أنسلم من كانتربري
أسقف كانتربري انسلم (1033 - 21 أبريل 1109) (بالإنجليزية: Anselm of Canterbury) هو لاهوتي وفيلسوف من أوائل السكولائيين المدرسيين. كان له تأثير بالغ على اللاهوت الغربي. كان انسلم يعتقد أن الإيمان يجب أن يسبق المعرفة، فيجب أن تؤمن لتعرف، ومع ذلك يمكن للإيمان أن يبنى على المعرفة.
هو صاحب «الحجة الوجودية» لاثبات وجود الله، ومن أبرز فلاسفة العصور الوسطى الأوروبية
حياته
ولد في أوستا (شمالي أيطاليا) فيسنة ١٠٣٣ ودرس في دير بك عع8 بأقليم نورمانديا - Le Bec ) (Helluin حيث لعت شهرة مواطنه لانفرانك Lanfranc . وفي سنة ١٠٦٣ صار رئياً لهذا الدير. ثم عين في سنة ١٩٣ رئياً لأساقفة كانتربري (في انجلتره) وظل كذلك الى حين وفاته في سنة ١١٠٩ ، في فترة حافلة بالصراع بين السلطة المدنية والسلطة الدينية.
نشاطه الفلسفي
لكن نشاطه الفلسفي الأساسي جرى في الفترة التي كان فيها يدرس في ديربك. وأهم انتاجه الكتب الثلاثة التالية:
Monologium()
Proslogium ( ٢
De Veritate (٣
والكتاب الأول قد الفه بناء على طلب من بعض رهبان دير بك الذين طلبوا منه أن يؤلف كتاباً عن وجود الله وصفاته لا يحتج فيه بما ورد في الكتب المقدسة، بل يؤسسه على الاحتجاج العقلي امحض.
وقد نشأ انسلم في فترة شتد فيها الصراع بين الديالكتيكيين ، انصار الاحتجاج العقلي للعقائد الايمانية، ومن يسمون «النحويين« الذين انكروا كل قدرة للعقل، وقصروا الأمر على الايمان الساذج الخالي منكل تفكير عقلي.
وقد وقف انسلم ضد كلا الفريقين؛ فضد الديالكتتكيين قرر أنسلم أنه لا بد من رسوخالايمان أولا، ثم يتلو ذلك الاحتجاج العقلي، ان الايمان يجب ان يكون المعطى الأول الذي يكون منه الانطلاق. ولهذا يقرر جملة صارت مشهورة وهي : «أؤمن لأتعقل» Credo ut 2200ن1اع101و «لا اتعقل لأؤمن» nequequaere intelligere utcredam ان التعقل يفترض مقدماًوجودلايمان.
وفي مقابل النحويين يقرر أنه لا بأس بمن رسخ أيمانه اولاً أن يتعقل مفهوم الايمان. وأما ادعاء أن السلف الصالح من الرسل وآباء الكنيسة قد قالوا كل ما هو ضروري، فهذا معناه نسيان أن الحقيقة أوسع جد؛ من أن تكون قد استنفدها هذا السلف، وأن أيام العمرمعدودة، وأنه لو امتد الأجل باباء الكنيسة لكانوا قد قالوا اكثر مما قالوا، ثم ان الله منير ولا يكف عن إنارة كنيسته باسثمرار على مدى الزمان، وخصوصا في هذا نسيان لهذه الحقيقة وهي أنه بين مرتبة الرؤيا لطوباوية التي نعاين فيها الله وبين مرتبة الايمان توجد مرتبة وسطى هي الاقتراب من رؤية الله عن طريق فهم مضمون الايمان.
علينا اذن، في نظر انسلم، ان نؤمن في مرحلة أولى، ايماناً راسخا بأسرار العقائد الايمانية، وفي مرحلة تالية علينا أن نفهم بالعقل هذه الأسرار والعقائد الايمانية . أما الاقتصار والتوقف عند المرحلة الأولى فهو اهمال، وادعاء ضرورة البدء بالمرحلة الثانية قبل الأولى هو غرور. لهذا ينبغي ألا نقع في لأهمال، ولا في الغرور.
ويبدو كما لو كان أنسلم يظن أن من الممكن أن يفهم الانسان بالعقل كل الأسرار والعقائد الايمانية. وأنه لا واحدة منها خارجة عن طور العقل. وهو رأي سيتبين فيما بعد، لدى البرتس الكبير وخصوصاً لدى القديس توما، أنه ساذج .
على كل حال ظن أنسلم أن من الممكن البرهنة بالعقل ليس فقط على وجود الة، بل وعلى عقائد أخرى مثل التثليث والتجسد وقيامة الجسد والمعجزات الأخرى، وهي أمور سيتبين للقديس توما انها - او بعضها - لا يمكن البرهنة عليها عقلياً، وينبغي أن تظل في ميدان الايمان وحده دون التعقل.
وبعد ان قرر هذه القاعدة، اخذ في البرهنة أولاً على وجود اله بواسطة العقل. ولتن كان في براهينه قد استلهم القديس أوغطين، فإنه في ايراده لها كان أكثر أصالة واحكاماً من أوغسطين ,
وتنقسم هذه البراهين على وجود الله الى تلك التي عرضها في كتابه المونولوجيوم 00سانع!4000^ والى الحجة الوجودية التي عرضها في الكتاب الآخر: البروسلوجيوم 00لمانء0ام0108 . ولنبدأ بالنوع الأول، ويشمل ثلاث حجج، تقوم بدورها على الإقرار بمبدأين: (١) الاول يقول ن الأشياء تتفاوت في الكمال؛ (٢) والثاني يقرر أن كل ما يملك كمالاً متفاوتاً فإنما يستمده من المشاركة في كمال مطلق. وعلينا أن نبدا من امور محسوسة عينية لنطبق عليها هذين المبدأين. و لنبداً مثلاً من فكرة: الخير، وهي فكرة عينية، لأننا جميعاً نطلب الخير. فمن الطبيعي ان نتساءل: من أين جاء هذا الخير الذي نصبو اليه جميعاً؟ اننا نعرف أن ثمة ضروباً متفاوتة من الخير، ونعرف ايضاً أن لكل شى ء سبباً. فلنتساءل: هل لكل خيرجزئى سبب جزنى؟ او لعل لها جميعاً مصدراً كلياً واحداً؟ .
أ) من المؤكد يقيناً هكذا يقول أنسلم - أن الأمور المتفاوتة في تحصيل كمال ما أنما يرجع تفاوتها الى مشاركتها في كمال مطلق. فالأمور المتفاوتة في العدالة انما يرجع تفاوتها الى اشتراكها في عدالة مطلقة، وهكذا. اذن كل الأمور المتفاوتة في تحصيل كمال ما، انما تستمد نصيبها من هذا الكمال من كمال مطلق. وهذا الكمال المطلق هو كمال بذاته، وليس فوقه كمال. واذن فما هو خير على الوجه الأتم هو عظيم على الوجه الأتم. واذن يوجد موجود اول، أعلى منكل ما هو موجود ، وهو الذي ندعوه «الله». فهذا هو البرهان الأول على وجود الله استناداً الى تفاوت الكمال بين الموجودات.
ب) والبرهان الثاني يستند الى فكرة الوجود نفها، ان لكل موجود موجداً، اي علة. والسؤل هو: هل ترجع الأشياء الى علل عديدة، أو الى علة واحدة؟ ,
لو كان للكون علل عديدة: فهي اما ان ترجع الى علة واحدة، أو توجد كل واحدة منها بذاتها، أو بعضها ينتج بعضا. فإن كانت ترجع الى علة واحدة فهذه العلة الواحدة الوحيدة هي ذن علة الكون. واذا كانت كل واحدة منها تقوم بذاتها، فإن بينها وبين بعض صفة مشتركة وهي القيام بالذات، فهذا القيام بالذات هو اذن الذي يوجدها، ولهذا يمكن اذن ادراجها تحت علة واحدة وحيدة. بقي الفرضر الثالث، وهو أن ينتج بعضها بعضاً. لكن من التناقض أن يوجد الشيء بواسطة الشيء الذي هو مانحه الوجود، وإلا لكان معنى ذلك أن يكون الأب ابناً لابنه - فهذا محال، ولا يصدق حتى بين المتضايفين: فالعبد والسيد متضايفان، لكن كليهما لي يوجد بفضل الآخر، والعلاقة المزدوجة بين كليهما لا تلد نفسها بنفسها، بل هي موجودة بين شخصين حقيقيين كل واحد منهما قائم برأسه.
لم يبق اذن إلآ الفرض الأول وهو أنكل ما يوجد انما يوجد بفضل علة واحدة وحيدة، وهذه العلة الوحيدة الموجودة بذاتها هي هي الله ,
ج) والحجة الثالثة من حجج أنسلم لاثبات وجود الله بطريقة العقل تقوم على فكرة: «الكمال» الذي تحوزه الأشياء , فلا شك أن ثمة تفاوتاً في مراتب الكمال بين الموجودات: فمثلاً الفرس أكمل في الوجود من الشجرة، والانسان أكمل من الفرس. واذا لم يسلم الانسان بهذا، لا استحق أن يكون انسانا. فهناك اذن اختلاف في درجات الكمال. والمسألة هي : هل ترتفع درجات الكمال لى غير نهاية، أو تقف عند حد؟ وهل توجد كائنات متعددة كاملة بذاتها؟ ان قلنا ان درجات الكمال ترتفع الى غير نهاية، لوفعنا في تناقض. وان قلنا بوجود جملة كائنات متساوية في الكمال، ولي هناك كائن اعلى في الكمال، فإن ثمة صفة مشتركة وهي أن هذه الكائنات جميعاً أكمل ’لأشيا■* ٠ وهذا الكمال المشترك : اما أن يرجع لى ماهيتها - وحينئذ ستكون واحدة ما دامت ماهيتها واحدة ، - واما أن يرجع لى شيء غيرالماهية، وهذا الشيء سيكون كمالا اكبرمن كل هذه الكمالات المتعددة. فلا بد اذن من وجود كمال اعلى ، هو الكمال الأول، وهو هو الله.
وهذا البرهان يقوم على فكرة التصاعد في الكمال في داخل دائرة عحدودة من الكائنات المتصاعدة في الكمال.
بيد أن هذه البراهين ليست عقلية تماماً، ومعقدة الى حد ما. لهذا رأى أنسلم انه لا بد من الالتجاء الى برهان فوق البراهين كلها، برهان واحد يستطيع أن يقتنع به كل نسان، برهان قبلي ذ*9430 2. وهذا البرهان هو الحجة الوجردية المشهورة. وقد عرضه انسلم في كتابه 1لازع0ا0105.
الحجة الوجودية : تقوم هذه الحجة عنى أساس أن لدى كل انسان فكرة عن موجود لا يمكن أن يتصور موجود أكمل منه. وهذه حقيقة ايمانية يقدمها لنا الايمان، لكن يبقى علينا أن نشبت ان هذه الفكرة الموجودة في لذهن موجودة ايضاً في الواقع. لقد ورد في أحد المزامير (المزمور رقم ١٤ ، عبارة ١ ): «يقول الجاهل فيقلبه انه لا يوجد إله» والانسان حين يقال له: «الكائن الذي لا يمكن أن يتصور أكمل منه» - فإنه يفهم معنى هذه العبارة ويعقلها. ومعنى هذا أن مثل هذا الكائن موجود على الأقل في الذهن ان لم يكن موجوداً في الخارج الواقعي أيضاً ونحن نستطيع أن نتصوره موجوداً في الذهن فحسب، دون ان نتصوره موجوداً في الخارج الواقعي أيضاً، مثل الفنان الذي يتصور في ذهنه اولاً اللوحة التي سيرسمها. وفي أثناء تصوره لها يعلم أغها موجودة في ذهنه فقط قبل أن تكون موجودة في خارج الذهن. لكن اذا حققها في الخارج فإنه يعلم لها وجودين: وجوداً ذهنياً، وآخر خارجياً. فإن قلنا عن كائن انه موجود في الخارج إلى جانب وجوده في الذهن، فان هذا القول يضيف إلى الكائن صفة كمال أكبر.
فإذا نظرنا الآن الى الفكرة التي في ذهنناعن الكان الذي لا يمكن أن نتصور أكمل منه، وجدنا أننا اذا قصرنا وجوده على الذهن فحسب ، لكان هذا الكائن أقل كمالاً من كائن آخر موجود في الذهن وفي الخارج الواقعي معأ. وسيكون معنى هذا وجود كائن اكمل من أكمل كائن يمكن تصوره . وهذا خلف. اذن فالكائن الذي لا يمكن أن يتصوز أكمل منه لا بد أن يوجد في الخارج الواقعي ايضاً . وهذه الفكرة التي لدينا عن أكمل كائن يمكن تصوره هي ذن حقيقة مطابقة لموجود حقيقي هو الته ٠ وبهذا نثبت ان ا لله موجود .
هذه هي الحجة الوجودية المشهورة. ويلاحظ أنها تقوم على اساس فكرة موجودة أعطاها لنا الوحي، وعلى أساس !ن هذا الكائن هو اكمل كائن يمكن تصوره، وعلى أن هذا الكائن لا بد بالضرورة ان يوجد في الواقع الخارجي.
بيد أن هذه الحجة ما لبثت ان وجدت خص لاذع الذهن معاصرا لأنسلم هو الراهب جونيلون 1101 0س21ت الذي رد عليها فقال : ليس كل ما يمكن أن يتصوره الذهن بموجود في الواقع الحقيقي، وإلا لما أمكن الخطأ. اننا نتصور كثيرا من الأمور لتي لا توجد ولا يمكن أن توجد. ولا يكفي تصور الماهية لكي يثبت وجودها في الواقع. وما مثل من يسير على هذا النحو إلا كمثل من يتخيل وجود جزائر سعيدة في وسط المحيط حافلة بكل أنواع النعيم فيشد رحاله اليها ما دام قد تصورها . وهو قطعا سيعود من رحلته خائباً ولن يجد شيئاً مما تصوره . ن الماهية شي، والوجود شيء آخر، لأن الماهية تصور ، والتصور في ذاته لا يدل على وجود في الواقع الخارجي.
وفد رد أنسلم على اعتراضات جونيلون هذه فقال : حقاً، ليس كل ما يمكن ان يتصور يمكن ان يوجد بالفعل اذ الوجود ليس هو عين الماهية ، في كل الاحوال. لكن الوجود هو عين الماهية في حالة واحدة، هي حالة اللم أو الكائن الذي لا يمكن أن يتصور أكمل منه.
ومن الواضح أن رد أنسلم ضعيف غير مقنع، اذ تبدو في هذا الرد مصادرة على المطلوب الأول. فنقطة الابتداء التي بدأ منها أنسلم هي عينها النقطة التي يخلص الي.
لذا استمر الخلاف حول قيمة هذه الحجة من عهد أنسلم حتى العصر الحاضر.
حجة أنسلم الوجودية
أنسلم هو صاحب حجة وجود الله المشهورة في الفلسفة: وهي على النحو التالي:
- "إذا وجد الرب فلا بد أن يكون أعظم ما في الوجود، ولا يمكن ان يوجد ما هو أعظم منه.
- ولا يمكن للعقل أن يتخيل ما هو أعظم من الرب.
- وأي شيء يوجد في العقل والواقع سويًا أعظم من شيء يوجد في العقل فقط.
- وبالتالي بما أن الرب موجود في عقولنا، فلتمام عظمته يجب أن يوجد في الواقع."
أثره
يستخدم برهان الوجود حتى يومنا هذا في الجدالات الفلسفية حول حقيقة وجود إله، ومارس تأثيرًا مهمًا على المفكرين اللاحقين، بما في ذلك توماس الأكويني، وويليام ابن أوكهام، وكذلك على عقيدة الكنيسة اللاحقة في مختلف الأمور. توفي أنسيلم في كانتربري عام 1109 ودفن في الكاتدرائية هناك.