أسلوب التصوير العربي
أسلوب التصوير العربي (بالإنجليزية: Arab painting style)
البدايات
لم تعرف البيئة العربية قبل الإسلام التصوير فناً كما عرفته الأمم الأخرى، ومن ثم لم يظفر العصر الجاهلي بشيء من التصاوير. ولعل بعد الأمة العربية في جاهليتها عن التصوير كان له أثره فيما بعد حين أظلها الإسلام فكانت أميل إلى الأخذ بما تخال فيه نهيًا عن التصوير وابتعادًا عنه، ولعل هذا أيضًا كان له أثره في الإخباريين وأهل السير والمفسرين فمالوا في تأويلهم إلى ما أثر عن الرسول خاصًا بالتصوير إلى جانب التحريم. على أن البيئة العربية لم تكن كلها على دين الإسلام، بل ظل نفر يدينون بالوثنية وباليهودية وبالمسيحية، فكان التحرز عن الأخذ بالتصوير الذي شمل المسلمين بعيدًا عن أن يشمل غيرهم. ومع ذلك لم نظفر لهؤلاء بتصاوير فيما عدا تصاوير السريان اليعاقبة Jocobites والنحل الأخرى من المسيحيين الشرقيين، وهو ما يبرهن على أن البيئة العربية لم تكن مغرمة بالتصوير. وظل هذا الأثر البيئي الذي صرف العرب عن الأخذ بالتصوير ممتدًا عهود الإسلام الأولى إلى أن كنت تلك الصلات التي عقدت بين الشعوب العربية وشعوب أخرى ذات حضارات مختلفة عن الحضارة العربية وتحمل فنونًا مختلفة منها فن التصوير وفن النحت.
وكما أفاد العرب من حضارات تلك الشعوب التي خالطوها أدبًا وعلمًا أفادوا أيضًا منها فنًا، فكانت تلك الجولات الأولى في التصوير يوم أن عرفوه فيما شاهدوه عن تلك الأمم، وكات نشاة المصورين العرب الذين تتلمذوا على الفنون التصويرية لتلك الأمم المختلفة مسيحية وبيزنطية وساسانية، غير أنهم كانوا لا يزالون قربيي العهد بتعاليم الرسول الخالصة التي لا تعرف لهو الحياة وترى فيما يصرفها عن وجه ربها شيئًا محرمًا. ومن أجل هذا كان ذلك التزمت في النظرة إلى التصوير وغيره مما يشبهه، إذ كان الإسلام حريصًا ألا يكون بين العابد وبين ربه شاغل من رسوم وتصاوير فخلت المساجد الأولى من كل رقش أو نقش ومن الإسراف في مباهج الحياة.
مدرسة بغداد
وتغلب على مدرسة التصوير العربي [ مدرسة بغداد ] الرسوم الآدمية بما فيها من حياة وقوة غير ملقية بالاً لتفاصيل أجزاء الجسم، ولا تفاصيل التشريح ولا الالتزام بالنسب بين الأعضاء مهملة جانبًا العواطف والانفعالات، تصور الوجوه الآدمية بملامح غفل من التعبير وكانها أقنعة، فيقوم المصور مقام لاعب مسرح العرائس مفسرًا أدوار شخوصه فيما يسرد من أحداث بالخطوط المحددة لإيماءاتهم المحورة والمبالغ فيها، وكذلك من خلال الحركات المعبرة لأطواء ثيابهم المنسدلة.
ولم تعن هذه المدرسة بتمثيل الطبيعة عناية الفنون الصينية أو الغربية، كم لم تعن بقواعد المنظور، فلم يكن للصورة غير بعدين اثنين هما الطول والعرض، أما العمق فلا وجود له. وإلى هذا فاننا نجد هذه المدرسة أقرب إلى الواقع في تصوير الكائنات الحية وهو ما لم تلحقها فيه المدارس التي خلفتها في الإسلام. ومن ميزات هذه المدرسة الجمع بين مشهدين في صورة واحدة، ومنها تلك المسحة العربية التي سادت قسمات الوجوه، ومنها ظهور الشخص الرئيس أكبر حجمًا من غيره من هم ليسوا معنيين أو مقصودين هذا إلى استخدام الأعين في التعبير والأصابع في الإشارات والأيادي في الإيحاءات، ثم توفيقها في إبراز المجموعات وإقامة كل شخص مقامه.
وثمة شيء له قيمته أثر عن هذه المدرسة هو تلك الهمالة التي تعلو الرؤوس. وهذه الهالة ترجع إلى أصلين قديمين: أولهما بيزنطي، وكانت الهالة ترسم على شكل دائرة تكلل بها رؤوس الأباطرة والأبطال ومن إليهم. وقد شاعت تلك الهالة بعد أن اعتنقت الامبراطورية الرومانية الشرقية [ بيزنطه ] المسيحية. و لم تكن علامة تقديس كما كان يظن البعض، فقد كللت بها رؤوس أشخاص كانوا أعداء للمسيحية. ومن المحقق أن تلك الهالة فقدت مغزاها في التصوير الإسلامي، ولم تعد أن تكون عنصرًا زخرفياً نراها حول رؤوس الأشخاص عامة لتمييزها وإبرازها.
أما عن الأصل الثاني فهو فنون الصين وأواسط آسيا، غير أنها كانت ترسم في الأكثر بيضية غير منتظمة الخطوط، مما جعلها تبدو على شكل شعلة نارية.
وأما الهالة التي استخدمت في الفن الإسلامي في أوائل عهده فتشاكل تلك التي كانت دائرية ثم ما لبثت مع امتداد الزمن أن تأثرت بمثيلتها في الفن الصيني والآسيوي فجاءت على شكل هالة نورانية.
كذلك أصابت هذه المدرسة توفيقًا في رسم الحيوان لا سيما الحيوان المستأنس في البادية العراقية من خيل وإبل، فأبدعت هذه المدرسة فيه أي إبداع لا سيما حين ساقت مشاهد من قوافل متراصة متتابعة من الإبل. ولقد جنحت المدرسة البغدادية في الرسوم النباتية إلى التنسيق الزخرفي، وأدى ذلك إلى الخروج عن الحقيقة المزئية للنبات، غير أنه على الرغم من هذا فثمة رسوم نباتية جاءت محاكية للطبيعة.
أما عما أُثر عن هذه المدرسة في تصوير العمائر فنراها قد التزمت أسلوب التشكيل الخطي linear* والاصطلاحي. وكان مصورو هذه المدرسة أقبل ما يكونون على استخدام الألوان الزاهية الخاطفة، ولعلهم كانوا يقصدون من وراء ذلك إلى جذب الأنظار ثم التعويض عما فاتهم من قصور في التجسيم modelling* والمساحات والمسافات.
كما نجد تلك المدرسة تلتزم في رسم الملابس أن تكون واسعة سادلة بأكمام مسترخية، وعلى تلك الأكمام أشرطة تحمل بعضاً من زخارف. وقد ضمت إلى هذا ألوانًا من الثياب منها ما هو بلا أطواء يحمل برقشة أو صورًا لأزهار وحيوانات أو رسومًا لأهلة وبروج، ومنها ما هو ذو أطواء تحاكي الأمواج المضطربة، وقد يسرفون في الأطواء فتبدو معقدة مجافية للمألوف. وثمة نوع ثالث من تلك الثياب تبدو فيه المكاسر على هيئات زخرفية، تارة كالأصداف المتراكبة وتارة كالديدان المتجمعة. وكان مصورو تلك المدرسة إذا ما حاولوا تصوير اضطراب المياه أو تلك العقد التي تحملها سيقان الأشجار عبروا عن ذلك بتقنة "الديدان المتجمعة" vermiculated.