر إلى مرادفة بين (البديع) و(المحاسن)

ومن ذلك قول زكي الدين بن أبي الأصبع (654هـ) (1) ((إني رأيت ألقاب محاسن الكلام التي تنعت بالبديع قد انتهت إلى عدد من أصول وفروع، فأصوله ما أشار إليه ابن المعتز في بديعه وقدامة في نقده. لأنهما أول من عني بذلك))

حيث أنه قد رفع عن المتأخرىن الجرح على المتأخرىن فكانوا يلهجون بفضله في السبق إلى التأليف. ولكن يخالفوه في التقسيـم البلاغي

• التبويب الداخلي

ولئن بدا هذا المظهر الأول من التبويب مترجلا. فإن حدود الباب الواحد وتركيبه الداخلي أشد إحكاما، ولاسيما في القسم الأول، حيث يقول على ثلاث أركان رئيسية هي : التعريف وهو الفاصل بين باب وباب، والشواهد الموضحـة هي بصفة ضمنية ما يستحسن منه ،ويأتي في مرحلة ثالثه ((ما يعيب من الشعر والكلام)) (1) على ذلك الوجـه.

وتعريفاتـه تحمل بصمات هذه المرحلة. ولا نعتقد أن ابن المعتز بذل جهداً خاصا في تطوريها. ناهيك أنه أعتمد في الكثير منها على ما وجد عند غيره. فالحدود التي سبق أن اكتملت جاءت عنده مكتملة متطورة مثل التجنيس مثلاً : أمـا المصطلحات التي لم تنضج معالمها، وكانت تنزع إلى التعميم، فإنها بقيت في مؤلفه على حالها، وربما جاءت عنده أقل تطوراً مما كانت عليه. مثل ذلك الاستعارة والتشبيه فهو لم يعرف هذا الوجه الأخير وإن كانت عناصر التعريف موجودة عند غيره.

ثم إن من التعريفات ما لم يتمكن في التعريف فعبر عنه بجملة كاملة كتأكيد المدح بما يشبه الذم، والهزل يراد به الجد، هذا ما يؤكد أن مساهمته الحقيقة لا تتمثل في المادة الواردة، وإنما كيفيـة ممارستها أي أن الفصل من المنهج للمحتوى، بشرط أن نحيط كلمة المنهج بكل الاحترازات والضرورية ونفهمها في سياقها التاريخي العام.

أما تبويب الأمثلة في نطاق المسألة الواحدة، فهو خاضع للمقياس المزدوج عقائدي وزمني. فهو عادة يبدأ بذكر الوجه القرآن، فالأحاديث فكلام الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا أنتقل إلى الشعراء راعى الترتيب التاريخي فيبدأ بالقدماء ثم يصل إلى المحدثين. ويمكن أن نلاحظ، في هذا الجانب الأول المخصص للاستعراض ما يستحسن ،أن ابن المعتز قليل التدخل، ضنين برأيه، كثيراً ما يقتصر في حكمه على مجرد الانطباع والانفعال الذوقي المعلل فتكثر العبارات من نوع : ((وهذا من الأبيات الملاح)) و((من التشبيهات العجيبة)) و((وأحسن التشبيه)) ومن . بالإضافة إلى تجاوزه تعصب النحاة واللغويين على المحدثين، أذ لم يضبط الاستشهاد حدودا زمانية ومكانية ،نراه يكثر من إيراد شعر المحدثين، إلى حد المبالغـة أحيانا، فيطول الشاهد طولا لا مبرر له إلا إعجابه بهم وتقديمـه للجيد من شعرهم، فهو من باب التجنيس، مثلاً يورد خمسة أبيات لمحدث يقع فيها الجناس وفي البيت الثاني. ولا غرابة أن ترجح كفة المحدثين في الاستشهاد في أشعارهم أكثر وهم أشد لعلقا به من غيرهم

أما الجانب الثاني من الباب فحدوده في الجملة واضحة تبدأ بعبارة ((ومن المعيب أو ما عيب)) نستثنى من ذلك باب الاستعارة الذي وردت فيه العبارة مسبوقة باسم إشارة يصعب التأكد مما يشير إليه. فبعد مجموعة من الأبيات آخرها بيت العباس بن الأحنف

ولي جفون جفاها النوم فاتصلت أعجاز دمع بأعناق الدم السرب

يقول ((هذا وأمثاله من الاستعارة مما عيب من الشعر والكلام وإنما نخبر بالقليل ليعرف فيتجنب))

ولسنا ندري هل كان المقصود هذا البيت وحده، أم الأبيات السابقة أيضـاً. وسكوت المؤلف هل عن التعليق على الشواهد يعقد المشكلة، على كل هذه حالة شاذة لا تنقص من قيمة الكتاب والتبويب ووضوحـه أجمالاً.

ويقتصر المؤلف هنا على الاستشهاد بكلام المحدثين وأشعارهم. وهذا سبب في ضمور هذا القسم بالقياس إلى القسم السابق. فالمؤلف قليل التثبت من مدى مطابقة الأمثلة المذكورة للباب. فيبدو أحياناً منساقاً وراء الرواية وسخفها غير عابئ بمقتضيات الحد.فقد نقل الاستعارة روايات عن الجاحظ من باب اللحن (2) لا يُرى لها علاقة بالاستعارة كقول عبد الله بن زياد ((يوماً وما كانت فيه لكنـة افتحوا سيفي يريد سلوه)) فقال يزيد بن مفزع

ويوم فتحت سيفك من بعيد أضعت وكل أمرك للضياع

فالواضح أنه أخطأ في تقدير العلاقات الركنية، نتجت عنه مفارقة في توزيع الجملة. ولا يمكن أن يعد بحال من الأحوال استعارة لغياب القرينة الدالة على المشبه به، أو ترجرجها ،لان متعلقات الفعل فتح كثيرة لا تقوم معها صورة واضحة.

كما أكثر في هذا الباب من الاستعارات غير المفيدة. والكل مجمع على اطراحها. فلا يُرى فائدة من ذكرها كقول عبد الله المذكور آنفا لرجل ((أقعد على است الأرض)) فقال له : ما أعلم للأرض استا))

إلا أن شواهد ابن المعتز لا تقتصر على هذه النماذج الشاذة فقط.فقد أورد عددا من الأبيات غير قليل، لشعراء من القرن الثالث الهجري، بعضهم مشهور وبعضهم أقل شهرة. فقد وجد في شعر أبي تمام مادة غزيرة متفاوتـة القيمة استعمل بعضها في باب المحاسن وبعضها الآخر في إبراز العيوب.

ويدل التركيب الثنائي للباب على أن صاحب الكتاب لا يعلق بهذه الأساليب قيمة جمالية مطلقة، ولا يعتبر الالتجاء إليها عنوان تفوق براعة في كل الأحوال، ناهيك أن من الشعراء من(قرأت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع) . وهذه الموقف له أهميته لأنه يحدد فعالية الأسلوب بجملة من الاعتبارات الأخرى كالسياق ومواتاة المحل. وهو بالتالي كابح يصد الأدباء عن الإسراف في استعمالهم ويصون الأدب عن مغبة السقوط في التكليف، والصنعة العقيمة، إلا أن الغريب في الأمر أنه سكت عن مواطن العيب ولم يعلق على ما ورد من شواهد إلا نادراً، وهي تعليقات مغرقة في الارتسامية من قبيل ((وهذا من غث الكلام وبارده)) (1) في حين كنا ننتظر منه أن يلتزم، على الأقل، في الجانب التطبيقي بالموقف النظري الذي أثبته في مقدمة الكتاب، والقاضي بأن قيمة هذه الأساليب رهينة عدم الإسراف في استعمالها.

وسيكون لهذا المقياس الذي ألقى به الجاحظ في حلبة الصراع بين القدماء والمحدثين، وروجه ابن المعتز ،فتعبة فيه أغلب النقاد المتأخرىن، تأثير عميق في موقف العرب من الصورة، ودور حاسم في تدعيم سمـة السلفية الغالبة على تأريخهم لمراحل الشعر العربي، وتطور وسائله إذ صدتهم قناعة ((الكم)) في الغالب، عن النفاذ إلى داخل القصيدة ودراسة التجديد من زاوية ((نوعية)) تترصد ما قد طرأ على بنية الصورة ذاتها من تحول، لتغير الظروف الحضارية الحافة بالأدب، وما ينتج عنها من تبدل رؤية الشاعر للعالم.

وقد يكون السبب في عدم اعتماده على مقاييس الكمٌ في تجليه العيب صعوبة تطبيقية في نقد لا يزال يقوم على البيت لا القصيدة أو القصائد. نعم إن الأبيات تبدو مثقلة إلى حد المبالغة كقول أبي تمام :

ذهبت بمذهبه السماحة فالتوت فيه الظنون أمذهب أم مذهب

لذلك يُرى أن ذوق الشاعر المترسب عن ثقافة العربية الواسعة وممارسته الشخصية للخلق الفني، هو المقياس الأسمى الذي جعله يقف هذه المواقف.

• مزايا الكتــاب

إن كتاب البديع يعتبر، على صغر حجمـه وقلة ما أضاف إلى مادة العلم، 

منعرجا حاسما في التأليف البلاغي والنقدي ومساهمة فعالة في بلورة حدود العلم وتخليصـه من تبعة العلوم الأخرى.

فهو في حدود ما وصلنا أول تأليف متخصص لجمع الأساليب البلاغيـة وبكيفيـة

لم تسبق، إذا وردت مستقلة عن العلوم الأخرى مقصورة في ذاتها وهذه خطوة هامة في طريق نشأة هذا الاختصاص، وبروزه ضمن شجرة الاختصاصات الغوية الأدبية.

كما أورد د حمدي حماد ((إن الكتاب غيب الغرض الديني واقتصار المؤلف على الغرض الأدبي المحض شارك بقسط وافر في مجيء الكتاب على هذه الهيأة وارتباط بمفهوم البلاغة وخصائص النص وبنيته))

كما بذل مؤلفة مجهودا واضحا لتبويب المادة وترتيبها. ولا تخفى أهمية هذا العمل في العلوم عامـة. وفي البلاغة بوجـه خاص، إذا التبويب هنا غاية ووسيلة، وبينما هو مجرد وسيلة في العلوم الأخرى، لأن علم البلاغة محكوم عليه بألا يتجاوز الوصف إلى القواعد، كالنحو مثلاً، لأنه لايعلم الصحة والخطأ، وإنما يسعى إلى رصد الحسـن والقبح، وهما مقولتان معقدتان حظ الذوق غير قليل.

وأضاف عبد الدين المناصر بقوله ((نلاحظ نقطة إيجابية مهمـة: بحث ابن المعتز في أنواع مختلفة من الكتابة الشعرية ،والنثريـة، حيث ألغى الحدود بين المقدس والعادي.حيث وضع القرآن والشعر في مستوى واحد من التحليل ،ما عدا مرة واحدة عند حديثـة عن المذهب الكلام من زاوية تكلـفه))

والكتاب بالإضافة إلى كل ذلك شهادة ناصعة لتمازج اختصاصين ربما أصبحنا اليوم، لبعد العهد لانرى، بوضوح العلاقـة بينهما. هما النقد من جهة والبلاغة من جهة أخرى. فهذه آلة ضرورية لاتتسنى محاضرة مواصفات النص الأدبي وخصائصـه النوعيـة إلا بالتوسل بها. ثم إن تخصيص كتاب كامل لهذه الوسيلة أمر له دلالتـه التاريخية العميقة : إنه انتباه النقد العربي إلى أن جوهر الأدب وبنيتـه والأساليب التي توظف لتخرج به عن الكلام المشترك العاري. وقد يكون نبههم إلى ذلك حركات التجديد في الشعر التي ملأت القرن الثالث وشغلت النقاد.

ثم أنه لم يكن لابن المعتز يدلي برأيه في الأساليب الشعر التي قيل أنها مستحدثة. فتبناها في ذاتها. إلا أنه بحث لها عن الجذور في التراث القديم، فرشح مفهوم الكـم كمعيار فاصل بين ممارسة القدماء والمحدثين للبديع. وسيكون لهذا المقياس شأن في فترات البلاغة والنقد اللاحقـة.

ومن خلال المتابعـة للآراء ابن المعتز في أبي تمام، تدلنا على الموقف الذي يحاول أن يكون موضوعياً، فلا يغلبـه الهوى، ولا يسيره التعصب الأعمى فيحكم على الشاعر من خلال إساءات معينـة يتبعها، أو إحسان يبهره، فيصم أذنيه عن كل ما يخالفه، إن الناقد الموضوعي لا يحكم على الشاعر من خلال مآخذه أو مساوئه فقط فذلك أمرلايخلو منه شعر شاعر إنما ينظر إلى مجموع أشعاره، فإن كانت الكثرة هي لصالح الشاعر حكم له بالإجادة والتفوق، وهكذا، لهذا نجده يورد أبيات شعرية جميل ويثني عليها في كتابه، ويورد أيضاً أبيات أساء في بعضها ويعلق عليها.

وإضافة للقيمة الكتاب الشعريـة، هناك قيمة حضارية حيث نجد فيه أبرز القضايا النقدية التي شغلت بال النقاد والشعراء المحدثين في ذلك العصر، وفيه وعي ظاهراً يدل ما ظهر في تلك الحقبة الزمنية من اهتمام الشعراء العباسيين من عنايتهم بلغتهم الشعرية، وتأنقهم في اختيار ألفاظهم، وإلباسها حلل البديع من جناس وطباق واستعارة.

وقد وجدنا أن كون ابن المعتز شاعراً له أثره الكبير في كونه ناقداً مهتماً بقضية فنية تبناها هو في أشعاره وأدركها بذوقـه الرفيع في معاصريه، من خلال النظرة الفاحصة وإطلاع الواسع. وبهذا ينفرد بحثه بميزة الذاتية والموضوعية اللتين استقاهما في كونـه شاعراً متبيناً في هذا الاتجاه الفني الحديث، محكماً ذوقـه فيما يكتب ويختار من شواهد، وفيما يصدر من أحكام وتعليقات عليها، عدا بعض الوقفات النقدية التي نبهنا فيها على غلوه ومجاراته لآراء غيره وهي شطحات لا يخلو منها أديب أو ناقد.

إضافة عن ذلك يعد كتاب ابن المعتز من أول الكتب المؤلفة في علم البديع، فهو أول من تناول القضيـة بمنهجية وموضوعية محددة حيث تطرق إلى العنوان والأنواع والتقسيمات مع إيراد بعض الأمثلة من القديم والجديد على ما يقولـه.

ثم أنه من أوائل الكتب المؤلفة في علم البلاغة للعربيـة، حيث كان مرجع الكثير،

ممن عاشوا بعده واستفادوا  من كتابة، وطريقة تأليفه، وتوضيحه للمسائل  البلاغية،  والأسس النقديـة، حيث أظهر الكتاب روح عصره، وما ظهر فيها من قضايا بلاغية، وشعرية، وأدبية شغلت العقل البشري في تلك الحقبة الزمنيـة.

16

• المآخذ على الكتـاب من أبزر المآخذ من ذكره د. عز الدين المناصرة بقوله :

((أعطى ابن المعتز، أهمية أولى للاستعارة بشكل خاص، ثم لفنون البديع الأربعة والأخرى الأساسية، وهذا أمر مهم. لكننـا بعد ذلك حين نقرأ أنواع محاسن الكلام وعددها 12، وصفها اختيارية وبالتالي ثانويـة. ولكننا حين ندقق في مقياسه هذا، أي ثنائية الأساسي والثانوي نجد تناقضاً واضحاً، لأنه أولاً أعتبر بعض الفنون ثانوية، مع أنها أكثر أهمية من بعض الفنون التي اعتبرها أساسية، والعكس صحيح. وهناك بعض الفنون البديعية، يمكن وضعها في نسق واحد بدلاً من تفريعها. وهناك فنون شكلية محدودة الوجود في أنواع الكتابة، لكنها تصلح للاستشهاد بها، واستشهاده بها لا يعطيها أهمية نقول : لو أعطى بن المعتز كل اهتمامه للاستعارة لخرج لنتائج أفضل، أما أن يتم التوازي في النهاية بين الاستعارة باعتبارها امرأ جوهرياً، وبين فنون زخرفية متكلفة، فهذا هو الخلل الأساسي.)) 

هنا يظهر من قول الناقد، تخبط في المنهج عند ابن المعتز، حيث أنه يقدم ويؤخر الفنون البديعية، حيث أنه أهتم في بعضها وعالجه معالجة تامة، إلا أنه نجده في بعض المواضع لا يتهم بها أو لا يعدها من البديع إطلاقـاً.

وذكر د. إحسان عباس على الرغم من أن ابن المعتز أورد أمثله شعرية من هجائي أسرته ومداحي العلوية أمثال السيد الحميري ودعبل. إلا أنه لم يستطع أن يورد أمثله أويترجم للشاعر ابن الرومي لأن هذا الشاعر قد هجا المعتز أبوه.

ويقول إحسان عباس : إن إغفال ابن المعتز لابن الرومي كان تحاشياً من التورط في الخروج عن خطة التفريط الانطباعية، وهو أسلم من إدراجـه في الكتاب.

إضافة على هذا نجده أفرط في الاستشهاد بشعر أبي تمام، حيث أنه أورد معظم أبياتـه في الاستشهاد من شعره وكأن الكتاب موجه لأبي تمام، ومواليه من الشعراء.

ونلاحظ في كتابة غياب مقياس الكم، وقد يكون ذلك لصعوبة التطبيق في نقد لا يزال يقول على البيت لا على القصيدة أو القصائد.

المراجع ووالمصــادر

1- إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عن العرب نقد الشعر من القرن الثاني حتى الثامن، منشورات الجمل، لبنان، الطبعة الرابعة 1999 م

2-ابتسام مرهون الصفار، ناصر حلاوي، محاضرات في تاريخ النقد الأدبي، جهينة للنشر والتوزيع الأردن، 2006 م

3- جابر عصفور، مجموعة أعماله، قراءة التراث النقدي، منشورات دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 2009 م

4- حمادي حمدي، التفكير البلاغي عند العرب أسسه وتطوره للقرن السادس، منشورات الجامعة التونسية، تونس، الطبعة الأولى، 1982م

5-رشيد العبيدي، دراسات في النقد الأدبي، مطبعة المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى 1972م

6-عز الدين المناصرة، علم الشعريات قراءة مونتاجية في أدبية الأدب، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع عمـان الأردن، الطبعة الأولى، 2007 م

1- نجوى محمد حسين صابر، النقد الأدبي القديم حتى نهاية القرن الثالث الهجري، دار المعرفة الجامعيـة شارع سونير مصر، الطبعة الأولى، 2000م

8- نوليد أيكلسن ترجمة صفاء حلوصي منشورات المكتبة الأهلية بغداد الطبقة الثالثة 1991م