إمبراطورية فيجاياناغارا
إمبراطورية فيجاياناغارا (بالإنجليزية:Vijayanagara Empire) إحدى الممالك المشهورة في الهند في أواخر العصور الوسطى. تأسست هذه الإمبراطورية في إقليم دكن جنوبي الهند. وجاءت ولادة الإمبراطورية في أعقاب الاضطرابات السياسية التي أعقبت الغزوات التُركية والأفغانية في العقود الأولى من القرن الرابع عشر الميلادي، واستمر قيامها لأكثر من 300سنة، وحكمت معظم جنوب شبه القارة الهندية، وتلاشت في أربعينيات القرن السابع عشر بعد فترة طويلة من التقهقر.
أسس مملكة فيجاينجار سنة 1336 الأخوان هاريارا الأول وأخيه بوكا ريا الأول اللذان كانا، من قبل، موظفين في مملكة كامبيلي التي سقطت في عام 1327م في أيدي سلطان دلهي. وقد أخذ الأخوان إلى دلهي حيث اعتنقا الإسلام ثم أعيدا إلى كامبيلي ليحكماها نيابة عن السلطان. إلا أن الأخوين أعلنا استقلالهما عن دلهي وارتدّا إلى الهندوسية. وفي عام 1336م أسسا عاصمة جديدة هي فيجاينجار (أو مدينة النصر) تحت حكم هريهارا.
تغلّب بوكا في عام 1343م على مملكة هويسالا بلالا المجاورة وضمها إلى فيجاينجار، مما مكنها من السيطرة على شبه الجزيرة من الساحل إلى الساحل. إلا أن السلطنة الباهمانية وطدت وجودها في عام 1347م على حدود هريهارا الشمالية وشكلت تهديداً دائماً له.
خلف بوكا أخاه في عام 1356م باسم بوكا الأول، وحاول أن يواجه التهديد الماثل في السلطنة الباهمانية. إلا أنه، ومن خلال حروب باهظة التكاليف، نجح فقط في تثبيت الحدود بين الدولتين على نهر كريشنا. غير أنه تمكن، في سنة 1370م، من احتواء سلطنة كانت قد أسست حديثا هي سلطنة مابار (مادورا).
حكم هريهارا الثاني من 1377 إلى 1404م وحاول أن يُعزز من سلطته المركزية بالتخلص من أبناء عمومته الذين كانوا حكام ولايات، وأن يستبدلهم بأبنائه. وانتهز هريهارا فرصة اغتيال سلطان بهماني سنة 1378م ليستولي على غُوا وموانئ أخرى على الساحل الغربي. ولكن هجوماً بهمانيا مضادًا في سنتي 1388م و 1389م أدى إلى حصار فيجاينجار وذبح عدد كبير من مواطنيها. ولتجنب مزيد من الضرر، احتاط هريهارا بعقد تحالفات مع سلاطين مالاوا وغوجارات.
إثر وفاة هريهارا الثاني في عام 1404م نشب نزاعٌ على العرش بين أبنائه الثلاثة. وفي عام 1406م تولى ديفارايا الملك، وكان هو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة منهم. ودخل ديفارايا أيضا في مواجهاتٍ مع الباهمانيين، مما أدى إلى تعرض العاصمة لحصار آخر وفقدان جزء من مملكة كوندافيدو، المتنازع عليها، سنة 1420م. ونتيجة لتأكد ديفارايا من تفوق جيش منافسيه، قرر أن يدخل إصلاحات على جيشه بتجنيد رماة أتراك وباستيراد خيول جيدة من الشرق الأوسط.
حكم ابنا ديفارايا، رامشاندرا وفيجايا، فترةٍ وجيزة مليئة بالأهوال. فقد خسرا كثيراً من أراضيهما نتيجة الحروب التي خاضاها، واضطرا لدفع تعويضات ضخمة. إلا أن ديفارايا الثاني عوض كثيرا من الخسائر، ورحب بالمسلمين للانضمام إلى جيشه. وقد وسع ديفارايا إقليمه باتجاه الجنوب وجبى الضرائب من سيلان (سريلانكا). غير أن الضعف عاد من جديد تحت حكم ماليكارجونا، الذي حكم من 1446م إلى 1465م، وفيروباكشا الذي اعتلى العرش سنة 1465م؛ إذ عانت المملكة خلال هذه الفترة من الغارات التي شنها عليها كل من أوريسا والبهمانيين.
وفي عام 1485م قام حاكم ولاية يُدعى ناراسيما بإنشاء مملكة شبه مستقلة خاصة به، وشرع في استعادة ما خسرته فيجاينجار من قبل. فدحر أوريسّا، وعندما قتل فيروباكشا على يدي ابنه، أسس ناراسيما السلالة الحاكمة الثانية في المملكة. وكان ناراسا، كبير وزراء ناراسيما، هو الحاكم الفعلي من سنة 1490م إلى سنة 1503، وتمكن بذلك من استعادة السلطة المركزية. وفي عام 1503م نصّب ابنه فيرا ناراسيما على العرش، مؤسسا بذلك السلالة الحاكمة الثالثة في المملكة.
كان كريشنا ديفارايا، وهو أخو فيرا، أكثر حكام فيجاينجار نجاحاً وقد حكم بين عامي 1509م و1529م. تدخل كريشنا بقوة ونجاح في النزاعات التي نشبت بين جيرانه، وعقد تحالفات بارعة مع البرتغاليين عادت عليه بمنافع عسكرية وتجارية، كما كان راعياً سخيا للعلوم والفنون.
واجه أتشيوتا ديفا رايا، الذي ارتقى العرش سنة 1529م، تهديدات ناشئة من داخل المملكة وخارجها. فخلال حكمه، كان عليه أن يُكافح ليُبقي على تماسك مملكته، كما أجبر على تقاسم السلطة مع راما رايا، كبير وزرائه المتمرد. وفي عام 1542م نصّب راما رايا ابن أخيه ساداسيفا ملكاً رمزياً. وتدخل راما رايا كثيراً في نزاعات الدول المجاورة له، الأمر الذي استتبعه تشكيل تحالف كبير ضده. وقد تمكن هذا التحالف من سحق جيوش فيجاينجار في معركة تاليكوتا سنة 1565م واجتياح العاصمة وقتل راما رايا.
هرب تيرومالا، أخو راما رايا، إلى الجنوب وبرفقته الملك ساداسيفا، وأقام له قاعدة في بينوجوندا. وهناك أعاد بناء جيشه، إلا أنه أجبر على قبول استقلال الولايات الجنوبية. وفي عام 1570م، تجاهل تيرومالا ساداسيفا وتوّج نفسه ملكاً، مؤسسا بذلك السلالة الحاكمة الرابعة والأخيرة في المملكة. وبعد ذلك اعتزل الحكم لمصلحة ابنه سريرانجا الذي حكم في الفترة من 1572م إلى 1585م.
كافح سريرانجا للتغلب على الغارات التي تشن من جولكوندا وللحفاظ على الدولة من أن تزداد انقساماً. وقد نجح أخوه القوي فينكاتا الذي ارتقى العرش في 1585م في وقف التردي ولكنه لم يتمكن من إحراز تقدم يذكر. أما الحاكم التالي، وهو سريرانجا الثاني، فقد قتل بعد فترة حكم استمرت أربعة أشهر فقط. وكانت هذه الحادثة سبباً في إشعال حرب أهلية طويلة. وهكذا عندما اعتلى راما ديفا رايا العرش، فإن سلطاته لم تكن لتزيد إلا قليلاً عن سلطات حكام الولايات التابعين له. وفي عام 1642م قامت حملة قادمة من جولكوندا بطرده من عاصمته فيلور، ليُعلن بعد ذلك ابن أخيه سريرانجا نفسه ملكاً دون أن يتمكن من توطيد سلطاته فينسحب إلى ميسور.
وقد ساهم صعود هذه الإمبراطورية من درء التوسع الإسلامي لجنوب الهند في أواخر القرن الثالث عشر. استمرت هذه الإمبراطورية حتى سنة 1646 على الرغم من تراجع قوتها بعد هزيمة سنة 1565 من قبل سلطنات دكن. وقد انتهت الأمبراطورية فعلاً في أربعينيات القرن السابع عشر، إلا أن سريرانجا احتفظ لنفسه ببلاط له في المنفى حتي وفاته في عام1672م.
كانت مملكة فيجاينجار قد وفقت في توحيد إقليم متعدد اللغات، وعززت قيام تجارة دولية نشطة، مُستفيدة منها في الوقت نفسه. كذلك قامت برعاية إنجازات رائعة في حقول الآداب والفنون. أما حكامها فكانوا هندوساً، وكانوا بين الفترة والأخرى يؤكدون ادعاءاتهم بأنهم حماة هذا الدين الحازمون. ومع هذا، كانوا على استعداد تام للتحالف مع المسلمين، وكانوا يستعينون بهم كموظفين عند الحاجة. وكان الضعف الشديد والدائم الذي ألمَّ بهذه المملكة ناتجاً عن عجزها عن منع الحكام المحليين من المطالبة بسلطات مُستقلة. وكان هذا يحدث، بشكل خاص، حين كان المطالبون بالعرش يتنازعون فيما بينهم حول من يكون الملك المقبل، وكانوا بذلك يهيئون الفرص للتمرد.
سميت هذه الإمبراطورية على اسم عاصمتها فيجاياناغارا وتحيط بها حالياً العديد من الأطلال مثل هامبي المدرجة حالياً ضمن مواقع التراث العالمي في الهند. وفيجاينجار أطلال مهجورة الآن، تجذب إليها السياح وعلماء الآثار، بينما كانت عاصمتها في أيامها المجيدة تقوم على مساحة 33كم²، وكانت محاطة بسبعة خطوط دفاعية ذات مركز واحد، ويسكنها مايصل إلى نصف مليون نسمة.
التاريخ
اقتُرحت نظريات مختلفة حول أصول إمبراطورية فيجاياناغارا، يقترح العديد من المؤرخين أن هاريهارا الأول وبوكا الأول - مؤسسا الإمبراطورية - كانا من الكاناديجاس، وربما كانا من قادة جيش إمبراطورية هويسالا المتمركز في منطقة تونغابهادرا للتصدي للغزوات الإسلامية القادمة من شمال الهند. يعتقد آخرون أن مؤسسي إمبراطورية فيجاياناغارا كانوا من التيلجو التابعين لمملكة كاكاتيا، ثم سيطروا على الأجزاء الشمالية من إمبراطورية هويسالا في فترة انحطاطها. على كل حال وبغض النظر عن أصل الإمبراطورية، يتفق المؤرخون على أن قادتها الأوائل تلقوا الدعم والإلهام من فيدياراني وهو راهب كان يعيش في دير سرينغيري لمحاربة الغزو الإسلامي لجنوب الهند. كشفت كتابات الرحالة الأجانب خلال أواخر العصور الوسطى، بالإضافة لعمليات التنقيب الحديثة في إمبراطورية فيجاياناغارا عن معلومات هامة حول تاريخ الإمبراطورية وقلاعها والتطورات العلمية والابتكارات المعمارية فيها.
تعرضت المدن الهندية في ديكان للغزو المتكرر من قبل المسلمين في الشمال قبل ظهور إمبراطورية فيجاياناغارا في أوائل القرن الرابع عشر، وبحلول عام 1336 استولت جيوش السلطان علاء الدين خلجي ومحمد بن تغلوق سلطان دلهي على منطقة شمال ديكان، أما في جنوب ديكان فقد أعلن أحد قادة جيوش هويسالا سينجيا ناياكا الثالث (1280-1300م) الاستقلال بعد أن استولت القوات المسلمة التابعة لسلطنة دلهي على أراضي سيونا يادافاس ديفاجيري في عام 1294م، وأنشأ مملكة كمبيلي، لكنها كانت مملكة قصيرة العمر خلال الفترة الصراعات هذه. ظهرت هذه المملكة بالقرب من جولبارجا ونهر تونغابهادرا في الأجزاء الشمالية الشرقية من ولاية كارناتاكا الحالية. بعد انتصار جيوش سلطنة دلهي، أرسل قائد الجيش المنتصر مالك زاده أنباء فوزه على مملكة كمبيلي إلى السلطان محمد بن تغلوق في دلهي مع رأس ملك كمبيلي المحشو بالقش. أما في داخل كامبيلي فقد قام عدد من السكان بانتحار جماعي في يوم الهزيمة. بعد ثماني سنوات من هذه الحادثة ظهرت إمبراطورية فيجايانجارا في عام 1336م على أنقاض مملكة كامبيلي.
سيطر القائد هاريهارا الأولى خلال أول عقدين من تأسيس الإمبراطورية على معظم المنطقة الممتدة جنوب نهر تونغابهادرا، ولُقب بسيد البحار الشرقية والغربية. بحلول عام 1374 كان بوكا الأول خليفة هاريهارا الأول قد استولى على آركوت وكوندافيدو وهزم سلطان مادوراي وسيطر على جوا في الغرب ونهر كريشنا في الشمال. كان ثروات الإمبراطورية في إمارة أنيكوندي على الضفاف الشمالية لنهر تونغابهادرا (في كارناتاكا اليوم)، ونُقلت لاحقًا إلى فيجاياناغارا على ضفاف النهر الجنوبية في عهد بوكا الأول، لأنه كان من الأسهل حمايتها من غزوات الجيوش الإسلامية في الشمال.
الحكومة
حافظ حكام إمبراطورية فيجاياناغارا على الأساليب الإدارية الجيدة للحكم التي طورها أسلافهم في ممالك هويسالا وكاكاتيا وبانديا، وقاموا ببعض التغييرات عند الضرورة فقط. كان للملك السلطة العليا بمساعدة من مجلس الوزراء، الذي يرأسه رئيس الوزراء (ماهابرادانا)، ومن الوظائف العليا الهامة السكرتير الرئيسي للملك (كاراكارثا أو راياسوامي) والضباط الإمبراطوريون (أديكاري). استخدم مكتب سكرتارية أيضًا بالقرب من قصر الملك للحفاظ على السجلات الرسمية مع ختمها بختم الملك. أما على المستويات الإدارية الأدنى فقد أشرف الإقطاعيون على إدارة أراضيهم عن طريق المحاسبين والحراس. قُسم القصر الملكي من الناحية الإدارية إلى 72 قسمًا في كلٍّ منها عدد كبير من الجواري المُدربات على التعامل مع الأمور الإدارية البسيطة وخدمة الرجال النبلاء كمحظيات. قُسمت إمبراطورية فيجاياناغارا إلى خمس مقاطعات رئيسية، يرأس كل منها حاكم ينتمي للعائلة المالكة، وتقسم كل مقاطعة بدورها إلى عدة مناطق وكل منطقة إلى عدة بلدات، وقد استخدمت اللغة الأصلية في كل مقاطعة لتسهيل التعاملات الإدارية.
كان الملك هو الذي يقود الجيش في ساحة المعركة، ونادرًا ما تضمنت استراتيجيات الحرب لإمبراطورية فيجاياناغارا غزوات واسعة النطاق، بل استخدموا أساليب مهاجمة وتدمير الحصون الفردية، وكانت جيوش إمبراطورية فيجاياناغارا من بين أوائل الجيوش التي استخدمت المدفعية بعيدة المدى في الهند وغالبًا ما عمل على هذه المدافع جنود أجانب مثل أولئك القادمين من تركمانستان. تكون الجيش من قسمين: جيش الملك الشخصي الذي تجنده الإمبراطورية، والجيش الإقطاعي الذي يُجنده ملاك الأراضي عند اندلاع الحروب. تألف الجيش الشخصي للملك كريشناديفارايا من 100 ألف جندي من المشاة و20 ألف من الفرسان وأكثر من 900 فيل، وقد شكلت هذه القوات جزءًا بسيطًا من الجيش الكلي الذي وصل تعداده إلى 1,1 مليون جندي. ينتمي جنود الجيش إلى جميع طبقات المجتمع، ويتألفون من رماة وفرسان يرتدون سترات مبطنة ودروعًا مع السيوف التي تحمل في الأحزمة، بالإضافة لجنود يحملون دروعًا كبيرة جدًا مزودة بأنياب لإحداث أكبر قدر من الضرر في صفوف الأعداء خلال المعركة.
الاقتصاد
زُرعت البقول والقطنيات في المناطق شبه القاحلة من الإمبراطورية، بينما ازدهر قصب السكر والأرز والقمح في المناطق الممطرة، وكانت أوراق اليقطين الهندي والأريقا وجوز الهند هي المحاصيل الرئيسية التي تستخدم للتبادل. غذَّت مزارع القطن مراكز صناعة النسيج المنتشرة بكثرة في الإمبراطورية، ونمت التوابل مثل الكركم والفلفل والهيل والزنجبيل في منطقة تل مالند النائية ونقلت إلى المدن للتجارة. كانت عاصمة الإمبراطورية مركزًا تجاريًا مزدهرًا، وتضمنت سوقًا خاصًا يحتوي على كميات كبيرة من الأحجار الكريمة والذهب. وفر بناء المعابد فرص العمل لآلاف البنائين والنحاتين وغيرهم من الحرفيين المهرة.
كانت ملكية الأرض مسألة مهمة، وكان معظم المزارعين مُستأجرين منحوا حق الملكية الجزئية للأرض بمرور الوقت. وقد ميزت السياسات الضريبية التي تشجع على زراعة المنتجات المطلوبة بين الرسوم الضريبية المفروضة على كل نوع من المنتجات. فعلى سبيل المثال كانت بتلات الورود مهمة للعطارين، لذا فإن زراعة الورود خضعت لضرائب أقل. ازدهرت التجارة مع الصين وشملت الصادرات القطن والتوابل والجواهر والأحجار الكريمة والعاج وقرون وحيد القرن والأبنوس والعنبر والمرجان والمنتجات العطرية. زارت سفن تجارية كبيرة من الصين الإمبراطورية بشكلٍ متكرر، حاملة معها المنتجات الصينية إلى موانئ الإمبراطورية التي يقدر عددها بأكثر من 300 ميناء على بحر العرب وخليج البنغال، وكان أهم هذه الموانئ: نغالور وهونافار وباتكال وباركور وكوتشين وكانانور وماكيليباتنام ودارمادام.