كانت هنا قبل اليوم !

من قصص عارف


سؤال لم أضعه فى اعتبارى حينما التقينا فى دوحة البوح ، هل جئتى هنا قبل اليوم برداء مختلف و كينونة أخرى أم أن هذا أول مجيئك ؟ ليتنى تذكرته حتى أعلم هل ستجيب عنه بصدق أم ستنكر ! كل الدلائل كانت تحدثنى بأنها كانت هنا قبل هذه المرة ، عبيرها الباقى فى ظلال أخرى ، صوتها القاطن فى حنايا المكان ، خطوط يديها الباقية دون تحريف ، كل ذلك كان يثبت لكننى ترددت فى السؤال دون أن أعرف أن الحيرة ستتابعنى اليوم للبحث عن إجابته .. خرجت من تلك الدوحة ذات مرة ربما قد أرغمتها الظروف على الخروج و أكرهتها عليه ! و لربما ناداها العقل فرحلت مستجيبة لندائه ، لكنها عادت ! فأين كان صوت العقل حينما عادت ، هل أعادها القلب فاستجابت بنازع من داخله أم أنها لم قد ارتبطت بأشجاره و بساتينه ؟

بالأمس كانت أكثر جرأة حينما زرات الدوحة للمرة الأولى و اليوم ترتدى ثيابا من صمت يطول ارتداؤها له و تكسوها حلة من أناقة فى الحروف و انتقائها و طريقة نظمها ! لكن الرائحة تتوافق ما بين الزيارتين ، هى هناك تغزل ثيابا من تحرر و هنا تسدل على نفسها الستائر ، فى ذات الركن جلست مع الآخر و قد اختارته لأنها رأته مختلفا عن سكان الدوحة و زوارها و عمّارها ، و لربما كان اختيارها الثانى لنفس السبب ! لا أسأل عن كنه الأول أو من يكون ، فلا يهم ، لكن ما يهمنى اليوم هو لماذا لم تخبرنى عن دخولها هنا قبل هذه المرة ؟ربما رأت انا لو أخبرتنى عن دخولها لاضطرت لإخبارى عن ظروف إقامتها و كذلك عن أسباب خروجها و التى ربما حملت من الماضى آلاما هى فى غنى عن اجترارها مرة اخرى ، او ربما رأت فى قصتها ما ينتقص من قدرها فى عينى ! كل شئ محتمل ..و لكن ما يضعنى فى حيرة أمام سؤال آخر هو بقاء مقعدها كما هو تركته خلفها لم تُخرِجه ، فلماذا ؟ هل هو مزيد من إجراءات الحيرة أم أنها قد نسيته خلفها ؟

فى النهاية لكل منا الحرية فى نيل تأشيرة الدخول أو الخروج ، لكن ما يؤلمنى حقا هو أن الطباع ربما قد اختلفت قليلا و التستر خلف الحجب قد يجعل من الحيرة رداءَ العقل حين تداهمه الأسئلة ، هذا الوعى الذى تتحلى به اليوم لا يكون إلا بعد المرور بطريق التجارب المرهقة فمن أى التجارب مررتى يا جرح الزمن ؟ و ذلك الصمت المطبق ربما ينم عن المرور بتجارب أكثر عمقا فهل حدث ؟ أعلم أنه من الطبيعى أن من كانت أبوابه منغلقة عليه يثور حين تُفتح له الأبواب و ينطلق عابثا لا يستوعب العواقب ، لكن هل يدفعه هذا على الخوض فى غمار البحر بعمق يسبر أغواره ! ثم حينما تحمله الأمواج و يراها ترتفع به يهرب منها ! هذا مقبول ، لكن هل مقبولة هى العودة برداء جديد مع كل تجارب الغرق و استصراخ النجدة ! تلك الأسئلة لن تُجاب ، فلا هى ستقر بمجيئها هنا قبل اليوم ، و لا البراهين ستسطع مع وجوب كل الاحتمالات ، و ينهار كل ذلك أمام رد وحيد و هو : لا تحاسب من لا سلطان لك عليه .

قصص مشابهة قد تعجبك