أسرة نواة

(بالتحويل من الأسرة النووية)

الأسرة النواة أو الأسرة الأولية (بالإنجليزية: Nuclear family) يشير المصطلح إلى وحدة تتكون من زوجين وأطفالهما الذين يعولونهم. وهذا يتناقض مع مصطلح الأسرة متعددة الزوجات، وأسر الـأمومة دون زواج، ويتناقض أيضًا مع مصطلح الأسرة الممتدة الأكثر شمولاً. تتركز الأسرة النواة عادة في زوجين، ولكن الأمر ليس هكذا دائمًا; فهذه الأسر النواة قد يكون بها أي عدد من الأطفال. وهناك بعض الاختلافات في التعريفات بين المراقبين؛ فبعض التعريفات تشترط أن يكون هؤلاء الأطفال منتمين إلى آبائهم بيولوجيًا، بينما تسمح بعض التعريفات الأخرى بضم الآباء القائمين بالتربية وأي مجموعة من الأطفال بما في ذلك الأطفال من زيجات أخرى أو الأطفال بالتبني.

كانت الأسر المكونة من زوجين وأطفالهما موجودة في غرب أوروبا ونيوإنجلاند في القرن السابع عشر، وذلك بتأثير من الكنيسة والحكومات الدينية. ومع بدايات بدايات الثورة الصناعية والرأسمالية في أوروبا، أصبحت الأسرة النواة هي الوحدة الاجتماعية المثلى والقابلة للتكيف مع المتغيرات المالية في ذلك العصر. ظهر مصطلح الأسرة النواة للمرة الأولى في أوائل القرن العشرين. وقد ظهرت تعريفات أخرى لتشمل الأسر التي يترأسها أبوان من الجنس نفسه، وربما شمل ذلك أيضًا الأقارب البالغين الآخرين ممن يضطلعون بأدوار أبوية من واقع التعايش مع الأبناء; وفي هذه الحالة الأخيرة يُطلق عليها عائلة أسرية.

وقد تعزز المفهوم القائل بأن الأسرة النواة المحددة هي سر الاستقرار الاجتماعي في العصر الحديث وذلك بفضل المنادين بمبدأ المحافظة الاجتماعية الحديثة في الولايات المتحدة، ولكنه تعرض لتحديات لكونه غير كاف على الصعيدين التاريخي والاجتماعي لتفسير منظومة العلاقات المعقدة للغاية في هذه الأسر.

استخدام المصطلح

يرجع قاموس ميريام-ويبستر (Merriam-Webster) المصطلح إلى عام 1947. بينما يتضمن قاموس أوكسفورد الإنجليزي مرجعًا يدل على أن المصطلح يعود إلى عام 1925، ومن ثم فهو يعد جديدًا نسبيًا وذلك على الرغم من أن الأسر النواة على أرض الواقع يرجع تاريخها إلى آلاف السنوات. ويُستخدم المصطلح النواة بمعناه العام للدلالة على كيان مركزي أو "نواة" يتجمع حولها العديد من الأفراد.

وفي استخدامه الأكثر شيوعًا، يشير مصطلح الأسرة النواة إلى الأسرة المكونة من أب, وأم وأطفالهما ويجمعهم منزل واحد. ويصف جورج ميردوك (George Murdock) أحد العلماء الرواد في شئون العائلات المصطلح على النحو التالي:

The family is a social group characterized by common residence, economic cooperation and reproduction. It contains adults of both sexes, at least two of whom maintain a socially approved sexual relationship, and one or more children, own or adopted, of the sexually cohabiting adults.[١]

ينتمي العديد من الأفراد إلى أسرتين نواتين في حياتهم: الأسرة الأصلية التي ينتمون إليها، والعائلة التي ولدوا بها ويوجد بها آباؤهم.

التفسيرات

ركزت التفسيرات المبكرة للأسرة على الدافع البيولوجى لتكوين الأسرة النووية. ودعمت الدراسات الأنثروبولوجية النظرة إلى الأسرة النووية كظاهرة "طبيعية" وأكد جورج ميردوك أنها تمثل "جماعة إنسانية عالمية" (انظر كتابه: البناء الاجتماعى الصادر عام ١٩٤٩) وعزا ميردوك هذا إلى فائدة الأسرة النووية فى أداء المهام الضرورية لبقاء الأنواع والاستمرارية الاجتماعية: خاصة تنظيم العلاقات الجنسية، والتكاثر، وتنشئة الأطفال اجتماعيا، والتعاون الاقتصادى بين الجنسين. ولكن علماء الاجتماع يؤكدون أن الدوافع البيولوجية ليست كافية لفهم أشكال الأسرة، ويصرون على أنه من الضرورى أيضا أن نتعرف على الطريقة التى تنشكل بها الأسرة النووية من خلال العمليات الإيديولوجية والسياسية والاقتصادية.

ومايزال التفسير الوظيفى البنائى للأسرة (انظر كتاب تالكوت بارسونز وروبرت بيلز، الأسرة، والتنشئة الاجتماعية وعملية التفاعل، الصادر عام ١٩٥٥)، ما يزال هاماً، وذلك لأن كل ما جاء بعده من مساهمات فى علم الاجتماع العائلى كانت رد فعل معارض للوظيفية. ومع ذلك، فإن الرأى القائل بأن الأسرة النووية المنعزلة تطورت كاستجابة لحاجات الاقتصاد الصناعى الناضح أصبح مرفوضا الآن على وجه العموم، وذلك بسبب توفر شواهد تثبت التنوع على مدار التاريخ وعبر الثقافات. لقد ذهب بارسونز إلى القول بان الأسرة النووية تتوافق وحاجات المجتمع الصناعى لاعتبارين، الأول أنه يسمح للأسرة بحرية الحركة، و التنقل وبالاستقلال الاقتصادى عن الجماعة القرابية الأوسع. أما الاعتبار الثانى فهو أنه يهيى فرصة ظهور علاقات عاطفية مستقرة -وإن تكن محدودة- لدى الكبار والصغار فى عالم يؤكد على الفردية واللاشخصية. كما يذهب وليام جود (انظر كتابه بعنوان: الأسرة، الصادر عام ١٩٦٤) إلى أن الأسرة النووية تخدم المجتمع الصناعى فى أنها تزوده بما يطلق عليه كريستوفر لاش: "بر الأمان فىعالم بلا قلب"، الصادر عام ١٩٧٧. ومع ذلك فقد حذر وليام جود من أن أشكال الأسرة ووظائفها تتغير كنتيجة للرغبات والمبادرات الفردية.

ولقد أثارت فكرة الأسرة كبر أمان التساؤل عن الأمان لمن؟ فالنظر إلى الأسرة ككيان موحد، يتجاهل الظروف الواقعية للقوة داخلها. فلكل من الزوجة والزوج و الوالدين والأطفال مصالحه الخاصة، ولكل منهم قوته التى تختلف عن قوة الآخرين. وقد ذهب مايكل يونج وبيتر ويلموت فى كتابهما بعنوان الأسرة المتماثلة الصادر عام ١٩٧٣. إلى أن الأسرة النووية تتحول إلى أسرة أكثر مساواة وأكثر مرونة فى تقسيم الأدوار النوعية. غير أن هذا المنحى المتفائل قد قوبل بالرفض من قبل غالبية أنصار المذهب النسوى، الذين يذهبون إلى أن الأسرة إنما هى مؤسسة قمعية، خاصة بالنسبة للنساء. والواضح على أية حال أنه مع ارتفاع معدلات الطلاق، وارتفاع معدلات الأعمار، فإن الأسرة النووية لم تعد هى المعيار سواء فى بريطانيا أو أمريكا. فأى شخص بالغ يمر فى العادة بالأسرة النووية مرتين: مرة كطفل فى الأسرة التى نشأ فيها، ومرة أخرى بعد فترة من الاستقلال كأب فى أسرته الزواجية (انظر: هاريس، الأسرة فى المجتمع الصناعى، الصادر عام ١٩٨٣). وهكذا فإن الأسرة النووية أصبحت أشد ارتباطا بمراحل معينة فقط من دورة العمر، وهى أقل استمرارية عن الماضى. وربما يكون بناء الأدوار داخل الأسر النووبة القائمة الآن مختلفا، حيث تنخرط معظم النساء المتزوجات والأمهات فى الأعمال المأجورة. ورغم كل هذا تظل الأسرة النووية هى المؤسسة الاجتماعية الفائقة المرونة القادرة على التصدى للتقلبات الاجتماعية بصورها المختلفة والتكيف مع التغيرات الاجتماعية.

مقارنة مع الأسرة الممتدة

طالع أيضاً: الأسرة الممتدة

تتكون الأسرة الممتدة من أعضاء أسرة غير نواة (أو غير مباشرة) إضافة إلى أعضاء أسرة نواة (أو مباشرة).

التغييرات التي تطرأ على تكوين الأسرة

شاع استخدام مفهوم الأسرة النواة في الغرب في أوائل القرن العشرين، مقارنة بالمفهوم التقليدي للأسرة الممتدة التي يعيش أفرادها مع بعضهم، والذي شاع جزئيًا بسبب الأجور المتزايدة التي تتلقاها الطبقة العاملة. وقد أدى هذا إلى تشجيع المزيد والمزيد من الأسر على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية، ومن ثم امتلاك مسكن منفصل.

وتوضح المعلومات الواردة من مكتب تعداد الولايات المتحدة أن 70% من أطفال الولايات المتحدة يقيمون وسط عائلات تقليدية يترأسها أبوان، حيث تقيم 66% من هذه النسبة مع أبوين متزوجين، ويعيش 60% من هؤلاء الأطفال مع آبائهم البيولوجيين، وأن "هذه الأرقام تشير إلى أن التحولات الهائلة التي طرأت على تركيبة العائلات منذ أواخر العقد السابع من القرن العشرين قد هدأت منذ عام 1990."

وإذا ما نظرنا إلى أسر الأمومة دون زواج أو الأزواج المنفصلين بمعزل عن الأزواج الذين لم ينجبوا، سنجد أنها تشكل أقلية في الإطار العام للأسر النواة التقليدية في الولايات المتحدة، علاوة على ارتفاع نسب الأشكال العائلية الأخرى. وبحلول عام 2000، كانت الأسر النواة التي تتميز بآباء أصليين من الناحية البيولوجية تمثل نسبة 24.1% من كافة الأسر الأمريكية، مقارنة بنسبة بلغت 40.3% في عام 1970. لذلك، سيقضي ثلثا الأطفال تقريبًا في الولايات المتحدة جزءًا من حياتهم في منزل به والد أو والدة غير متزوجة.

وفي المملكة المتحدة، تراجعت نسبة الأسر النواة من 39% من كافة الأسر البريطانية في عام 1869 إلى 28% في عام 1992. وقد اقترن هذا التراجع بزيادة مماثلة في عدد الأسر التي تضم أبًا أو أمًا غير متزوجين علاوة على عدد البالغين الذين يقيمون وحدهم.

وطبقًا لآراء بعض علماء الاجتماع؛ "لم تعد [الأسرة النواة] تبدو أنها الإطار الذي يكفي لاحتواء التنوع الهائل في القوالب العائلية التي نراها في هذا العصر." (إدواردز (Edwards) عام 1991 وستاسي (Stacey) عام 1996. لذلك، ظهر مصطلح جديد وهو أسرة عصر ما بعد الحداثة والذي يشير مدلوله إلى التنوع الهائل الذي طرأ على القوالب العائلية، بما في ذلك أسر الأمومة دون زواج والأزواج بلا أطفال."

وطبقًا لكلمات البروفيسور وولفجانج هاك (Wolfgang Haak) الأستاذ في جامعة أديلايد, فإن الأسرة النواة هي انعكاس طبيعي للسلالة البشرية. وقد كشفت إحدى الحفريات الأثرية التي اكتشفت في إيلاو بألمانيا، والتي قام هاك بتحليلها بنفسه، كشفت عن أدلة جينية تثبت أن الثلاثة عشر شخصًا المدفونين في القبر نفسه أقارب من الدرجة الأولى. يقول هاك معلقًا على ذلك، "من خلال تحديد الروابط الجينية بين اثنين من البالغين وطفلين مدفونين معًا في القبر نفسه، اكتشفنا وجود مفهوم الأسرة النواة في فترات ما قبل التاريخ في أوروبا الوسطى." على الرغم من ذلك، يشير هذا الدليل ضمنًا إلى أنه حتى الأسرة النواة نفسها كانت تعيش تحت مظلة العائلة الممتدة. وقد وجدت بقايا ثلاثة أطفال (ربما كانوا أشقاء بناءً على تحليلات الحمض النووي) مدفونة مع امرأة ليست أمهم، ولكنها قد تكون "عمة أو زوجة أب."

النظرة المحافظة في الولايات المتحدة

طالع أيضاً: Familialism

في الولايات المتحدة، يبدو أن الفكرة القائلة بأن "الأسرة النواة هي الشكل التقليدي" تعد من أهم محاور مبدأ المحافظين.

انظر أيضًا