الصعود إلى الهاوية: الحلقة الأولى
لا اعرف من اين البداية ولا أدرى متى النهاية، لكنها الحكاية بكل تفاصيلها واحداثها وشخوصها.
متى بداء كل هذا؟ اليوم اتممت عامي ال ٣٥ وبعد خمس سنوات من زواجي ب "ليلى". البداية كانت فترة مراهقتي حيث كنت على مشارف اول فصولي الجامعية حاصل على مجموع محترم في الثانوية العامة ساعدني على الالتحاق بكلية الهندسة بجامعة القاهرة التي تخرجت منها بتقدير امتياز في تخصص البرمجيات وهندسة الحاسبات .. تفاصيل مملة؟ نعم قد اتفق معك عزيزي القارئ، لكن هل هناك حكاية بغير تفاصيل! ..
أستطيع ان اقول انه بظهور نتيجة الثانوية العامة بداء القفص الاسري تخبو قيوده عن طفل ظل أهله يحوطه بسياج من الرعاية الزائدة عن الحد في حين والخانقة في احيان اخرى. بالطبع كانت المدرسة الاعدادية والثانوية متنفس ولكنها كانت مدرسة دولية يرتادها ابناء اسر تسكن اعلى الطبقة المتوسطة والطبقات التي تعلوها. كان بالمدرسة العديد من التجارب والانفتاح على بعض المواضيع الجنسية المحرمة في مجتمعنا على الجميع وليس الاطفال فقط وكم كان يزيد استغرابي لهذا الامر كلما زاد عداد عمري وزادت حصيلة معرفتي. فالجنس شيء اساسي كالطعام الذي ناكله كل يوم ونتغنى في مذاقه وتنوع اصنافه لكن لا نستطيع ان نفعل المثل مع الجنس لا يمكن لرجل فضلا عن امرأة ان يتحدث عن تجربة جنسية لذيذة قضاها او حتى قبلة حميمية خطفها هو وصديقته خلسة بعيدة عن الانظار، الجنس هو طعام ضروري للإنسان لكن يجب ان يتناوله في صمت وانا لا يتحدث عنه مع احد ويا حبذا لو اظهر انه لا يقترب منه .. هكذا هو مجتمعنا يا سادة، يعشق المتلحفين بالفضيلة حتى لو كانت فضيلة زائفة ..
بالمدرسة خَبِرتُ العديد من الاشياء واطلعتُ على العديد من المقاطع الجنسية التي كانت متداولة بين الطلبة وسمعت عن الكثير من العلاقات بين الطلبة والطالبات خصوصا في دوائر الشلل التي نستطيع ان نقول عليها "اللي مقضينها". بالطبع كنت اتطلع إلى الالتحاق بإحدى هذه الشلل لكن دائما كان هناك نفور منهم تجاهي وكأن تفوقي الدراسي كان وبالا عليا وجعلني أبدو في اعينهم غير لائق لان اكون ضمن حظوتهم او ان اكون تحت حمايتهم التي كانت تُكفل لكل من ينضم للشلة. كان عزائي الوحيد هو انني كنت اراهم يجرون كالأرانب المذعورة خارج اسوار المدرسة امام طلبة المدرسة الحكومية المقابلة لمدرستنا وكنت ارى رؤوس وزعماء هذه الشلل يفرون تاركين زميلاتهم إذا بداء بعض الصيع (كما يطلقون عليهم) من هذه المدرسة التحرش بهن خشية انت تنتهي المشاجرة التي تنتج عن اصابة احدهم بخدش او جرح سطحي لملاحهم الثرية او ملابسهم الوثيرة. كانوا يعلمون ان طلبة المدرسة الحكومية "مستبيعين" ولا يعنيهم ان ذهبوا إلى اهليهم ممزقي الثياب او مصابين بجروح لأنهم سيعودون في اليوم التالي بحشد مِن منْ سيتربصون لمن اعتدى عليهم لينال عقابه ولينالوا انتقامهم ويستردوا كرامتهم.
كان أحد هؤلاء الصيع "مصطفى" ابناً ل "عم أبراهيم" حارس بناية سكنية متوسطة الطول بأحد شوارع ميدان لبنان بالمهندسين. هذه البناية التي كنت اسكن في طابقها الثالث انا "حمدي"، وامي "سامية" سيدة المجتمع وعضوة بارزة بنادي الصيد بالمهندسين، وابي "شاكر" العضو المنتدب بأحد الشركات المتعددة الجنسيات بالقرية الذكية.
كان وجود مصطفى بالمدرسة الحكومية المجاورة لمدرستي يبعث الطمأنينة في نفسي لأنه وإن لم تكن بيننا صداقة، لكن كان دائما يتدخل ان حدثت اي مضايقة لي انا و "ليلى" زميلتي بالصف وجارتي بالسكن ونحن في طريقنا إلى موقف الباص الذي يقلنا إلى المنزل قبل ان يستكمل هو طريقه اما سيرا على الاقدام او محطة اتوبيس النقل العام الذي يركبه ان ملَّ من السير او حركته شهوته للقفز داخل الاتوبيس المزدحم عله يحظى بفريسة تستلم لتحرشاته وتستجيب قهرا او رغبة لقضيه الملتصق بمؤخرتها حتى يأتي وطره ويقذف او تاتي محطة وصول احدهم ويغادر الاتوبيس.
هل سمعت عزيز ي القارئ وعزيزتي القارئة او رأيتم يوما الطائرات الورقية يدوية الصنع؟ بصفتي مهندس أستطيع ان اقول ان هذه الطائرات هي معجزة هندسية على بساطتها وبساطة ادوات صنعها. في الاحياء الشعبية والفقيرة حيث لا يجد الاطفال والمراهقين رفاهية الذهاب الى محلات مثل ToysRus لشراء لعب باهظة الثمن وقبل غزو الالعاب الصينية رخيصة التكلفة وبخثة الاثمان، سوى صناعة الطائرات الورقية واللعب بها فوق أسطح منازلهم في الصيف إذا اتت رياح مناسبة تحملها إلى السماء. الاعجاز من وجهة نظري ان هؤلاء الأطفال كان بإمكانهم ان يصنعوا شكل مسدسي متقن الزوايا والاطوال ويصنعون ذيلا من الخيط والورق يناسب حجم المسدس بدقة متناهية وينصبون هرما من الخيط مرتكزها على احد مثلثات المسدس باطوال دقيقة تتصل قمة هرمه بخيط طويل ملفوف على بكرة من الخشب او البلاستيك للتحكم في الطائرة عن بعد .. مرة اخرى تفاصيل مملة؟ اعذرني فانا عاشق لزمن اصبح ذكرى اتحرك لها عشقا وحنينا ..
كما اسلفت هذه الطائرات الورقية كانت قاصرة على الاحياء الفقيرة والشعبية، لكن بفضل مصطفى ابن عم ابراهيم بواب عمارتنا حلقت احداها في سماء ميدان لبنان الحي الراقي بالمهندسين وكان مركز القيادة والتحكم هو سطح بنايتنا التي لم تكن شاهقة ولكنها كانت مناسبة من وجهة نظر مصطفى لتكون محطة اقلاع طائرته وهبوطها. كم صيفا مر ومصطفى يمارس هذه الهواية فوق بنايتنا لا أدري فقلما نحتاج إلى الصعود للسطح الذي يتكون من عدة غرف لكل شقة غرفة تستخدمها لأغراض مثل تخزين الاثاث او الاغراض الزائدة عن الحد واحيانا لنشر الغسيل اذا تعطل مجفف الملابس. كان معظم مرتادي السطح هم العاملون لدى اصحاب الشقق وبالقطع عم ابراهيم وكما اخبرتكم ولده مصطفى.
بعد ان تقلصت قيود والدي وقل الخناق بعد حصولي على مجموع محترم بالثانوية العامة مكنني من تحقيق رغبتهما في الالتحاق بكلية الهندسة بداءت اتحسس طريقي بعيدا عن البيت. أصبح مسموحا ان اخرج وحدي لملاقاة اصدقائي بالنادي الذي كانت زيارتي لهو مقصورة على اصطحاب ابي او امي له في ايام العطلة الاسبوعية. أصبح مسموحا لي الذهاب الى السنيما مع اصدقائي وليد وبيتر جيراني ببنايات تسكن نفس شارع بنايتنا. هل اخبرتكم من من اصدقائي الاثنين أكثر خبرة ودراية بالأمور التي كنتُ أجهلها؟ نعم انه بيتر فهو يكبرني انا ووليد بعامٍ كما ان لديه مساحة أكبر من مساحتنا على الحركة والتجول والانفتاح على تجارب لم يتح لنا التعرض لها. فقط كنا نسمع منه قبل وبعد انتهاء تمارين السباحة في النادي.
كان اول اجتماع لثلاثتنا بعد ظهور نتيجة الامتحانات بكافيه قريب من شارعنا. كان الاجتماع اشبه باحتفال مصغر وكان بيتر سعيدا ان وليد سيزامله له في كلية الاعلام حيث رسب في عامه الاول بالجامعة فأتيحت له ان يجلس وصديقه وليد على مقعد واحد بمدرجات الكلية ليس ببعيد من كلية الهندسة حيث كانت وجهتي. طلب بيتر شيشة وقهوة لنفسه وطلبت لنفسي عصير مانجو وطلب وليد مياه غازية. حاول بيتر ان يجرئني انا ووليد لتجربة تدخين الشيشة لكن كلانا كان يموت في جلده خشية ان يصادف لحظتها مرور أحد اولياء امورنا او اقرباء قد يشوا لهم بجريمتنا - بالقطع من وجهة نظرهم - ورفضنا التقاط اللي من يده مرات ومرات وهو في كل مرة يسمعنا بعض التعليقات الساخرة ويطعن في رجولتنا -من وجهة نظره بالقطع- وأننا لازم ننشف ونجمد كدة. بعد انقضاء سهرتنا دس بيتر في يدِ كل منا سيجارة من علبة يحتفظ بها في جيبه. دس وليد ما اخذه في جيب بنطاله سريعا معلنا ان استعداده لتجربتها بيعد عن اعين الناس ووالديه. اما انا فقاومت قليلا ولكن انهارت حصون مقاومتي مع تزايد ضحكهم وسخريتهم من اثناء عودتنا حتى امتعض وجهيا حقدا ونقمة عليهم وقبل ان اغير اتجاهي صوب مدخل بنايتي طلبت من بيتر ان يعطني السيجارة مرة اخرى فمد يده بها في فرحٍ وسرور ودرستها في جيبي وانا في طويتي نفسي لا اعلم ماذا سأفعل به لكني اخذتها.
يقولون ان الثمرة الفاسدة تصيب بقية السلة ولكنهم اغفلوا ان كل الثمر لابد ان يفسد ولو بعد حين طالما لازم السلة. لن تبقى ثمرة صالحة طوال الوقت إذا لم يستهلكها أحدهم، فقط بعض الثمرات تفسد قبل بعضها ولكن بالنهاية الجميع يفسد.
اخفيت سيجارة بيتر ولا اعلم ماذا سأفعل بها، فكرت ان اتخلص منها وارميها من البلكونة حتى لا يدري أحد إذا صادف وعبث بسلة المهملات. لكني تراجعت وقررت ان ابقيها حتى الصباح واقرر مصيرها. قبل ان أغفو تقلبت بسريري يمنى ويسرى أفكر وأفكر كما اعتدت ولكن هذه المرة ليست متعلقة بمعادلات الكيمياء ومسائل الفيزياء والتفاضل والتكامل والاختبارات والدرجات. هذه المرة كنت أفكر بسيجارة بيتر هذه اللفافة الورقية البيضاء التي تحتضن تبغ فكرتي عنه انه ضار ويسبب امراض صدرية كما اشيع عنه ولكن ملايين البشر ينفقون اموالهم حتى يسحبوا دخانه وينفثوه. عجيب امر الانسان لا يشتهي الا مايضره ولا يسعى الا لما هو محرم عليه. كان بإمكاني ان اتخلص من السيجارة وازعم انني دخنتها امام بيتر ووليد ولكن بداخلي شيئا يخبرني انه يجب ان أدخنها واختبر ماذا تصنع برؤوس من يدخنونها. كانت السيجارة كالشجرة المحرمة التي ان اكلت منها سوف اطرد من جنة البراءة واهبط على ارض الانحلال والسفور. من يتمنى ان يبقى بريء ابد الدهر لابد ان يخرج من طورٍ إلى طورٍ آخر، لكن اي طورٍ انا مقبلٌ عليه!
حزمت امري وقررت ان أدخنها أيا كانت العواقب، لا لم أكن بهذه الجراءة بعد ولكني قررت ان أدخنها دون ان يفتضح امري تماما كما ينوي وليد الذي أخبرني انه دخنها بالحمام ولكن الشك والريبة اعتلى وجه والدته عندما دخلت الحمام ووجد فيض من معطر الجو يملأ جنباته وهي تعلم تمام العلم ان رش معطر الجو ليس من شيم وليد فحاصرته بالأسئلة من كل جانب ولكنه استطاع ان ينجو. البشر لم يصلوا إلى ما وصلوا له اليوم الا عن طريق التجارب والاستفادة منها، ومن لا يستفيد من تجارب الغير هو أحمق وبالقطع انا لست أحمق او بعبارة ادق ام أصبح أحمق بعد.
كان البديل الآمن من وجهة نظري هو ان اأخذ سيجارتي واصعد بها إلى سطح بنايتنا وأدخلها في ركن منزوي لا يجرحه شباك او سطح بناية مجاورة. بعد حصة الغذاء قرابة الساعة الخامسة قررت ان امضي في طريقي وان أعرج إلى مصيري المحتوم وقدري الذي كان ينتظرني فوق السطح. نعم انه مصطفى ابن عم ابراهيم الذي فوجئت بوجوده فوق السطح يمسك بكرة الخيط ويوجه طائرته الورقية لتتناغم ما الرياح واتجاهها. لم يكن مصطفى جزء من خطتي ولكن كلانا كان جزء من خطة اخرى لم نكن نعلمها بعد.
وقت أتأمل مصطفى وهو يتحكم بهذه الطائرة الورقية ببراعة لم اعهدها ولم أكن اعرفها من الاساس. كان بالنسبة لي وقتها مثل توماس اديسون مخترع المصباح الكهربائي وكنت مبهورا بهذا الاختراع. لا اعلم كم من الوقت مضى قبل ان يلتفت مصطفى اليا ويدرك انني موجود، بالطبع نسيت امر سيجارتي وبقيت ساكنة جيب الشورت البرمودة الذي كنت ارتديه هي وعلبة الكبريت التي اخذتها خلسة من مطبخ منزلنا. التفت ابراهيم ناحية الزاوية التي كنت أقف بها مبحلقا في السماء اتابع طائرته، تفاجأ بالبداية لكن مع مرور الوقت أحس بالزهو والفخار وهو يراني مبهورا بما يفعل، قبل ان يقترب مني ويحدثني:
م: ازيك يا حمدي، عامل ايه؟ مبروك النجاح صحيح.
انا: **** يبارك فيك، انت عملت ايه صحيح؟
م: نجحت الحمد لله بس جبت مجموع ضعيف، مش عارف هلحق تجارة ولا لا
انا: لا ان شاء **** تجيلك الكلية اللي بتتمناها
لاحظ ابراهيم تعلقي بالطائرة اثناء الحديث فغير وجهته لها
م: تحب تجرب؟
ومد الي الخيط والبكرة ولكنني فزعت فانا لستُ خبير وانتابتني رهبة شديدة وكان هذه الطائرة تحمل ركاب وانا اشعر بمسئولية تجاههم.
انا: لا انا معرفش وممكن تقع مني
اجبته وانا يعتلي وجهي بعض من القلق والرهبة
م: ايه المشكلة ما توقعها، هعمل غيرها، منا كدة كدة كل كام يوم تبوظ مني طيارة او حد يصيدها مني واعمل واحدة تانية.
وقعت كلمة "يصيدها" على اذني كالصاعقة. مين يصيدها؟ وكيف يصيدها؟ هل هناك حرب ما تدور في سماءنا لا نعرف عنها شيئا؟
انا: مين ده اللي يصيدها يصيدها ازاي يا مصطفى؟
ضحك كثيرا قبل ان يرد علي:
م: هنا مفيش حد بيطير غيري بس في ميت عقبة مطرح مانا ساكن شباب كتير بيطيروا الاسطح بتاعتهم ويقعدوا يرموا على بعض بالخيط لحد الطيارات ما تشبك في بعض واول ما يشبكوا كل واحد يلم الخيط بأسرع ما يمكن واللي يقدر يمسك طيارة غيره يبقى صادها .. وساعات الطيارتين يشبكوا ويقعوا الاتنين على سطح حد تاني ويأخذهم هو وهكذا.
كان يبدوا عليه انه يشرح شيئا اعتيادي وطبيعي لكن بالنسبة لي كان الامر اشبه بوصف المعارك الحربية والخطط العسكرية التي سمعنا عنها في معارك كالتي خاضها طارق ابن زياد او نابليون بونابارت.
انا: يااه كل ده بيتعملوه بالطيارات دي؟
م: واكتر كمان، ممكن في مرة، لو تحب، اخدك معايا افرجك. انا بس النهاردة جيت اطير هنا علشان هاروح مع ابويا مشوار كمان شوية فقولت اطير هنا عبال ما يخلص.
انا: اها، وبتمشي بيها في الشارع ازاي دي
م: لا دي انا عملتها هنا وسايبها في قوضة هنا على السطح وعندي غيرها في البيت وعندي خوص وورق وخيط هناك علشان لو حبيت اعمل غيرها.
انا: ياه ده واضح ان الموضوع كبير
م: طب تعالى جرب متخافش
انا: لا يعم لحسان اضيعهالك
م: بقولك ولا يهمك لو ضاعت، طب اقولك تعالى امسك الخيط من هنا وانا هقف وراك ببقية الخيط والبكرة علشان لو حصل حاجة اتصرف انا.
كان اقتراحه مقبولا ويبعث بعض الطمأنينة حيث انني لن اكون سوى مساعد طيار او طيار مبتدئ برفقة طيار خبير قادر على الامساك بزمام الامور حال انفلاتها والتي كان انفلاتها أسرع مما كنت اتخيل. اقتربت من مصطفى وامسكت الخيط من موطئ اشارته ووقف هو خلفي يمسك ببقية الخيط وبكرته.
كان الامر اشبه بمغامرة لا تقل حماستها عن مغامرة تدخين سيجارة لأول مرة في حياتك بعيدا عن اعين الناس. اخذت أحرك الخيط يمينا ويسارا طبقا لتوجيهات مصطفى الذي كان ممسكا بالدفة بإحكام واستطاع ان يتفادى العديد من المطبات التي كدت ان اضيع فيها الطائرة وبعد كل مطب كانت اثارة المغامرة تزيد وكان عليه يقترب أكثر مني حتى يحكم امساكه بالدفة. تواصل اقترابه مني حتى أصبح ملاصقا لي، كان طوله تقريبا مثل طولي اوي يزيد علي بضع سنتيمترات. كان مضطرا ان يلتصق بي ويمرر يديه من أسفل ذراعي ليمسك الخيط بيديه وتكون امامهم بمسافة صغيرة يدي. هذا الالتصاق كان بمثابة النار التي اشتعلت بحقل من القمح في يوم حار وجاف. لما انتبه لوضعنا التشريحي في بادئ الامر ولكن مصطفى قد استحضر من الوهلة الاولى مشهد الاتوبيس المزدحم والتصاقه وتحرشه بالراكبات. وبالرغم من انه يعلم تمام العلم ان الذي يقف خلفه ذكر لكن هذا لم يمنع الشهوة من ان تجد طريقها إلى زبره الذي حفزته طراوة طيزي وهو يتحرك فوقها بطريقة شبه متناغمة ونحن نقود الطائرة سويا او هكذا كنت اظن.
فقد أهمل الطيار الاساسي الطائرة كليا وانشغل بشيء اخر، ولولا ان الطيار المبتدئ قد اكتسب بعض الخبرة لسقطت الطائرة في اللحظة التي انتصب فيها زبر مصطفى على اردافي الطرية والتي لم يكن الشورت الصيفي الذي ارتديه سوى محفز لإبراز مدى طراوتها. فقد مصطفى التركيز تماما فيما افعله انا بالخيط وامسك هو بشيء اخر. امسك بوسطي واخذ يسدد ضربات خفيفة بزبره فوق طيزي. رويدا رويدا تسارعت ضرباته وبداءت اشعر بها وبداءت اشعر ان هناك شيء يسدد نحو طيزي وأدركت للمرة الاولى أنى امسك الخيط وحدي وان مصطفى قد تركه تماما.
كنت في حيرة من امري، هل اسعد بنفسي لأنني استطعت ان اتحكم بالطائرة بهذه البراعة ام اخجل منها واتوارى خجلا من مصطفى الذي تركت له طيزي يعبث بها هكذا كما يفعل الرجال بالنساء! ياللغرابة، لقد صعدت هنا كي اهجر حديقة الطفولة إلى حديقة الرجولة وأدخن السجائر كما يفعل الرجال -بفرض انها فعل رجولي اصلا- وانتهى بي الحال ان يصنع بي ما يصنع بالنساء واي نساء! اللائي يقفن عاجزات عن الدفاع عن أنفسهن والزود عن مواطن عفتهن! لم أستطع ان اصرخ كما تصرخ بعضهن احيانا لو اتتهن جراءة. ولم أستطع ان ادفع مصطفى بعيدا عني واصفعه كما تفعل بعضهن لو استجمعن شجاعة.
فقط تركت الخيط من يدي وافلتُ الطائرة وانا اشعر باهتزازة مصطفى القوية وهو متشبث بكل قوته بوسطي غارسا زبره الذي يرمي حممه كالقذائف وهو ملاصق طيزي حتى انني شعرت ان واحدة منها انفلتت وحاولت ان تصيب الطائرة الورقية التي اخذت الخيط وبكرته وحلقت بعيدا عن هذه المدفعية التي لم تجد شيئا تصيبه سوى رجولتي وكرامتي وكبريائي امام مصطفى الذي ما ان قضى وتره الا وأدرك حجم خسائره في هذه المغامرة والتي كانت بالقطع لا تذكر مقارنة بالمكاسب الجمة التي حصل عليها وسوف يحصل عليها لاحقا.
الصعود إلى الهاوية
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة الأولى
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة الثانية
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة الثالثة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة الرابعة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة الخامسة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة السادسة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة السابعة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة الثامنة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة التاسعة
- الصعود إلى الهاوية: الحلقة العاشرة