الآفلون: نشوة شعرية و أنفاس دافئة


بيروت (رويترز) - في مجموعة قصائد (الافلون) لموسى رحوم عباس جو من المتعة وشيء من تلك النشوة التي يخلقها فينا الشعر على الرغم من حضور دائم لشاعرين عربيين كبيرين ومن بعض الخلل والصعوبة في الايقاع أحيانا.

فور البدء بقراءة القصائد بتدرج اي من البدايات يشعر القارئ بحضور روح شعرية واضحة للشاعر الراحل نزار قباني ولا يلبث طويلا حتى تطل روح شعرية أخرى للشاعر الراحل محمود درويش. ودون أن يطول الوقت يأتيك ما يؤكد هذا الشعور في صورة بل صورتين للشاعرين العربيين الكبيرين وقصائد مهداة إلى كل منهما. وعلى رغم هذا الحضور فالشاعر الدكتور موسى رحوم عباس حاضر شخصيا في قصائده التي يقدم عدد منها متعة أكيدة ويبدو لنا انها تخرج من تجربته الخاصة لا من تجارب مستعارة.

وقد يبدو أيضا للقارئ ان الشاعر ينطلق غالبا من افكار يكتبها شعرا لكن هذه الافكار لا تأتي عنده مجردة من غلافها الشعري ولا من نفسها الشعري. انه قادر على ان يضخّ في هذه الافكار مشاعر وانفاسا دافئة. الا انه من خلال التنويع في ايقاعاته قد يشعر قارئه بانه تعثر أو كاد هنا أو هناك لكنه لا يسقط بل يتخلص من التعثر بسرعة لينطلق بخطى ذات سرعة مماثلة أو مختلفة قليلا. جدير به ان يتجنب المنزلقات الايقاعية وان كان أحيانا يتنقل ايقاعيا بقرار منه.

جاءت المجموعة في 110 صفحات متوسطة القطع في غلاف صقيل وإخراج مميز ورسوم على الغلاف وأخرى داخلية والرسوم للفنان حسن حمام. وقد صدرت المجموعة عن (بيسان للنشر والتوزيع والاعلام) في بيروت. والشاعر موسى رحوم عباس دكتور في علم النفس الاكلينيكي وله ابحاث مكتوبة في الوسواس القهري وماهيته وأسبابه وعلاجه. وهو سوري الجنسية يعيش في المملكة العربية السعودية.

نواجه "مفتاحا فكريا" لنتاج المجموعة قبل البدء بقراءة القصيدة الأولى فنقرأ اية قرانية من سورة الانعام هي "فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الافِلِينَ." ولا نلبث ان نصل إلى مفتاح اخر هو الاهداء إذ يقول "إلى وطني.. اول الكلام واخر النفس." القصيدة الأولى تعتمد رمزا معروفا في العالم هو شهرزاد الف ليلة وليلة. والشاعر يستعمله ليقول للغرب من خلال الرئيس الأمريكي باراك اوباما اننا لم نعد عربا كالذين عرفهم من خلال بعض قراءات الماضي أو دعايات الحاضر المغرضة. تبدأ القصيدة على الصورة التالية..

"إلى صديقي اوباما (يا سيدي)لست علاء الدين صدّقني (وليس لي مصباحه العجيب) انظر اليّ جيدا (لا البس العمامة الخضراء)وليس عندي ليلة واحدة من (الف ليلة وليلة)وكنت عاشقا للفن والحياة/ انظر اليّ جيدا (لي مثل عينيك ولي اطفال)يمارسون الرسم والرياضة/ ويزرعون الورد في الحقول. "لا اعتلي بساطه السحري (وليس لي عبد يقول..)لبيك سيدي../ يا سيدي (في شرقنا كانت لنا عجائب)وحدثتكم شهرزاد عن مجوننا وموتنا وحبنا النساء/ لكنه قد طلع الصباح.. (وان ان تسكت شهرزاد عن كلامها المباح " ويتابع مغيرا مباشرة في الايقاع فيقول "فلماذا تخطفون النور من عيوننا..)وتحرقون الارض تحت اقدام (الصغار الذاهبين للمدارس) وطائراتكم تئز في سمائنا (لتسرق النوم من العيون..." في قصيدة "تأريخ" نشهد شيئا من التغيير الايقاعي الذي لا يبدو سويا تماما لكنه يبقي هامشيا. يقول الشاعر "عندما كنت صغيرا) قبل قرن او يزيد/ لست ادري (فسنوّ العمر لا تعرف تأريخا) بدايته الميلاد والهجرة... أو مطلع شمس او زوال (فبلادي تبدأ التاريخ من اول نكسة."

ويختم بالقول "وعلاني ما علاني من سناء غير اني) قد عرفت ان للشمس طقوسا (ولها شكل الرغيف) يومها قد خرج التاريخ من جبّته (حاملا ألف وسام منحت)للقادة الابطال في عالمنا المسحوق حتى العظم (فبلادي تبدأ التاريخ من اول نكسة " في قصيدة "هارون الرشيد لاجئا" يصور ماسي العراق من خلال تصوير خيالي للخليفة هارون الرشيد وقد انتقل إلى "الرقّة" في سوريا والتي كانت العاصمة الصيفية للخلافة العباسية. والان مئات الالوف من اللاجئين العراقيين لجأوا إلى سوريا. فكأنه يقول شتان ما بين الانتقالين. نقرأ مع الشاعر "الباب يدقّ صباحا) على غير عادته عاد الرشيد للرقّة/ هذا الصباح/ فما زال للصيف شهر واكثر.../بلا موكب جاء تحرسه الصافنات الجياد (يخبّ وحيدا فوق شوك الطريق)فبغداد صارت خرابا (استعصى على الغربان ستر سوءاتها..."

ويعيد إلى الذاكرة ما يوصف بانه بداية عصر الانحطاط وما يروى عن تدمير المغول للحضارة العربية في بغداد واحراق مئات الالوف من كتب مكتباتها العظيمة حتى تغير لون الماء في نهريها الشهيرين. يقول "ودجلة قد ازرقّ ماؤه مرة ثانية) وعاد اليه التتار/ هذا الصباح (وجاسوا خلال الديار)لتجري دماء النخيل من اول الكرخ (إلى اخر جسر الرصافة..."

قصيدة "أشياء صغيرة" تذكرنا بالمثل الإنجليزي الذي يقول " الاشياء الصغيرة تعني الكثير" وربما بعنوان قصيدة لنزار قباني وبالعنوان فقط وهو "شؤون صغيرة." في القصيدة ينساب جو شعري ودفء وايحاء. يقول "يخيفني المساء دائما..يخيفني المساء)مع اقتراب خيله (تغرورق العينان بالدموع)وترحل الساعات في اجنحة الدوار (تختلط الاشياء في ذاكرتي)وتمّحي الوجوه والخطوط والالوان/ ويدخل التاريخ في عباءة الفناء (لكل هذا دائما يخيفني المساء " من جورج جحا

هذا المحتوى من رويترز

]]

المصادر

هذا المحتوى من [رويترز]

[[تصنيف: