الأكاديمية المصرية للفنون


في منتصف القرن الثامن عشر، نبتت فكرة إقامة الأكاديمية المصرية الملكية للفنون في ذهن المصور الشاب راغب عيــاد، وكان مبعوثاً في روما على نفقة زميله الفنان يوسف كامــل، عندما لاحظ اهتمام العديد من الدول الأوروبية بإقامة أكاديميات لأبنائها من شباب الفنانين في رومــا، حيث يجدون مكاناً لإبداعهم ورعاية مواهبهم تحت إشراف فنانين متخصصين. كتب " راغب عـياد " في يوليو 1924 خطاباً إلى أحمد ذو الفقار وزير مصر المفوض في روما آنذاك، شرح فيه تاريخ وحضارة مصر العظيمة، وأشاد بآثارها الخالدة المنتشرة في أنحاء العالم، وحكى له: " يوجد لمعظم الأمم الراقية في روما نوعاً خاصاً من الأكاديميات يضم طلاب الفنون لإتمام دراستهم، وهو عبارة عن بناء فخم يحتوى على مراسم لكل نوع من أنواع الفنون حجرة خاصة، ثم أماكن لسكن المشتغلين بالفن، وتقوم الحكومات بكافة النفقات اللازمة لإرسالياتها، علاوة على ذلك فإنها تمنحهم مبالغ معينة للوازمهم الخاصة، وفى نهاية كل سنة يقام معرض توضع فيه أعمال الفنانين التابعين لكل أكاديمية، ويفتتح هذا المعرض ملك إيطاليا مع وزرائه فيمتعون الأنظار بها ويشجعون الطلبة. وأطلب أن تتوسطوا لدى حكومتنا لكى تجعل لها معهداً على الطراز الموجود لسائر الحكومات في رومــا يضم بين جدرانه الفنانين الذين على أهبة الاستعداد للالتحاق به، ويكونون قد أتموا دراستهم الأولية في مدارس مصر، وبهذه الوساطة يجدون مجالاً للتوسع في تعليم الفنــون ومعرفة وقائعها" لقى هذا التقرير قبول وزير المعارف، وموافقة مجلس الوزراء على إنشاء أكاديمية بروما أسوة بباقى الدول التي لها معاهد فنية مثل : فرنسا وإنجلترا وأمريكا وألمانيا وبلجيكا وأسبانيا ورومانيا والدنمارك وغيرها، تكون مركزاً للنابغين من طلاب الفنون الجميلة الذين يوفدون إليها.

نبذة تاريخية

كان مولد الأكاديمية المصرية الملكية للفنون عام 1929، عندما أختير أول موقع لها على أطراف منطقة حدائق بورجيزى يسمى جناح الساعة، وبقيت في هذا الموقع لمدة عام واحد فقط، نقلت بعده إلى قصر كوللو أوبيو عام 1930، وهو مبنى قديم يقع وسط حدائق واسعة تقع على أطلال سراى الإمبراطور نيرون باسم القبة الذهبية بالقرب من الكولوسيوم. وعين الفنان سحاب رفعت ألمظ مسئولاً عن الأكاديمية، وكان وقتئذ مبعوثاً لدراسة الفنون على نفقة الملك فؤاد الأول. وفى نفس العام، قدمت البعثة الدبلوماسية الإيطالية بالقاهرة مذكرة للحكومة المصرية ذكرت فيها : " أن حكومة صاحب الجلالة ملك إيطاليا مستعدة لمنح مساحة من الأرض في وادى جوليا، حيث توجد مبانى معظم الأكاديميات، وذلك لبناء الأكاديمية المصرية، مقابل مساحة أرض تمنح من حكومة صاحب الجلالة ملك مصــر لإيطاليا لإقامة معهد لدراسة الحفريات في القاهرة." وقد عرفت الأكاديمية بأنها : "مؤسسة حكومية تابعة لوزارة المعارف المصرية الملكية، تقدم للفنانين المصريين المختارين –من خلال مسابقة – الفرصة للإتصال بزملائهم من الجنسيات المختلفة، وليدرسوا في رومــا التاريخ والأعمال الفنية الكلاسيكية الإيطالية وعلى وجه الخصوص عصر البداية ". يمكث الموفدين مدة لا تقل عن عامين ينتجون خلالها أعمالاً فنية تعرض سنوياً في معرض تنظمه الوزارة بالقاهرة. وتتولى الإدارة العامة للفنون الجميلة بالقاهرة وضع البرنامج الأكاديمى الذي يتعين على الموفدين إتباعه بالإضافة إلى مقررات في اللغة والتاريخ، منح دراسية تقدم للرسامين والمثالين والمعماريين ممن أنهوا دراستهم في روما تتمثل في رحلات علمية لمدة شهرين في المدن الإيطالية التي تضم أهم الأعمال في المجال الفنى. جانب كبير من النفقات اللازمة لهؤلاء الفنانين الموفدين إلى رومــا، خصصها الأمير يوسف كمــال كهبــة، وهو الذي أنشأ مدرسة الفنون الجمـيلة بالقاهرة عام 1908 وأنفق عليها حتى عام 1925.

وفى عام 1930 بدأ العام الأول، بإيفاد خمسة من الفنانين الشبان (إثنين من المعماريين، وإثنين من المثالين، ومصــور)، قدم المعماريون مشروعات مختلفة تناولت الفن المعمارى الكلاسيكى للعصر المتقدم، والذي تغتنى به رومــا، كما تابعوا أعمــال الترميمات لبعض الآثار الرومانية والرسومات المائية والمناظر الطبيعية، أما المثالون والمصور فقد تابعوا نماذج من الفن الكلاسيكى القديم، ودرسوا حقائق التكوين والنماذج المختلفة من أجمل معالم الحضارة والتقدم في الفن الإيطالى، واضعين دائماً وجهات نظرهم وإحساسهم الفنى. وفى الأعوام التالية، قدم شباب آخرين وإزدادت أعدادهم وكونوا الرعيل الأول للفنون.

إستغرقت المراسلات بين الحكومتين المصرية والإيطالية مدة خمس سنوات، وظل هذا المبنى مقراً للأكاديمية حتى أوائل الستينات، عندما انتقلت إلى مقرها الجديد بوادى جوليا.

وفى عام 1947 صدر القرار الوزارى بتعيين أول مدير رسمى للأكاديمية الملكية المصرية للفنون، وهو الفنان الرائد محمد ناجى وكان مديراً لمتحف الفن الحديث، وبعد ثلاث سنوات تم تعيين المثال عبد القادر رزق من عام 1950 حتى عام 1955، الذي بذل مساع كبيرة لإحياء الاتفاقية الخاصة بتبادل قطعتى الأرض بين مصــر وإيطـاليا، بعد أن قامت مصر بإلغائها عام 1937، عقب حرب إيطاليا مع الحبشة، وظلت ملغــاه حتى عام 1950، ووافق الدكتور طــه حســين عميد الأدب العربى ووزير المعارف وقتئذ، على إعادة الاتفاقية وإعتمد مبلغ عشرون ألف جنيه للبدء في بناء الأكاديمية، وقد تولى أيضاً إدارة الأكاديمية في هذه الفترة، الفنان محمد حســن لمدة ثلاث شهور في عام 1952، ثم عين السيد صلاح يوسف كامل المدرس بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 1956، مديراً للأكاديمية بالإضافة إلى أعماله كمستشار ثقافى لمصــر في إيطاليا، والمشرف على تنسيق المعارض في أوروبا.

ولما جاءت ثورة يوليو 1952، رأت إسرافاً في جميع مرافق الإدارات الحكومية، فأوقفت الاعتمادات وتأجل المشروع مرة أخرى، وفى عام 1957 بدأ السيد " صلاح يوسف كامل " مسعاه لتنفيذ الاتفاقية السابقة، وفى عام 1958 نجح بمعاونة السيد ثروت عكــاشة سفير مصر في إيطاليا آنذاك، في تقديم المشروع وعرضت الحكومة المصرية على الحكومة الإيطالية قطع أرض مختلفة للاختيار منها.

وفى بداية عام 1959، تم توقيع أول إتفــاق رسمى للعلاقات الثقافية مع إيطــاليا، وبدا وضع الرسوم المعمارية في عام 1960، وشرعت مصــر في بناء الأكاديمية عام 1961، حيث وضع حجر الأساس للمبنى الذي تم الانتهاء من بناءه آخر عام 1965. وبدأت الأنشطة الفنية والثقافية بالأكاديمية من يناير عام 1966، بموقعها الجديد بشارع " أومــيرو " بوادى جوليا بحدائق بورجيزى، ومن أهم ما تم تحقيقه في هذا الوقت هو تخصيص ميــدان صغـير بالقرب من الأكاديمية يحمل إسـم أميــر الشعراء أحمــد شــوقى ويطل على هذا الميدان تمثال الشاعر المصري الذي نفذه المثال الشهير جمال السجينى.

استمر صلاح يوسف كامل مديراً للأكاديمية حتى عام 1979، عندما تولى إدارة الأكاديمية السيد صلاح غنيم عبدون الذي كان مديراً لدار الأوبرا المصرية، وفى عام 1983 تولى إدارة الأكاديمية الفنان فـاروق حســنى الذي عين وزيراً للثقافة عام 1987، ليتولى بعده الإدارة عام 1988 الفنان مصطفى عبد المعطى الذي كان يشغل منصب مدير المركز القومى للفنون، وفى عام 1995 عين الدكتور مجدى قناوى أستاذ الفنون الجميلة بالأسكندرية مديراً للأكاديمية، وتلاه في عام 2000 الدكتور " فاروق وهبة " أستاذ الفنون الجميلة بالأسكندرية، ثم تولى إدارة الأكاديمية عام 2002 الأستاذ " سميرغريب " الذي كان مديراً لدار الكتب المصرية حتى عام 2004، ومن عام 2008 تولى إدارة الأكاديمية الدكتور أشــرف رضــا أستاذ العمارة الداخلية بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة.

أهداف الأكاديمية

تهدف الأكاديمية المصرية للفنون بروما إلى نشر وتعريف الفنون والثقافة المصرية والعربية في إيطاليا، ومزج الإبداع المصري بالفنــون الإيطالية بشكل متواصل، وذلك من خـلال تنظيم خطة للنشـاط الثقـافى والفـنى كل عام، وتقديم هذه الأنشطة إلى الجمهور الايطالى، كإقامة معارض الفنون التشــكيلية المصـرية المعاصـرة : كالتصــوير والنحـت والجـرافيك والخزف والتصوير الفوتوغرافى وفنون العمارة، وكذا معارض للحرف التقليدية المصرية كصناعة السجاد والكليم والحلى والأزياء... وغيرها، وتقديم العروض الموسيقية سواء للموسيقى الكلاسيكية أو العـربية من دار الأوبرا المصرية وكونسرفتوار القاهرة، وعروض للفنون الشعبية من الفولكلور المصري، وعـروض خاصــة لأفــلام السـينما المصرية والمشاركة في المهرجانات السينمائية الدولية بحضور المخرجين المصريين، والعروض المسرحية المعاصرة، وتقديم محاضرات عن علوم الآثار المصرية، وكذلك محاضرات للتاريخ والأدب المصـرى والعـربى باللغتين العـربية والإيطـالية.

بالإضافة إلى ماتقوم به الأكاديمية من تقديم هذه الأنشطة الفنية والثقافية المصرية بفروعها المختلفة للجمهور الإيطالى والأوروبى والعربى الموجود في إيطاليا، تقوم أيضاً بالمشاركة في المهرجانات الفنية المتنوعة والمؤتمرات الثقافية والندوات والعروض الفنية في المدن الإيطالية المختلفة، وكذلك تقوم بتنفيذ قـانون جـائزة الدولـة للإبـداع الفـنى الذي صدر أولاً عام 1975 من أجل تشجيع النابهين في مجال الفــنون الجمــيلة، إلا أنه لم يستفد منه إلا عدد ضئيل من الفنانين المصريين في مجالات محدودة، فتم تعديله بالقانون الصادر رقم 49 لعام 1984، ليتغير الهدف منه ويصبح شامــلاً للفنــون الجمــيلة بالإضافة إلى فنـون الموسـيقى والمســرح والســينما، وينص على إيفاد عدد من شباب الفنانين المصريين الواعد سنوياً في مجالات الفنون المختلفة، وذلك للدراســة والإحتكــاك بنظرائهم الإيطاليين، واكتساب الخبرات الممكنة لتطوير الإبداع الفنى والحـياة الثقافيـة في مصـر، وتستقبل الأكاديمية عشــرة فنانين شبان كل عــام، يقومون بتنفيذ مشروعاتهم الفنية وتقديمها في نهـاية المدة، لتحكيمها من خلال اللجنة القائمة على الإشــراف على الجائزة، واختيار من يحصل منهم على هذه الجــائزة.

كمـا تلعب الأكاديمية المصريـة للفنـون بروما دوراً رئيسـياً في إنتظــام مشاركـة مصــر في بينــالى فينيــسيا حيث تقـوم كل عام بالإشــتراك في تنســيق الجنــاح وتنظــيم المعروضـات ومتابعة المكاتبـات الخاصة باشتراك مصــر في هذا المعرض الهام.

و بينــالى فينيــسيا هو المعرض العالمى للفنــون " بينالى البندقية " أشهـر وأعرق المعـارض الدورية في العالم، بدأ في إقامته منذ عــام 1895، وكان يقام كل عامين، وأصبح يقام الآن كل عــام بتخصصين مختلفين بالتناوب، عاماً للفنون الجميلة ثم عاماً للعمــارة، وهكذا...، وتشغل مبانى هذا المعـرض جزءاً كبيــراً من حـدائق جزيــرة " كاســتيللو " إحدى جزر مدينة فينيســيا العائمـة، حيث تمتلك كل دولـة مبنًا خاصاً أو جناحـاً لعرض فنونها، وتمتلك مصــر جناحـاً خاصـاً قامت بشرائه من دولة سويســرا عام 1952، بالرغم من أنها تشــارك بإنتظــام في البينــالى منذ الثلاثينات، والجدير بالذكر أن مصــر هي الدولة العربيــة الوحيدة التي تمتلك جناحاً خاصاً بالبينالى.

الوضع الحالى

من أجل تحقيق أهداف الأكاديمية على الوجه الأكمل، وبهدف تعظيم فائدة وجود هذه المؤسسة المصرية الفنــية العريقة بقلب أوروبا، تقوم وزارة الثقـافة المصرية الآن بتنفيذ مشـروع تجـديد وتحديث مبانى الأكـاديمية برومـا، والذي ينقل الأكاديمية نقــلة معمـارية ووظـيفية كبيرة، تليق بسمعة مصر الحضارية العريقة، ويتضمن المشروع الجديد إنشــاء أول متحـف للآثار المصرية في مدينة رومـا، ومن المتوقع إعادة افتتاح الأكاديمية المصرية للفنون بروما بعد الانتهاء من هذا المشروع الكبير في منتصف عام 2009 بمشيئة الله.

المصادر :

  • الموقع الرسمي للأكاديمية المصرية للفنون بروما
  • موقع وزارة الثقافة المصرية
  • سحاب رفعت ألمظ " إقامة الأكاديمية الملكية المصرية في روما " ـ معهد الدراسات الرومانية ـ 1938.
  • الأداء الوظيفى والعمارة الداخلية، دراسة إعادة توظيف الحيز الداخلى للأكاديمية المصرية للفنون بروما، (بحث منشور) مؤتمر مئوية الفنون الجميلة، د. محمد أشـرف أحمد رضـا، 2008.