أندرياس فيزاليوس

لقد كان الكتاب الذي وضعه أندريس فيزيلوس، وهو عالم فلمنكي الجنسية، تحت عنوان The Fabric of the Human Body والذي صدر عام 1543 واحدا من الكتابين اللذين أثرا على التقدم العلمي في هذه الفترة بشكل كبير (أما الكتاب الثاني، فهو الكتاب الذي وضعه العالم كوبرنيكس). وفي هذا الكتاب – بل وفي كل كتاباته - كان فيزيليوس يتحدى النظريات التي وضعها العالم اليوناني جالینوس الذي ظلت كتاباته المنبع الذي يتم الاعتماد عليه في مجال الطب والتشريح لأكثر من ۱۰۰۰ عام.

على عكس العالم اليوناني جالينوس الذي لم يقم قط بتشريح جسم الإنسان ؛ بل ظل يبني أفكاره من خلال تشريح أجسام القرود والخنازير فقط، نجد أن أندريس فيزيليوس اعتمد فقط على ملاحظاته الخاصة التي قدمها حول البناء الداخلي لجسم الإنسان وقد اعتمد في ذلك على التشريح. ولقد وجد أخطاء كثيرة في النظريات التي قدمها جالينوس، الأمر الذي أدى إلى إضعاف مكانة النظريات اليونانية القديمة تماما. وبالتالي، أصبح هناك الكثير من الأعداء لهذا العالم في المجال الطبي، حتى داخل جامعة باديو التي كان يشتغل بها، وذلك لأن هؤلاء العلماء كانوا لا يزالون ينظرون إلى جالينوس على أنه المثل الذي يحتذى به. ولقد شك الكثيرون في الكنيسة الكاثوليكية في أن فيزيليوس هو أحد أتباع مذهب كلفن أو مذهب لوثر.

على الرغم من تلك الصراعات التي عانى منها فيزيليوس كثيرا في حياته ، فقد تم تعيينه الطبيب والصيدلي الخاص للإمبراطور الروماني تشارلز الخامس ولابنه فيليب الثاني، ملك أسبانيا. وعندما تم استدعاؤه للتحقيق معه، كان فيزيليوس قد ذهب في رحلة حج إلى الأراضي المقدسة وهو في سن الخمسين ولم يرجع من هذه الرحلة أبدا.

هذا، ولم تتمثل إنجازات فيزيليوس فقط في تصحيح الأخطاء المتعددة التي وقع فيها جالینوس (التي مرت على العلماء الآخرين مرور الكرام)، فمثلا نجد أنه أرسى قواعد علم التشريح الحديث القائم على الملاحظة الدقيقة ، كما قدم أيضا أول وصف دقيق لتركيب الخ، إلى جانب تفاصيل عن الجهاز الهضمي. وشأن آجريقولا في مجال الجيولوجيا (1546)، فإن فيزيليوس يعد نموذجا للباحث العلمي الحديث، حيث إنه كان يطبق النظرية على الحقائق وليس العكس.

على الرغم من أن فيزيليوس وغيره من علماء التشريح في هذه الفترة (1552) قد قدموا وصفا دقيقا وشاملا للشكل العام لجسم الإنسان، فإنه كان لا يزال هناك بعض الغموض حول الطريقة التي يعمل بها هذا الجسم. أما التقدم الحقيقي الذي تحقق في هذا المجال فقد كان يرجع إلى إسهامات كل من الكيمياء والفيزياء.