ويليام هارفي

(بالتحويل من وليام هارفي)

ويليام هارفي (1578-1657) طبيب إنجليزي هو مؤسس علم وظائف الأعضاء عن طريق وصف الدورة الدموية الكبرى في جسم الإنسان. وهو مكتشف حقيقة الدورة الدموية وعمل القلب كمضخّة, فالدراسة الوظيفية للقلب والدورة الدموية بقيت على الأكثر متوقفة تماماً منذ 1400 سنة أيام عالم التشريح الإغريقي-الروماني غالينوس ولكن هارفي خاض هذا الحقل بشجاعة وجرأة بالإضافة إلى ذكائه وطرق تجاربه الدقيقة والتي اعتبرت نموذجاً للبحث العلمي في علم الحياة والعلوم الأخرى، كما شارك هارفي في البحث والتحقيق عن المغناطيس الذي كان الرصيد للبدئ بأبحاث تجريبية دقيقة في العالم أجمع.

إنجازه

كان وليم هارفي طبيبا بارقا للغاية بكل المقاييس. فقد كان الطبيب الخاص الاثنين من الملوك الإنجليز، وهما جيمس الأول وتشارلز الأول، هذا إلى جانب کونه واحدا من أبرز الأطباء في الكلية الملكية للأطباء. ولقد تزوج وليم هارفي من ابنة الطبيب الخاص بالملكة إليزابيث الأولى ، ولذلك ، كان لديه العديد من الوسائل المتابعة بحثه.

من الجدير بالذكر أن هذا البحث كان يدور حول كيفية دوران الدم في كل أنحاء جسم الإنسان؛ وهو ما جعله يواجه العديد من المشاكل. وكانت الأفكار المقبولة عقلانيا في هذه الفترة مصدرها الطبيب اليوناني جالینوس منذ ۱۰۰۰ عام. وهي أن هناك نوعين من الدم يتدفقان في أعضاء مختلفة من الجسم؛ وهما الدم الأحمر الغامق الذي يتدفق في الأوردة والدم الأحمر الفاتح في الشرايين؛ أي الدم الوريدي في الكبد والدم الشرياني في القلب. ويتم استهلاك هذه الكمية من الدم، بمجرد انتقالها إلى أجزاء عديدة من الجسم.

أما هارفي فقد كانت له أفكار مختلفة تماما وقد استقى تلك الأفكار من دراسات الأطباء العرب، بالإضافة إلى طبيب القرن السادس عشر الأسباني مايكل سيرفيتوس والذي تم حرقه نتيجة لغطرسته وإلحاده. ومن منظوره، كان الدم يدور حول الجسم في حلقات دائرية كبيرة بواسطة القلب، الذي يعود إليه الدم مرة ثانية. كما تنقل إحدى هذه الحلقات الدم الأحمر الفاتح للعضلات والأعضاء فيصبح لونه بعد ذلك غامقا. وتقوم حلقة أخرى بتمرير الدم الأحمر الغامق من خلال الرئتين اللتين تعيدان الدم للونه الأحمر الفاتح.

لقد قام هارفي بتوضيح هذه الآراء المتطرفة في عام 1916 ثم قام بنشرها في عام 1628 في كتابه On the Motion of the Heart and Blood. ولم تكن هذه الآراء مقبولة في أثناء حياته. ولقد نسبت كل الاكتشافات الطبية في هذا الشأن للعالم جالینوس. وكان على هارفي أن يواجه النقد اللاذع الموجه إليه. ولقد كان كل دفاعه متشابها وكان يستند إلى الأدلة نفسها ولكن لم تتناسب هذه الآراء مع الآراء القديمة.

بالفعل، واجه هارفي مشكلة وهي أن تصوره حول طريقة عمل الدورة الدموية لم يكن مكتملا تماما. بوضوح، يتم تقسيم الشرايين ثم إعادة تقسيمها إلى أوعية دموية صغيرة جدا . وتتجمع الأوردة الصغيرة مع بعضها البعض لتصبح أوعية دموية كبيرة. لم يستطع هارفي شرح كيفية مرور الدم من الشرايين الصغيرة للغاية إلى الأوردة شديدة الضيق والعكس، على ترغم من تأكده من حدوث ذلك.

هذا، وقد تم إثبات ذلك بعد سنوات. وباستخدام الميكروسكوب، رأى مارسيلو مالبيجي (۱۹۹۱) وآخرون أن الدم ينتقل خلال شبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة في العضلات والرئتين لاستكمال دورة الدم. ولقد قام هارفي بعمل ملاحظات دقيقة للوصول إلى شرح ما بريده وما زلنا نقبل تلك الملاحظات حتى يومنا هذا.

إن ما اكتشفه الطبيب الإنجليزي ويليام هارفي عن كيفية عمل القلب ودوران الدم في الأوعية يعتبر الإنجاز الأهم في الطب في كل زمان ومكان -كما يعد الكثيرون. فقد رسخ هذا الاكتشاف مبدأ مهماً في الطب ألا وهو الاعتماد على التجارب العملية لفهم وظائف أنسجة وأعضاء الجسم المختلفة، إذ أن ما ألفه هارفي عام 1628 تحت عنوان(Exercitatio Anatomica de Motu Cordis et Sanguinis in Animalibus أو بحث تشريحي عن حركة القلب والدم في الحيوانات) كان فاتحة لما تلاه من تجارب وبحوث عديدة كشفت النقاب عن أسرار عمل باقي العمليات الفسلجية في الجسم- كالتنفس والهضم والأيض والتناسل.

كان هارفي قد أنهى دراسته الطبية من جامعة بادوا حيث تعلم فيها حقيقة مهمة الا وهي أن للأوردة صمامات تسمح بنقل الدم في اتجاه واحد فقط ولا تسمح له بالرجوع في الإتجاه المعاكس. ولكن دور هذه الصمامات لم يكن معروفاً على وجه التحديد. ورغم أنه كان لا يزال خطراً مخالفة آراء غالين، والتي دعا من خلالها بأن القلب لا يقوم بصنع الدم فقط بل ويضخه إلى كافة أنحاء الجسم أيضاً، فقد قرر هارفي دراسة تدفق الدم في الحيوانات الحية، وهو الأمر الذي كلفه 12 سنة قضاها في محاولة لإقناع الكلية الطبية الملكية في لندن بجدوى تجاربه وإبحاثه التي تضمنها كتابه الجديد والتي امتدح فيها غالين بينما حاول تحدي العديد من أفكاره.

ففي الفصل الثامن من أصل 17 فصلاً تضمنها كتابه، قدم هارفي ببالغ الحذر لنظريته الثورية الخطرة والتي تفيد بأن الدم يسري في دورة مغلقة خلال الجسم ابتداء من القلب فالشرايين فالإوردة التي ترجع به إلى القلب من جديد. أما في الفصول التسعة اللاحقة، فقد حاول هارفي أن يدعم نظريته بلغة إنجليزية واضحة للغاية. لقد تمكن هارفي فعلاً أن يشرح من خلال سلسلة من التجارب الممتازة على الحيوانات الحية الكيفية التي يدور بها الدم داخل الجسم. فعندما كان يسد شرياناً ما، فإن الوريد الذي يأخذ الدم من ذات الجزء كان ينكمش أيضاً، بينما كان انسداد الوريد يؤدي إلى تضخمه أسفل منطقة الانسداد وانكماشه أعلاه، الظاهرة التي لم تكن تلبث أن تزول بمجرد فتح الوريد من جديد. كما أوضح أيضاً بأن الصمامات الوريدية تسمح بجريان الدم بإتجاه القلب فقط. لقد أكدت هذه الاكتشافات سوية بأن للدم (دوراناً) داخل الجسم.