سورين كيركغور

سورين كيركغور (باللغة الدنماركية:Søren Kierkegaard، ويُكتَب بالعربية أيضاً كيركيغارد أو كيركغارد أو كيركجارد أو كيركيجارد)؛ (5 مايو 1813م - 11 نوفمبر 1855م)، سورين أباي كيركغور أو كيركغارد (5 مايو 1813- 11 نوفمبر 1855) هو فيلسوف دنماركي، ولاهوتي، وشاعر، وناقد اجتماعي، ومؤلف ديني، ويُعتبر على نطاق واسع أول فيلسوف وجودي. كتب نصوصاً نقدية حول الدين المنظم، والمسيحية، والأخلاق، وعلم النفس، وفلسفة الدين، مظهرًا في ذلك حبًا للاستعارات والسخرية والأمثال. تتعامل الكثير من أعماله الفلسفية مع القضايا التي تناقش كيف يعيش المرء «كفرد منفرد»، مع إعطاء الأولوية للواقع الإنساني الملموس على التفكير المجرد وإبراز أهمية الاختيار الشخصي والالتزام. كان ضد النقاد الأدبيين الذين حددوا المثقفين والفلاسفة المثاليين في عصره، واعتقد أن الباحثين فهموا هؤلاء الفلاسفة: سفيدنبوري، وهيجل، وفيشته، وشيلن، وشليجل بشكل أسرع من اللازم.

يركز العمل اللاهوتي لكيركغور على الأخلاقيات المسيحية، ومؤسسة الكنيسة، والاختلافات بين البراهين الموضوعية البحتة للمسيحية، والتمييز النوعي اللانهائي بين الإنسان والله، وعلاقة الفرد الذاتية بيسوع المسيح الإنسان-الإله التي تأتي عن طريق الإيمان. يتعامل الكثير من أعماله مع الحب المسيحي. كان ينتقد بشدة تطبيق المسيحية كدين للدولة، وخاصةً ما تفعله كنيسة الدنمارك. استكشف عمله النفسي عواطف الأفراد ومشاعرهم عند مواجهتهم خيارات الحياة.

كتب كيركغور أولى أعماله تحت أسماء مستعارة مختلفة استخدمها لتقديم وجهات نظر مميزة ولتتفاعل مع بعضها البعض في حوار معقد. استكشف المشكلات المعقدة بشكل خاص من وجهات نظر مختلفة، كل منها تحت اسم مستعار مختلف. وكتب العديد من الخطابات التأسيسية باسمه الحقيقي وأهداها إلى «الفرد المنفرد» الذي قد يرغب في اكتشاف معنى أعماله. ومن أبرز ما كتب: «يريد العلم والبحث الدراسي تعليمنا أنّ الموضوعية هي الطريق. بينما تعلّم المسيحية أن الطريق الصحيح هو أن تكون ذاتيًا، أن تصبح فاعلًا.» بينما يمكن للعلماء أن يتعلموا عن العالم من خلال الملاحظة، نفى كيركغور بشكل قاطع أن يكون للملاحظة قدرة على اكتشاف الأعمال الداخلية لعالم الروح.

تشمل بعض الأفكار الأساسية لكيركغور مفهوم «الحقائق الذاتية والموضوعية»، وفارس الإيمان، وثنائية التذكر والتكرار، والقلق المشوب بالذنب، والتمييز النوعي اللانهائي، والإيمان كشغف، والمراحل الثلاث على طريق الحياة. كتب كيركغور باللغة الدنماركية وكان استقبال عمله يقتصر في البداية على الدول الاسكندنافية، ولكن مع بداية القرن العشرين، تُرجمت كتاباته إلى الفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات الأوروبية الرئيسية الأخرى. وبحلول منتصف القرن العشرين، مارس فكره تأثيرًا كبيرًا على الفلسفة، واللاهوت، والثقافة الغربية.

حياته المبكرة (1813-1836)

ولد كيركغور لعائلة ثرية في كوبنهاغن. عملت والدته «آن سورنسداتر لوند كيركغور» كخادمة في المنزل قبل الزواج من والده «مايكل بيدرسن كيركغور». كانت شخصية متواضعة، وهادئة، وبسيطة، وغير متعلمة رسمياً، لكن حفيدتها «هنرييت لوند»، كتبت أنها «مارست النفوذ بفرح وحمت سورين وبيتر مثل دجاجة تحمي فراخها». كان لها تأثير على أطفالها، حتى أن بيتر قال في وقت لاحق أنّ شقيقه حافظ على الكثير من كلمات والدته في كتاباته. والده، من ناحية أخرى، كان تاجر صوف من يوتلاند. قرأ كيركغور وهو شاب فلسفة كريستيان وولف. فضّل أيضًا كوميديا لودفيغ هولبيرغ، وكتابات جورج يوهان هامان، وغوثولد إفرايم ليسينج، وإدوارد يونغ، وأفلاطون، وخاصة تلك التي تشير إلى سقراط.

منذ عام 1821 وحتى عام 1830، التحق كيركغور بمدرسة الفضيلة المدنية، حيث درس اللغة اللاتينية والتاريخ من بين مواد أخرى. وتابع في دراسة اللاهوت في جامعة كوبنهاغن. كان لديه القليل من الاهتمام بالأعمال التاريخية، ولم ترضه الفلسفة، ولم يتمكن من رؤية نفسه «مكرسًا للتخمين». قال: «ما أحتاج أن أقوم به فعلًا هو أن أكون واضحًا بشأن ماذا عليّ أن فعل، وليس ماذا يجب أن أعرف». أراد أن «يعيش حياة إنسانية كاملة وليس حياةً من المعرفة فحسب». لم يكن كيركغور يريد أن يكون فيلسوفًا بالمعنى التقليدي أو الهيغلي، ولم يكن يريد التبشير بمسيحيةٍ وهمية. «لكنه تعلم من والده أنه يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، وحياة والده لم تنقض هذه النظرية».

يومياته

وفقًا لصموئيل هوغو بيرجمان، «تُعد يوميات كيركغور واحدة من أهم المصادر اللازمة لفهم فلسفته». كتب كيركغور أكثر من 7,000 صفحة في يومياته عن الأحداث، والتأملات، والأفكار حول أعماله وملاحظاته اليومية. حُررت المجموعة الكاملة من اليوميات الدنماركية ونُشرت في 13 مجلداً مكونًا من 25 غلافًا منفصلًا بما في ذلك الفهارس. حرر النسخة الإنجليزية الأولى من اليوميات ألكساندر درو في عام 1938.

أراد كيركغور أن تكون خطيبته «ريجين» صديقته المقربة، ولكنه اعتبر ذلك أمرًا مستحيل الحدوث، لذا ترك الأمر «للقارئ، ذلك الفرد المنفرد» ليصبح صديقه المقرب. كان يتساءل ما إذا أمكن للمرء أن يكون لديه صديق مقرب روحي. وكتب ما يلي في حاشيته الختامية:

«فيما يتعلق بالحقيقة الأساسية، فالعلاقة المباشرة بين الروح والروح أمر غير معقول. إذا افتُرض وجود علاقة كهذه، فهذا يعني في الواقع أن الطرف توقف عن كونه روحًا».

كانت يوميات كيركغور مصدرًا للعديد من الأمثال والحكم المنسوبة إلى هذا الفيلسوف. المقطع التالي، العائد إلى 1 أغسطس عام 1835، هو ربما من أكثر أقواله استخدامًا وشكّل اقتباسًا رئيسيًا للدراسات الوجودية:

«ما أحتاجه حقًا هو أن أكون واضحًا بشأن ما يجب أن أفعله، وليس ما يجب أن أعرفه، إلا فيما يتعلق بالمعرفة التي تسبق كل فعل. ما يهم هو إيجاد غاية، لمعرفة ما الذي يريد مني الله حقًا أن أفعله؛ الشيء المهم هو العثور على الحقيقة التي هي حقيقة بالنسبة لي، لإيجاد الفكرة التي أنا على استعداد للعيش والموت من أجلها».

ريجين أولسن وتخرجه

من أهم جوانب حياة كيركغور -والتي يُرَى أنها أثرت بشكل كبير على أعماله- خطبته المفسوخة مع ريجين أولسن (1822-1904). التقى كيركغور وأولسن في 8 مايو عام 1837 وانجذبا إلى بعضهما البعض على الفور، ولكن وفي وقت قريب من 11 أغسطس 1838 كان لكيركغور رأي آخر. وفي يومياته، كتب كيركغور بشكل مثالي عن حبه لها.

في 8 سبتمبر 1840، تقدم كيركغور بطلب الزواج رسميًا من أولسن. ولكنه سرعان ما شعر بخيبة أمل من توقعاته. فسخ الخطوبة في 11 أغسطس 1841، رغم الاعتقاد العام بأن الاثنَين كانا غارقَين في الحب. في يومياته، أشار كيركغور إلى اعتقاده بأن «سوداويته» تجعله غير مناسب للزواج، ولكن يبقى دافعه المحدد لإنهاء الخطوبة غير واضح. في وقت لاحق، كتب كيركغور: «أنا مدين بكل شيء لحكمة رجل عجوز ولبساطة فتاة صغيرة.» ويُقال إن الرجل العجوز في هذا البيان هو والده والفتاة هي أولسن. قال عنه مارتن بوبر: «لم يتزوج كيركغور في تحدٍ منه للقرن التاسع عشر بأكمله». قال الجميع إنه من واجب كل شخص أن يتزوج، ولكن كيركغور عارض ذلك.

حوّل كيركغور انتباهه إلى امتحاناته. في 29 سبتمبر 1841، قدم كيركغور أطروحته ودافع عنها: حول مفهوم المفارقة مع الإشارة المستمرة إلى سقراط. رأت لجنة الجامعة أطروحته جديرة بالملاحظة ومدروسة، ولكن غير رسمية، وفكاهية بالنسبة لأطروحة أكاديمية جادة. تناولت الأطروحة السخرية ومحاضرات شيلن لعام 1841، والتي حضرها كيركغور مع ميخائيل باكوني، وجاكوب بوركهارت، وفريدريك إنجلز؛ وأخذ لاحقًا كل واحد منهم منظورًا مختلفًا.

تخرج كيركغور من الجامعة في 20 أكتوبر 1841 مع ماجستير في الآداب. كان قادرًا على تمويل تعليمه ومعيشته وعدة منشورات من أولى أعماله بواسطة ميراث أسرته البالغ نحو 31,000 ريغسدالر (عملة الدنمارك في ذلك الوقت).[١]

انظر أيضًا

كيركجور

الرائد الأول للوجودية، فيلسوف دانيمركي.

حياته

ولد سيرن آبي كيركجور Soren AabyeKierkeggard (وينطق في الدانيمركية: كيركجور) في • مايوسنة ١٨١٣ في كوبنهاجن (عاصمة الدانيمرك). وكان الابن الأخيرلأبوين كانا، حين ولد، متقدمين ي السن: الأب عمره ٥٦ عاماً، والأم ٤٤عاماً. وكان ابوه راعياً في سهوب جتلند Jutland بماني من قسرة عمله، حتى إنه في ذات يوم راح يجدف على الله ويصب اللعنات. لكنه ترك مهنة الرعي وصار بقالاً وبائع قماش في العاصمة. فنجح في تجارته إلى حد أنه تركها وهو في سن الاربعين بعد أن جنى منها ما يكفل له رغد العيش فيما تبقى له من العمر. وانصرف بعد ذلك إلى الحياة الروحية، وضميره مثقل بالتأنيب لأنه لعن الله وهوفي صباه، ولأنه تزوج من خادمته بعد وفاة زوجته الأولى مباشرة. فراح يتلمس العزاء الروحي في شيخوخته بالطرق المختلفة: في الكنيسة اللوترية (البروتستنتية) التي كان مخلصا لها، وفي جماعة الاخوة المورائيين، وفي فلسفة التنوير، وخصوصا في اجتماع كان يعقد في منزله ويتجلى فيه الكاهن مونستر -Myns ter ، الذي سيصبح فيما بعد اسقفاً على كوبنهاجن. فأصبح واسع الثقافة، عميق التقوى.

وتأثر ابنه الاصغر، سيرن، بأبيه أيماً تأثر وهو في طفولته. استمع إليه يقول عن نفه: «لما كنت طفلا تلقيت تربية متشددة قاسية هي في نظر الناس ضرب من الجنون. فمنذ نعومة اظفاري، تحطمت ثقتي بالحياة تحت الانطباعات التي تحطم تحتها الشيخ الحزين الذي فرضها علي: وحين كنت طفلا، وياللجنون! تدثرت بدثار شيخ حزين. فيا له من موقف رهيب!..»

كيركجور

٣٢٧

ذلك أن الوالد كان يشعر بأنه لا بد أن يكفر عن تجديفه على الله، وستقع العقوبة على أولاده. لقد دخل الموت بيته وابنه الأصغر في سن السادسة : فخطف إخوته وأخواته الواحد تلو الآخر حتى لم يبق إلآ سيرن وأخوه الأكبر بيتركرستان Peter Christian . فأحس اابن الأصغربالشقاء الذي حل بوالده، مما زادمن تعلقه به. فكان يقضي مع أيه الساعات يذرعان غرف البيت، ثم يخرجان بعد ذلك من امدينة من ناحية قصر مجاور للبيت، أو يتريضان على شاطىء البحر، أويتجولان في الشوارع والأب يحدث ابنه عن كل ما براه. وأهم من هذا كله انه كان احياناً يحضر -خفيق بعضي الاجتماعات المائية التي كانت تعقد في البيت، فشدا طرفا من العلم بالمشكلات الفلسفية التي كانت تطرح فيها. وكلما نما سيرن، اشترك في المناقشات مع أيه ومع أخيه الأكبر بيتر كرستيان الذي كان يلقب وهو طالب في جامعة جيتنجن يذرس اللاهوت بلقب «شيطان الجدل القادم من الشمال«، والذي سيصيرأسقفاً في أولبورج Aalborg. ومن ثم أولع الطفل الطلعة بالجدل والمناقشة، في السن لتي يولع فيهاأترابه بالحكايات والقصص. ولهذا يقول عن نفسه وهويشيرإلى تلك الفترة: «لم أعرف المباشرة، لسبب انسافي خالص، ذلك أنني لم أحي : لقد بدأت منذ البداية، في التأمل والتفكير. إنني لم اكتسب بعض التأمل والتفكير مع السن: فالحق أنني تأمل وتفكير من البداية حتى النهاية» . لهذا لم يعش سيرن طفولته كائر الأطفال.

وفي سنة ١٨٢١ دخل مدرسة بورجر ديدسكول Borgeraydskol التي كان يديرها ميكائيل نيلسن Michael Nielsen . لكنه كان في المدرسة يعتزل زملاءه، ولا يصادق احداً ولا يدعوأحداً ولا أحد يدعوه إلى منزله. فظل بينهم غريباً، وموضوعاً للشفقة والرثاء ببب بزته الى كانت داثما هي هي لا تتغير: ثياباً من القماش الخشن الأسود اللون ذ التفصيل العتيق، وجاكتة قصيرة، وجوارب من الصوف، وأحذية كبيرة. ولقبوه: «طفل الكورس» لأن ملبسه هذا يذكر بملابس الأطفال المنشدين في مدارس الكنيسة. لكنه كان ينتقم لنفسه منهم بما يلمزمهم به من ألقاب.

غير انه لم يلمع في الدراسة، في) عدا في اللغة اللاتينية؛ وكان قليل الاجتهاد، غشاشاً في بعض الأحيان. والموضوعات التي كان يكتبها كانت غامضة فاترة، ولا شيء فيها يؤذن بكاتب المستقبل اللوذعي الشاعر

وفي خريف سنة ١٨٣٠ قدمه الناظر نيلسن لنيل البكالوريا، فقال في تقريره عنه إن التلميذ سيرن كيركجور بقى وقتاً طويلاً صبياً غيرجاد، مولعاً بالحرية والاستقلال، مما اساء إلى سلوكه. لكنه لاحظ في ذلك تقدماً ملحوظاً وقال: «حينما تجد استعداداته الحسنة المجال في الجامعة كى تنمو وتنطلق بحرية ودون تبدد، فمن المؤكد انه سيكون واحداً من الطلاب البارعين وسيشابه، من عدة نواح ، اخاه الأسقف».

وعلى أمل ان يصبح أسقفاً مثل اخيه، دخل سيرن جامعة كوينهاجن لدراسة اللاهوت، وكانت هذه الدراسة تستغرق احدى عشرة سنة. فدخل الجامعة في أول نوفمبر سنة ١٨٣٠ . وكانت السنة الأولى تقضى في دراسة الانسانيات، وتتوج ببكالوريوس في الفلسفةوالفيلولوجيايتم الامتحان فيهما كل ستة أشهر. وعلى الرغم منأنهم يكن مواظباً على حضور المحاضرات، فإنه نجح في امتحان السنة الأولى. وبعده قرر متابعة الدراسة في كلية اللاهوت، أولا لميله الخاص إلى ذلك، وثانياً إرضاء لأوامر والده. وكان اللاهوت في الدانيمرك في القرن الثامن عشر يتجه نحو الاتجاه العقلي في تفسير عقائد الدين وفي تقدير الكتب المقدسة، الذي هيأه عصر التنوير. وكان أبرز رجال كلية اللاهوت آنذاك هينرك نقولاي كلاوزن Henrik Nicolai Clausen الذي كان متأثراً كل التأثربآراء شليرماخر. كان يعلم الطلاب أن المسيحية ينبغي أن تدرك على أنها وحي تاريخي متجسد في شخصية يسوع ومسجل في الكتب المقدسة، لكنه كان يقرر في الوقت نفسه أن هذا الوحى ليس حقيقة خارجية بل حقيقة روحية تقتضي نشاطأ شخصياً، وأن على الروح أن تتخلص من الحرف (أي النص المقدس) كما يتخلص المضمون الأبدي من لباسه التاريخى. وأعجب سيرن كيركجور بأستاذه كلاوزن وخصوصاً بتفسيره للأناجيل، وانجيل يوحنا على وجه التخصيص.

لكن خارج كلية اللاهوت لمعت شخصيات لاهوتية اخرى، على رأسها مونستر Mynster الذي حاول التخلص من النزعة العقلية السائدة في اللاهوت في الدانمرك، مع الاحتفاظ بالاكتشافات المهمة التي وصل إليها عصر التنوير. وكان واسع الثقافة، ألمعياً في المناقشة، واعظا مؤثراً بمواعظ

وبدأ كيركجور في قراءة مؤلفات اشليرماخرفي صيف سنة ١٨٣٤؛ وكاناشليرماخرقد زاركوبنهاجن فيسنة ١٨٣٣ وأقام له الطلاب احتفالات عظيمة. وكان من تلاميذه الذين

٣٢٨

كيركجو

حضروا عليه شاب يدعى هانز لسن مارتنسن 125520 Hans Martensen ، لما عاد إلى كوبنهاجن حظى بالشهرة لهذا السبب فقرركيركجور ان يتخنه معيداً له. يقول مارتنسن عن هذا الطالب (كيركجور): «لم يرد برنامجا محددا بل طلب مني ان أفوم بعرض موضوعات وان اتناقش معه. فاخترت ان أعرض له النقطة الرئيسية في مذهب اشليرماخري العقائد، كيما نستطيع ان نتحدث فيها معاً. وسرعان ما شاهدت انفي امام عقل غير عادي، لكنه مولع جداً بالسفسطة، والمماحكات التي يبديها في كل لحظة وتؤدي إلى الضيق. واذكر هذا حينما اخذنا في نظرية اختيار اللطف الإلهي حيث الباب مفتوح للسوفسطاثين».

وكانت سنة ١٨٣٤ حافلة بالأحداث بالنسبة إليه : فقد فقد فيها أمه واحدى اخواته؛ وكانت بداية نشاط عقلي واسع. لقد حضر محاضرات سبرن Sibbern عن علم الجمال والشعر فانفتح امامه افق الحركة الرومنتيكية. وبدأ يتبين العلاثق بينها وبين ختلف الفنون فوجد ان الموسيقى اقرب الفنون إلى الرومنتيكية لأنها تترجم عن اللامتناهي وأعمق اغوار النفس، ويتلوها الشعر، ثم النحت، ثم الرسم. غير انه وجد في الرومنتيكية نزعة لا تلائم مثله الأض، لأن فيها ولعاً بالتغيير والتنوع، والتعبيرلخارجي عن لمشاعر الباطنة، بينما هويريغ إلى الصمت الباطن المنطوي على نفسه.

وكان شديد الاعجاب بجيته، وخصوصاً برواية «فلهلم مايستر». كما كان يؤثر شيكسبير، وقد قراه في الترجمة الألمانية التي قام بها فريدرش اشليجل ولودفج تيك Tieck وتصرفا فيها كثيراً.

وكان في ذلك الوقت يغشى الندوة التي أنشأها احد زملاثه وهو PELind ، وكات تناقش فيها الأمور الأدبية والسياسية. وقد نشر لند Lind مقالا في صحيفة -Interims •1فاالتي يديرها Heiberg . .لهاجم فيه الدروس التي نظمت لتعليم السيدات؛ فرد عليه كيركجور بمقال يدافع فيه عن المرأة. واسهم في نشاط «جمعية الطلاب» والقى فيها خطبة عن الصحافة الحرة. وكتب عدة مقالات في صحيفة 001 Fl ende حلفيها حملة لاذعة على الزعماء لأحرار ناعياً عليهم تفاهتهم واضطرابهم الخادع وأساليبهم الغوغائية، وشبههم بالطبلة الكبيرة التي تسبق موكب الموسيقى العسكرية، وبالحمار الذي يقود القافلة، وبحملة القماقم الذين يسيرون في أول الجنازة . ولفت هذا الهجوم اللوذعي

البارع نظر هيبرج مما وثق العلاقة بينهما. وكان هيبرج .L .ل Heiberg من اوائل من أذاعوا في الدانيمرك فلسفة هيجل؛ والف كوميديات وفودفيلات وصار مديراً للمسرح الملكي وكان يترجم له اويعد له مسرحيات اجنبية.

وفي احدى الأمسيات التي اجتمع فيها صفوة المثقفين في كوينهاجن، التقى كيركجور بالشاعر بول مارتن مولر Paul Martin Moller ، وما لبثت عرى الصداقة الحميمة أن توثقت بينهما: لقد وجد فيه كيركجور خير معبر عما يعتمل في باطنه.لقدكانمولر يرى ان الأفكار المتفقة مع الأنا (الذات) هي وحدها الصادقة والصحيحة، وهذا ما الهم كيركجور فيا بعد مبدأه الذي يقرل: إن الذاتية هي الحقيقة. وكان مولر يقول إن على الكاتب ان يعيش في عزلة حتى يمكنه ان يعيش حياة مليئة، وهذه ايضاً ستكون من الأفكار الأثيرة عند صاحبنا كيركجور.

واهتم بالمسرح فكان يثابر على مشاهدة المسرحيات التي تعرض في المسرح الملكي.

وكان لهذه الاهتمامات الخارجة عن دراساته في كلية للاهوت اثرها البالغ في صرفه عن المثابرة على حضور المحاضرات، وفي تشتتذهنه بين التخصصات المختلفة: فكان يحلم مرة بأن يعمل في الشرطة، ومرة اخرى بأن يشتغل ممثلا في مرح.

وفي نفس الوقت كان ابوه يزداد قلقاً ويأساً من الحياة، ويطغى عليه الحزن الكابي الثقيل بسبب موت أولاده وزوجته وشعوره القديم بخطيئة التجديف على اله وهو في صباه. وفي هذا يقرل ابنه سيرن: «هنالك وقع زلزال الأرض الكبير، والاضطراب المروع. , ٠ هنالك استشعرت ان علو سن ابي لم يكن بركة من الته، بل لعنة. . . هنالك شعرت بصمت الموت يتزايد من حولي، لما ظهر لي أن ابي، هذا الشقي، سيعيش بعدنا جميعاً، كأنه صليب منصوب على قبرآماله. لقد ألقت خطينته بكاهلها على أسرة بكاملها، وعقاب الله يحلق من فوقها. إن هذه الأسرة ستختفي، وستطيح بها قدرة الته الكاملة،وستنمحيالأسرة كلهاكما لو كانت محاولة خفقة،.

وفي خريف سنة ١٨٣٥ مر كيركجور بفترة من الهبوط لنفسي الثديد. ومنذ ذلك الوقت وقد صاريعتريه داء غريب سيطارده حتى وفاته، داء سماه مالنخوليته» أو سوداويته. وفي خلال هذه الفترة كانت تعصف بنفه أزمات

كيركجور

٣٢٩

قلق وجزع هائلة . وصار كل شيء يقلقه «ابتداء من الذبابة حتى سر التجشد الإلهي، . وتسلط عليه الخوف من الوقوع في هاوية الجنون، وشغله هاجس الانتحار وراح ينسى همومه في كاسات الخمر، فكان يسكر سكراً شديداً ويطارد المومسات. وكان لا بد ان يقع نزاع بينه وبين والده، بسبب حياته المنحلة هذه، مما اضطره إلى الهرب من بيت ابيه. لكنه ما لبث ان عاد مرهقاً بالديون، وصالح والده. لكن والده ما عتم ان فارق الحياة في ٨أغسطس سنة ١٨٣٨ والان في سن الخامسة والعشرين.

وكان لموت والده وقع الصاعقة، فثاب إلى رشده وقررأن بستأنف الدراسة بجد ومثابرة. فاستطاع في ٣ يوليو سنة ١٨٤٠ ان يحصل على اجازة اللاهوت بتقدير «مقبول» Laudabilis . وبعد ذلك بعدة ايام سافر إلى بلد أبيه الأصلية، إلى اقليمجتلند.

وهنا نصل إلى حادث غرامه وخطبته إلى فتاة رائعة الجمال، سيكون لعلاقتها معه شأن كبير في توجيه حياته وافكاره، ونعني بها رجينا اولزن Regina Olsen .

كانت رجينا أولزن بنت مستشار في البلاط الملكي. وكانت قد اختلبت بفتنتها فريدرش اشليجل فانعقدت الخطبة بينهما. وتعرف إليها صاحبنا كيركجور في مايوسنة ١٨٣٧ ، فوقع سحر ها في قلبه موقع الصاعقة. وراح يتردد عليها في منزلها بين الحين والحين. وها هوذا يسجل في «يومياته» بتاريخ فبرايرسنة ١٨٣٩ ان هذه الفتاة قد صارت «ملكة على قلبه».

وفي . ١ سبتمبر سنة . ١٨٤ اعلنت خطبتهما رسمياً. لكنم كان يؤثر ان يظل الحب سراً خفياً بين^ما. فراح يغريها بمختلف انواع الإغراء العقلي، بينما هي لا تفكر إلأ في الزواج العادي. وكلما تمضي الأيام يستشعر كيركجور الجزع من رابطة الزواج. استمع إليه وهو يقول في «يومياته» عنها :

,لقد احببتها جداً . كانت رشيقة خفيفة مثل الطائر، جسوراً مثل الفكر. وجعلتها تعلو وتصعد إلى اعلى باستمرار، كنت ابسط يدي، فتستقر هي عليها وتضرب بجناحيها وتصيح: هذا رائع، هنا؛ وكانت تنسى، ولا تعرف انفي أنا الذي جعلتها خفيفة، وأني أنا الذي زودتها بالجسارة في التفكير، وبالإيمان بي، وأنا الذي جعلتها تمشيعلى لماء، وال الذي احتفلت بها، وهي كانت تتقبل احتراماقي. وفي أوقات اخرى كات تركع امامي، ولا تريد إلا ان ترفع عينيها

نحوي، وان تنسى كل شيء،.

لكن الحزن تتجمع غيومه يوماً بعد يوم، فيتراءى له ان من المستحيل عليه أن يرتبط يرابطة دائمة، هي هنا رابطة الزواج. يقول: «والآن أرى بوضوح ان سوداويتي تجعل من المستحيل علي ان يكون لي من افضي إليه بالسر، وأعرف ايضاً ان ما تقتضيه مني بركة الزواج هو ان تكون هي من افضي إليه بالسر. لكنها لا يمكن ان تصير أبداً كذلك، حتقى لو كاشفتها بكل شيء؛ لأننا لا يفهم احدنا الآخر. ويرجع هذا إلى كون ضميري يملك خرجاً زائداً. . . وأنا واثق انها لو كانت صارت زوجتي، لكانت قد خطرت ببالي- وأنا إلى جوارها في يوم الزفافد فكرة ان احدنا سيموت قبل نهاية اليوم، او فكرة اخرى مروعة خيالية. وأذكر أنها، لاهي ولا غيرها من الناس، ما كانت لتلاحظ هذا على سيمائي. وفي باطني كنت سأكون ساجياً، هادئاً وادعاً، ومع ذلك كانت هذه الفكرة ستتملكني. .. ولوكان لي من افضي إليه بالسر لألقيت عليه هذا السؤل: «اليس من العار ان يقوم إنسان سوداوي بتعذيب زوجته بأفكاره السوداوية؟» وسيكون جوابه: «نعم! إن على الانسان أن يضبط نفسه ويثبت ذلك انه رجل،. وحينئذ كنت سأرد عليه قائلاً: ,حنا، هذا امر استطيع ان افعله: في وسعي ان اتخذ مظهر الأمل الباسم؛ لكن هذا عينه هوما أخفقت فيه، لأنهذا خداع لا يسمح به الزواج، سواء فهمت الزوجة ذلك او لم تفهمه». («مراحل على طريق الحياة: مذنب؟. . . اوغيرمذنب؟» سنة ١٨٤٥).

لكن رجينا، هذه الفتاة الساذجة العادية الذكاء، لا تستطيع ان تفهم مخاوف هذا الخطيب الجازع القلق من أمور تراها وهمية، ودعاها هو بوالشوكة في اللحم، التي تنغز في نفسه. وبسذاجة مفهومة عمن في مثل سنها وحالها قالت له إنه مجنون.

وتباعدت اللقاءات، وصارت الرسائل المتبادلة بينهما موجزة. وذات مساء ذهب إليها في بيتها، وتشاجر معها دون مبرر. فكانت النهاية. وفي الغداة، سأله والد رجينا ان يعرد لزيارتها مرة اخرى: يقول كيركجور: «فعدت وحاولت إفهامها. سألتني: الا تريد ان تتزوج أبداً؟ فاجبتها: نعم، بعد عشر سنوات، حين تنطفى نار الشباب رأحتاج إلى فتاة فائرة الدم لتجديد شبابي. وكانت هذه القسوة ضرورية. قالت لي: سامحني عماً سببته لك من الم. فاجبت: واجبي انا ان اقول لكهذا قالت: عذني أنتفكر في. فوعدتهابذلك.

كبركجوا

قالت: اعطني قبلة. فأعطيتها قبلة، لكنها خالية من العاطفة الحارة. يا الله يا رحيم. وأخرجت بطاقة صغيرة كنت كتبت عليها كلمة، وكانت قد اعتادت أن تحملها على صدرها، اخرجتها من صدرها، ومزقتها في صبمت إلى قطع صغيرة، ثم قالت لي: لكنك مع ذلك لعبت معي لعبة قاسية».

وكانت غهاية هذه اللعبة القاسية في ١ أكتوبر سنة ١٨٤١ يوم ان أعادت هي إليه خاتم الخطبة مع قبلة اخيرة.

وأحدث فسخ الخطبة فضيحة في الأوساط البورجوازية في كوبنهاجن. لكن رجينا ما لبثت أن نسيت الحكاية كلها، وعادت فتزوجت من خطيبها الأول: فريدرش اشليجل سنة ١٨٤٧. وعاشت عيشة هادثة رتيبة، وامتد بها العمر إلى أن توفيت في سنة ١٩٠٢ بعب أن بلغت الثمانين.

اما هو فعاش هذه التجربة بعمق وألم بالغ. قال: «استشعرت شقاء لا يبلغ مداه التعبير بسبب عذاباقي الباطنة والتي انضاف إليها عذابي من كوفي جعلت رجينا شقية فكنت ضائعا في هذه الحياة؛ هنالك استيقظ الانتاج الهائل الذي اخذت فيه بحماسة ليست اقل هولاً ...آه ما أصدق القول الذي كثيراً ما قلته عن نفسي وهو أنه كما ان شهرزاد انقذت حياتها بقص الحكايات، فكذلك أنا أنقذ حياتي أو أحتفظ بها بأن أكتب».

إذن لقد وجد كيركجور ان العلاج من دائه- وهو المالنخوليا-إغماهوبالكتابةوالمداومةعليها.

وكان، قبيل فسخ الخطبة بقليل، قد ناقش بنجاح فائق الرسالة التي تقدم بها إلىكلية اللاهوت للحصول على الدكتوراه، وعنوانها: ٠فكرة التهكم مع ربطها دائما بسقراط»، وتمت هذه المناقشة في ٢٩ سبتمبر سنة ١٨٤١، وحصل على لغبMagister Artium وتعادل الدكتوراه.

والرسالة ضخمة، كرس القم الأول منها لدراسة التهكم عند اليونان. وقد حدد التهكم بأنه تعيين للذاتية وبفضلم يتحرر المتهكم من الارتباط بالواقع. إنه حر حرية سلبية، وبهذه المثابة يحلق بين امور الدنيا، ولا يتعلق بواحد منها، لأنه لا واحد منها قادر على ان يشده إليه.

اما في القم الثاني منها فقد تناول التهكم عند الرومنتيك الألمان، فدرس نظريات فشته وسيلجر Sölger وهيجل في هذا الباب وتلبث طويلاً عند قصة «لوتسنده،

لاشليجل اعععا9، وفيها يصف اشليجل في شخص ليزت الوجود الشعري بالمعنى الاقوى. لكن كيركجور يرى أن ما يدهش في هذه امرأة الشابة المتحررة هوكسلها الشديد. إنها تضيع قوة روحها في الشهوة الرخية. ويرى اشليجل ان في هذا اوج المتعة، وأن الاستمتاع هو العيش عيشة شعرية. فكان كيركجور يرى ان هذا خطأ فاحش^وأن العيش شعريا ليس معناه الانحلال في الترخص والشهوة، بل هو الوضرح والشفافية للذات في قيمتهاالأزلية.

ويرسم كيركجور صورة بارعة للمتهكم. فيقول إن المتهكم يسلك طريقه شامخ الراس مثل ارستقراطي عقلي؛ ويلذ له أن يستشعر انه يستطيع ان يكفي نفسه نفسه. إنهيوفق بين الأضداد، لا في وحدة عليا كما يفعل هيجل، بل في جنون عال . وما يريده هو الاغراء الساحر للبدايات. وحياته متحررة من كل خضوع، مشتتة في الاستمتاع بأحوال النفس، لهذا تفقد اتصالها واستمرارها، او الاستمرار الوحيد الذي تعرفه هو الملال. والمتهكم يزدري المهام العادية في الحياة، ولا يستريح للتحديدات الأخلاقية.

وبعد ازمة خطوبته قرر الرحيل، فاتخذ طريقه إلى برلين في ٢٥ اكتوبر سنة ١٨٤١. وفي برلين راح يحثد خاطره ويستجمع قواه؛ وراح يحضر محاضرات مارهينكم عن هيجل وأهمية فلسفته بالنسبة إلى الديلنة المسيحية، ومحاضرات شلنج. لكنه ما لبث انملجو برلين، وعاد إلى كوبنهاجن في ٦ مارس سنة ٠١٨٤٢

وهنا في كوبنهاجن عاش عيشة الأعزب الحر من القيود. فهو يهوى التجوال في الشوارع، والجلوس في المقاهى.

وفي ٢٠ فبراير سنة ١٨٤٣ ظهر كتابه: «إما. ٠ .او، تحت اسم مستعارهوVictor Eremita ، فلقي رواجا عظيما. وفي رسالة إلى الكاتب الدانمركي اندرسن H. c. Andersen الذي كان يعيش انذاك في باريس كتبت سيدة دانيمركية تلخص اراء مواطنيها في هذا الكتاب لدى ظهوره: «ظهر في سماء الأدب نجم مذنب مشؤوم الطالع. والكتاب شيطاني الى درجة أن المرء لا يدعه من ده إلاً ويود ان يستأف قراءته في الحال. ولا يوجد كتاب أثار من الاهتمام، منذ اعترافات روسو، مثلما يثيره هذا الكتاب. في القم الأول الكتاب

حسي، أي ضار؛ وفي القسم الثاني أخلاقي، اي أنل

إضراراً، وإن كان من حق النساء ان يغضبن منه لان

المؤلف، مثل المسلمين، يتعبدهن فيما هو فان ولا يرى لهن

كيركجور

٣٣١

منفعة غير الولادة وامتاع الرجال. إن في الكتاب غثيانا من الحياة لا يمكن أن يكون إلا ثمرة نفس شريرة» .

وتتوالى مؤلفات كيركجور فيصدر في نفس السنة- سنة ١٨٤٣- كتابين آخرين هما: ,الخرف والقشعريرة» ؤالتكرارا.

وفي السنة التالية (سنة ١٨٤٤) يصدرله كتاب انكرة القلق» ووشذرات فلسفية» .

وفي التي تتلوها (سنة ١٨٤٥) كتاب رئيسي هو «مراحل على طريق الحياة».

وكل هذه المؤلفات تسودها شخصية رجينا أولزن، وتستلهم تجربة خطبته وإياها.

أما الكتاب الذي أودع فيه زبدة فلسفته فهو كتاب «حاشية غير علمية على الشذرات الفلسفية» وقد أصدره في سنة ١٨٤٦ .

وفي نفس الوقت كتب ما بين سنة ١٨٤٣ وسنة ١٨٥٠ ما يقرب من خسين «خطبة تقويمية» تحث على التقوى استعاض بها عن المواعظ التي كان سيلقيها لر أنه احترف مهنة رجلدين.

ولقيت هذه الكتب رواجاً هائلاً في ختلف الأوساط : في البلاط، وبين الطلاب، ولدى عامة الناس على السواء. فملأه ذلك رضاً عن نفه، وأعاد الطمأنينة إلى قلبه القلق، وأنساه تجربته في الخطة، بل وانساه سودايته شبه الطبيعية.

لكن هذا الهدوء النفسي لم يدم طويلاً، فقد ثارت عاصفة ضده هي ما سمي بعد ذلك ب» بمعركة القرصان، . واالقرصان» 0٣5٥٢20 عنوان صحيفة نقدية كانت تصدر في كوبنهاجن؛ ونظرا لما فيها من سخرية لاذعة، ومن تناول للأمور الحساسة في الحياة الخاصة لبعض المشاهير، فاب كانت واسعة الانتشار. وكان من تناولتهم بسهامها كيركجور. إذ نشرت في اوائل سنة ١٨٤٦ هذم المجلة مقالاً لاذعاً عنيفاً خاليا من اللياقة ضده، لأغها سخرت من جسمه ومن هندامه. فتهكمت على انحناء ظهره، وطول سراويله. وكان لهذا المقال أثره السريع في الناس : فكان الطلاب يستهزثون به كلما مر في الشارع أمامهم، وكان الصبية يرمونه بالأحجار؛ وكان العامة يسلقونه بألسنة حداد. والأساتذة، بما طبعوا عليه من حقد دفين وحسد لكل نابغة ممتاز، امتلأوا تشفياً واغتباطاً

اثيما لهذه الحملة. ورجال الدين انفسهم لم يؤيدوه رغم أنه كان يهدف إلى تقوية الدين في النفوس.

اثرت هذه الحملة الظالمة في نفه ايما تأثير، وحركت تلداغ «الشوكة في لحمه» وكان قد نسيها أو كاد. لكنه راح يعزي نفه بما لقي المسيح نفه من الام . فالمسيح، الذي كان هو الحق، قد اهين وصاب . والمسيحي ينبغي، اقتداء بالسيد المؤس، أن يعيش في خوف وقشعريرة.

وبدأ بأنغادرجو كوبنهاجن المسموم وسافر إلى برلين، حيث حاول أن يجدد حياته النفسية، وذلك في بداية شهر مايو سنة ١٨٤٦. وبعد فترة عاد من جديد إلى كوبنهاجن.

وفي ١٣ مايو سنة ١٨٤٧ اصدركتاباًجديداً بعنوان : «طهارة القلب» وفيه يعرض فكرة «الفرد» و«الأوحد، التي تعد من الركائز الأساسية في مذهبه. وفي نفس السنة، في ٢٩ سبتمبر سنة ١٨٤٧، أصدر «حياة !لب وسلطانه»، وفيه يحلل العلاقات بين الشعر وما هو ديفي، ويضع الحب الإلهي في تواز مع الحب الانساني.

وفي ٣ نوفمبر من سنة ١٨٤٧ احتفل بزواج رجينا من خطيبها الأول فريدرش اشليجل. وكما يحدث عادة في مثل هذه الأحوال، نكأ هذا الزواج جرحه الذي كان هومع ذلك السبب فيه! . فراح يعزي نفسه بكتابة النقد الجارح للسياسيين والصحافيين، وذلك في يومياته» عن تلك الفترة. وفيها يبدي آراءه في السياسة ونظام الحكم. فيهاجم النظام الديمقراطي بعنف بالغ قاثلاً إن الديمقراطية اكبر خطر على الدول، لأنها تستند إلى الدهاء، وبالتالي لا يهم السياسي ان يكون على حق، بل أن يظفر بتأييد أكبر قدر من الناس، اعفي من العامة؛ وما يهمه إذن هو اكتساب رضا الجماهير؛ وفي سبيل هذا الاسترضاء، يتملق أخس ما في الدهاء من غرائز ونوازع وتصبح كل الوسائل مشروعة في سبيل كسب اكبر عدد من الأصوات. إن التنافس في السياسة لا يقدم أبدا مشهداً على حقيقتين تتصارعان. وكيف يكون ثم حقيقتان، والحقيقة يجب ان تكون واحدة! وكيف يكن ان يكون معيار الحقيقة هو كثرة عدد الأنصار؟! لكن الأغلبية هي التي تفوز في الديمقراطية. يقول: «مائة مليون، كل واحد منهم مثل الآخرين، يكونون واحدا. وفقط حين يتقدم فرد مختلف عن هذه الملايين فإهم يصبحون اثنين» .

وكان يكره خصوصاً فكرة «الماواة» التي نادى بها

٣٣٢

كيركجور

الديمقراطيون الأحرار، لأنهم إنما يأخذون اليوم من صناع الشموع ما يعطونه للحدادين، وفي الغد يأخذون من الحدادين ما يعطونه لسدنة الكنيسة . ومن رأيه أن تطور المساواة لايمكن أن يؤدي إلاإلى واحدة من اثنتين : الشيوعية أودعاة التقوى الدينية : «الشيوعية تقول إن كل الناس ينبغي ان يكونوا متساوين مثل العمال في مصنع أوحظائر الأفراس في اسطبل. وينبغي عليهم أن يلبسوا نفس الزي، وأن يأكلوا من نفس الطعام، المطبوخ في قذر ضخم، ولدى قرع نفس الناقوس، وبمقادير متساوية. . . ودعاة التقوى الدينية Piétisme يقولون: ينبغي أن يكون كل الناس متساوين كما كانوا في الجماعة الصغيرة في كرستيانفلد ، Christianfeld وينبغي عليهم ان يلبسوا نفس الزي، وأن يصلوا في اوقات محددة، وأن يتزوجوا بالاقتراع، وأن يطعموا من نفس القصعة، وأن يتناولوا غذاءهم بنفس الترتيب».

ويهاجم الصحافة، خصوصا اليومية منها، اولاً لأن معظم ما يكتب فيها ينشر غيرمقرون باسم كاتبه؛ ومن هنا يتجاسر هذا الكاتب -المجهول الاسم- على كتابة ما يشاء. والصحفيون يدعون لأنفسهم الحق في الكتابة عن كل شيء، دون ان يكون لديهم التكوين العلمي الكافي لذلك. وهم يوهمون أن من الممكن إبلاغ كل الحقائق لأكبر عدد من الناس. لكن الحقيقة، إذا كانت مما يفهمه أكبر عدد من الناس، فإها لن تكون الحقيقة فعلاً، لأن الناس في حاجة إلى إعداد علمي طويل عميق لإدراك معظم الحقائق. فكيف تكون مبذولة لعامة الناس؟!

واستشعر كيركجور الراحة من جديد في الكتابة. وقال عن نفسه في تلك الفترة: تغيركل كياني، وتكسرتعزلتي وانطوائي، وصار من واجبي ان اتكلم،. وراح يكتب كتابه الذي يشرح فيه انتاجه، بعنوان: «وجهة نظر تشرح اعمالي،، لكن هذا الكتاب لم ينشر إلا بعد ذلك بعشرة اعوام، وبعد وفاة كيركجور وفيه يحاول ان يحدد اهدافه الحقيقية.

وفي يونيو سنة ١٨٤٩ توفي المستشار أولزن، والد خطيبته المهجورة. فحزن لذلك، وبعث ببطاقة إلى اشليجل، زوجرجينا، ومعها رسالة إلى هذه الأخيرة يعرض فيها ان يعاود علاقته معها لكن اشليجل رد إليه البطاقة والرسالة، ومعهما كلمة قاسية. وقد كتب كيركجور في ,يومياته، عن هذا الحادث فقال : «كتبت إلى اشليجل فامتلأ

حنقاً وغيظاً : إنه لم يشاً بأي حال من الأحوال ان يتمل تدخل اي إنان آخر في علاقاته مع زوجته:.

وفي .٣يوليوسنة ١٨٤٩ نر كتاباً جديداً *و ,المرض حتى الموت: دراسة.نفسية مسيحية للتقويم واليقظة،. وفيه يصور اضطراب الانسان الذي لا يعرف، أو لا يريد أن يعرف، علاقته الحقيقية مع الأنا السرمدي، وبالتالي مع لله. وهذه الحالة هي حالة اليأس، وحالة الخطيثة.

وفي ٢٧ سبتمبر من سنة ١٨٤٩ يظهر كتابه ,التدرب على المسيحية، ، وفيه يبرز خصوصاً اقوال امسيح عن الزهد في الدنيا. لقد صار يرى ان بغض الدنيا هوحب الله، وأن حب اش هو بغض ادنيا.

و فيرب يع سنة ١٨٥١ القى آخرموعظة، وذلك في كنيسة القلعة، وبصوت لا يكاد يسمعه الحاضرون.

وفي . ١ سبتمبر سنة ١٨٥١ نشر آخر كتبه، وعنوانه «من أجل امتحان للضميرموجه إلى المعاصرين» .

وفي ٣٠ نوفمبر سنة ١٨٥٤ مات الأسقف مونستر Mynster ، فأبنه مارتنسن iakiMartensen؛ قال فيها عنه إنه: ,شاهد على الحقيقة». فأثار هذا التعبيرثائرة كيركجور لأنه كان يعرف ان مونستر كان يعيش عيثة رغيدة مغموراً بالتكريم والثروة في البلاط الملكي! وعبر عن سخطه على المسيحية الرسمية في مقال نشره في صحيفة Faedrelandet بتاريخ ٣ ديسمبر سنة ١٨٥٤، ناعياً على رجال الدين انهم جعلوا من وظائفهم وسيلة للربح والإثراء الفاحش. واستمر في هذه الحملة على شكل منشورات بعنوان: ,الان» Instant بلغ مجموعها سبعة، وفيها هاجم الكنيسة ورجالها هجوماً بالغ العنف.

وفي ربيع سنة ٨٥٥ ١ عين فريدرش اشليجل حاكماعلى جزر الأنتيل الدانيمركية. وقد روى رفائيل مايرمايلي : افي ١٧ مارس، يوم الرحيل، قابلت مدام اشليجل (= رجينا !ولزن) كيركجور، عن قصد وتعمد، في الشارع، فقالت له بصوت مختنق «بارك اللة فيك - أتمنى ان تسيركل أمورك على ما تروم». فتراجع خطوة إلى الخلف واجاب عن تمنياتها بتحية» .

لكن صحة كيركجور كانت قد تدهورت بما اعتمل فيهامن انفعالاتوأحزان وفيصبيحة يوم من شهراكتوبر سنة ١٨٥٥، سقط مغشياً عليه في الشارع؛ فارسل إلى

كيركجور

المستشفى: ورفض استقبال أخيه الأسقف لأنه كان يرى فيه مثل سائر رجال الدين، بينما فرح باستقبال بعض أقاربه وأصدقائه المتبقين له.

وتوفي كيركجور في مساء يوم ١ نوفمبر سنة ١٨٥٥ . واحتفل بمراسم الجنازة في يوم الأحد التاليفي كنية نونردام، وألقى اخوه الأسقف، بيتركرستيان، موعظة التأبين. وبعد عشرين عاما من وفاته نصب على قبره تمثال، وكتب على قبره أبيات من أنشودة ألفها برورسون 38101509 هذا نصها : «لو قدر لي مزيد قليل من الوقت، لكنت قد انتصرت، ولكات المعركة كلها قد انفضت دفعة واحدة. هنالك كنت سأستريح في بهو الورود، وأتكلم مع السيد المسيح باستمرار، .

فلفته

مؤلفات كيركجور خليط غريب من الاعترافات العاطفية الشخصية، والتأملات الفلسفية، وامقالات الأدبية. وفي الكتاب الواحد أحياناً تتعاقب الأجناس الأدبية: يوميات، عرض منظم، مناجيات، صور ادبية، نقد مؤلفين أومؤلفات، تفسير أحلام، إلخ. . . واللهجة تتنوع: فتنتقل من الجدإلى الهزل، ومن التهكم إلى العزض المنسق الجاد. ومن هنا كان من الصعب عل امرء ان يعرض له «مذهباً فلفيا» بالمعى الدقيق لهذا اللفظ. وهو نفسه قد ثار على فكرة «المذهب» وخصوصاً كما يتجلى في فلسفة هيجل

ونحاول مع ذلك أن نعرض أفكاره الرئيسية على نحو تنظيمي قدر الإمكان.

ا- المدارج على طريق الحياة

حاول كيركجور أن يستقري ويحلل نماذج حياة الانان. فاستخلص منها ثلاثة نماذج للوجود الانافي سماها «مدارج على طريق الحياة»، وهي: المدرج الجتي، والمدرج الأخلاقي، والمدرج الديفي.

١الرجالحي:

وقد اتخذ نموذجاً لهذا المدرج دون جوان، زير النساء المغامر المتقلب بين احضان الشهوة، خصوصاً الشهوة الجنسية .

من اين يستمد دون جوان قدرته على إغواء النساء؟ من قوة وجدانه، وعرافة شهوته الحسية 1إن ما يريده في كل امرأة هوأنوثتها الكاملة، وهذا التمجيد الجتي الذي يلقي به

على فريسته هو السبب في انتصاره. إن لهيب هذه الشهوة الهائلة يضيء موضوع الشهوة وينميه، فيجر هذا الموضوع (المرأة) خجلألدى اتصاله بم ويشع منه جمال فائق. وإذا كان المتحمس يخلع صفات جميلة على اول من يلقاه في عزض الطريق، فأي نور ساطع لا يحيط لمغرر كل فتاة يدخلها في دائرة علاقاته! . . . ودون جوان ليس فقط يظفر بالنجاح عند الفتيات، بل هوايضاً يجعلهن سعيدات في الوقت الذي فيه يتسبب في شقائهن : ومن الغريب ان هذا هوما يردن. والفتاة التي لا تريد أن تصيرشقية ببب أنها كانت، ولومرة واحدة، سعيدة مع دون جوان، ستكون فتاة بائسة. لكن إذا كنت استمر في وصفه بالمغرر، فإني لاأقصد بهذا أنه شخص خبيث يسعى إلى الانتصار بواسطة بعض الدسائس: إن دون جوان لا يبلغ اهدافه إلاً بفضل عبقريته في الشهوة التي هو بمثابة تجسيد لها. إن الفكر التأملي ليس من شأنه، وحياته تزبد مثل الشمبانيا التي تقويه، وتطن مثل الموسيقى التي تصحب وجبات غذائه المسرورة، إنه يطيرمن نجاح إلى نجاح. ولا حاجة به إلى استراتيجية، ولا إلى خطة، ولا إلى مهلة، لأنه دائماً شاكي السلاح، قوته الحيوية مشدودة باستمراروشهوته حاضرةدائما،وفقط حين يشتهي يشعر بأنه في جوه الطبيعي». لقد شق طريقه في مطلع حياته مثل ما يشق البرق غيوم الزوبعة المظلمة، ومزق اعماق الجد بأسرع من الصاعقة، وانطلق في الحياة المتقدمة المتنوعة.

ورجل المدرج الحسي لا يتعلق إلا بما هوجميل. «لكن كل قطعة من الجمال ينبغي أن تقاس في انسجامها، وإلا لنتج عن ذلك تأثيرمعكر. . . وكل عنصر يملك من الجمال قطعة، ورغم ذلك هوكامل في ذاته، سعيد، فرح، جميل. ولكل جماله: الابتسامة، البهجة، النظرة الماكرة؛ العيون الملتهبة من الشهوة؛ الرأس العابس؛ الروح الطائر؛ الحزن الرقيق؛ الوجدان العميق؛ المزاج الكابي المنذر بالشؤم؛ الحنين الأرضي؛ الانفعالات المكتومة؛ الأهداب التيتتكلم، الشفاه التي تتساءل؛ الجبين المليء بالأسرار؛ الغدائر الفاتنة؛ الرموش التيتخفيالنظرات؛ الكبرياء الالهية؛ الطهارةالأرضية؛ الطهارة الملائكية؛ حمرة الخجل التي لا يسبرغورها؛ الخطوات الخفيفة؛ الترجح الرشيق؛ الرخاوة في الهيثة؛ الحلم المليء بنفاد الصبر؛ الزفرات غيرالمفهومة؛ القوام الممشوق؛ الأشكال الرقيقة، الجيد الفخم؛ الافخاذالبضة؛ القدم الصغيرة، اليد اللطيفة» وهو يتأمل هذه المفاتن ويرى أن «المرأق وهي بطبعها غنية دائمل هي ينبوع لتأملاقي وملاحظاقي لا ينضب. . » «والمرأة

٣٣٤

كيركجو

منحيث المظهر، تتسم بالبكارة المحض، لأن البكارة وجودهومن حيثانه وجود فيذاتههوفيأعماقه تجريد لا يكثف؛ لا في الظاهر. كذلك ابرا د٠وةتجرد،ولهذاابكنلنيقالانالمرأةفي هذه الحالة غير مرئية» .

ورجل المدرج الحسي يعيش في «الآن» ولا يعرف الماضي ولا المستقبل,

٢-المدرج أخلاقي

لكن إذا كان من الصعب تحديد المدرج الحسي لأنه مشتت بين امكانات متعددة، فإن المدرج الأخلاقي - على العكس من ذلك - من السهل تحديده لأنه يقوم على حكمة منظمة وعلى حياة عحكمة تضبطها الضوابط الأخلاقية. وفيه يرتبط المرء بالتزام يستبدل باللحظة العابرة وعداًأبدياً.

وقد اختار كيركجور نموذجاً له من دعاه باسم «المستشار فلهلم، الذي راح يدافع عن الزواج دفاعاً حاراً. فيقول إن الزواج هو في جوهره اختيار امام الله، فيه كل طرف يختار نفسه في اختياره للطرف الآخر. وهو يلقن الانسان الوعي الجاد بما هو اخلاقي، ويسمح للانسان الأخلاقي بأن يبفي مصيره وهويكافح في سبيل بيته.

لكن الصعوبة في الزواج تأقي من المرأة، هذا المخلوق المتقلب ذي الأهواء والنزوات، والذي يصعب ربطه برابطة وثيقة ثابتة. ذلك أن المرأة - هكذا يرى كيركجور - تنتسب بطبعها الى المدرج الحسي، ولا تكشف عن نفسها كثفاً كاملاً إلا في المدرج الديني. وبهذا فإنه لكي تسير الحياة الزوجية سيراً حسنا، فلا بد للرجل ان يقبل، فيما يخصه، البطولة الأخلاقية للحياة اليومية، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لصرف زوجته عن التقلبات الخطرة بين الاستمتاع الحسي والزهد الديني.

٣- المدرج الديني

لكن الزواج يس حلآ عاماً، بل لان توجد إلى جانبه حلول استثناثية. ولا شك في ان الذي ينصرف عن الحياة الزوجية ابتغاء الاستجابة إلى نداء الروح الدينية، ٠شاريا الحياة الأقسى بأغلى ثمن» يبلغ من الوجود مستوى ارفع من مستوى أكمل الأزواج.

وذلك هو المدرج الديفي. ويتخذ كيركجور شاهداً

عليه، في كتابه ,الخوف والقشعريرة» من حادث النبي برهيم. لقد امره الش بذبح ابنه، وهوأمرغيرجائزأخلافياً. لكن فوق الأخلاق مستوى اعلى هو طاعة الله. ولهذا لا يتردد ابرهيم في ذبح انه اسحق. لكن هذه الطاعة نفسها -رغم أنها تتعارض مع الأخلاق- كانت السبب في نجاة ابنه من الذبح.

والمدرج الديفي يقوم في اللجوء إلى الذاتية العميقة، وفي عبادة اله المستور، وفي الصمت الملازم لهذه العبادة، وفي تحمل الآلام، وفي العزلة الغنية بالتأملات، وفي المرض حتى الموت. إن الفزع المؤدي الى اليأس، كما حدث لأيوب، هو الذي ينمي في الإنسان أعلى قواه، والإيمان المطلق باله كما عند ابرهيم، هو الذي يؤدي إلى الحصول علىكل شيء بالتخلي عن كل شيء ، وإلى غزو الحياة، الحياة الحقة التي هي السعادة الأبدية، القادرة وحدها على إرواء تعطشنا للوجود. لأنه بالنسبة الى الله لا شيء مستحيل. وما يسميه العقل لا معقولا هو هوعينه الحقيقة والحياة.

لكن من اجل إدراك هذه المفارقة، لا بد أن نتخلى عن تاليه الواقع وحصره في نسق كلي كما فعل هيجل، لأن ذلك يؤدي الى القضاء على الوجود الذاتي، الشخصي. وينبغي ألا نصنع صنيع هيجل حين اعلن أن الفكرة الأساسية في الدين المطلق هي وحدة الطبيعة الإلهية مع الطبيعة الانسانية، لأن هذا يؤدي إلى القضاء على كليتهما بالخلط بينهما، بينما ينبغى أنغيز اتماماً.

وهكذا بعد أن بداً كيركجور حياته بالاعجاب الشديد والتأثر الغامر بهيجل وفلسفته، نجده كما يصرح بهذا في كتاب «التكرار» (مجموع مؤلفاته، ترجمة ألمانية ج٣ ص١٧٢)، يتخلى عن هيجل ليجد ملاذه في حكاية أيوب كما عرضهاسفر أيوب، وفي فداء ابراهيم كما عرضته التوراة، وهو يقول: إن الشجاعة الديالكتيكية ليس من السهل الحصول عليها، ولا يستطيع المرء ان يقرر إلآ بعد أزفة، ان يعترض على استاذ رائع (= هيجل) يعرف كل شيء أحسن عا تعرف أنت، لكنه ل يجهل إلآ مشكلة واحدة : الا وهي مشكلتك أنت» (مجموع مؤلفاته، ترجمة ألمانية، ج٦، ص١٩٢).

ب- التهكم

كانت الرسالة التي حصل بها كيركجور على الدكتوراه بعنوان ,ذكرة التهكم».

كيركجور

ونموذج التهكم في نظره هو سقراط، الذيعده «فريدا في نوعه خارج المسيحية» («اليوميات» لسنة ١٨٥٤). والتهكم هو نوع من الازدراء لكل المظاهر التي يظنها الناس وقائع حقيقية. وهو يحمينا من ثلاثة أمور: من الجد الزائف في الحياة البورجوازية، ومن الجد الزائف في فلسفة هبجل، ومن العبقرية الزائفة للوجود الرومنتيكي، ابتغاء أن يدخلنا في الحرية الحقيقية للروح، وفي الوعي الفردي الذاقي الذي فيه يرن نداء الله.

والتهكم هو أصدق نظرة إلى التناقضات والاسحالات والأباطيل في الوجود. إنه يزيد في ابراز هذه الأمور لتبدو أكثر بشاعة ولا معقولية. «ولننظر إلى التهكم فياللحظةالتي فيها يتوجه نحو جماع الوجود، هنالك سنراه يؤكد التقابل بين الوجود والظاهرة، بين الباطن والخارج. وبالقدر الذي به يمثل السلبية المطلقة، فإن من الممكن أن غيل إلى القول بالهوية بينه وبين الشك - لكن ينبغي علينا ان نتذكي اولاً أن الشك ليس إلا مقولة تصورية، بينما التهكم هو سلوك باطن للذاتية ء٧ن٦عءزهلا5، وثانياً ان التهكم هو في جوهره عملي وانه لا يتضمن لحظة نظرية إلآ ليسقط على المستوى العلمي : وبعبارة اخرى: التهكم لا يعفى بالموضوع، بل يعفى فقط بتجريده لذاته. فإذا توصلت الذاتية إلى اكتشاف أنه وراء الظاهرة لا بد ان ثم شيثاً مستوراً ليس معطى في الظاهرة، فإن خاصية التهكم هي أن يسعى إلى أن يبقي في الذات الشعور بحريتها، بحيث تبقى الظاهرة خالية من الحقيقة تماماً في عين الذات. فهذه الحركة مضادة تماماً إذن لحركة الشك. ذلك أنه في الشك لا تكف الذات عن السعي إلى النفوذ في الموضوع، وشقاؤها ينشأ من كون الموضوع لا يكف عن التهرب منها. اما في التهكم فإن الذات لا تكف عن السعي إلى التخلص من الموضوع، وهذا السعي يؤدي على الأقل إلى إعطائها، في كل لحظة، الشعور بذاتيتها الخاصة والشعور بأنه ليس للموضوع أية حقيقة واقعية. في الشك تشاهد الذات مناورة هجومية لا تتوقف عن تدمير الظواهر الواحدة بعد الأخرى، على امل الكشف عن الوجود الذي يحرص المرء على العثور عليه من ورائها. أما في التهكم فالذات على العكس من ذلك لا تكف عن التراجع إلى الوراء ، وهي تنازع كل ظاهرة في ان تكون لها حقيقة خاصة، ابتغاء ان تنقذ نفسها، أي ان تحافظ على نفسها في مواجهة كل شيء في حال من الاستقلال السلبي» («فكرة انتهكم»، القسم الثاني، اعتبارات تمهيدية، عند نهايتها).

ج حياة الحب

كان موضوع الحب أكثر ما طرقه كيركجور من موضوعات في معظم كتبه. لكنه في كتابه: «حياة الحب وسلطانه» (سنة ١٨٤٧) تعلو لنبرة إلى اسمى درجة. فيقول: إن الحياة المستورة للحب تمضي في أعمق عمائقنا، ولا يمكن سبر غورها، ولهذا فإنها في انسجام عميق مع جماع الوجود. وكما ان البحيرة الساكنة علتها الأولى قائمة في الينبوع المستور عن اعين الناس، فكذلك حب الانسان له علته الأولى في حب اله، والله علة اكثر عمقا. واذا لم يوجد ينبوع في الأعماق، وإذا لم يكن ال حبا، فلن توجد بحيرة ساكنة ولا حب في الانسان. وكما ان البحيرة الساكنة تدعوك إلى التأمل فيها، لكن أعماقها المظلمة، وهي تنعكس على السطح، تستتر في الوقت نفسه عن العين، فكذلك الأصل المستسر لحبنا في حب اله يحول بيننا وبين النفوذ إلى اعماقه : وإذا خيل إليك أنك تراها، فذلك لأن السطح العاكس للمياه يخدعك فيجعلك تظن أنه هو الأعماق، بينما هو يغطى الأعماق، التي هي اسفل من ذلك جداً . تصور درجاً سرياً في صندوق : لقد زودوه بغطاء بارع له نفس المظهر الذي للعمق الأصلي الذي يظل تحت كل الأشياء، وذلك ليمنعوك من اكتشافه. وهذا هو ما يعطينا الوهم الخادع بأننا عمق الأعماق. فكذلك حياة الحب مستورة، لكن حياته المستورة هي في ذاتها حركة وتحتوي في داخلها على الخلود. وكما أن البحيرة الساكنة مهما يكن من هدوء مظهرها، هي في الحقيقة ماء جار تصاعد من الينبوع الدافق المستور في أحشائه، فكذلك الحب، على الرغم من أنه ساكن في مخبئه، فإنه مع ذلك متضمن في حركة مستمرة. لكن البحيرة الساكنة في خطر أن تجف، إذا نضب الينبوع، بينما حياة الحب تتدفق دائماً بغير انقطاع من ينبوع أبدي.

نشرات مؤلفاته

أهم نشرات لمؤلفاته باللغة الدانيمركية هي :

20 Kierkegaards samlede Vaerker,ة5 -

وأشرف على نشرها.11 ,A. 8. Drachman , ]. L. Heiberg ع1202 .0 وظهرت في كوبنهاجن ١٩٠١-١٩٠٦.

عا0٧2ل ,Soren Kierkegaard Vaeker -

وأشرف على نشرها BilleskovJansen .ل.م

٣٣٦

كيزركج

وظهرت في كوبنهاجن سنة ١٩٥٠في٤ مجلدات اختار فيها الناشر افضل مؤلفات كيركجور مع عزض لمحتوياتها.

وهناك ترجمة ألمانية كاملة بعنوان :

- Soren Kierkegaards Gesammelte Werke hrsg. ٧. . 14. 201150ع und Chr. Schrempf. Jena, 1909 - 24.

p. 11.كذلك توجد ترجمة فرنسية كاملة (تقريبا) قام بها Tisseau

كير كيجارد، سورين أوبي

كير كيجارد، سورين أوبي (1813 - 1855م). فيلسوف ومفكر ديني دنماركي، يُعد أحد المؤسسين لمذهب الوجودية. وكان لآرائه الدينية وفلسفته وأدبياته أثر ملموس على بعض النصارى. حفلت كتبه العديدة بتفسير معنى الإيمان الديني النصراني. وعلى وجه الخصوص كان مهتمًا بالإجابة عن السؤال: ماذا يعني أن تكون نصرانيَّا حقًا؟.

أصبح كيركيجارد مقتنعاً بأن كثيرًا من النَّصارى يعتنقون النصرانية بطريقة صورية فقط، والذين يعتبرون أنفسهم نصارى لايمتلكون الإيمان المطلوب في الديانة النصرانية. وكثيرًا ما هاجم الكنيسة اللوثرية بالدنمارك قائلا بأن أعضاءها لايعتبرون نصارى.

حياته. عاش كير كيجارد معظم حياته تقريبًا في كوبنهاجن. ودرس في جامعتها. وكان مشغولا بكتاباته لدرجة أنه كان نادرًا ما يدعو أحدًا إلى منزله، ولكن كانت له جولات يتحدث فيها إلى أي شخص.

  1. ^ خطأ استشهاد: وسم <ref> غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة Dru