أسس نقد الاقتصاد السياسي

أسس نقد الاقتصاد السياسي (بالألمانية: Grundrisse der Kritik der Politischen Ökonomie) المعروفة بجرندريسه هي مخطوطة طويلة  غير تامة كتبها الفيلسوف الألماني كارل ماركس. بعد أن وضعها ماركس جانبا في عام 1858، ظلت غير منشورة حتى عام 1939.

لم يعد ماركس بشكل جدى إلى دراسته النظرية بعد كتابه "الإيديولوجية الألمانية" مرة ثانية إلا فى عام 1857، بعد أن كانت قد مرت تسع سنوات على استقراره فى لندن. وقد تركز اهتمامه فى هذه المرحلة حول الكيفية التى تضافرت بها قوى إنتاج بعينها، ونظم معينة لتقسيم العمل، مع إيديولوجيات الملكية فى تقسيم الناس إلى طبقات. وقد كان نتاج هذا العمل ذلك المجلد الضخم الذى يناهز عدد صفحاته الثمانمائة صفحة، و الذى عرف باسم "أسس نقد الاقتصاد السياسى (عام 1858). ونظراً لأن ماركس كان قد أصبح آنذاك صحفياً معروفاً، فقد استطاع أخيراً أن يجد ناشراً لمؤلفاته النظرية. واستطاع ماركس بصعوبة بالغة أن يستخلص مجلداً مختصراً من "أسس نقد الاقتصاد السياسي" عنونه "مساهمة فى نقد الاقتصاد السياسى (نشر عام 1859). وقد فشل هذا الكتاب فشلاً ذريعاً عند نشره، وباستتناء تمييزه الشهير بين البناء التحتى فى مقابل البناء الفوقى الذى تنطوى عليه مقدمة هذا العمل، فإن الكتاب كان مستغلقاً على الفهم حتى من جانب كثير من أصدقائه المقربين. وبناء عليه فقد ماركس وناشره أى اهتمام بنشر أي أعمال من هذا النوع. وكان ذلك أمراً مؤسفاً، إذ ترتب عليه الانتظار لعدة سنوات حتى اضطر ماركس اضطراراً إلى إعلان الحلقة المفقودة فى نظريته الاقتصادية، نظرية قيمة العمل، وأن يفصل الآثار المترتبة عليها فى صورة منشورة. وقد أقدم ماركس على ذلك أخيرا فى عام 1867، عندما نشر الجزء الأول من "رأس المال" ثم نشر الجزآن التاليان من رأس المال بعد وفاة ماركس فى عامى 1885، 1893 على التوالى. ومن بين الاستخلاصات النظرية المشتقة من نظرية قيمة العمل المنشورة فى هذه الأجزاء الأخيرة تتبوأ المكانة الأساسية نظرية الأزمة التى صاغها حول فكرة "ميل معدل الربح إلى التدهور" وآثاره المعاكسة.

محتويات

موضوع جرندريسه واسع النطاق بشكل كبير ويغطي كل الأقسام الستة في نظرية ماركس الاقتصادية. وغالبا ما توصف بأنها مسودة أولية لكتاب رأس المال، على الرغم من أن هناك خلاف كبير حول العلاقة الدقيقة بين النصين، وخاصة حول مسألة المنهجية.

بسبب اتساع موضوعها واشتمالها على ثيمات من كتابات ماركس المبكرة، لجرندريسه أهمية بين مؤلفات ماركس.  يشمل موضوعها الإنتاج، علاقات الإنتاج، التوزيع، تبادل، الاغتراب، قيمة، العمل، الرأسمالية، صعود التكنولوجيا والأتمتة، أشكال التنظيم الاجتماعي قبل الرأسمالية، الشروط المسبقة لحدوث الثورة الشيوعية. وقد لاحظ الباحثون وجود اختلافات أساسية بين كتابات ماركس المبكرة مثل الأيديولوجية الألمانية و البيان الشيوعي ، والكتابات المتأخرة مثل رأس المال وجرندريسه مما يشير إلى أن آراء ماركس قد تطورت، رغم أن المواضيع الرئيسية بقيت على حالها.

كما ادعى مارتن نيكولاوس وآخرون، جرندريسه بالغ الأهمية لفهم تحليل ماركس الناضج للرأسمالية، على الرغم من أنها تاريخيا كانت ذات تأثير طفيف في تطوير الفروع المختلفة من النظرية الماركسية من النصوص السابقة مثل البيان الشيوعي، المخطوطات الاقتصادية والفلسفية 1844 و الألمانية أيديولوجية. قبيل وفاته، فإن ماركس، وفقا لنيكولاوس، نظر إلى هذا المؤلف الأخير «بشك يقارب الرفض». بينما كانت جرندريسه أحد النصوص القليلة التي تكلم عنها ماركس «بشعور بالإنجاز.» إذا كان هذا صحيحا، قد يكون السبب الرئيسي لذلك كون الجزء الأول والأساسي من الألمانية أيديولوجية كان قد كتبه فريدريك إنجلز في حين أن الأجزاء اللاحقة، الساخرة من الردة اللغوية  والمتاجرة اللغوية لفلاسفة الهيغلية اليسارية  كتبها ماركس.

الفيلسوف الفرنسي لوي ألتوسير يعتقد أن فكر ماركس قد أسيء فهمه وقلل من شأنه. وقد أدان التأويلات المختلفة لماركس—مثل التاريخانية، المثالية، الاقتصادوية—على أساس أنها لا تدرك أن «علم تاريخ» ماركس، المادية التاريخية، يمثل نظرة ثورية للتغيير الاجتماعي. يعتقد ألتوسير أن هذه الأخطاء ناتجة من فكرة (خاطئة في رأيه) أن مجمل مؤلفات ماركس تشكل كاملا متساوقا. طرح ألتوسير فكرة وجود قطيعة معرفية راديكالية في فكر ماركس، يمكن ملاحظتها من خلال مقارنة جرندريسه غيرالمنشورة  ورأس المال.

تأثير جرندريسه

كان لترجمة جرندريسه إلى اللغة الإنجليزية في عام 1973 تأثير عميق على مجال الدراسات الثقافية الذي كان في طور النشوء حينها. ستيوارت هول، الذي شغل حينها منصب مدير مركز الدراسات الثقافية المعاصرة في جامعة برمنغهام، قاد العديد من الندوات حول مقدمة  ماركس للجرندريسه، وخاصة «منهج الاقتصاد السياسي.» هذه الندوات توجت بإصدار ورقة عمل بعنوان «ملاحظات ماركس حول المنهج: قراءة لمقدمة 1857» وفقا لجريج وايز، في ورقة العمل تلك، وضع هل أسس نظريات overdetermination والتعبير،  التي سيتم استخدامها في دراسة عن السطو في المملكة المتحدة، تنظيم الشرطة للأزمة.