إميل ميرسون

عالم بمناهج البحث وتاريخ العلوم وفلسفتها.

ولد في سنة ١٨٥٩ في لوبلين Lublin في بولنده وكانت آنذاك روسية ، ومن أسرة يهودية . وتوفي في باريس سنة ٠١٩٣٣

تعلم في هيدلبرج علم الكيمياء ، وتتلمذ على الكيميائى والفزياثى الشهير بونزن Bunsen (١٨١-١٨٩٩ ) الذي كان استاذاً في جامعة هيدلبرج منذ سنة ٠١٨٥٢

ثم ارتحل مايرسون إلى فرنسا في سنة ١٨٨١ ، وتوزع نشاطه بين العلوم ، والأدب ، والقانون ، والإعلام . وعني بتاريخ الكيمياء ، وانتقل عنه إلى فلسفة العلوم ، وكانت ثمرة عمله المتواصل في فلسفة العلوم الكتاب الذي أصدره في سنة ١٩٠٨ بعنوان : « الهوية والواقع». -ثم أصدر في سنة ١٩٢١ كتاباً آخر في تاريخ الفكر العلمي بعنوان : « التفسير في العلوم I) . وفي سنة ١٩٢٤ أصدر كتابه : « الاستنباط النسبي » وفي سنة ١٩٣١ كتابه : « في سير الفكر».

والنقطة الرئيسية في فكر مايرسون هي : أن يفهم هو أن يقرر الهوية ، وينشد نفس الشيء ؛ وأن يضع جوهراً تحت أعراض أو خواص وصفات ؛ وأن يبرهن على وجود علل خلف المعلولات المتحركة المتغيرة .

وشرح ذلك أن الوجود متنوع جوهرياً : في المكان ، مثل نباتات ستان ، وفي الزمان مثل اختلاف النار عن الرماد الذي يتلوها ، ومثل اختلاف الشباب عن الشيخوخة ، والفجر عن الليل. لكن العقل، في مواجهة هذا التنوع المختلف ، لا يكف عن نشدان الهوية ، وذلك منذ بداية تفكيره : فالقضية الحملية تعبير عن هوية بين المحمول والموضوع بإدراج الموضوع تحت المحمول ( الانسان تحت الحيوان ). والعقل حين يبرهن إنما يقرر هوية، لأن البرهنة في جوهرها استنباط ، والاستنباط هو استخلاص نتيجة من مقدمات كانت تتضمن هذه انتيجة . والعقل يسعى إلى الهوية ايضاً حين يفر المعلولات بالعلل التي أنتجتها .

ولايستطيع العقل أن يدرك من لواقع إلآما يمكن رده إلى الهوية . ولكن العالم هو العالم بما فيه من تنوع واختلاف بقدر مافيه من هوية تنشد الوحدة والاثتلاف ولهذا فإن العفل سيظل أسيراً لهذه المحرجة الواقعة بحن، لاختلاف والهوية : فإما أن يتخيل نفسه قادرا على تفسير كل شيء بواسطة الهوية ، أي أن يشتق كل المتنوع من الهوية ، في هذه

مايرسون

ح٤٣

الحالة يجري وراء سراب وهو ربما لا يدري بذلك ، لأنه إذا كان الوجود في جوهره متنوعاً ، فإن الهوية الحقة لن تكون إلآ العدم ؛ وسيكون على العقل حينئذ أن يستنبط الوجود من العدم، وإماأن يتقبل ان الجزء الأكثر تشويقاً من الواقع يقاومه دائماً كلما توغل في معرفته ، اي أن امتداد ما هو في حال هوية يكشف عن المزيد من عدم إمكان رد المتنوع إلى الوحدة ، وحينئذ سيلزم عن تقدم المعرفة ازدياد الشعور بوجود اللامعقول .

وفيما يتصل بنقد العلم ، استطاع مايرسون أن يتابع الطريق الذي سلكه نقاد العلم في فرنسا ، مثل بوانكاريه وبوترو ودوهم ولوروا؛ وقد ساعده على ذلك معرفته الدقيقة بالعلوم ، خصوصا الكيمياء واستنادا إلى ثلاثة كيماوبين بارزين هم برتوليه Berthollet ودافي 2٧وليبج Liebig مايرسون أن التجريبية - بالمعنى الذي قصده فرانس بيكون Bacon - غير مقبولة ، وأن « البحث العلمي تسوده دائماً أفكار سابقة وفروض . إن الفروض - بعكس ما اعتقده بيكون - لاغنى عنها لإرشادنا في السير»(« الهوية والواقع» ص ج من الاستهلال ، باريس ، ١٩٠٨). ويستشهد بقول برتوليه « إنه لاجراء تجربة ينبغي أن يكون أمامنا هدف وأن نسترشد بفرض»، وبقول همفري دافي إنه « لا امل لنا في اكتشاف النظام الصحيح للطبيعة إلا بتكوين النظريات ومقارنتها بالوقائع . وليبج — Liebig بعد أن صرح بأن بين التجارب بالمعنى الذي يقصده بيكون، وبين الأبحاث العلمية الحقيقية توجد نفس النسبة القائمة بين الضجة التي يحدثها طفل وهويضرب على الصنج وبين الموسيقى - يوضح أن الخيال العلمى هوالذي يلعب في الاكتشاف أكبردور ، وأن التجربة، مثلها مثل الحساب، لا تفيد إلآ في مساعدة عملية التفكير.

ويبين مايرسون أن النظريات العلمية وقوانين الطبيعة ليست أبداً نسخاً من المعطى الساذج ، بل يتدخل في تكوين النظريات العلمية مبدان هما : مبداً القانونية ، ومبدأ العلية . والقانونية لا تعبر عن الواقع ، لأغها تفترض استبعاد العناصر المنحرفة وقسرالطبيعة على الدخول في قالب عقلي مفروض عليها من العقل . ومبدأ القانون ومبدأ العلية كلاهما ليس من نتاج التجربة ، بل هومتأصل في طباعنا نحن .

ومبدأ الهوية هو الجوهر الحقيقى للمنطق ، والقالب الصحيح الذي فيه يصب لانسان فكره . ويقول : إن الواقع

معقول جزئيا ، ومعرفتنا العلمية تمتزج جها عناصر قبلية وأخرى بعدية». (« الهوية والواقع» ص٣٦٦ ) .

,( والقانون ، كما يفهمه العلم حقاً ، بناء مثالي وصورة لانتظام الطبيعة حولها عقلنا ، ولا يستطيع إذن أن يعبر عن الواقع مباشرة وأن يكون مطابقاً لم . والقانون لا يوجد قبل أن نصوغه نحن ولن يوجد بعد أن نكون قد صهرناه في قانون أشمل» ( « الهوية والواقع»، ص ٣٨).

وفي كتابه : « التفسير في العلوم » ( في مجلدين ، باريس سنة ١٩٢١) يبين مايرسون ان العلم أنطولوجي في جوهره ، وبأنه يميل إلى تجاوز البحث عن القانون بالبحث عن التفسير ٠ والتفسير يهدف في المقام الأول إلى استنباط الظاهرة ابتداء من مقدماتها التي ستكون هذه الظاهرة نتيجتها المنطقية ٠ وهذه عملية تقوم على مصادرة هي الايمان بمعقولية الطبيعة وهي معقولية لا يمكن تحقيقها إلا بتطبيق صورة الهوية على الاستنباط العلمي .

وهويقصد بقوله إن العلم انطولوجي في جوهره أنكار مذهب الظاهرية القائل بأنه لا يوجد إلآ ظواهر، ولا توجد أشياء في ذاتها، فقوله « انطولوجي » أي يتعلق بوجود أشياء بالفعل، وليس مجرد ظواهر.

ويرفض مايرسون التصور البرجماقي للعلم ، فيقول : « ليس صحيحا أن الغرض الوحيد من العلم هوالعمل ، ولا أن همه الوحيد هو الاقتصاد والتنظيم في العمل ، بل العلم يريد أيضاً أن يجعلنا نفهم الطبيعة ، وينحو حقاً -على حد تعبيرلورو- إلى التعقيل التدريجي للواقع» ( « الهوية والواقع » ص٣٥٣ ). لكن الاتفاق بين الصورة العلية وبين الظاهرة ، بين الفكر وبين الطبيعة ، لا يمكن أن يكون تاما ؛ وإنما توجد مناظرة ع41021 40 عتيقة حقيقية بين كليهما .

وفي كتابه « في سير الفكر » (في ثلاثة مجلدات ، باريس ، ألكان ، سنة ١٩٣١ ) يؤكد مايرسون أن الاتجاه العام الذي يخرزفي كل علم هواتجاه واحد هوسبادة المعقول وساهوفي حالة هوية على ماهوفي حالة اختلاف وهو ما يعرضه لنا الاحساس . ويتجلى هذا الاتجاه بكل جلاء في الرياضيات إذ هي تسعى دائما إلى جعل الواقع معقولا ، وفي كل استنباط رياضي يدخل جانب من الهوية مجملنا على الاقتناع بطريقة مختلفة تماما عما يفعله التجريب وحده .